إضراب القضاة والمحامين وحماية منظومة العدالة

هناك طرق عديدة للاحتجاج منها حمل الشارة وعقد ندوات مخصصة لهذه الغاية كان قطاع العدالة قبل بروز مفهوم الربيع العربي حاضرا بقوة ضمن أجندة الدولة، إذ يعتبر الخطاب الملكي السامي لـ20 غشت 2009 الفيصل والمرجعية الأساسية التي رسمت خارطة الطريق للدفع بمنظومة العدالة نحوى آفاق أفضل. فالقاضي والمحامي باعتبارهما محور العدالة وأسرة واحدة بمفهوم المادة الأولى من القانون المنظم لمهنة المحاماة، رقم 08/28 يسهران على حماية حقوق المتقاضين عن طريق التطبيق الأسمى للقانون، وبالتالي فوضعية القاضي والمحامي داخل المجتمع تختلف عن باقي المواطنين، على اعتبار أن هناك خصوصيات يتميز بهما هذان الجهازان. ونظرا لأهمية العدالة بصفة عامة وجهاز القضاء بصفة خاصة سواء على المستوى الوطني أو الدولي، فقد ارتأى صاحب الجلالة، أن يعزز مفهوم استقلال القضاء الذي يظل إلى زمن بعيد مادة دسمة قابلة للنقاش من طرف الفقه القانوني بمختلف أطيافه، الأساتذة الجامعيون والمحامون والقضاة. وذلك بالتركيز على الخطاب السامي ل 9 مارس 2011، الذي تمخض عنه ولادة دستور جديد فاتح يوليوز 2011، الذي ارتقى بالقضاء إلى مصاف سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية (الفصل 107)، وواكب مفهوم الحريات التي يدافع عنها المحامي. المحور الأول : فلسفة مفهوم الحق في حرية التعبير للقضاة والمحامين مما لا شك فيه أن الفصل 111 من الدستور قد حدد الإطار العام للقضاء من خلال سنه مقتضيات تتعلق بالحق في حرية التعبير، مع إمكانية انخراط السادة القضاة في جمعيات مهنية، هذا النص يستشف منه أن الحق في حرية التعبير للقاضي غير مطلق بل هو مقيد، لأن الأمر يتعلق بالقاضي. والمحامي بدوره يعبر بدون قيود منذ تقلده الرسالة النبيلة وارتداءه البذلة السوداء عن حرياته من أجل رفع الظلم والحيف، الذي يخيم على أي مواطن سواء من المواطن نفسه أو من خلال بعد القوانين التي تضيق من حريته. فالقضاء والمحاماة هما اللذان يوليهما المواطن/المتقاضون مكانة خاصة، فالقاضي له رمزيته ودلالته الخاصة في المجتمع، ويجب أن يكون كذلك لعدة اعتبارات، لأنه هو الذي يعول عليه المشرع في التطبيق السليم للنصوص القانونية، وهو الحامي لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون (الفصل 117) من الدستور، وهو ولي من لا ولي له وفق قواعد الفقه الإسلامي، بل الأكثر من ذلك قد يستقر التوجه القضائي على تفسير معين، يتحول على إثره إلى قاعدة قانونية تصبح ملزمة للجميع . ويعتبر المحامي الجبهة المدافعة عن تحقيق آمال المواطنين / المتقاضين بكل الآليات والوسائل المشروعة التي يتيحها القانون، وفي أي ظرف من الظروف مهما بلغت الأسباب والأحكام القضائية، فإنه يقف بجانب الضعيف، فهو الذي يؤدي الرسالة بإخلاص وتفان إلى جانب القضاء، والذي يدافع عن المتقاضي مجانا في إطار ما يسمى المساعدة القضائية . لكل هذه الأسباب، خاض القضاة، الوقفة الاحتجاجية أمام محكمة النقض السبت 6 أكتوبر 2012 مرتدين بذلهم، فقد وسعت هذه الوقفة مقتضيات الفصل 111 من الدستور الجديد أكثر من اللازم، لا يمكن أن يجنح القضاة إلى الشارع العام، على اعتبار أن جهاز القضاء له خصوصية في ممارسة المهنة القضائية، بصيغة أخرى لا يمكن أن نقارن بين الوقفات الاحتجاجية للقضاة مع باقي المهن الأخرى التي تدور في فلك العدالة من كتاب الضبط والمحامين والنساخ والعدول، لأن القاضي في التنظيم القضائي الحالي يصدر الأحكام باسم الملك ( الفصل 124) ويحظى برعاية وضمان ملكي في جميع ما يخص الشأن القضائي (الفقرة الثانية من الفصل 107) .وعليه هناك طرق عديدة للاحتجاج منها مثلا حمل الشارة داخل المحاكم، عقد ندوات مخصصة لهذه الغاية مع استدعاء وسائل الإعلام بمختلف مشاربها، حتى تصل الرسالة إلى من يهمه الأمر والمواطنين أيضا. ومن ثم فعبارة الحق في التعبير الواردة في الفقرة الأولى من الفصل 111 من الدستور الجديد ، تقابلها كلمة التحفظ الواردة في الفقرة نفسها، وهو يعني / التحفظ أن القاضي لا ينبغي أن يضع نفسه في موقف يمكن أن يفسر على أنه توجه نقابي أو سياسي أو إيديولوجي. بل وحتى المرجعية الفقهية المستوحاة من الفقه الإسلامي تجعل القاضي بعيدا كل البعد عن خرق مبدأ التحفظ في جميع مناحي سلوكه، وانطلاقا من ذلك ففلسفة الحق في حرية التعبير ينبغي أن تبقى في إطارها الضيق بما يتلاءم مع قيمة القاضي داخل قطاع العدالة وفي مخيلة المواطن / المتقاضي.أما بخصوص الوقفة التي نظمها المحامون يوم 29 نونبر 2013، فإنه جاءت في سياق معين، نتيجة لفشل إشراك المحامين إصلاح منظومة العدالة، الذين تفاجؤوا بمجموعة من المقتضيات الواردة في التوصيات والتي تقزم مهنة المحاماة، وتجعلها مسيجة بصعوبات قانونية، عكس فلسفة المحاماة التي تبدأ وتنتهي بالحرية في الدفاع في إبداء الرأي في تحمل مناصب الدولة.إن الفرق بين الوقفتين يتجلى في أن القضاء جهاز له دلالته باعتباره الوحيد الذي يفصل في الخصومات ونزاعات المتقاضين، ويتميز القانون الأساسي المنظم لهم بعدة خصوصيات منها عدم انتمائهم إلى أي جهات أخرى. أما المحامون، فلهم الحق وفق القانون أن ينتموا إلى نقابات أو جمعيات أو أحزاب، لأن المحامي هو الرجل القانوني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الذي يواكب هموم المواطن، لكن لا اعتقد أن الوقفة الأخيرة للمحامين كانت بغرض سياسي، بل بغرض نضالي لتحقيق مطالب هي التراجع عن تفعيل مؤسسة النيابة العامة كرقيب على المحامي، ومحاولة إشراكهم من جديد في مشروع ميثاق إصلاح العدالة . المحور الثاني : انعكاس حرية التعبير على ورش العدالة بالمغربإن ورش العدالة بالمغرب من صلب اهتمام الدولة، لأن هناك إرادة ملكية ورغبة واضحة لإصلاح الشأن القضائي، وهو ما يتجلى عن طريق تكثيف الجهود من خلال الأوراش التي انعقدت على مستوى الجهات بالمغرب حاليا، والتي لم تغفل المطالب الخاصة بالسادة القضاة والحامين في مضمونها ومناقشة محاورها، سواء من حيث الأجر أو من حيث الاستقلال أو من حيث الوضعية الاجتماعية أو تكافؤ الفرص بالنسبة إلى القضاء من جهة، ومن حيث إعادة النظر في قانون مهنة المحامين من جهة أخرى. هذه التظاهرات العلمية التي تهتم بشأن إصلاح ورش القضاء، أصبحت تستأثر حتى المواطن العادي، من ثم فإن الباحث القانوني يفسر حرية التعبير للقضاة ضمن الندوات وفي المحافل الوطنية على أنها سنة محمودة توحي بأن القاضي استطاع أن يصل صوته وأفكاره، ويعبر عن الاكراهات والصعوبات التي ربما تواجهه داخل عمله بشكل مضمون دستوريا، إذن فهذا التعبير ينعكس ايجابيا على ورش العدالة من خلال إيجاد حلول فورية من قبل الدولة سواء على المدى القريب أو المدى المتوسط . أما احتجاج المحامين وإن كان استثنائيا، فإنه يخدم مجريات العدالة بما تتضمنه حرية الرأي والفكر لأصحاب البذل السوداء بالمغرب، فهم ما فتئوا يطالبون عن طريق وقفة احتجاجية بفتح الحدود، وذلك بمؤتمر السعيدية خلال هذه السنة، وهم يعبرون عن نصرة قضية الصحراء المغربية في شتى المحافل الوطنية والدولية. لكن في المقابل، إذا لم تتح الفرصة بالشكل الجيد لقضاة من أجل التعبير عن مطالبهم، قد حدد لهم الدستور الجديد إمكانية الانخراط في جمعيات مهنية المخول إليها تحقيق المطالب عن طريق التواصل مع القنوات المسموح بها قانونا، ولا يجوز اللجوء إلى الإضراب أو الوقفات الاحتجاجية خارج الإطار القانوني لرجال القضاء والدستور الجديد، لأنه يخشى تسييس انتفاضة القضاة وهو ما يخالف مبدأ الحياد الذي ينبني عليه القضاء، لأنه إذا تم ذلك قد تنعكس حرية التعبير سلبا على ورش العدالة ببلادنا، وبالتالي يصبح إضراب القضاة لا يحمي منظومة العدالة. فالمناظرات الوطنية التي تهدف إلى وضع الأركان والأسس لإصلاح ورش القضاء لها دلالة واضحة تعبر عن الرغبة الكبيرة في تسريع وتيرة إصلاح ورش العدالة لما له من غاية مثلى لمصلحة البلاد والعباد، في المقابل يجب على الدولة أن تكثف من مجهوداتها من أجل إدخال المستجدات الخاصة للسلطة القضائية إلى حيز التنفيذ، مع احترام تام لحرية المحامي بما يخدم قطاع العدالة بشكل جيد . ذ.صالح اشطيبي

إضراب القضاة والمحامين وحماية منظومة العدالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال سارق بمحيط ابتدائية الرباط

حق المحافظ في إعادة تقدير المصرح به من طالب التقييد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات