fbpx
حوادث

محاضر الشرطة القضائية وإشكالية التوقيع

يكتفي الضابط باستعراض الوقائع دون تكييفها قانونيا

لاشك أن أول ما يستحضره كل متعامل مع القضاء، تلك الوثيقة التي تتمخض عن مرحلة ما قبل المحاكمة، والتي يحررها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة قيامهم بعملهم، المتجلي في التثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة حولها، وإلقاء القبض أو إيقاف كل شخص له علاقة بالفعل الجرمي. وتتجلى الأهمية الحيوية التي تحظى بها تلك الوثيقة، ليس فقط وسيلة إثبات، وإنما آلية سخرت لإنجازها سلطات واسعة بيد ضباط الشرطة القضائية. وللتأكيد فقط، يمكن القول إن ضباط الشرطة القضائية كما عرفتهم المسطرة الجنائية في المادة 19، يدخلون إما ضباطا سامين للشرطة القضائية أو ضباط الشرطة القضائية، بمن فيهم جنود الدرك أو أعوان في هذه الشرطة وموظفون وأعوان مكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية، بمقتضى نصوص خاصة.
الحلقة الثانية

أما الاختصاص المكاني لضباط الشرطة القضائية، فقد حدده الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية، في الحالة العادية بدوائر الاختصاص الإقليمي المحدد لهم حسب وظائفهم، وإذا عاق أحدهم عائق، فإن مندوب المقاطعة المجاورة يقوم مقامه، إلا أن هذا الاختصاص يمتد استثنائيا خارج دائرة عمل ضباط الشرطة الأصلي في حالة الاستعجال أو بطلب من السلطة العمومية حسب الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية، على أن هناك نصوصا أخرى تلزم ضباط الشرطة القضائية بالتدخل في الحالات الاستعجالية، ولو دون أمر من السلطة العمومية مثل المادة 40 من المرسوم المكون للنظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة الأمن الوطني 23/12/75، والمادة 12 من قانون الدرك الملكي.
وعلاوة على الاختصاص المكاني الموسع في حالة الاستعجال، فالمشرع مدد اختصاصات مندوبي الشرطة العاملين بدائرة واحدة مقسمة إلى عدة مقاطعات إلى مجموع الدائرة التي يعملون بها (مادة 22 م.ج).
ويمكن القول أيضا، بأن قاعدة الاختصاص الترابي الثلاثي في الميدان الزجري تخول هذا الاختصاص لكل من ضابط الشرطة القضائية، الذي وقع في دائرة نفوذه الجرم، وتلك التي يقيم فيها المجرم أو أحد شركائه، وتلك التي تم فيها إلقاء القبض عليه أو على أحد هؤلاء، ولو كان ذلك من أجل ارتكاب جريمة أخرى، فهذه إذن، كلها احتياطات لسد الثغرات التي يمكن أن تلابس الاختصاص المكاني، ليكتسي عمل ضابط الشرطة القضائية أقصى ما يمكن من الفعالية.

الفقرة الثانية: احترام شكل المحضر القانوني
أول شيء يمكن الحديث عنه، هو أن المحضر وثيقة مكتوبة، لذلك لا مجال للحديث عن المحاضر الشفوية أو المسجلة بوسيلة مرئية أو صوتية. بل أكثر من ذلك، نجد بعض النصوص الخاصة تلزم تحرير المحضر وكتابته بخط اليد (المادة60 من ظهير10/10/1917المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها). والأصل أن يتم تحرير المحضر باللغة العربية، لأنها لغة المرافعات أمام المحاكم وهي اللغة الرسمية للبلاد. كما يجب تضمين المحضر البيانات التالية كما حددتها المادة (24 ق.م.ج):
– اسم محرر المحضر، إذ لا قيمة لمحضر يجهل محرره لما ينتج عن ذلك من غياب المراقبة القضائية في حالة جهل اسم محرر المحضر.
– صفة محرر المحضر، فالصفة هي التي تمكن من التأكيد من توفره على صفة ضابط الشرطة القضائية، ويشار إلى ذلك مثال:
– نحن الرقيب الأول فلان ضابطا للشرطة القضائية.
– مكان عمل محرر المحضر، أي الإشارة إلى الوحدة الإدارية الملحق بها كدائرة شرطة القضائية، أو مركز الدرك الملكي.
– توقيع محرر المحضر، أي توقيع ضابط الشرطة القضائية، وليس مساعده كاتب المحضر، وتتجلى أهمية التوقيع في تسهيل تحديد المسؤوليات في ما يتعلق باختصاص محرر المحضر.
– تاريخ وساعة إنجاز الإجراء، ذلك أن الكثير من الإجراءات المسطرية محددة بالساعة، كالحراسة النظرية وتفتيش المنازل، وللتاريخ أهمية في احتساب أجل التقادم.
وإذا تعلق الأمر بمحضر الاستماع إلى شخص، سواء كان متهما أو مشتبها فيه، أو شاهدا أو ضحية أو مجرد مصرح فيجب إدراج البيانات التالية:
– ضرورة إدراج هوية الشخص المستمع إليه بالمحضر، ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء، وتدون بمحضر الاستماع التصريحات التي يدلي بها المصرح والأجوبة التي يرد بها على أسئلة ضابط الشرطة القضائية، وليس ضروريا تدوين الأسئلة نفسها. وينبغي إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه.
ويقرأ المصرح تصريحاته بنفسه، أو تتم قراءتها عليه، ويشار إلى ذلك بالمحضر. وإذا تم إدخال تغييرات أو إضافات أو ملاحظات على أقواله، تدون أيضا بالمحضر أو يشار إلى عدم وجودها، كقوله مثلا:” بعد أن تلا تصريحاته بنفسه أو تليت عليه تمسك بها ولم يبد أي ملاحظة بشأنها”.
وفي الأخير، يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر، وعلى الإضافات ويدون اسمه بخط يده إلى جانب التوقيع، وإذا كان لا يحسن الكتابة التوقيع يضع بصمته ويشار في المحضر إلى ذلك. وفي حالة رفضه التوقيع أو الإبصام أو عجز عن ذلك فيشار إلى ذلك. وفي حالة تحرير محضر الاستماع إلى شخص وضع تحت الحراسة النظرية، فيجب تضمينه يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص، كما تقضي بذلك المادة 67 (ق.م. ج).
إضافة إلى كل ما سبق يجب أن يتضمن المحضر البيانات التالية:
– تحديد طبيعة المحضر هل محضر تفتيش أو استجواب أو معاينة.
– تحديد الإجراء القانوني المنجز خلاله المحضر، هل بحث تمهيدي أم إنابة قضائية أم تلبس.
– في حالة الإنابة يذكر اسم القاضي المكلف بالتحقيق.
وإذا لم يحترم المحضر هاته الشروط أو بعضها، فإنه يفقد قوته الثبوتية ويصبح مجرد معلومات غير ملزمة للقاضي المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية. وصرح في المادة (289 م.ج) بأنه: “لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته، ما عاينه وتلقاه شخصيا في مجال اختصاصه”، وقد أكد ذلك قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط بقوله:” إذا افتقرت المحاضر للشكليات الأساسية فإن مبدأ الاستئناف، ينهار وتنعدم صلاحياته وتصبح غير قابلة للاطمئنان إليها واستخلاص قناعة على ضوئها. وإن القضاء بوصفه ضامنا للحقوق والحريات يثير ولو من تلقاء نفسه عدم صحة سلامة الإجراءات سيما عند الحرمان من الحرية”.

الفقرة الثالثة: الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الإنجاز
يتجلى الالتزام بالوصف الموضوعي في ضرورة تضمين المحضر ما عاينه الضابط بنفسه أو ما تلقاه من تصريحات، وكذلك العمليات التي قام بها أثناء مزاولته لمهامه دون إبداء وجهة نظره، بحيث يكتفي باستعراض الوقائع دون تكييفها قانونيا، لأن هذا ليس من اختصاصه. بل من اختصاص القضاء، غير أنه إذا تضمن المحضر إضافة من هذا النوع فهي تعتبر والعدم سواء. ولا تؤثر على صحة المحضر، ولا تلزم أبدا الجهات القضائية.

*طالب باحث في العلوم القانونية
كلية الحقوق أكدال الرباط


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.