“حراكة” البرنوصي… الدم المغدور

اختفاؤهم بتونس اعتبر "أحجية" وحديث عن سقوطهم ضحية انتقام عصابة من "حراك" مغربي يمكن إطلاق وصف "الأحجية" على ملف اختفاء 38 شابا وشابة من منطقة البرنوصي بتونس، بعد أن قرروا الهجرة من هناك سرا إلى إيطاليا في دجنبر الماضي. باستثناء احتفاظ السلطات التونسية بجثتي شابين من المجموعة، ما زال مصير رفاقهما مبهما، قبل أن ينضاف إلى اللائحة، شباب آخرون من مدن عديدة لقوا المصير نفسه وبالمكان ذاته. هذا الغموض، فتح الباب أمام روايات عديدة لتفسير ما حدث، يجمعها قاسم مشترك أن الضحايا اختطفوا من قبل عصابة يتزعمها تونسيون انتقاما من "حراك" مغربي مقيم بإيطاليا. إعداد : مصطفى لطفي في 16 دجنبر الماضي، تم آخر اتصال بين الضحايا وعائلاتهم، يخبرونهم أنهم سيبحرون ليلا صوب إيطاليا. بعد أزيد من يوم، ترقبت الأسر وصول أخبار عن الرحلة، لكن التعتيم كان سيد الموقف، وولد لديها مخاوف من تعرض أبنائها لسوء. حاولت جهات ترويج معلومات أنهم في ضيافة الأمن بجزيرة مالطا، وما زاد في حدة التوتر إغلاق "الحراك" المشرف على العملية هاتفه المحمول، فظل مصير الشباب غامضا لمدة ثلاثة أشهر إلى حين العثور على جثتي شابين منهم، بمستودع للأموات بمستشفى العاصمة تونس. الطريق إلى الموت قرار شباب وشابات بالبرنوصي الهجرة سرا إلى إيطاليا لم يأت صدفة، بل نتيجة نجاح أزيد من 200 شاب من المنطقة في العبور إلى إيطاليا وتسوية وضعيتهم القانونية، ما جعل ياسين "الحراك" المطلوب رقم واحد بالمنطقة، فهو من كان له الفضل في ذلك، وتحت إشرافه نجحت العشرات من عمليات الهجرة سرا من تونس. تحول منزل ياسين "الحراك" إلى قبلة لكل راغب في الهجرة، وبحكم أنه يقيم بايطاليا أسند المهمة لوسيط للقاء الراغبين في الهجرة وتسلم أزيد من ثلاثة ملايين سنتيم من كل فرد، قبل السفر بشكل قانوني إلى تونس، حيث سيكون في انتظارهم بمطار قرطاج. في ظرف قياسي بلغ عدد الراغبين في الهجرة سرا 38 شابا وشابة، أغلبهم من البرنوصي. أعدوا العدة وتحصلوا على الجواز الصحي الخاص بكورونا. سافروا جوا إلى تونس، حيث استقبلهم "ياسين" ونقلهم بسيارات إلى ضيعة بمدينة صفاقس الساحلية. استقر "الحراكة" لأيام معدودة بالضيعة، وظلوا على اتصال مع عائلاتهم يطلعونهم على كل صغيرة وكبيرة قبل أن يخبروهم يوم 16 دجنبر الماضي، أنه بعد ساعات سيبحرون صوب إيطاليا. تلقت العائلات اتصالا من ياسين "الحراك" يؤكد أن أبناءهم يوجدون بجزيرة مالطا وأن سلطاتها الأمنية وضعتهم في الحجر الصحي لمدة 14 يوما، لكن بمجرد أن انقضت مدة الحجر، أغلق "الحراك" هاتفه، وانقطعت أخبار الضحايا نهائيا. تصفية حسابات أثارت هذه المستجدات حفيظة عائلات الضحايا التي سارعت إلى البحث عن أي معلومة مهما كانت حول مصيرهم، سيما عندما تنكر لها منظم الهجرة السرية، وظل التوجس والتوتر سيد الموقف إلى أن اتصل ياسين بفرد من الأسر يخبرها أن الأبناء معتقلون لدى السلطات الليبية. نجحت قريبة شابة من ضمن الضحايا، بطرقها الخاصة في الاتصال بمسؤول بسجن "المايا" بليبيا، فنفى وجود معتقلين مغاربة لديه، بعدها، تطوع مغاربة مقيمون بليبيا بالبحث عنهم بسجن العاصمة طرابلس، دون جدوى. رواية تفيد أن قريب ضحية تلقى اتصالا من "الحراك" ياسين يخبره أنه لحظة وصولهم إلى الشاطئ للإبحار فوجئوا بعصابة يتزعمها "حراكة" تونسيون تحاصرهم ومن ثم اختفى الجميع، وأنه في البداية تمت مساومته بـ500 مليون لإطلاق سراحهم، قبل تخفيض الرقم إلى 250 مليونا بناء على وساطات، إلا أن عائلات ترفض هذا الطرح وتعتبره محاولة من المتهم الرئيسي للتنصل من المسؤولية، على أساس أن "ياسين" دخل في خلاف مع تونسيين بعد أن علموا أنه يتحصل على النسبة الكبيرة من الأرباح، فقرر الاستغناء عن خدماتهم والبحث عن "حراكة" جدد، وهو ما لم يتقبله خصومه، وقرروا الانتقام منه بإجهاض عملية الهجرة واختطاف الضحايا. العلبة السوداء فقط المدعو "ياسين" من يملك حقيقة ما حدث لأبناء البرنوصي، فهذا الشاب المقيم بايطاليا، بعد أن اختفى عن الأنظار، حاول دفع التهمة عنه، مرة بالادعاء أن الضحايا معتقلون في ليبيا ومرة أخرى أنهم اختطفوا من قبل عصابة طالبته بفدية كبيرة. رغم المأساة، ما زال "ياسين" يتجول حرا بإيطاليا، تؤكد أسرة ضحية، إذ أنه معروف لدى المصالح الأمنية بعد نشر صوره، فاعتقاله سيساهم في فك هذا اللغز، وبالتالي التعرف على مصير الضحايا، إن كانوا أحياء تتم إعادتهم إلى المغرب، وفي حال الوفاة، لا قدر الله، على الأقل دفن جثامينهم بمسقط رؤوسهم. وما يزيد الغموض في هذه القضية، أن الوسيط الذي استعان به "ياسين" للإيقاع بالضحايا بسيدي البرنوصي فر إلى تونس، بعد افتضاح الواقعة، إلا أن بعض أقارب الضحايا تمكنوا من الوصول إليه وتسجيل فيديو يعترف فيه بالأمر، فقدم للعدالة التونسية. والغريب أن الوسيط ينوب عنه أربعة محامين تونسيين، وأن جهودا تحبك في الخفاء للإفراج عنه، إلا أن انتقال أسر مكلومة أخرى إلى تونس وممارسة نوع من الضغط، دفعا المحكمة إلى التراجع عن قرار الإفراج. تهم ثقيلة بعد تفجر المأساة، سارعت عائلات الضحايا إلى تقديم شكايات ضد المتورطين أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، أسند فيها التحقيق للفرقة الولائية للشرطة القضائية، قبل أن تتولى المحامية لبنى الصغيري الإشراف على الملف برمته، وتحرير شكايات جديدة ستكلف المتورطين عقوبات مشددة. وأكدت لبنى الصغيري، أن المتهمين موضوع جنح وجنايات عديدة، منها شكايتان بالنصب والاحتيال فصل 540 من القانون الجنائي لأن الضحايا تم استدراجهم إلى الهجرة السرية بطرق احتيالية، إذ تم إيقاعهم في الغلط باستغلال علاقة الجوار والمعرفة من قبل المتورطين، عبر الادعاء أنهم نجحوا في تهجير 400 شاب في وقت سابق، وتقديم صور لفنادق تونسية مصنفة التي سيقيمون فيها بتونس، إضافة إلى أن الإبحار سيتم عبر زورق مطاطي شبيه باليخت، مقابل مبالغ تراوحت بين 30 ألف درهم و50 ألفا. كما يواجه المتهمون جناية تكوين عصابة إجرامية دولية، بحكم وجود عنصرين منهم بالمغرب توصلت العائلات بهويتيهما، وثلاثة تونسيين، أحدهم أفرج عنه بعد اعتقاله من قبل سلطات بلده، والثاني أحيل على قاضي التحقيق. كما ستتم متابعتهم بتكوين عصابة للهجرة السرية حسب القانون 02-03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية، والهجرة غير المشروعة، وعلى الأخص الفصل 52 الذي تشدد في وضع عقوبات على كل متورط في الهجرة السرية سيما إذا انتهت بوفاة، إذ تكون العقوبة السجن المؤبد. وتنضاف جناية الاختطاف إلى لائحة التهم الموجهة للمتهمين، بحكم أن الضحايا لحظة وصولهم إلى تونس وإقامتهم بفنادق فيها، تم نقلهم إلى ضيعة ضواحي مدينة صفاقس وبعدها انقطعت أخبارهم. كما يواجه المتهمون حسب المحامية الصغيري، تهم الاتجار في البشر، سيما أن الغموض يلف وفاة شابين من الضحايا، إذ خلال معاينة جثثيهما لم يبد عليهما أي أثر للغرق، ما يفتح الباب أمام احتمال وجود نشاط للتجارة في الأعضاء البشرية، والتي خصص لها القانون عقوبات مشددة. ضرورة تنسيق مغربي تونسي رغم أن عبد الرحيم مهتاد تخصص في ملف السلفية الجهادية، وجد نفسه موضوع ملف اختفاء "حراكة" البرنوصي، بعد أن استنجدت به عائلات لمساندتها للوصول إلى حقيقة ما حدث لأبنائها. يرى مهتاد أن ملف شباب البرنوصي، هو قضية إنسانية تحتاج إلى التضامن دون قيد أو شرط، لأنها تهم فئة مهمة من الشعب، وهم الشباب، كما مست الأسر المغربية في عمقها. وأكد مهتاد أن المسؤولين في المغرب وتونس، لم يولوا الملف أهمية كبيرة، في حين كانوا مطالبين بالتعامل معه بجدية لوقف نزيف المأساة، سيما أن الضحايا انتقلوا إلى تونس بطريقة قانونية واختفوا دون ظهور أثر لهم، خاصة أنهم إن لقوا مصرعهم غرقا أو يوجدون رهن الاعتقال سيتم الكشف عن الأمر في الحال، لكن أن تعجز السلطات عن العثور على أثر واحد لهم، هذا يفتح الباب أمام تكهنات مقلقة وخطيرة. وشدد الفاعل الحقوقي على أن المطلوب حاليا، تعاون مغربي تونسي لوضع حد لشبكات الاتجار في البشر، ودخول جمعيات مدنية وحقوقية على الخط، لوقف نزيف شباب يحتمل أنه ضحية عصابات دولية، وكل الخوف أن يكون بعضها متخصصا في تجارة الأعضاء البشرية. تعاطف مع الضحايا تباينت مواقف وآراء مواقع التواصل الاجتماعي حول فاجعة البرنوصي، إذ هناك من أبدى تعاطفا كبيرا مع الضحايا وعائلاتهم، في حين حمل آخرون المسؤولية للدولة وللضحايا أنفسهم. وانحاز أحمد في صف المتعاطفين، إذ علق متحسرا " زيرتوهوم من هنا بالبحرية الملكية، مشاو لهيه الله يرحمهوم، خاص حل تاع بصح". أما عماد، فهاجم مسؤولي سيدي مومن والبرنوصي، إذ عبر بنبرة غاضبة " للأسف سيدي مومن مهمش بجميع المقاييس. أكبر كاريان في المغرب مع تعثر والبطء الشديد في إعادة الإيواء. عمالة البرنوصي غائبة تماما عن سيدي مومن و تهتم فقط بإصلاح البرنوصي، أما سيدي مومن بالنسبة لهم لا يوجد رغم أن عدد سكانه 800 ألف نسمة"، وساير هذا التوجه، شاب بالقول "سيدي مومن يجب أن يصبح عمالة مستقلة، لا يعقل كل السكان يعانون غياب أبسط المرافق"، هذا في الوقت الذي تحسر آخر بالقول "فالأجدر مساعدتهم قبل مغامرتهم نحو المجهول أما الآن فات الأوان، لا يسعنا إلا أن نقول في حقهم إنا لله وإنا إليه راجعون". أنس، قدم درسا في الحياة حول ما حدث "الإنسان العاقل بطبيعته لا يريد شيئا من غير الشعور بالأمان والإحساس بالطمأنينة . الفقر ظرف مرعب جدا ويشعر الإنسان بالخوف، خصوصا الأشخاص الذين يتأرجحون بين الطبقتين. هناك صنفان من المهاجرين، الأول يبحث عن لقمة العيش والثاني يبحث عن البيئة التي تشعره بالأمان والراحة . الصنف الأول يهاجر عبر القوارب والثاني عبر المطارات. راه وزراء عدنا ويمتلكون جنسيات أوربية تحسبا لأي طارئ، فما بالك إذن بالمواطن البسيط . الكل يريد أن يعيش وليس الصراع من أجل البقاء". أما علاء الدين، فكان له موقف مخالف للجميع، إذ صرح قائلا "بلا ما نبقاو نكذبو على ريوسنا، تقرا مزيان تخدم مزيان، الأغلبية ديال الحراكة لا مستوى دراسي لا والو.الغاية من الحريك هو طمع الدنيا. الكل يلهث وراء المال والعياذ بالله".

“حراكة” البرنوصي… الدم المغدور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الكفاءات قبل الولاءات بالتعليم العالي

تامازيغت... "وصفات" بنكهة التعدد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات