الدخول البرلماني… دورة الحسم

مطلوب من الحكومة والبرلمان أفكار خلاقة لقانون مالية 2023 لتجاوز تقلب أسعار الأسواق العالمية مل الفاعلون السياسيون من الانتظار، لأجل تحقيق حلم الاستوزار في تعديل حكومي، أو تحصيل منصب عال دون جدوى، وفقد قادة الأغلبية على الخصوص الأمل في ذلك، وفرض عليهم العودة مجددا لكراسي البرلمان لبدء حلقة جديدة من النقاش ومحاسبة الوزراء وتقديم التعديلات وخوض الجدال، وإعمال الرقابة على الحكومة، والمناقشة المطولة للتصويت على مشروع قانون مالية 2023 الذي يجب أن يحل الإشكالات المفروضة على المغرب خاصة ما يتعلق بمواجهة الغلاء وتقلب أسعار الصرف. وسيكون الدخول البرلماني ساخنا، بسبب استمرار الأزمة الدولية وارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، وارتفاع صرف سعر الدولار، ما يتطلب من الحكومة والبرلمان، إبداع الحلول بعيدا عن السياسة " الترقيعية" لتفادي سقوط الحكومة. إعداد: أحمد الأرقام سيعود البرلمانيون إلى مقاعدهم بعد عطلة طويلة " غير مستحقة"، تتطلب مراجعة دستورية لأنه في كل برلمانات العالم لا تتوقف المؤسسات الدستورية عن العمل، كل هذه الفترة، وهذا يمس بالممارسة الديمقراطية في الأصل. وسيحضر البرلمانيون من كلا المجلسين في جلسة الافتتاح البرلمانية المنتظرة في 14 أكتوبر الجاري، للاستماع إلى الخطاب الملكي، الذي يكون عادة عبارة عن مقترحات عملية توجه لممثلي الأمة للاجتهاد، وإعمال الرقابة على أعضاء الحكومة والإسهام في مناقشة مشاريع القوانين، وإدخال تعديلات عليها والتصويت في الأخير لنشرها في الجريدة الرسمية على أمل أن تطور البلاد، وتخدم المصالح العليا للوطن والمواطنين، وتفعل الدبلوماسية البرلمانية التي بدا أنها متراخية في الأشهر الماضية، واطمأنت لما تقوم به الدبلوماسية الملكية والحكومية، ما جعل خصوم الوحدة الترابية يتحركون في كل الاتجاهات ولا يجدون من يصدهم إلا النزر القليل من البرلمانيين الذين لديهم القدرة على المواجهة في المحافل الدولية لإسقاط أطروحات وهمية تعود للزمن الغابر في الحرب الباردة. ويأتي الدخول البرلماني موازاة مع الوضع الاجتماعي الصعب، إذ يشكو المواطنون من غلاء الأسعار ليس فقط بالنسبة للمواد الاستهلاكية الغذائية، بل في كل ما له علاقة بمجال تلبية حاجيات أفراد الأسرة الواحدة التي تعاني بسبب تقلب الأسواق وصراع الجبابرة أي الشركات لفرض الأمر الواقع، والادعاء أن تداعيات كورونا والحروب الروسية الأوكرانية هي الوحيدة السبب في ارتفاع الأسعار. وتوجد لدى الحكومة هوامش للتخفيف من حدة الأسعار عبر فرض ضريبة التضامن بين الشركات التي تحتكر بعض القطاعات، وتحقق أرباحا في زمن الأزمة، وهو أمر معمول به في جميع دول العالم. البحث عن حلول ذكية على البرلمانيين والحكومة معا إبداع حلول ذكية في مشروع قانون مالية 2023، الذي ينذر بأزمة خطيرة تتجلى في ارتفاع نسبة التضخم لما يزيد عن 8 في المائة، وتقلب الأسواق الدولية، بارتفاع مهول للأسعار، وارتفاع سعر الدولار الذي كان محددا في فرضية دولار واحد يساوي 9.5 دراهم، وأصبح الآن 11.5 درهما، ما يعني زيادة في حجم مشتريات المغرب من الخارج، لذلك تم فتح اعتمادات مالية بنحو 12 مليار درهم، وستكون طبعا من بند " التحملات المشتركة" لمالية 2022، التي سمحت للحكومة بالبحث عن هوامش لضخ 17 مليار درهم إضافية في صندوق المقاصة ومنح 3 ملايير لمهنيي نقل المواطنين والبضائع، و10 ملايير درهم لدعم الفلاحين، و2 مليار درهم لدعم السياحة، وذلك بسبب بسيط هو أن مالية 2021 كانت جيدة بمعدل نمو 7.9 في المائة وإيرادات ضريبية مرتفعة. وبما أن ميزانية 2022 دفعت الحكومة إلى البحث عن هوامش دون اللجوء إلى الاستدانة، أو المس بميزانية الاستثمار، فذلك راجع لما تحقق في ميزانية 2021، من معدل نمو ومداخيل ضريبية وجبائية مهمة، لذلك على الحكومة والبرلمانيين معا إبداع حلول عملية جديدة مبتكرة لتمويل مالية 2023، خاصة وأن سنة 2022 شهدت جفافا وندرة للمياه، واستمرار تقلب الأسواق العالمية، وخسارة مالية لشراء البضائع من الأسواق العالمية. وعلى البرلمانيين والحكومة إيجاد حلول في تسريع التصنيع والبحث عن أسواق خارجية، وإعمال الخطة الصينية في تسويق المنتجات المغربية، حسب دخل كل دولة ونموذجها في نمط الحياة، والابتعاد عن البذخ والإسراف في أموال الشعب في الحفلات غير المنتجة للأرباح، وسيارات الدولة، ومشتريات الإدارة التي يقع فيها تلاعب في الفواتير، حتى لا يضطر المغرب الخروج إلى الأسواق العالمية للاقتراض لسد الخصاص. وقد تصبح الميزانية العامة خاضعة لهذه التقلبات المستوردة ما يفرض مراجعة العديد من السياسات العمومية. مردودية وزراء في المحك ورغم مصادقة المجلس الحكومي على 15 نصا لترقية موظفين في بعض القطاعات من الطب والصيدلة، والمهندسين، والممرضين، والجمارك والضرائب غير المباشرة، والتقنيين المشتركين بين الوزارات، وبعض الموظفين في القنصليات، ورفع حصيص الترقية من 33 في المائة إلى 36، ورفع الحد الأدنى للأجر في الوظيفة العمومية، وزيادة 5 في المائة في الحد الأدنى في بعض القطاعات الانتاجية والخدماتية، فإن بعض الوزراء والوزيرات مطلوب منهم مجهودات أكبر ورفع مردودية عمل قطاعاتهم لرفع الناتج الداخلي الخام، وتحويل الضرائب إلى القطاع الاجتماعي والعناية أكثر بفئات اجتماعية أخرى متضررة على رأسها ملايين المستخدمين في القطاع الخاص الذين يتحملون تبعات ارتفاع الأسعار، وأغلبهم من الطبقة المتوسطة التي تعاني كثيرا. ومطلوب من البرلمان، مناقشة مشاريع قوانين مهمة قصد التصويت عليها منها القانون التنظيمي للإضراب، وقوانين إصلاح التقاعد، مع مراعاة الوضعية العامة للمواطنين، وتقديم الدعم اللامشروط للتكوين المهني المتخصص في التكنولوجيا العالية في مجال صناعة برمجيات الحواسيب، والهواتف الذكية وشاشات التلفزيون، وسخانات الماء، وكل ما له علاقة بالآلات التي تشتغل في مجال بناء الموانئ والمطارات والطرق السيارة. القانون التنظيمي للإضراب في دورة أكتوبر سعت الحكومة والمركزيات النقابية إلى فتح حوار جدي حول أهمية تعديل مشروع القانون التنظيمي لإضراب الموجود حاليا على مسطرة التشريع بمجلس النواب الذي وضع في عهد الولاية التشريعية السابقة. وحصل توافق بعدم إخراج نص القانون، لأن المجلس الوزاري صادق عليه، باعتباره قانونا تنظيميا، ولذلك ارتأت الحكومة والمركزيات النقابية إعادة النقاش إلى البداية وتحضير مقترحات عملية لتعديله ومناقشته في يناير، على أمل فتح باب النقاش بمجلس النواب في فبراير والمصادقة عليه لإحالته على مجلس المستشارين والذي يضم ممثلي النقابات للنقاش والمصادقة. والإشكالية الكبرى في مشروع القانون التنظيمي للإضراب أن المركزيات النقابية تعتبره محاولة من أرباب العمل لهضم حقوق الطبقة العاملة المرتبطة عادة بالتصريح بكل العاملين في صناديق التقاعد، وتحصيل التغطية الصحية، وتطبيق الحد الأدنى للأجر، والتعويض عن ساعات العمل، عوض جر المضربين للمحاكمة، واعتبار الإضراب بمثابة عرقلة حركة العمل. ويعتقد أرباب العمل، أنهم " داروا الخير" في الأطر والطبقة العاملة، لذلك يحملون فكرا تقليديا بل وسلفيا حول المغزى من العمل، الذي يعني إنتاج القيمة الاقتصادية في إطار تعاقدي بين مالك وسائل الإنتاج والمنتجين ميدانيا، لتحقيق الأرباح وأداء الضرائب والحقوق والقيام بالواجبات، وليس " عملا خيريا". وينتظر من الحكومة وضع تصور جديد لأرباب العمل للخروج من التصور التقليدي في اعتبار أداء الضريبة، مجرد سرقة الدولة لجزء من أرباح رب العمل، ومنح حقوق العاملين من ضمان التغطية الصحية، وأجور لائقة، وتقاعد، بمثابة إحسان وخير وأجر في الآخرة. كما على البرلمانيين الاجتهاد أكثر لتعديل فصول قانونية لأنه لا يعقل أن يحقق رب العمل أرباحا ينفقها في البذخ في العقار والسيارات والحفلات، عوض استثمار الثلثين في التكوين المستمر للعاملين، واقتناء آلات جديدة وتنويع الأسواق لتوسيع المشاريع والمقاولات وتحقيق الأرباح، والإبداع في الإنتاج لأجل الحصول على صفة " مايد إن موروكو". ومطلوب من الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، تغيير نظرتهم كلية حول عالم الشغل والإنتاج وغزو الأسواق. قانون الإصلاح الضريبي تضيع خزينة الدولة في الملايير بسبب الغش، والتملص الضريبي، بسبب السياسة العمومية المطبقة، إذ مطلوب من البرلمانيين مطالبة وزير الاقتصاد والمالية والميزانية، نادية فتاح وفوزي لقجع، بتنزيل برنامج الإصلاح الجبائي، ومراجعة ذلك بناء على الأرباح المحققة، ففي المقاولات الكبرى والمتوسطة في التجارة والفلاحة والصناعة والخدمات، كما لدى" مول الزريعة" و"الحانوت" و"المحلبة" دون الحديث عن المصحات الخاصة، والملاهي والحانات وكل من يتاجر أو لديه مصنع، وكذا الثرثارون في مواقع التواصل الاجتماعي الذين يطلق عليهم " المؤثرون" أو " اليوتوربز" يحقق الواحد منهم أرباحا تتجاوز أجرة وزيرين في الحكومة. قانون إصلاح التقاعد في مارس يعول يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات، على المركزيات النقابية لقبول العرض الحكومي لإصلاح أنظمة التقاعد، المنخورة بسبب سوء التدبير وتشغيل الموظفين في سن متأخرة، وعدم استيعاب فلسفة التقاعد ككل من قبل العديد من وزراء التشغيل الذين مروا على تدبير الحقيبة الوزارية. وإذا كان الصندوق المغربي للتقاعد سيشهد إفلاسا ابتداء من 2028، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في 2038 ، والنظام الجماعي لمنح الرواتب في 2052، فهذا لا ينبغي أن يجعل الحكومة والبرلمان في سبات عميق، بل يفرض إبداع حلول عملية من قبل الطرفين، وأرباب العمل والنقابيين، وتفادي الحلول الترقيعية التي لم تعد تجد وهي رفع سن التقاعد، والزيادة في الاقتطاعات، دون إحداث تغيير كبير، ففي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يحصل الأجير على تقاعد لا يتجاوز 3500 درهم، والواقع أنه يجب تغيير نسبة الفائدة التي تمنحها شركة الإيداع والتدبير عند توظيف أموال صندوق العاملين في القطاع الخاصة، وفرض نسبة فائدة كالتي توجد في السوق المالية كي يرتفع تعويض المتقاعد من 3500 درهم إلى 5 آلاف، مع إجبارية فرض التقاعد التكميلي لضمان دخل يحفظ كرامة المتقاعد، عوض أن يصبح متسولا. مدونة الشغل في يوليوز ستباشر الحكومة والفرقاء والبرلمان عملية تعديل قانون مدونة الشغل الذي لم يعد يصلح لمغرب الألفية الثالثة، فإذا كان المغرب وضع مخططات كبرى منها الدخول إلى نادي الدول الصاعدة صناعيا، فإن مدونة الشغل تعود لبداية حكومة التناوب التوافقي التي لم تكن حاضرة فيها التجارة الإلكترونية، والتواصل عن بعد، واستعمال تقنيات جديدة في إنتاج المعرفة وتحويلها لسلعة تباع في مواقع التواصل الاجتماعي. 3 أسئلة إلى *عبد الحفيظ أدمينو سنة التحديات < يشكل الدخول البرلماني لهذه الولاية التشريعية انطلاقة حقيقية للأغلبية الحكومية لإعداد والمناقشة والتصويت على مشروع قانون مالية 2023، تعده هذه الأغلبية بصفة كاملة مائة بالمائة من فرضياته المرتبطة بالتحولات الجارية وطنيا ودوليا، مع تضمينه الأهداف التي رسمتها ووضعتها الحكومة في برنامجها الذي نالت من خلاله ثقة البرلمان. وتعد السنة الثانية في عمر الحكومة، سنة التحديات وتجسيدا فعليا لسن قانون مالية بعد إحاطتها بكل المعطيات على أرض الواقع، إذ سيشكل ذلك إرادة حقيقية للحكومة لتنزيل برنامجها في رفع نسبة الاستثمار وجلب المستثمرين، وإحداث فرص شغل، والرفع من قيمة الصادرات، وتفعيل برنامج الحماية الاجتماعية وتعبئة الموارد المالية لذلك واستكمال محاور الورش الاجتماعي ككل، ما سيعكس مدى التزام الحكومة بوعودها خاصة في الجانب المتعلق بحماية القدرة الشرائية للمواطنين وتعزيزها بإجراءات مشجعة ودعم المواد الاستهلاكية الأساسية وتنفيذ اتفاق الحوار الاجتماعي. < يجب مساءلة الحكومة في هذا الشأن من قبل البرلمان، حول مدى التزامها بما وعدت به في محيط دولي متقلب، ومعرفة التدابير والواضحة التي ستتخذها لتحقيق التوازن الاجتماعي والمالي في آن واحد، كي يشعر المواطن بالثقة في المؤسسات الدستورية. وعلى الحكومة بذل مجهود كبير في مجال تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع المركزيات النقابية، والتخفيف عن المواطنين في الجانب المتعلق بالأجور والأسعار، وتوفير فرص الشغل، والمساعدة على تشجيع الأنشطة المدرة للدخل. والحكومة ليست مشكلة فقط من خبراء يحسنون التدبير التقني لعملهم وتأكيد روح الانسجام القائم في الفريق الحكومي، أو الأغلبية الحكومية، بل لها نفس سياسي وجب أن يلعب دوره في النقاش العمومي لكل القضايا الاجتماعية المثارة من خلال تسريع وتيرة العمل وتحقيق الفعالية والنجاعة وتلبية الانتظارات الكثيرة. < أتصور أن الحكومة والأغلبية والبرلمان مطلوب منها مجهود أكبر في تحقيق التواصل مع المجتمع عبر الصحافة، إذ لا يكفي أن تقوم هذه الهيآت الدستورية بمهامها كأنها تجمع خبراء في مراكز القرار لإعلان اشتغالهم، علما أن هذه حكومة سياسية ومن طبيعة عملها اتخاذ القرار وتحقيق التواصل، وتداول المعلومات والخضوع للمراقبة البرلمانية. فحينما تنعقد جلسات البرلمان بحضور الوزراء والصحافة يقع تبادل للرأي والمساءلة والمحاسبة، ويتم نقل المعطيات إلى المواطنين الذين يصبحون لحظتها في صلب اهتمام الحكومة والبرلمان معا، لذلك لا يكفي تنصيص ميثاق الأغلبية على الالتزام بعمل الحكومي، واعتبار أي انتقاد من قبلها " تشويشا" على عمل الوزراء، وتعطيلا لمسار عملهم، بل على العكس للأغلبية البرلمانية والمعارضة، الحق في محاسبة الوزراء وتقديم المقترحات العملية والمساهمة في بحث الحلول الواقعية لأي مشكل قائم. فأي فراغ مؤسساتي للبرلمان أغلبية ومعارضة، وللحكومة، ينتج عنه فراغ يتم ملؤه بما يبث من أخبار زائفة وإشاعات في مواقع التواصل الاجتماعي، وتصبح مثل حقيقة وتضطر الحكومة إلى تكذيب ذلك، وهذا يضيع الوقت في الردود، لذلك من الأفضل تداول المعلومات والمعطيات ومناقشتها مؤسساتيا بين الأغلبية والمعارضة والحكومة بتغطية إعلامية واسعة. * (أستاذ القانون الإداري في جامعة محمد الخامس بالرباط)

الدخول البرلماني… دورة الحسم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"مسامر الميدة" بمناصب الصحة

مصادرة أموال برلماني بمراكش

مقالات ذات صلة