النصب باسم القصر…”الطمع طاعون”

أشخاص يسيل لعابهم أمام بطائق "الشرفاء" المزورة والمحتالون يتقنون الأدوار كثيرة هي وقائع النصب باسم القصر الملكي، حيث تتفتق عبقرية العديد من المحتالين، فيصنعون وثائق وبطائق مهنية للانتساب إلى الأسر الشريفة، وبأنهم يشتغلون داخل رحاب البلاط، فيعبدون طريقهم لإسقاط ضحايا يرغبون في الحصول على مناصب وظيفية أو امتيازات، بلغة إقناع مؤثرة. لكن النهاية تكون مأساوية حينما تضيع أحلام هؤلاء الطامعين، بعدما يتوارى المحتالون عن الأنظار. إنجاز: عبد الحليم لعريبي أعادت واقعة إيداع نصاب كبير بسلا، باسم القصر الملكي بالرباط، السجن بداية الأسبوع الجاري، من جديد وقائع النصب بهذه الطريقة إلى الواجهة، إذ لم يمض على سقوط شريكه في واقعة مشابهة سوى أسابيع، حتى وفرت عنه عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني "ديستي" معلومات وثيقة تفيد تحركه بأجهزة اتصالات لا سلكية "تلكي ولكي" وسط أحياء شعبية بالمدينة، ويقدم نفسه بصفة مكلف بمهمة بالقصر الملكي، بعدما توارى عن الأنظار، منذ بداية مارس من السنة الماضية. وسقط شريكه الذي اعتبر بدوره بمثابة صيد ثمين وفرت عنه كذلك "ديستي" معلومات وثيقة، ويتعلق الأمر بمبحوث عنه بالفرار من الجندية من قبل المحكمة العسكرية، كان ينتحل صفة "ليوتنان كولونيل" بالقصر الملكي، وموه مؤسسات عسكرية حساسة، بعدما كان يلج إليها بزي نظامي، ضمنها المستشفى العسكري محمد الخامس للدراسات، بعدما ولج إليه رفقة ضحيتين، وقدم له أفراد المستشفى التحية العسكرية وعاملوه معاملة خاصة، أمام أنظار الضحيتين اللذين كانا مرشحين للولوج إلى القوات المساعدة، وأنجزت لهما تحاليل. وبعدما وفرت عناصر "ديستي" المعلومات من أن الضابط السامي المزور يجالس ضحية بمقهى بسلا الجديدة، حتى داهمته عناصر الفرقة الحضرية للشرطة القضائية ببطانة تابريكت، ليتأكد لهم أن شابا ووالده كانا يستعدان تسليمه مبلغ خمسة ملايين سنتيم، مقابل تهجير الشاب، بعد تفتيش شقته المفروشة بإقامة ديار بجماعة احصاين، التي يكتريها ب5000 درهم. محجوزات أسالت لعاب الطماعين حجز ضباط الشرطة زيا رسميا وهو بذلة خضراء، خاصة بفوج المشاة الذي يخص الضباط السامين، تحمل شارة صدرية معدنية وبها نياشين تخص رتبة "ليوتنان كولونيل"، وقبعة تتوسطها نجمة معدنية وبطاقة العضوية خاصة بالشرفاء الأدارسة تحمل لقبه "سيدي حسن عزيزي مكلف بمهمة الشريف صحيح النسب"، وبطائق أخرى، ضمنها تعاضدية القوات المسلحة الملكية، إضافة إلى شيكات ووثائق سيارة "مرسيدس"، ووثائق أخرى عبارة عن مجموعة من الحوالات المالية المرسلة إليه، وملفات تضم وثائق وشهادات تخص خمس ضحايا، وثلاث نسخ لمساطر صدرت فيها أحكام قضائية. وأظهرت تحقيقات الأمن أن الموقوف (ح.ع) المزداد في 1991 بإقليم خنيفرة، كان يتنقل بين المدن وهو يرتدي زي الكولونيل حتى لا يتم توقيفه بالسدود القضائية للتحقق من هويته، مستعملا وظيفة وهمية بالقصر الملكي وبالمكتب الخامس، سيما أنه كان على علم بإصدار مذكرة بحث في حقه من أجل الفرار من الجندية، وتبين بعد تنقيط اسمه أنه موضوع خمس مذكرات بحث صادرة في حقه من قبل الأمن الإقليمي بسلا ودرك خنيفرة ومولاي بوعزة، كما كان يرتدي الزي النظامي، كلما التقى ضحية يرغب في قضاء أغراضه الإدارية أو التوظيف، وسقط معه شريكه داخل المقهى لتتم إحالته معه، وقرر وكيل الملك الاحتفاظ بهما رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن العرجات 1، ووجه إلى الكولونيل المزور جرائم انتحال صفة ينظمها القانون والتزيي علنا بغير حق بزي نظامي وادعاء لقب بغير وجه حق والتزوير واستعماله وعدم توفير مؤونة شيك عن تقديمه للأداء والنصب والمشاركة فيه، كما وجه إلى شريكه النصب والمشاركة فيه، وحددت لهما المحكمة الاثنين المقبل موعدا للمحاكمة. تعيين مزور باسم التشريفات لكن الفضيحة التي أثارت المداد قبل شهر، سقوط أخطر نصاب في أيدي عناصر القسم القضائي الخامس بالفرقة الحضرية للشرطة القضائية بمنطقة سلا المدينة، إذ كان يتحرك بهوية مزورة، بعدما نصب على ضحايا وأوهمهم بوجود مناصب شاغرة بالقصر الملكي بالعاصمة، واستخرج وثيقة مزورة باسم مديرية القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، على أنها قرار تعيين لإطار بالتعليم العالي. وتسلم الإطار القرار على أساس تعيينه "رئيسا لمصلحة التدبير والمحاسبة بقسم الشؤون العامة لموظفي القصر الملكي بالرباط"، وبعدها تبين له وقوعه في فخ النصب والاحتيال، وأن الوثيقة مزورة، إذ تخلى الإطار عن نجاحه بسلك القضاء، وطمع في منصب رئيس المصلحة بالقصر، بعدما أوهمه الفاعل أنه مسؤول أمني رفيع بالقصر الملكي. وأقر الضحية سواء في شكايته أمام الضابطة القضائية وأيضا النيابة العامة، أن النصاب كان يستقبله وهو يحمل سلاحا وظيفيا للأمن وأصفاد حديدية، باعتباره مسؤولا عن فرقة تابعة لجهاز استخباراتي، مضيفا أنه لم يتسن له هل المسدس حقيقي أم بلاستيكي، مؤكدا له نفوذه الكبير وأنه على علاقات بشخصيات نافذة، كما أوهمه أن منصبا شاغرا بمصلحة التدبير والمحاسبة بقسم الشؤون العامة لموظفي القصر الملكي، وتسلم منه مبالغ مالية مهمة قدرها 35 مليون سنتيم، مقابل تعيينه في هذا المنصب. وبعدما توفرت الشرطة القضائية على معلومات تفيد أن النصاب يقطن بحي المكسنية بسلا داهمت بيته، ليتبين لها أن الأمر يتعلق بمحتال خطير (م.ا) من مواليد 1975 بعين عودة، وحجزت حاسوبا وهواتف وشهادات طبية موقعة على بياض وملفات طبية ووثائق عقار بالجديدة وقانونا أساسيا لشركة، وجرى الاستماع إلى زوجته لكن لم يتم العثور عليه، وبعدها وفر الضحية معلومات تفيد أن النصاب يتردد على منازل أخرى بحي اشماعو بسلا ودوار أولاد العياشي ببوقنادل، وبتنسيق مع عناصر الدرك الملكي وعون سلطة جرت مداهمة منزل ببوقنادل، فتبين أنه متزوج من ثانية منذ أربع سنوات دون علم الأولى بعقد زواج مزور موقع عليه، عبر تقليد توقيعات مسؤولين قضائيين وجماعيين، وأنه يحمل عنوان "المحكمة الشرعية لقاضي التوثيق بعمالة سلا"، وأنه أنجز العقد بمكتب عدل بحي أكدال بالرباط، فاعترف الموقوف في شأنه أنه يحمل بيانات كاذبة، كما تبين من خلال الأبحاث التمهيدية التي بوشرت معه منذ ثلاثة أيام بعد تمديد الحراسة النظرية له، أن لا علم للزوجة الأولى بزواجه، وأصرت على متابعة الثانية قضائيا. لكن المثير في الفضيحة أن الموقوف أقر أنه ضحية بدوره من قبل شخصين آخرين، أصدرت في حقهما الضابطة القضائية مذكرتي بحث، أوهماه بدورهما أنهما مسؤولان بالقصر الملكي، وأنه سلم بدوره لهما مبالغ مالية مهمة مقابل استفادته من مشروع سكني، ولم يتأكد المحققون من صحة ذلك، واستمعت الضابطة القضائية إلى ضحايا آخرين. نهايات مأساوية هي وقائع تبقى متشابهة غايتها تبرر وسيلتها، سيما في وجه الطامعين في الحصول على امتيازات وترقيات ووظائف، إذ بمجرد أن يشهر النصاب بطاقة مكتوب عليها اسم فصيلة من الشرفاء وبضرورة توفير الاحترام والوقار لحاملها حتى يطمع الضحايا في تحقيق أحلامهم، لكن النهايات تكون مأساوية، بعدما يتوارى منتحل الصفة بالقصر الملكي عن الأنظار، أو تسجل في حقه شكايات بمدن مختلفة. منقار: يجب معاقبة الجميع قال إبراهيم منقار المحامي بهيأة الرباط، إن النصب باسم القصر الملكي والسلاطين، تعتبر ظاهرة قديمة، استعملها أشخاص لقضاء مآربهم. واستدل منقار رأيه بواقعة تفجرت قبل عقود من الزمن بطلها النصاب الشهير ب"سلطان باليما" بالرباط، الذي كان يقوم بطقوس مخزنية بشارع محمد الخامس بالعاصمة، وكأنها طقوس حقيقية، من أجل التأثير على ضحاياه، وجرى سجنه أكثر من مرة، وكلما أفرج عنه يعود إلى طريقته المعتادة، مؤكدا أن المحاكم تعرف بين الفينة والأخرى عرض ملفات قضائية من هذا القبيل، رغم حصول التطور القائم. وشدد المحامي على أن وقائع النصب والاحتيال في مثل هذه القضايا في وقتنا الراهن تطورت أساليبها مع تطور الزمن، لكن يجب أن يتابع قضائيا حتى من يسمون أنفسهم مشتكين متضررين، مشيرا إلى أن الضحايا المزعومين يساهمون بدورهم في ارتكاب هذه الجرائم حينما يقبلون بدفع رشاو لقضاء أغراضهم، من قبيل الحصول على وظائف، أو حل ملفات معروضة على القضاء ومختلف الإدارات، أو الإفلات من العقاب. ونبه المحامي نفسه إلى أن مدونة القانون الجنائي الجديد المزمع إخراجه إلى حيز الوجود، يجب أن يتضمن عقوبات حتى للأطراف الراغبة في حل مشاكلها لأنها تساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في استشراء الفساد، وفي الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص والحياد والتجرد والنزاهة، مضيفا أن متابعة هؤلاء ستحد نسبيا من وقائع النصب وانتحال الصفات، التي ينظمها القانون والتزوير في وثائق تصدرها الإدارات العمومية والتزوير أيضا في أختام الدولة. "الطماع يقضي عليه الكذاب" تفاعل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تعليقاتهم مع وقائع سقوط محترفي النصب والاحتيال باسم القصر الملكي، بكتابات ملخصها "أن الطماع يقضي عليه الكذاب"، كما استعمل العديد من المتفاعلين مع الموضوع الذي عرف اهتماما كبيرا من قبل المتتبعين، عبارات الاستهزاء من الأشخاص الضحايا. وبرر جمال اميغو في تعليقه بعبارة "الطمع طاعون حينما يريد الشخص الحصول على كريمات وغيرها لرفع ثروته فيأتي ليحصد ما حلم به"، في إشارة إلى استيلاء محترفي النصب على فئات واسعة ترغب في قضاء مآربها عبر التأثير عليها بخرق القانون. أما سعيد فتفاعل بدوره مع قضية النصب الجديد باسم القصر الملكي بأنها ظاهرة تسعى لتكريس جريمة النصب بتأكيدات خادعة، من أجل الاستيلاء على ثروة الغير بعبارة "لكذب عليكم تيقوه أنه خدام في القصر، وحتى لو كان ذلك فإنه لن يستطيع توظيف أي شخص". أما وليد فكان له رأي آخر، حينما طالب بإنزال أقصى العقوبات الزجرية في حق هذه الشريحة، التي تستخدم رموز المملكة وشرفاءها لتحقيق مصالح شخصية، عبر ارتكاب جرائم النصب والاحتيال وانتحال صفات ينظمها القانون "هذا خاصو أقصى العقوبات" يقول وليد.

النصب باسم القصر…”الطمع طاعون”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشطر الخامس بسيدي بوزيد... مستودع قتلى

منسيون خارج التنمية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات