جرائم لإخفاء أخرى

جناة يضطرون لارتكاب أفعال بشعة لإقبار جريمة ما خوفا من اكتشاف أمرهم أعادت جريمة قتل طفل لم يتعد عمره خمس سنوات، إلى واجهة النقاش الجرائم التي ترتكب لإخفاء جريمة ما، فاختفاء الطفل يوسف عن منزل والديه بعد الاشتباه في قتله من قبل شقيقتيه وخاله، جريمة تمت بدافع الخوف من أن يفشي الطفل الصغير، شيئا ما يخفونه، ويعد ربما فعلا يجرمه القانون أو مسألة أخلاقية، على اعتبار أن الأبحاث مازالت مستمرة ولم تتأكد من نوع الجرم المرتكب، من قبل المشتبه فيهم. إنجاز: كريمة مصلي هي جرائم عديدة وبشعة تتنوع بين التعذيب والقتل والانتحار يلجأ إليها الجاني لإخفاء أمر ما، ظنا منه أنها الحل الوحيد لبقائه بعيدا عن المساءلة، غير أن المجرم دائما يحوم حول جريمة، على غرار ما وقع الأسبوع الماضي بسوق أربعاء الغرب، بعد قتل الطفل يوسف. غياب الاعتداء الجنسي بعد أيام من العثور على جثة الطفل يوسف، مرمية قرب المنزل الذي اختفى منه بدوار أولاد بن السبع بسوق أربعاء الغرب، وتناسل الشائعات حول اختفائه وربط بعضها بالاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، لم يكن أحد من محيط عائلة الطفل الضحية يظن أن الجاني أو بالأحرى الجناة، هم من المحيط المقرب، فكل الاحتمالات سارت في أن غريبا ما عن المنطقة هو من عمد إلى العبث بالطفل وقتله، ورغم أن المعاينة الأولية لم تظهر وجود أي اعتداء جنسي عليه، إلا أن الشكوك بقيت منصبة في الاتجاه نفسه إلى حين انتهاء الأبحاث الأولية، التي أجرتها الفرقة المحلية للشرطة القضائية بالمفوضية الجهوية للأمن بسوق أربعاء الغرب، بتنسيق مع المصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن القنيطرة، والتي أظهرت أن الجناة من عائلة الضحية، شقيقتاه اللتان تبلغان على التوالي 17 سنة و20، وخاله الذي يقطن معهم المنزل نفسه. وعكفت إجراءات البحث الميداني حاليا على تحديد الدوافع والخلفيات الحقيقية وراء ارتكاب هذه الجريمة، والكشف عن جميع ظروفها وملابساتها، مع الإشارة إلى أن الخبرات الطبية المنجزة بينت عدم تعرض الضحية لأي اعتداء جنسي. دوافع الجريمة غامضة كشفت بعض المعلومات الأولية بشأن الجريمة، أن خال الشقيقتين كان بمعيتهما ليلا بسطح المنزل، ربما يدخنون السجائر، بعد أن ظنوا أن البيت خال، على اعتبار أن والديهما ذهبا لعرس في منزل مجاور، مرفوقين بشقيقهما الأصغر، لكن ظهور الضحية بسطح المنزل أربك الثلاثة وأثار مخاوفهم من افتضاح أمرهم، وما قد يترتب عن ذلك من عقوبات شديدة، ودون التفكير في العواقب، قامت إحدى الشقيقتين بدفعه بالقوة ليتدحرج عبر الدرج إلى أن وصل إلى الطابق السفلي، وتزامن الحادث مع حضور خاله الذي سحله ما عجل بوفاته، وأمام ذلك الوضع ودون تفكير عمدوا إلى إخفاء الجثة وطمس معالم الجريمة، والانخراط في عملية البحث للتمويه، خاصة أن أصابع الاتهام لا يمكن أن توجه لهم. ظلم ذوي القربى كثيرة هي الجرائم التي يرتكبها أشخاص بدافع إخفاء جريمة ما، غير أن تلك التي تخص سوق أربعاء الغرب، تدخل في خانة الجرائم الأكثر بشاعة لا بالنسبة للطفل الذي لم يتعد الخامسة من عمره، ولا بالنسبة للجناة، الذين يفترض فيهم حمايته لا قتله والتسبب في الضرر الذي أصاب الأب والأم. في تصريحات إعلامية لوالد الضحية، أكد أن صهره الجاني كان رفقتهم في رحلة البحث عن الضحية، غير أنه كان يشعر بشيء ما يخبره أنه ربما هو وراء الجريمة التي لحقت بالطفل. صدمة الأب في الصهر كبيرة فهو يقطن معهم المنزل نفسه رغم حالة الفقر التي تعيشها العائلة، ويتقاسم معهم لقمة العيش، وصرح باعترافات خطيرة أن صهره سبق له أن تناول السم عندما حضر أشخاص لخطبة إحدى بناته، وهو ما أثار شكوكا، ساعتها بالنسبة إلى الأب سرعان ما تراجع عنها. جريمة مشابهة في ظل الجدل الذي أثارته جريمة سوق أربعاء الغرب، شهدت بوجدور جريمة مشابهة من حيث دوافع ارتكابها، بغرض إخفاء معالم جريمة أخرى، إذ أوقفت عناصر فرقة الشرطة القضائية بالمنطقة الاقليمية للأمن بالمدينة الأربعاء الماضي، شخصا من ذوي السوابق، يبلغ من العمر 28 سنة، للاشتباه في ضلوعه في القتل العمد في حق شقيقه وإضرام النار فيه عمدا بغرض إخفاء معالم الجريمة. وباشرت مصالح الشرطة صباح أول أمس (الخميس)، إجراءات معاينة جثة الضحية البالغ من العمر 22 سنة، بعد العثور عليها وهي تحمل آثارا للعنف، في أعقاب إطفاء حريق عمدي شب بمنزل أسرته بحي التنمية بالمدينة نفسها، قبل أن تظهر الأبحاث الأولية تعرض الضحية للقتل العمد المتبوع بإضرام النار عمدا. وأسفرت التحريات الميدانية المكثفة عن تحديد هوية شقيق الهالك باعتباره المشتبه فيه الرئيسي في ارتكاب هذه الجريمة، والتي تعكف حاليا الأبحاث على تحديد أسبابها وخلفياتها، قبل أن يتم إيقافه بعد مرور وقت وجيز، إذ تم الاحتفاظ بالمشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة، وذلك لتحديد كافة دوافع وأسباب ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية. التجريم التحوطي قال أشرف منصور جدوي، المحامي بهيأة البيضاء، إنه وقع التنبه من قبل المشرع لمثل هاته الحالات، إذ جرى التنصيص على سبيل المثال في الفصل 392 على أن كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤبد، لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين، إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى، وإذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة. وأضاف أنه يتضح من خلال النص أعلاه أنه أتى لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في بعض الجناة، ذلك أن الجريمة يمكن أن تقع عرضا، لكن أن ترتكب جريمة بدافع جريمة هنا كان لزاما التدخل التشريعي للحيلولة دون وقوع ذلك، أو على الأقل تقليص إمكانيات الوقوع. وأكد المحامي أنه تبعا للفصل 392 فجريمة القتل المسبوقة زمانيا بجناية أخرى أو المتزامنة مع القتل بمعنى أن الجنايتين معا وقعتا في الوقت نفسه، أو أن جناية أخرى ارتكبت بعد جناية القتل تجعل هذا الترتيب الزماني للجريمتين يشكل ظرف تشديد ويرفع العقوبة من السجن المؤبد إلى عقوبة الإعدام. وتأتي الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور لتتوسع وتشمل صورا إجرامية أخرى كأن يبتغي الجاني من وراء القتل الإعداد لجناية أو جنحة أو تسهيل ذلك، مؤكدا أن هذا هو ما يطلق عليه في أدبيات المادة الجنائية بالتجريم التحوطي أي أن المشرع يجرم تلك الصور على سبيل الاحتياط ولا يشترط ارتكاب جناية أو جنحة، بل يكفي فقط أن تكون جريمة القتل وقعت لإعداد ارتكاب جناية أو جنحة سواء تحققت الجنائية أو الجنحة أو لم تتحقق. وذكر جدوي، أن هناك مثلا صور أخرى مشابهة من صور التجريم وهي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، صورة تغيير معالم الجريمة، فكأنما المشرع هنا ميز بين مجرم متعاون مع العدالة ومجرم مرهق للعدالة، وهو ما جعله يجرم هاته الصورة، فالجريمة قد تقع لكن أن يقوم الجاني بالتمويه على البحث عن طريق العبث بمعالم الجريمة فذلك يفرض التدخل التشريعي لدرء أي تمويه محتمل من قبل الجاني، زيادة على أن ذلك التغيير أو العبث بمعالم الجريمة ينبئ عن خطورة إجرامية كامنة في شخص الجاني وجب التصدي لها. تفاعل "فيسبوكيين" تفاعلا مع الجريمة التي هزت منطقة سوق أربعاء الغرب، مساء الجمعة الماضي، والتي تورطت فيها شقيقتان بعد الإجهاز على طفل لم يكن سوى شقيقهما الأصغر رفقة قريبهما، بعد أن خشيت الفتاتان من فضيحة ضبطهما من قبل الضحية في موقف حرج، تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام انتقل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي. ومن خلال موقع التواصل الاجتماعي، توحد نشطاء العالم الأزرق في استنكار الأفعال الإجرامية المرتكبة وتسليط الضوء على خطورة التسرع في معالجة سلوكات وأخطاء بسيطة، يمكن أن تتحول إلى مأساة في حال عدم استحضار العقل وضبط النفس، متسائلين في الوقت نفسه عن دور التربية والإشراف على الأبناء والبنات ومصاحبتهم، خاصة في مرحلة المراهقة التي تحتاج إلى تقرب أولياء الأمور من فلذات أكبادهم والإنصات إليهم عوض الاكتفاء بدور الرعاية والتهذيب. وفي هذا الصدد اختارت "الصباح" عددا من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق. «أشنو ذنب داك الدري الصغير اللي مشى ضحية هباء منتورا؟ واش المحنة مشات من الخوت والخوال، لدرجة القتل وإخفاء ورمي الجثة؟، كيبان ليا ما بقات ثقة فهاد الوقت". هذه نتيجة عدم التربية بشكل صحيح، آن الأوان للأباء القطع مع حصر دورهم في الرعاية بتوفير المبيت والماكل والملبس والدراسة والزجر عند ملاحظة سلوكات غير سوية، الأبوة تتجاوز ذلك، فالتربية يجب أن تشمل تلقين الأبناء المبادئ الحسنة والتقرب منهم بإنشاء علاقة صداقة معهم، من أجل تحصينهم من تداعيات المراهقة ومختلف الشوائب التي تظهر في الحياة اليومية. «من المستحيل تصديق أن هناك أختا قد تقوم بقتل شقيقها أو خال يقرر إتمام الجريمة ويتفق مع المشتبه فيهما على إخفاء جثة طفل بريئ، في الحقيقة الواقعة صادمة وتجعل المرء مذهولا من هول ما صار يسمعه في زمن قلت فيه الإنسانية لحساب الوحشية". لو فكرت الشقيقتان في أن المشكل الذي يمكن أن يترتب عن إخبار الطفل لأبويه بما تفعله شقيقتاه، يمكن أن يُحل بطريقة سلمية، وأنه لا يستدعي كل هذا التصرف الإجرامي، لما ذهب الطفل ضحية القتل الغادر، لكن هذه نتيجة محاولات معالجة مشكل بمشكل أخطر منه. واقعة أربعاء الغرب تمخض عنها تعدد الضحايا، فإذا كان الضحية الأول هو الطفل الهالك، فإن الفتاتين اللتين مازالتا في عمر الزهور ضاع مستقبلهما في رمشة عين، دون نسيان الأبوين اللذين سيعانيان الأمرين بعد فقدان فلذة كبدهما المقتول ورؤية ابنتيهما خلف القضبان.

جرائم لإخفاء أخرى

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النقيب بوعشرين... الفنان

"فالنتاين" في زمن الأزمة

مقالات ذات صلة