كينشاسا… الطريق إلى الجحيم

نهب وسرقات أمام أعين الأمن وليلتان سوداوان للجمهور ظروف عصيبة عاشتها الجماهير المغربية، وهي في طريقها إلى كينشاسا، حيث حل المنتخب الوطني ضيفا على نظيره الكونغولي، الجمعة الماضي، بملعب الشهداء، لحساب ذهاب الدور الفاصل، المؤهل إلى نهائيات كأس العالم بقطر 2022. بدت رحلة الجمهور أشبه بأفلام الرعب والمغامرة في الأدغال الإفريقية، دون أن يدرك مصيره، وإلى أي جهة يتجه، قبل أن يصطدم بواقع مرير محفوف بالمخاطر، منذ حط المشجعون أقدامهم بالمطار، ثم في طريقهم إلى الملعب، لتشجيع الأسود أمام "الفهود" في ذهاب حارق ومصيري، في انتظار انتزاع بطاقة المرور إلى كأس العالم في إياب لن يكون سهلا، رغم خطف تعادل ثمين من ملعب "الرعب" بكينشاسا. هجوم على الموكب ما إن تطأ قدماك مطار كينشاسا، حتى تلمس في وجوه الكونغوليين نزعة دفينة للانتقام ورد الدين، مع أن الأمر يتعلق بمباراة كرة القدم. وتكاد تنعدم عبارات المجاملة والترحيب، حتى من رجال الأمن والموظفين أنفسهم. الكل يشير بأصابع يديه، أننا سننهزم بثلاثية، في إشارة منهم إلى هزيمة الأسود أمام الكونغو في تصفيات مونديال 1974، وما رافق ذلك من اعتداءات على اللاعبين وظلم تحكيمي، لم تشهده ملاعب الكرة على الإطلاق. مشاهد الرعب والفوضى انطلقت من المطار، لتتواصل أثناء توجه المشجعين والوفد الإعلامي عبر موكب أمني، وسط عاصمة المتناقضات، إلا أن ذلك لم يمنع من الهجوم على المشجعين بعبارات التهديد والوعيد، مصحوبة برقصتهم المشهورة، بإشارة الضرب بالسياط على المؤخرة. تخفي ابتسامة الكونغوليين الكثير من الغموض والأسرار، فهم يعطون الانطباع أن الاستقبال عاد ومألوف في مثل هذه المباريات المصيرية، إلا أن سنحات وجوههم، الغارقة في الفقر المدقع والتهميش، وطريقة حديثهم، تؤكد أنها مجرد وسيلة للاستدراج، قبل السطو عليك، ولو بانتزاع هاتفك المحمول، حتى ولو كنت داخل حافلة خاصة، ومحاطة برجال الأمن. هكذا كان حال المشجعين المغاربة منذ الحلول بكينشاسا، استفزازات وفوضى عارمة واعتداءات، كما لو أن احتجاج الجامعة، لدى "فيفا" و"كاف" مجرد حبر على ورق، ولم يغير أي شيء في واقع الحال. احتلال الطرقات وجدت الجماهير المغربية الجيش الكونغولي في استقبالها لدى وصولها إلى العاصمة، من أجل تأمين مرورها إلى الفندق قبل التوجه إلى ملعب الشهداء. وعاينت «الصباح»، وجود وحدات كثيرة من الجيش الكونغولي وسيارات الأمن والشرطة ، لتسهيل عملية مرور مناصري الأسود إلى الفندق، ومنه إلى ملعب الشهداء. وطوق الجيش الكونغولي الجمهور المغربي، بسبب تدفق أعداد كبيرة من الجماهير الكونغولية إلى المطار، لمواصلة عمليات الاستفزاز والتهديد، التي انطلقت منذ وصول البعثة الإعلامية المغربية، الاثنين الماضي، إلى كينشاسا، وتواصلت مع وصول وفد المنتخب الوطني الثلاثاء الماضي، واستمرت إلى مساء الجمعة. وتسبب الجمهور الكونغولي في ارتباك حركة المرور بكينشاسا، إذ اضطرت الحافلات التي تقل الجمهور المغربي ووسائل الإعلام وبعض الشخصيات الرسمية والرياضية، إلى التحرك بشكل بطيء جدا، لصعوبة تحرير الطريق من الجماهير، التي حاولت بشتى الطرق استفزاز المغاربة، من خلال التوعد بكلام ناب وإشارات وحركات مستفزة. وعانى الأمن صعوبات كبيرة في ضمان مرور موكب الجمهور المغربي بشكل سلس، الشيء الذي أعاق عمليات نقله إلى الملعب في ظروف آمنة. الاختناق يحبس الأنفاس لم يشكل الاختناق المروري الاستثناء في كينشاسا، لأنها معتادة على ذلك، بسبب ارتفاع عدد سكانها بشكل ملفت (14 مليون نسمة)، فلا يمكن أن تعبر الشارع بسهولة، دون أن تضع يدك على قلبك خوفا من تعرضك لحادث سير، في ظل السرعة المفرطة لمختلف أنواع السيارات المهترئة والدراجات النارية، أو التعرض لعمليات نهب وسرقة هاتفك المحمول على الأقل. ويبدو أن الازدحام المروري والفوضى يتعايشان بكينشاسا، فلا يمكن التفريق بينهما، فكلاهما متلازمان. كما أن السلطات الكونغولية عاجزة عن إيجاد حل لهذه الظاهرة، فاسحة المجال للفوضى في كل شيء. أما الأمن، فهو يطبق المثل القائل، "كم حاجة قضيناها بتركها". احتاج المشجعون إلى ثلاث ساعات لقطع الطريق الرابطة بين المطار وملعب الشهداء، تحت رحمة طوابير السيارات. وقد تمضي ساعات أخرى إضافية، عندما يتعلق الأمر بمباراة مصيرية، كما حدث مع المشجعين المغاربة، الذين عاشوا لحظات عصيبة، أثناء التوجه إلى الملعب، الأمر الذي جعلهم يغادرون الحافلات لقطع مسافة 150 مترا مشيا، وسط حشد من الجماهير الكونغولية، بعدما عجز الأمن عن حفظ النظام وتأمين مسيرهم، وبينهم صحافيون، وضعوا أيديهم على قلوبهم، قبل الوصول إلى المسماة تجاوزا "المنصة الصحافية". السرقة أمام أعين الأمن تعرض العديد من المشجعين والصحافيين للنهب والسرقة، أثناء التوجه إلى الملعب. وفوجئ صحافيون بسرقة هواتفهم المحمولة، حتى إن صحافيا بقناة العيون المغربية اضطر إلى النزول من الحافلة، لمطاردة لص سرق منه هاتفه، ونجح في استرداده وسط تصفيقات زملائه، فيما آخر سلب منه أمام أعين رجال الأمن، وهو يهم بالدخول إلى الملعب. في البداية يستدرجك اللصوص بطلب قبعة المنتخب والقميص، الذي سلمته السلطات المغربية إلى المشجعين المغاربة، قبل أن يسطوا على أغراضك، بمباركة من رجال الأمن. والغريب في الأمر، أن أفرادا من الشرطة يعتمدون الأسلوب نفسه في الاستدراج والنصب، كما وقع مع المصور عبد المجيد رزقو، مصور موقع الشركة الوطنية للتلفزة المغربية، عندما حاول شرطي سرقة كاميرا التصوير، ليصرخ في وجهه "كيف ترتكب هذا السلوك، وأنت رجل أمن يفترض فيك الحفاظ على النظام العام". ارتباك في العودة لم تنته معاناة الجماهير المغربية بالعودة إلى مطار كينشاسا، ومنه إلى أرض الوطن، مباشرة بعد نهاية المباراة، بقدر ما استمر ساعات أخرى، بسبب الارتباك، وسوء التنظيم وكثرة الرحلات الجوية، المبرمجة في اليوم نفسه. وقع تأخير في مواعيد العودة إلى المغرب، ومنهم مشجعون احتجوا بسبب ما أسموه تعرضهم للنصب، بعد مطالبتهم بمبلغ إضافي قيمته 55 دولارا، الأمر الذي أحدث غليانا في صفوف المشجعين. أما الرحلتان المنظمتان من قبل هشام أيت منة، رئيس شباب المحمدية، فمرتا في ظروف مناسبة، بسبب حسن تنظيمهما ووقوف المكلف بهما شخصيا على سير الرحلتين، منذ الوصول إلى مطار كينشاسا، ومنه إلى أحد الفنادق، حيث تناول المشجعون وجبة غداء، ثم التوجه إلى ملعب الشهداء في رحلة أشبه بجحيم حقيقي. ليلتان سوداوان للجمهور قضت الجماهير المغربية ليلتين عصيبتين منذ الحلول بكينشاسا لمؤازرة الأسود أمام الكونغو الديمقراطية، فلم يذق مناصرو الأسود النوم طيلة 48 ساعة، ناهيك عن المضايقات والاستفزازات، التي تعرضوا لها من قبل مشجعي الكونغو. وحسب العديد من الشهادات، التي استقتها "الصباح"، فإن رحلة كينشاسا أشبه ب"كابوس" وجروحها لن تندمل بسرعة، في الوقت الذي ذهب مشجعون آخرون إلى أنها سوف تكون الرحلة الأخيرة بالنسبة إليهم إلى هذا البلد، الوافد إليه مفقود، بسبب ما رافقها من نصب ونهب واعتداءات وتهديد ووعيد. ورغم كل هذه المضايقات، إلا أن الجماهير المغربية احتفت بتعادل المنتخب الوطني من قلب ملعب "الرعب"، في انتظار تحقيق الأهم، المتمثل في انتزاع بطاقة التأهل إلى المونديال، غدا (الثلاثاء)، بملعب مركب محمد الخامس في البيضاء، لحساب إياب الدور الفاصل، المؤهل إلى نهائيات كأس العالم بقطر 2022. الداخل مفقود اصطدمت الجماهير المغربية، ومعها الوفد الإعلامي المرافق لها، بواقع مختلف، وغير مسبوق، ليس بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، السائدة في هذه الفترة بكينشاسا، بل لمضايقات الكونغوليين واستفزازاتهم المتكررة، التي عاناها المشجعون أثناء التوجه إلى الملعب، واستمرت طيلة مقامهم، دون أدنى اعتبار لمبدأ استقبال الضيوف والروح الرياضية، التي تعتبر كرة القدم مجرد لعبة لتقريب الشعوب، وليس لإشعال فتيل الفتنة، أو بالأحرى زرع الرعب في صفوف مشجعي الفريق المنافس. بدا واضحا أن الرحلة إلى كينشاسا لتشجيع الأسود، أشبه بالمهمة المستحيلة، أو صوب المجهول، الذي يخبئ الكثير من المفاجآت غير السارة، دون أي يعي الوافد إليها، أنه قد يتعرض لكل أشكال المضايقات والتعسفات، وأحيانا إلى الضرب، فقط لأنك مشجع منتخب الضيف، وهو ما يترجمه المثل الشهير "الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود". تهديد ومضايقات قضت الجماهير المغربية 48 ساعة من الجحيم، وسط تهديدات ووعيد ومضايقات واستفزازات، إلى حد الاعتداء على صحافية مغربية، لتتواصل بمدرجات الملعب. الكل في كينشاسا كان مجيشا لفوز منتخب الكونغو بحصة عريضة، وكأن المنتخب المغربي سيكون لقمة سائغة أمام "الفهود". لا تهم الطريقة المعتمدة في التشجيع، بقدر أن الأهم عند المشجعين الكونغوليين، هو الاستفزازات والمضايقات ونهب وسرقة كل من يفد على العاصمة لتشجيع المنتخب المنافس. هكذا استعدت كينشاسا للمباراة واستقبال ضيوفها، وسط ارتباك كبير وسوء تنظيم غير مسبوق، حتى إن رجال الأمن المكلفين، فقدوا السيطرة على حفظ النظام العام، أمام حشد جماهيري كبير ظل مرابضا على طول الطريق إلى ملعب الشهداء، تارة يتوعدك بخسارة مذلة، بالاعتماد على لغة الإشارة. إنجاز: عيسى الكامحي وتصوير: أحمد جرفي (موفدا "الصباح" إلى كينشاسا)

كينشاسا… الطريق إلى الجحيم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تغييرات في تشكيلة الأسود

التحقيق في شغب مباراة كينشاسا

مقالات ذات صلة