مهمة في تل أبيب

من الطابق الخامس والعشرين لأبراج عزرائيلي، يمكنك رؤية تل أبيب بوضوح أكبر. من هذا المكان الشاهق، وسط مثلث من ثلاثة أبراج، بأشكال مختلفة، تبدو العاصمة الإدارية لإسرائيل مثل ساعة سويسرية شديدة الدقة، لا تتوقف إلا عند الأضواء الحمراء. مدينة تتلألأ وسط فسيفساء متناسق من الطرق والممرات والمحاور والأنفاق الصغيرة، تحفها من كل الاتجاهات عمارات شاهقة وإدارات ومستشفيات ومعاهد ومتاحف ومجمعات ومقاه ومطاعم ومحلات ماركات عالمية. كل شيء هنا، يذكرك بأن صنع المستحيل وسط صحراء قاحلة، لا يتطلب إمكانيات كبيرة، بل مجرد إرادة قوية، بدليل أن واحدا من أكبر الأبراج العملاقة بهذه المدينة شيد، في 1999، على أنقاض مطرح للنفايات، ويعد اليوم قبلة لملايين السياح والزوار، الذين يجلبون العملة الصعبة للبلد. وأنت بمقاهي أبراج عزرائيلي، الواقعة في الطابق السفلي، أو مقاهي برج "شالوم مائير"، أو المركز التجاري "ديزينغوف سينتر"، وغيرها من الفضاءات الأخرى، يمكن أن تطلب ما تشاء بأي لهجة من اللهجات العربية، لأن الجميع سيفهمك هنا ويحتفي بك. أما إذا كنت مغربيا، فستجد ألف شخص يدلك على مئات المغاربة اليهود المتحدرين من عدد من المدن المغربية، يشتغلون في الدولة والجيش والأمن، وآخرين رجال أعمال وتجار ومنعشين عقاريين وأصحاب مصانع ومقاولات ومهن حرة. وحتى بمدينة القدس، التي تبعد بحوالي 64 كيلومترا عن تل أبيب، لن تتجول في وسط الأحياء والحارات العتيقة، أو تزور المساجد والمعابد والكنائس، دون مرشد من أصل مغربي، يستطيع أن يسرد عليك تاريخا إنسانيا عريقا من التسامح الديني، يمتد إلى عشرات القرون، كما سيرحب بك رجال دين من فلسطين وإسرائيل، يعتبرون السلام بين الدولتين قدرا ربانيا محتوما. بعيدا عن القدس، وفي الطرف الآخر من إسرائيل، لا تكف "ماكينات" إنتاج الثروة عن الاشتغال دون انقطاع، إذ تحيط بتل أبيب، عدد من المناطق الصناعية الممتدة على عشرات الهكتارات توفر بنيات تحتية متطورة لآلاف المستثمرين ورجال الأعمال القادمين من مختلف بقاع العالم. فأحسن لغة يتقنها الإسرائيليون هي لغة "البزنس" والعقود والشراكات ومؤشرات مكاتب الدراسات وأسهم البورصات، إذ يستقبل مطار بن غوريون الدولي، يوميا، عشرات الوفود والتمثيليات والتجمعات المهنية الذين يأتون إلى هذا المكان، بحثا عن الربح المتبادل، وتشبيك المصالح الاقتصادية وتوطين رؤوس الأموال. بالمقهى المختص في الوجبات اللبنانية، القريب من بيت "سوكولوف" (دار مجلس الصحافيين الإسرائيليين)، لم يكف زميلي الفلسطيني عن الثناء على المبادرة المغربية لإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال لي إننا محظوظون بملك أدرك، منذ تربعه على العرش، أن السلام الحقيقي لا يصنع بالشعارات والخطابات الرنانة، والمزايدات والقمم والبيانات الختامية، بل بقرارات تاريخية شجاعة، تعتبر حقوق الفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم خطا أحمر. الكثيرون يتحدثون هنا عن المغرب باحترام كبير، ويتابعون مستجدات السياسة والتنمية والاقتصاد، ويعرفون أكثر مسارات التطور في الأوراش الإستراتيجية الكبرى، التي أطلقها الملك في عشرين سنة الماضية، ويعرفون أن العلاقة بين المغرب وإسرائيل، هي أكبر من مجرد مبادرة للتطبيع قد تنجح أو تفشل. إنها علاقة دم وأخوة ومصير. فآلاف المغاربة اليهود يعتبرون المغرب بلدهم الأول. والملك محمد السادس ملكهم. وهنا الفرق الذي لا يفهمه الكثيرون.

مهمة في تل أبيب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوكالات الحضرية تخضع للحق في المعلومة

الحرب والجفاف والجائحة..."تزيار السمطة"

مقالات ذات صلة