بوزوبع: التخفيضات همت أدوية رخيصة

نقيب الصيادلة أكد أن مراجعة الأثمنة مدخل لإنجاح التغطية الصحية وأن السياسة الدوائية تفتقد الحكامة أكد أمين بوزوبع، الكاتب العام لكنفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أن إنجاح ورش التغطية الصحية الشاملة والحفاظ على ديمومة الصناديق، يتطلب مراجعة أثمنة أدوية من الصنف الثالث والرابع، واعتماد أثمنة عادلة تضمن التوازن المالي لصناديق التأمين، وتأمين الولوج إلى الدواء. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني - تصوير (عبد المجيد بزيوات) < مبدئيا، الصناعة الدوائية في المغرب متطورة وتغطي 60% من الاحتياجات الوطنية، حيث أن الدواء المغربي مصنف تصنيف جودة منطقة أوربا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبهذا، الصناعة الدوائية الوطنية منخرطة منذ عقدين من الزمن في تصدير أدويتها إلى العديد من دول العالم. وبالتالي، هي تجربة تمتد لما يقارب 60 سنة، وتمكن السوق الوطني من توفير أدوية جنيسة بفعالية الأدوية الأصلية نفسها وبأثمنة مناسبة. ولهذا، الصناعة الدوائية الوطنية مؤهلة بشكل جيد لكسب ورش التغطية الصحية الشاملة، لكن أهم الإكراهات التي تعترض المنظومة في هذا السياق، هي ظاهرة انقطاع الأدوية، بسبب ارتباط الصناعة الدوائية الوطنية بالمادة الأولية، التي يتم استيرادها من الخارج. إن العديد من الأدوية التي تنقطع بين الفينة والأخرى، توجد مثيلاتها في السوق الوطني، ولا يتم صرفها من قبل الصيدليات، لأن الأطر الصيدلانية ليس لها حق استبدال الدواء المنقطع، كما هو معمول به في العديد من الدول بما فيها دول الجوار. وبالتالي، نعتبر أن التشريعات الحالية متقادمة وتحتاج للتجويد، لأنها تحرم المواطن من الولوج للدواء واستئناف علاجه في حال انقطاع دوائه، وهذا له تبعات صحية على المرضى، سيما ذوي الأمراض المزمنة. < للأسف، موضوع أثمنة الدواء لازال يثير النقاش، رغم كل التخفيضات الهامة التي شملت عموم الأدوية. وهذا يثير لبسا عند الرأي العام الوطني، لأن التقرير الأخير للجنة الموضوعاتية لمجلس المستشارين كان واضحا، وركز بالخصوص على غلاء أثمنة الأدوية المستعملة في الأمراض الثقيلة والمستعصية، والتي تثقل كاهل المرضى وصناديق التأمين على حد سواء. ونقدم مقارنة للأدوية الباهظة الثمن، إذ نجد أدوية تباع بالمغرب بـ 43 ألف درهم، والدواء نفسه نجده في فرنسا بـ 33 ألف درهم، أو دواء في المغرب بـ 4200 درهم مقابل 2200 درهم بفرنسا. وهذا التفاوت لا نجده إلا في صنف الأدوية الباهظة. < الأدوية في المغرب من حيث أثمنتها تنقسم إلى أربعة أصناف، والصنفان الثالث والرابع تتميز أثمنتهما بالغلاء، وثمن العلبة الواحدة لبعضها يتجاوز الدخل الفردي السنوي بالمغرب، وهي تهم الأمراض المكلفة من أمراض السرطان، والالتهاب الكبدي والتصلب اللويحي وغيرها. ولهذا، فالتخفيضات التي كانت طيلة السنوات الأخيرة، لم تتوجه بشكل جدي نحو هذا النوع من الأدوية، وإنما التخفيض شمل أدوية رخيصة في متناول المواطنين، والتي لا تتعدى أثمنتها 50 درهما و 100. وهذا بالطبع، لأن السياسة الدوائية المعتمدة في المغرب، تفتقد الكثير من الحكامة الجيدة وتخضع للتجزيء ولإجراءات منعزلة، ولا يتم تنزيلها بمنطق يعتمد الشمولية، حيث يسمح فعليا بتسهيل الولوج للدواء. والدليل، تخفيض أزيد من 4500 دواء، ولم نتعد رغم ذلك معدل استهلاك سنويا للأدوية للمواطن الواحد 450 درهما، وهو من أضعف معدلات الاستهلاك مقارنة مع كل الدول العربية أو المشابهة سوسيوـ اقتصاديا للمغرب. < رغم كل هذه الإجراءات، لازلنا نتحدث عن غلاء الأدوية، وعن عدم ولوج المواطن للدواء، لأنه وبكل بساطة جيب المواطن فارغ مهما كان ثمن الدواء. وبالتالي، الولوج للدواء وللعلاج بشكل عام، لن يتحقق إلا باستكمال تغطية صحية شاملة لجميع المواطنين، وأظن أننا نخطو خطوات ثابتة في هذا الورش بفضل التوجيهات الملكية. < عدم وجود الأدوية أحيانا في الصيدليات راجع إلى انقطاعها للأسباب التي ذكرناها سابقا، لكن أيضا بسبب الكثرة التي تعرفها صناعة الأدوية الجنيسة للدواء نفسه. فمثلا دواء "الباراسيتامول" لعلاج الصداع، سنجده مصنعا تحت أزيد من عشرين اسما تجاريا. وهذه الكثرة تؤدي إلى نتائج عكسية، ما يحول دون توفيرها من قبل الصيدليات. والأصل هو تحديد حد أقصى للأدوية الجنيسة، التي يمكن صناعتها للنوع ذاته من الدواء، والذي في تقديرنا، لا يجب أن يتجاوز 5 أدوية جنيسة لكل دواء أصلي. أدوية بأقل من 50 درهما بالنسبة إلى حصول المواطنين على أدوية الأمراض المزمنة، فعلى سبيل المثال، أمراض القلب والشرايين والضغط الدموي ومرض السكري والنقرس و غيرها، فأدويتها تدخل في الصنف الأول من الأدوية، وهو الصنف الأرخص من حيث الأثمنة، إذ نجد العديد منها بأثمنة تتراوح بين 20 درهما إلى 30 درهم. وبالطبع لا يمكننا أن نعطي أمثلة على أسماء الأدوية، ولكنها كثيرة وموجودة في رفوف الصيدليات. ونجد مثلا، بالنسبة لمرضى الضغط الدموي، هناك أدوية لا تتجاوز 50 درهما، أيضا أدوية ضد تجلط الدم بثمن 20 درهما، ثم نجد أدوية لعلاج الغدة الدرقية تتراوح أثمنتها بين 6 دراهم و 20، أيضا أدوية لعلاج مرض السكري في حدود 20 أو 30 درهما، ولا تتعدى 70 درهما إلا في حالات نادرة واللائحة طويلة. وباختصار شديد، تبقى أدوية الأمراض المزمنة رخيصة وفي المتناول لأنها تدخل في الصنف الأول من الأدوية. والشيء نفسه بالنسبة للأدوية المضادة للالتهاب وأدوية الجهاز الهضمي والتنفسي والمضادات الحيوية، فكلها أدوية تدخل في الصنف الأول من حيث الأثمنة، وليس فيها أي مشكل وأثمنتها معقولة. وهذا الوضع، الذي جعل أدوية الأمراض المزمنة في المتناول، هو نتيجة دخول المرسوم الوزاري رقم 2ـ13ـ852 لسنة 2014 حيز التنفيذ، بحيث وصلنا إلى تخفيض ما يقارب 4500 دواء بنسب كبيرة جدا وصلت إلى 70% أحيانا، وهذا الأمر هو الذي أعطانا أن أدوية الصنف الأول من الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية و غيرها أصبحت رخيصة إلى حد كبير. مجلس المنافسة يدعو إلى مراجعة أثمنة أدوية بعد 8 سنوات من تخفيض أثمنة الأدوية، نجد تقرير مجلس المنافسة الأخير، والذي صدر قبل سنتين لم يقل بأن أسعار الأدوية مرتفعة في المغرب بشكل عام، وإنما أشار بالتحديد إلى أدوية الصنف الرابع، أي ذهب في سياق التقرير الأخير للجنة الموضوعاتية لمجلس المستشارين. ودعا مجلس المنافسة إلى ضرورة مراجعة أثمنتها نحو التخفيض. هذا مع العلم، أن هذا النوع من الأدوية لا نجده تقريبا في الصيدليات الوطنية، ولا عند شركات توزيع الأدوية، بل يباع مباشرة للمرضى من قبل المختبرات المصنعة للأدوية، لأن العديد منها لا تخضع إلى مسطرة تحديد أثمنة الدواء، ويكون لديها ترخيص مؤقت استثنائي في البيع من قبل وزارة الصحة. وبالتالي، فإن المواطن يعاني بشكل واضح غلاء هذا النوع من الأدوية ومن هذا النوع من التراخيص الاستثنائية، التي تدوم لسنوات عدة، والتي تتطلب منه الانتقال من مختلف المدن نحو البيضاء أو الرباط للحصول عليها، ولتحمل عبئها المادي والمعنوي. يجب توقيف براءة الاختراع لبعض الأدوية في 2011، كانت نسبة التعويضات التي تمنحها للتعاضديات عن الأدوية (أي الاستشارة الطبية والاستشفاء والتحاليل الطبية والتصوير بالأشعة)، تشكل 47% من عموم التعويضات. ولكن بعد البدء في تخفيض أثمنة الدواء منذ 2014 وإلى حدود الساعة، انتقلت هذه النسبة من 47% إلى 33. وهذه النسبة أغلبها يهم الأدوية الباهظة من الصنف الرابع، والتي تشكل العبء الحقيقي على الصناديق. ولهذا قلنا إن السياسات الدوائية مجزأة ولا تتصف بالشمولية، لأن الأصل، هو تخفيض الأدوية الغالية من الصنف الرابع. وهذا يحتاج إلى آليات لتخفيض أثمنة هذا الصنف أو آليات الضغط على المختبرات، خصوصا المختبرات الدولية من أجل التخفيض. ومن جملة هذه الآليات، وهي متوفرة لدى وزارة الصحة، وترتبط بتوقيف براءة الاختراع لبعض الأدوية التي تصل إلى 20 سنة، عندما يتعلق الأمر بالأمن الصحي الوطني، وبالتالي إسقاط براءة الاختراع وصناعة أدويتها الجنيسة وطنيا من قبل المختبرات الوطنية بأثمنة رخيصة. ويمكن لوزارة الصحة اللجوء إلى مفاوضات مع المختبرات الأجنبية لجلب الدواء الجنيس من الخارج، عوض اعتماد تسويق الدواء الأصلي في المغرب، وهذا بدعم وإشراك المختبرات المغربية، لأن إشكالية غلاء أدوية الصنف الرابع مرتبطة أساسا بالأدوية الأصلية. أيضا من الآليات التي يمكن اعتمادها، المفاوضات التي تجريها الوكالة الوطنية للـتأمين الصحي مع المختبرات الدولية أو المستوردة لتلك الأدوية، بحيث يمكنها في مشاوراتها اشتراط مبدأ التعويض على الأدوية الباهظة مقابل تخفيض أثمنتها. التخفيض بدرهم أو درهمين غير مجد أولا، يجب إيقاف بعض المقاربات السياسوية ـ التي تخفض نصف درهم أو درهمين في أدوية الصنف الأول للقول إننا خفضنا ثمن الدواء، لأن هذا الفعل يضر بسمعة الدولة، وسيزعزع استقرار شركاء أساسيين في المنظومة الصحية، وهم الصيدليات التي تؤدي أدورا إستراتيجية في تقديم خدمات القرب. لقد مكن التخفيض الشامل لعموم الأدوية بشكل جذري طيلة ثماني سنوات، من تخفيض أثمنة الأدوية من الصنفين الأول والثاني، وأصبحت الأثمنة في هذين الصنفين مشابهة لأغلب دول العالم، على اعتبار منهجية المقارنة التي تعتمدها المسطرة المتبعة في تحديد ثمن الدواء، بمقارنتها مع 7 دول في مختلف القارات، من أجل تحديد أثمنة هذا النوع من الأدوية. وبالتالي، إن ما تستدعيه المرحلة لإنجاح ورش التغطية الصحية الشاملة والحفاظ على ديمومة الصناديق، هو مراجعة أثمنة أدوية الشريحتين الثالثة والرابعة باعتماد أثمنة عادلة تضمن التوازن المالي لصناديق التأمين. استبدال الدواء الأصلي بالجنيس من التعديلات الأساسية في المرسوم، ضرورة منح ما يسمى حق استبدال الدواء الأصلي بالجنيس للصيدليات، لتقليص الفارق بين ما تعوضه الصناديق وما يدفعه المواطن فعليا من جيبه، كما يجب تقديم إجراءات مصاحبة للصيادلة للقيام بهذا الإجراء العلمي. وفي آخر المطاف، هذه الآلية لوحدها ستوفر الشيء الكثير على التعاضديات في ترشيد نفقاتها وتقليص أيضا نفقات المنخرط، وأيضا ستساهم بشكل كبير في الأمن الدوائي الوطني، وتوفير الأدوية للمواطنين بشكل مستمر، سيما في ظل الانقطاعات الدائمة للأدوية، دون الحديث على أن هذا الإجراء سيكون رافعة أساسية في سياسة تشجيع الدواء الجنيس بالمغرب. وأخيرا، لا يجب أن نغفل عن موضوع الأدوية البيطرية وأثمنتها الباهظة، التي تؤثر في القدرة الشرائية للفلاحين في العالم القروي، والتي يجب أن تخضع لتسعيرة محددة ومراجعة أثمنتها، عوض وضعها في السوق الحرة بدون مراقبة وفي الكثير من الأحيان نجدها في الأسواق. وينبغي أن تكون هذه الأدوية أيضا داخل المسلك القانوني للأدوية، ويتم صرفها في الصيدليات، كما كانت في السابق. لأن هذا يضيع على خزينة الدولة عائدات ضريبية مهمة ويغيب الدور الرقابي للصيدلاني في صرف الوصفات الطبية للطبيب البيطري وفق معايير علمية، تحافظ على سلامة وصحة القطيع، وبالتالي صحة المستهلك المغربي.

بوزوبع: التخفيضات همت أدوية رخيصة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نهاية وشيكة لملف قضاة البيضاء

تحت الدف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات