اللاعبون بالنار

المغرب مريض هذه الأيام، وقد يدخل غرفة الإنعاش في أي وقت، مثله مثل باقي الدول التي أنهكتها تداعيات جائحة عالمية استمرت أكثر من سنتين، وزادت عليها موجة غلاء فاحش في المواد الأولية وأسواق المحروقات، وأجهزت عليها حرب مدمرة في شرق أوربا. فلا ينكر إلا جاهل، أو خائن، الضربات الموجعة التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني، بعد انهيار أغلب التوقعات والتوازنات التي بنت عليها الحكومة قانون مالية 2022، سواء في ما يتعلق بسعر برميل البترول، أو سعر غاز البوتان، أو نتائج الموسم الفلاحي وقيمته الإضافية الضعيفة التي سترخي بظلالها على نسبة النمو ومستوى التضخم، وتفاقم العجز العام في الميزانية. فيجب الإقرار بأن الوضع أكثر من سيء على جميع المستويات، إذ سيُفرض على الحكومة إنجاز مهمتين لا تقل خطورة واحدة عن الأخرى، ويتعلق الأمر، أولا، بالحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية في ظل أسواق عالمية متقلبة، وموسم جاف، وثانيا، حماية القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا في رمضان، وتخصيص مزيد من الدعم للقطاعات الاجتماعية المتضررة. ونكاد نرى بالعين المجردة المجهودات الاستثنائية التي يبذلها وزراء وموظفون ومستشارون وخبراء في التقليل من حدة الأزمة والتحكم فيها على الأقل خلال الأشهر المقبلة، لكن نرى، أيضا، مسؤولين آخرين لا يهمهم من كل هذا الذي يجري في المغرب، سوى مصالحهم الذاتية الضيقة، وأنانياتهم المريضة و"لهطتهم" على المال العام. فما يقع في بعض المؤسسات المنتخبة (برلمان-غرف مهنية-جماعات) ومؤسسات عمومية وقطاعات وزارية من "تسابق" على الامتيازات والسيارات والمحروقات والفيلات والمساكن الوظيفية والسفريات والصفقات المشبوهة، مخجل جدا، ولا يمت بصلة إلى أخلاق المغاربة. فالفقهاء الذين كنا ننتظر بركتهم، هم الذين دخلوا إلى المساجد بنعالهم، مصرين على إعطاء صورة سيئة عن التضامن الوطني وقت الأزمات، وعلى التجند التلقائي للجميع من أجل شد الحزام، والاكتفاء بالأساسيات، وعدم الاقتراب من الكماليات إلا للضرورة القصوى. وهنا، سنكتفي بمثالين: المثال الأول، يتعلق بالتفعيل المفرط للفصول المتعلقة بشراء وكراء السيارات الفارهة بماركات عالمية، وهي عادة مرضية يشترك فيها السواد الأعظم من رؤساء الجماعات الترابية ونوابهم، وبعض البرلمانيين الذين يتحملون مسؤولية في التسيير. ورغم التعليمات الصارمة لرئيس الحكومة التي حث فيها على ترشيد نفقات شراء وكراء السيارات والنفقات المتعلقة بالنقل والتنقل داخل المغرب وخارجه والفندقة والاستقبالات، فإن ذلك لم يزد بعض المسؤولين إلا غيا وكفرا بالمال العام. المثال الثاني، يتعلق بأسلوب الابتزاز ضد الدولة الذي يمارسه بعض المتدربين في الطيران المدني الذين يشهرون ورقة "الاستقواء بالخارج"، من أجل الحصول على رواتب شهرية تعادل راتب رئيس حكومة، أو أكثر. فهؤلاء يعتقدون أن الطائرات المغربية ستكف عن الإقلاع، دون "خبرتهم" التي لا تتعدى أربع سنوات بمعهد فرنسي، مؤدى عنها من قبل الدولة عبر تسهيلات في القروض، ووعد بالعمل في الخطوط الملكية، وهو الوعد الذي تحول إلى مقايضة رخيصة: الراتب العالي، أو الاحتجاج. فرجاء، ارحموا وطنا لا يتحمل مزيدا من الطعنات. كفوا عن اللعب بالنار. فقد تحرقكم أولا.

فساد في صفقات "أسواق القرب"

ابتزاز جنسي يسقط 40 ضحية

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات