الرقية الشرعية… نصب واغتصاب

ممارسوها يشكلون خطرا بلجوئهم إلى النصب والعنف الجسدي والجنسي ضد النساء والفتيات عادت ظاهرة "الرقية الشرعية"، خلال السنوات الأخيرة، إلى الواجهة، وأصبحت متفشية في الأوساط الاجتماعية بطريقة لافتة للانتباه، وشملت حتى الأشخاص الذين بلغوا مستوى عاليا من التعلم، بعدما كانت لصيقة بفئات شعبية تستطيع بالكاد ضمان الحد الأدنى من المعرفة للتعايش مع متطلبات الحياة، ما شجع الكثير من الشباب، أغلبهم من ذوي المرجعية السلفية، على فتح بيوت وحوانيت لممارسة النصب على ضحاياهم من النساء والفتيات واستغلالهن ماديا وجنسيا، قبل أن يقعوا رهن الاعتقال ويزج بهم في غياهب السجون. إنجاز: المختار الرمشي (طنجة) تعتبر منطقة الشمال الأكثر تسجيلا لهذا النوع من الجرائم، التي تورط فيها فقهاء وشيوخ ينتحلون صفة مختصين في العلاج بواسطة "الرقية الشرعية"، وأصبحوا منافسين حقيقيين للمستشفيات ولعيادات الأطباء المتخصصين في الأمراض العقلية والنفسية، خاصة بعد أن أصبح هؤلاء "الرقاة" لديهم وعي بما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من قدرة كبيرة على جلب أعداد متزايدة من الزبناء، خاصة الفتيات والنساء اللواتي يعانين التأخر في الزواج أو الولادة، ويؤمن بالمس والسحر و"التابعة" في حياتهن الشخصية والعملية، لاسيما في ظل "التساهل" الذي تبديه السلطات العمومية مع هذه الممارسات، والسماح لأصحابها بفتح مراكز، إما ببيوتهم أو داخل حوانيت غير قانونية لممارسة النصب والاعتداء على ضحاياهم جنسيا، تحت تأثير السحر أو باستعمال العنف والتهديد. راق يطيح بـ 11 ضحية استفاق سكان طنجة، صباح اليوم الأول من السنة الجارية (2023)، على فضيحة أخلاقية، حين أعلنت المصالح الأمنية عن اعتقالها لأحد الرقاة الشباب بالمدينة، على خلفية شكاية تقدمت بها شقيقتان يتهمانه بالاعتداء عليهما جنسيا، بدعوى إخضاعهما لحصص "الرقية الشرعية"، بعد أن تمكن من استقطابهما إلى منزل يقع بحي الجيراري بمنطقة بني مكادة بوسط المدينة، الذي يستقبل فيه النساء والفتيات الراغبات في خدماته، التي يروج لها عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وقناة خاصة على "اليوتيوب". وفي سياق البحث المنجز على ضوء هذه القضية، قامت عناصر الشرطة القضائية بعملية تفتيش شقة المعني، فعثرت على مجموعة من الأدوات والتمائم التي تستعمل في أفعال الشعوذة، إضافة إلى حجز خمسة هواتف محمولة تحتوي على محتويات رقمية للأفعال الإجرامية المنسوبة إليه، ليتم عرضه على الوكيل العام لدى استئنافية المدينة، الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق لاستنطاقه تفصيليا، حول التهم الموجه إليه. ومباشرة بعد افتضاح أمر "راقي طنجة"، البالغ من العمر 29 سنة، وصار حديثا متداولا على كل لسان، تقاطرت على النيابة العامة ومصالح الأمن عدد من الشكايات العاجلة ضده، بلغت في مجموعها 11 شكاية تقدمت بها فتيات ونساء، يوجد من بينهن متزوجات، يتهمنه فيها بهتك عرضهن أثناء قيامه بحصص الرقية الشرعية، بعضهن ذكرن أنهن سلمن له أنفسهن في مكان مغلق، وهن في حالة غير طبيعية، وبعضهن أكدن أنه مارس الجنس عليهن تحت طائلة العنف التهديد. المشتبه فيه أنكر عند التحقيق معه كل التهم الموجهة إليه، وتتعلق بـ "النصب والاحتيال عن طريق الشعوذة وهتك العرض والخيانة الزوجية"، واعتبر أن كل ما جاء على لسان الضحايا مخالف للحقيقة، مؤكدا أن المشتكيات مارسن الجنس معه برضاهن ودون أي عنف أو إكراه، إلا أن قاضي التحقيق لم يأخذ بأقواله، لاسيما بعد مواجهته ببعض المشتكيات، اللواتي أكدن مضمون شكاياتهن وتشبثن بمتابعته، وأمر بإيداعه السجن المحلي والاحتفاظ به رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار عرضه على الغرفة الجنحية التلبسية التأديبية بابتدائية المدينة، لمحاكمته طبقا للقانون. 7 سنوات لراق بطنجة ومن بين القضايا المثيرة التي عرضت على غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية طنجة، قضية أحد الرقاة المشهورين بالمنطقة، الذي استغل منصبه فقيها يشرف على تحفيظ القرآن بمسجد بضواحي المدينة، ليتمكن من ارتكاب جرائم في حق عدد من النساء اللواتي قصدناه، بحثا عن الشفاء من "أمراض روحية"، ومارس عليهن الجنس بكل يسر وسهولة باستعمال السحر والشعوذة. واعتقل الفقيه، المدعو (م.ج)، بناء على شكاية تقدمت بها ضده متزوجة وأم لطفلين، ذكرت فيها بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل فقيه قصدته بمحض إرادتها لمساعدتها على الشفاء من مرض نفسي يتسبب لها في الخوف والاضطراب والهلوسة، بعد أن أشارت إليها عدد من النساء، أنه يملك القدرة على علاج مجموعة من الأمراض وحل المشاكل الصحية المستعصية على الأطباء. وأوضحت الزوجة المغتصبة، في شكايتها أن الفقيه، وهو متزوج وله 9 أبناء، قام بتنويمها داخل منزله المعد للسحر والشعوذة، بعد أن تلا عليها آيات من القرآن، وبادر إلى اغتصابها وممارسة الجنس عليها وهي في حالة غيبوبة، مشيرة إلى أنه كرر ممارساته عليها عندما زارها ببيت عائلتها واختلى بها بغرفة نومها، مدعيا أنه يعمل على إتمام مراحل العلاج. وأوضحت الضحية، أنها اكتشفت أفعال الفقيه الشيطانية، بعد أن أثار انتباهها وجود آثار لسائل منوي بفرجها وملابسها الداخلية، ما جعلها تبادر إلى إخبار أسرتها وزوجها، الذي رفع شكاية في الموضوع إلى النيابة العامة المختصة، التي أمرت باعتقال الفقيه للبحث معه حول فحوى الشكاية المرفوعة ضده، قبل عرضه على أنظار العدالة. وحظيت جلسة محاكمة الفقيه "الشيطان"، التي دامت أزيد من أربع ساعات متتالية، باهتمام كبير من قبل جمهور غفير من المواطنين، الذين استمعوا بشغف لتصريحات المتهم، وهو يسرد أمام المحكمة تفاصيل وكيفية استدراجه لضحاياه من النساء وممارسة الجنس عليهن بعد الاختلاء بهن وتنويمهن، لتحكم عليه الهيأة القضائية بسبع سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم، لفائدة الضحية. وجوب تدخل السلطات عبد اللطيف رزوق * طفت على السطح وقائع اعتداءات لمن يدعون أنهم رقاة على ضحايا من النساء، بلغت حد الاغتصاب، بماذا تفسرون هذا النوع من الجنوح الإجرامي؟ > لا بد من الإشارة إلى أن ما يقوم به هؤلاء المشبوهون من اعتداءات، أصبح متشابها، خصوصا أن حالات سجلت بالبيضاء وطنجة وبركان وغيرها من المدن، ما يعني أن الجرائم تواترت بمجموعة من النقط المتباعدة جغرافيا، وهو ما يدق ناقوس الخطر، ويتطلب تدخل السلطات للحد من أنشطة هذه العينة التي اتخذت من أمراض الناس وجهلهم، مطية ليس لتحقيق مكاسب مالية فحسب بل وكذا لإفراغ المكبوتات الجنسية بطرق وحشية تحت ذريعة العلاج من المس أو غيره. فالأمن الوقائي، خير من التدخل بعد وقوع الاعتداءات، خصوصا أن هؤلاء الدجالين أصبحوا يفتحون محلاتهم على مرأى ومسمع من السلطات ويسمعون حصصهم لسكان الجوار عبر مكبرات صوت. بم تفسرون تنامي هذا النوع من الجنوح الإجرامي؟ > إن هذا التنامي يعود بالأساس إلى استغلال الثقة الزائدة للجناة في أنفسهم، ولعبهم على أوتار حساسة من قبيل أن الضحية لن تبوح بما يقع لها، خوفا على سمعتها، وكذلك للاعتقاد بأنها لن تستفيق من حالة السيطرة على العقل والجسد، التي تكون عليها بعد أن تستلم للمشبوه، تحت ذريعة العلاج الروحاني أو الشرعي، فالاستغلال الماكر للدين يلعب دورا في السيطرة على الضحية، لكن الحيلة لا تنطلي دائما وغالبا ما تعود الضحية إلى رشدها أو تجد من ينبهها إلى أن ما يمارس عليها ليس علاجا بل اغتصابا لتسبر مساطر متابعة المتهم. هل يكفي القانون لردع المشكوك في أمرهم؟ > لا يكفي القانون دائما للردع، بل ينبغي أن يواكب ذلك التحسيس والتوعية، فالمشرع لم يترك المجال فارغا، ورأينا أن بعض المتهمين من الرقاة توبعوا بجناية الاتجار بالبشر، وفق مدلول الفصل 448 من القانون الجنائي، لاستغلالهم المرض والضعف والهشاشة قصد الاستغلال الجنسي، بمعنى أن العقوبات ليست متساهلة مع هذا النوع من الجرائم. إذن الشق الثاني، المتعلق بالتوعية والتحسيس من مخاطر هؤلاء، متوقف على وسائل التنشئة الاجتماعية والسوشل ميديا، لإيصال الرسائل إلى العموم والتحذير من مخاطر الوقوع في أيدي هذه الفئة التي لا علاقة لها بالدين أو بالعلاج، بل همها جمع الأموال بالاحتيال والانقضاض على الضحايا لاستغلالهن جنسيا. * محام بهيأة البيضاء تـــزايـــد فـــضــائــح الــــرقــاة أثارت فضائح الرقاة، التي أصبحت تتزايد بشكل ملفت خلال السنوات الأخيرة، استياء عميقا وردود أفعال غاضبة وسط كل المغاربة، الذين أجمعوا في تعليقاتهم وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وأنستغرام...)، أن "الرقية الشرعية وجدت بالمغرب لدى الفقهاء والزوايا والأضرحة منذ قرون طويلة، إلا أنها تحولت إلى ظاهرة مشينة مع وصول الفكر السلفي الوهابي إلى المملكة في الثمانينات من القرن الماضي". وخرج حقوقيون لتأييد العقوبات الصادرة في حق من يلقبون أنفسهم رقاة يستغلون المخزون الديني في لاشعور الناس، فيأكلوا أموالهم بالباطل ويعبثوا بالأعراض، خاصة بالعالم القروي، مشددين على أهمية إشهار مثل هذه القضايا والأحكام الصادرة في حق هؤلاء الدجالين، والدور الذي يلعبه الإعلام في هذا الجانب. وكتب عبد الله الزايدي، حقوقي بعاصمة البوغاز، في تعليق له على محاكمة "راقي طنجة"، الذي اعتقل، أخيرا، وينتظر أن تبت غرفة الجنايات بالمدينة في التهم الموجهة إليه، "وصلنا إلى درجة أن الرقاة بدؤوا يحاكمون ويعرضون أمام القضاء، في وقت كان فيه الفقيه أو الشيخ يعتبر شخصا مقدسا، وبالتالي سيكون للحكم دور في فضح مثل هؤلاء الأشخاص وإزالة الهيبة عنهم". كما علقت فاطمة الدكالي، وهي جمعوية مهتمة بقضايا العنف ضد النساء، على هذه الظاهرة، التي أصبحت تتحكم فيها العديد من العوامل المتداخلة، من بينها السلطات العمومية التي تتساهل مع هذه الممارسات، على اعتبار أن هؤلاء الرقاة أصبحوا يشتغلون بـ "العلالي"، إما بواسطة إعلانات مباشرة أو صفحات على شبكة الانترنت، أو بوضع أرقام هواتفهم الشخصية في الحدائق العمومية وكتابتها على جدران المنازل. فيما استنكر نور الدين الزبخ، استغلال هؤلاء الفقهاء للفتيات الصغيرات وأسرهن، نظرا لأن عموم المغاربة يعتبرون أن هؤلاء الأشخاص "فيهم البركة" ويخلقون طمأنينة روحية، وهو ما يجعل الشخص يفقد الثقة في العلم والطب الحديث، ويركن إلى الخرافة، مبرزا أن وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، ساهمت في إشاعة هذه الممارسات.

الرقية الشرعية… نصب واغتصاب

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"نوار" التذاكر يشعل قمة الوداد والهلال

ماما آسية... أيقونة العدالة

مقالات ذات صلة