إخفاء المعالم… وهم الجريمة الكاملة

جناة يختارون التقطيع وحرق جثث ضحاياهم بغاية الإفلات من العقاب تعرف الجريمة الكاملة بأنها الجريمة التي أحكم تخطيطها وتدبيرها وتنفيذها على نحو لا يترك للبحث الجنائي أي فرصة لكشف غموضها مهما طال زمن البحث فيها، ويؤمن أصحاب هذه النظرية بأن هنالك العديد من الجرائم الكاملة التي تم ارتكابها في أنحاء متعددة في العالم، ومن المظاهر الكثيرة التي يعمد الجناة إلى تطبيقها من أجل الوصول إلى الجريمة الكاملة تغيير وإخفاء معالم الجريمة، خاصة في جرائم القتل التي يعمد بعض الجناة إلى حرق جثث ضحاياهم أو تقطيعها أو حتى سلخ جلدهم وإتلاف البصمات، غير أنه رغم كل ذلك لا بد أن يظل خيط رفيع يجعلها غير مكتملة. إنجاز: كريمة مصلي على بعد أيام قليلة اهتزت أكادير على وقع جريمة بشعة ذهب ضحيتها شاب في العشرينات من غمره، اختفى عن الأنظار لأزيد من ثلاثة أيام لتكتشف جثته محروقة بطريقة بشعة، من قبل شخص يبلغ من العمر 27 سنة، ابن برلماني بجهة درعة تافيلالت. خلافات مالية أظهرت الأبحاث والتحريات أن الجريمة تعود أسبابها إلى خلافات حول معاملات مالية تتعلق بالتجارة الإلكترونية، إذ دفعت رغبة القاتل في التخلص من دين في ذمته لفائدة الضحية الذي كان يطالبه بأداء 372 مليون سنتيم، إلى التخطيط للقيام بعملية تصفية الهالك وتفادي إزعاجه، ولإنجاح خطته الإجرامية، اتصل صباح الاثنين الماضي بالضحية لاستدراجه عن طريق إيهامه في مكالمة هاتفية بأنه سيدفع له جزءا من المبلغ الذي في ذمته، وحدد معه موعدا للقاء به في منطقة قروية "تماعيت" التابعة لجماعة الدراركة، إذ بعد الاستفراد به باغته باعتداء جسدي، قبل إزهاق روحه بخنقه بحبل مطاطي. فك شفرات جثة متفحمة أحالت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بأكادير على أنظار النيابة العامة المختصة، الأحد الماضي، المشتبه في تورطه في جريمة القتل العمد، مع حرق الجثة في محاولة لإخفاء معالم الجريمة، بعد أن تمكنت بتعاون وثيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من فك لغز القضية التي كانت تبدو معقدة، خاصة أن جثة الضحية تم العثور عليها في حالة متقدمة من التفحم، وتضررت بشكل كبير، ولم تكن تحمل أي علامات يمكن من خلالها الاهتداء إلى صاحبها، تطلب الأمر وقتا معينا قبل أن يتم الاهتداء إلى هوية الضحية التي شكلت نقطة البداية في إيقاف الجاني، إذ تبين أنه على معرفة سابقة به. كشفت الأبحاث أن المشتبه فيه كانت تربطه علاقات تجارية ومالية مع الضحية، الذي طالبه بتمكينه من مستحقاته التي مازالت عالقة بذمته، ليتم تحديد موعد معه، وأثناء لقائهما ووجودهما داخل السيارة بمنطقة تماعيت ضواحي الدراركة، حصل بينهما خلاف قام إثره المشتبه فيه بمباغتة الضحية بضربات متتالية على الرأس، ثم قام بخنقه بواسطة حبل بلاستيكي حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. وتشير المعطيات نفسها إلى أن المشتبه فيه قام بوضع جثة الضحية في الصندوق الخلفي للسيارة، ونقلها إلى منطقة خلاء بالحي المحمدي، وهناك سكب عليها مادة مشتعلة في محاولة منه لطمس كافة معالم الجريمة، قبل أن يعثر عليها أحد المارة ويبلغ السلطات المحلية، لتستنفر مختلف الأجهزة الأمنية، التي حجت إلى المكان للقيام بالمعاينات والمشاهدات المكانية اللازمة لفك لغز الجريمة. الدليل العلمي في خدمة العدالة نظرا لبشاعة الجريمة وخطورة الأسلوب الإجرامي المعتمد فيها، جندت ولاية أمن أكادير كافة أطقمها وعبأت وسائلها التكنولوجية بغية فك لغزها، وسرعان ما أفصحت الخبرات العلمية المنجزة عن هوية صاحب الجثة المتفحمة، الذي لم يكن سوى شخص كان يشكل موضوع بحث لفائدة العائلة مسجل قبل الحادثة، وآخر شخص صادفه هو أحد المتعاملين معه في مجال التجارة الإلكترونية التي يمتهنانها سويا، هذه المعطيات شكلت الخيط الأول في مراحل البحث، بالإضافة الخبرات التقنية والعلمية التي اعتبرت الفيصل في تحديد تورطه الجاني من عدمه، وهو المعطى الذي أفضى بالفعل إلى تأكيد مجموعة من القرائن والدلائل العلمية التي جعلت الجاني يبوح بكافة التفاصيل. جرائم مماثلة في جريمة أخرى لا تقل بشاعة عما وقع بأكادير، سبق أن شهد دوار النفافتة التابع للجماعة القروية سيدي الحطاب بدائرة بني عامر بإقليم قلعة السراغنة، واقعة دفن رفات جثة رجل مدفونة ب"مطمورة" قرب بيت أسرته على يد ابنه الذي قرر بعد قتله والده القيام بحرق جثته ودفنها في "مطمورة"، تستعمل لتجميع مخلفات معاصر الزيتون، للتمويه على العائلة ومصالح الدرك. وعثرت فرقة مكافحة الجريمة التابعة للمركز القضائي بقلعة السراغنة، على رفات جثة الهالك، بعد الاستعانة بكلاب مدربة إثر التوصل بمعلومات تفيد أن رب الأسرة الذي اختفى عن الأنظار قبل عيد الأضحى الماضي تم دفنه في حفرة بعد حرقه، إثر عملية التصفية التي تمت برصاص بندقية الصيد، بعد أن اختفى الابن الجاني عن الأنظار بعد اعترافه لوالدته بما ارتكبه في حق أعز شخص لديه. غباء الجناة قال أشرف منصور جدوي، المحامي بهيأة المحامين بالبيضاء، إن الجريمة مهما بلغت بشاعتها وقوة ترويعها تبقى أمرا عاديا داخل أي مجتمع، إذ لا يكاد يخلو مجتمع منها، لكن فالجرائم وبالتبعية المجرمون أصناف، إذ هناك منهم من يظن بغباء منقطع النظير أن باستطاعته أن ينفذ جريمة كاملة ويبقى في منأى عن الأجهزة الخاصة بملاحقته. وأشار جدوي إلى أنه في جرائم القتل فإن أول من يمكن استنطاقه إن صح التعبير هي تلك الجثة، فالجثة المجهول صاحبها تكون مهمة الباحثين معقدة فكلما أمكن التعرف على هوية القتيل، أمكن شيئا فشيئا سبر أغوار البحث الجنائي وكلما ظلت الجثة مجهولا صاحبها بات العكس هو الصحيح، ومن هذا المنطلق قد يلجأ الجاني إلى ممارسة أساليب مناورة إجرامية، حيث يعمد إلى إتلاف معالم جريمته من قبيل إعدام كل ما من شأنه أن يمكن من التعرف عل هوية القتيل، كأن يقوم بسلخ جلد الوجه وبتر مقدمة الأصابع حيث توجد البصمات أو بتر الأيادي كلية، بل وقد يذهب بعيدا إلى حد إحراق الجثة بالكامل، حيث في الأمثلة المطروحة تصبح مهمة الباحث الجنائي معقدة، من أين سيبتدئ البحث؟ ذلك أنه إذا عرف القتيل يبتدئ البحث مع معارفه وأقاربه محيطه... أما قتيل مجهول فإذا لم يش مسرح الجريمة بمعلومة ما فإن المهمة تبقى معقدة. وذكر جدوي أنه في إطار التعامل القضائي مع جناة من هاته الشاكلة "أعتقد أنه يتعين التعامل بنوع من الشدة والغلظة في العقاب، إذ ربما نتيجة لسلوكهم ذلك ولمحاولتهم طمس معالم الجريمة قد يزج ببريء في السجن ظلما كان من سيء طالعه ربما أنه قاده ذلك الحظ السيء إلى أن يكون محط شبهة"، مضيفا في الوقت نفسه أن هذا النوع من المجرمين ينبئ على أن هذا المجرم لم تقده الصدفة إلى الجريمة بل خطط ودبر ونفذ كيف قدر أي "أننا أمام نوع ربما اتخذ من القتل حرفة ومهنة وكلما تأخرت عملية إيقافه، إلا وكان ذلك محفزا نفسيا له لارتكاب جريمة مماثلة" واعتبر المحامي أنه مهما بلغ المجرم من الذكاء فإن الجريمة الكاملة تبقى مجرد وهم وأن مسألة اكتشافه هي مسألة وقت ليس إلا قد يتأخر إلا أنه آت لا محالة. تشديد العقاب يوحد نشطاء "فيسبوك" لم تهز جريمة قتل رجل أعمال شاب بأكادير يزاول أنشطته في التجارة الإلكترونية والتنكيل بجثته بحرقها إلى أن تفحمت في محاولة لإتلاف معالم الجريمة، فقط عائلته ومعارفه، بل كان الوقع أشد مرارة على قلوب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا الواقعة قضية خطيرة تتجاوز القتل العادي إلى الوحشية. وأجمع نشطاء العالم الأزرق على إدانة هذا النوع من الجرائم المروعة التي يصعب على شخص عاد حتى وإن كان مجرما القيام بها مادام يملك ذرة إنسانية، مشددين على أن العبث بجثث ضحايا القتل لإخفاء معالم الجريمة رغبة في الإفلات من العقاب، يستوجب تشديد العقوبات الصادرة في حق الجناة حتى لا تتكرر مثل هذه الأفعال مرة أخرى. وفي هذا الصدد اختارت "الصباح"، مجموعة من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق تعليقا على جريمة هزت مشاعر المغاربة لبشاعتها. «الضحية قتل عدة مرات، المرة الأولى حينما تم الغدر به من قبل شخص ائتمنه على ماله، والثانية بإزهاق روحه، والثالثة حينما قرر الجاني التخلص من جثته بتشويهها وحرقها إلى درجة التفحم. واش أعباد الله وصلنا لهاد الدرجة من الجرائم؟ سمحو ليا عقلي وقف وقلبي كتقطع..."، من بين التعليقات التي تضمنها موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والذي عبر فيه صاحبه وهو طالب، عن فظاعة الجرم المرتكب بأكادير. وتوحد الفيسبوكيون في مطالب إعادة النظر في إلغاء الإعدام، مطالبين بتشديد العقوبة في حق مرتكبي الجرائم البشعة «ما ذنب الضحية وعائلته، من الأم والإخوة والزوجة حتى يتم حرمانهم من أعز شخص لديهم، وماذا عن الرضيعة التي أصبحت يتيمة ظلما وعدوانا من قبل طماع؟ ألهذا الحد أصبح الطمع والرغبة في أكل أموال الناس بالباطل أسبابا تدفع صاحبها لارتكاب جريمة قتل والتنكيل بجثة الضحية؟ واش كريدي ديال 372 مليون يخلي بنادم اقتل خوه ويحرقو ويشويه حتى يولي رماد؟ أسئلة استنكارية طرحتها إحدى الأمهات التي ختمت رأيها بالقول "حرام بحال هاد المجرمين ما ياخدوش عقوبة الإعدام». «أظن أن ما يقع من جرائم القتل والعبث بالجثث لإتلاف معالم الجريمة، مرده أن الإجرام ترسخ في ذهنية عدد من الجانحين الذين لا يضعون أي اعتبار للسجن بعدما تغير مفهومه وأصبح في نظر المنحرفين والمجرمين فندقا من فئة خمس نجوم يقضون فيه سنواتهم» حسب رأي طالبة بكلية العلوم الإنسانية. واعتبر أستاذ بالتعليم الثانوي، جريمة أكادير تستدعي قراءة متأنية من قبل الباحثين في علم الاجتماع والاختصاصيين النفسيين لهذا النوع من الجرائم، كما آن الأوان لمراجعة العقوبات السجنية التي تصدر في حق مرتكبي جرائم القتل والتنكيل بالجثة حتى نجنب بلدنا وقوع مآس تخلف جروحا عميقة يصعب أن تندمل.

إخفاء المعالم… وهم الجريمة الكاملة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سقوط عصابة تستغل تلميذات جنسيا

قطر 2022: اسدال الستار على "أروع" دور مجموعات في التاريخ

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات