الجنس مقابل النقط… سنوات من الاستغلال

فضيحة ضربت الجامعة وكشفت عن عقليات مريضة هي قضية تفجرت في جامعة الحسن الأول بسطات، شكلت الحدث على مر الأسابيع الأخيرة، وكانت حديث العام والخاص، بل امتدت تداعياتها إلى خارج المغرب، لأنها قضية ليست عادية، لا بالنسبة إلى المتهمين المفروض فيهم إعطاء القدوة داخل الحرم الجامعي، ولا حتى الضحايا، اللواتي أرغمن على الرضوخ لتلك العلاقات الشاذة ولم يجرؤن على فضحها مخافة انتقاد المجتمع، أو حتى اللواتي وجدن ضالتهن في مثل هكذا علاقات لتسلق سلم النجاح، بعيدا عن المثابرة، هي قضية بين المحاكم يتابع فيها خمسة أساتذة جامعيين واحد منهم أمام الجنايات، والأربعة الآخرون أمام المحكمة الابتدائية. الجنس مقابل النقط هو عنوان لخلل داخل المجتمع، تتقاسمه جميع مكوناته، ولا يقف عند الأستاذ والطالبة. كريمة مصلي ملف الجنس مقابل النقط، يعود لسنوات ماضية، وبالضبط إلى 2016، عندما قام أحد الطلبة بالجامعة بفضحه والإشارة إلى تورط أساتذة في نسج علاقات مع طالبات، غير أن تلك الاتهامات حينها لم تجد طريقها إلى البحث والتحري، من قبل عمادة الكلية أو رئاسة الجامعة، بل شكلت اتهاما مباشرا لذلك الطالب الذي وجد نفسه أمام قضية تشهير وقذف، قدمها ضده بعض الأساتذة المتابعين في الملف، في محاولة لإسكاته، كما أن شكاية الضحية التي آزرها في محنتها، والتي وضعتها أمام إدارة الجامعة لم تأخذ مسارها القانوني، ومن ضمن المضايقات التي تعرض لها الطالب والذي كان ساعتها عضوا داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أنه اتهم بالغش في الامتحان. محادثات "واتساب" رغم الشكايات التي كانت توضع أمام إدارة الكلية، أو ما يتم تداوله على نطاق واسع بين الطلبة بشأن الاعتداءات والتحرشات الجنسية، التي كانت تشهدها رحاب كلية الحقوق، والاتهامات المباشرة لأساتذة بعينهم بالوقوف وراءها والتلاعب، الذي تعرفه النقاط المحصل عليها، إلا أنها ظلت طي اللامبالاة، لولا خروج محادثات "واتساب" كانت بمثابة الشرارة لفضح ما تشهده الكلية، إذ وثقت تلك المحادثات لرسائل جنسية بين أستاذ وطالبته، اعترفت خلال الاستماع إليها بضغطه عليها لأجل استغلالها جنسيا وشقيقتها، بل استباح كذلك عرض والدتهما بعد أن طلب منها السماح له بممارسة الجنس مع والدتها من خلال 123 مكالمة تم رصدها، وهي الطلبات التي أكدت الضحية أنها كانت تسايره فيها مخافة نفوذه داخل الكلية، في محادثات ليلية، عن طريق "واتساب"، وهي المحادثات التي كانت وراء تفجير الملف بعد أن تم تداولها بين عدد من الطلبة، لتنهال باقي الرسائل الإباحية في الملف وتجر أساتذة آخرين للبحث. تزوير النقاط الانحرافات المنسوبة للأستاذ الجامعي، طالت كذلك تزوير نتائج أوراق الامتحان لفائدة عدد من الطلبة، ضمن الماستر الذي كان يشرف عليه. ولم يتوقف الأمر عند الاستغلال الجنسي للطالبات، بل وصل حد تزوير النقط لأشخاص تربطه بهم مصالح شخصية، نظير خدمات أو امتيازات. كما تفنن الأستاذ المتهم في طرق استغلال ضحاياه، إذ كان يرسل لهن صورا تجمعه بشخصية سياسية نافذة، تربطها علاقة قرابة لانتمائهما للمنطقة نفسها. كما كان يعمد إلى الوساطة بين الطالبات وبعض الأساتذة لأجل منحهن نقطا تمكنهن من النجاح في الامتحان، متجاوزا كل القوانين. واعترف الأستاذ المتهم خلال البحث معه من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أنه المشرف والمنسق على الماستر والمشرف كذلك على التصحيح، وأن التغييرات التي لحقت بعض النقاط، هو من قام بها بعد مراجعتها من قبل الفريق البيداغوجي، وتم ذلك دون الكشف عن هوية الطالب باستثناء رقم مقعده. وأشار الأستاذ صاحب المحادثات الساخنة إلى أن ادعاء وجود مصالح شخصية، نظير خدمات أو امتياز، تجمعه بالطلبة الذين تحوم حولهم شبهات بشأن تزوير النقط لفائدتهم، غير صحيح. فيديوهات الجنس أمام الفضائح التي حملتها رسائل "واتساب"، ذاع صيت الفضيحة، لكن بقي جزء خفي، تم الكشف عنه من خلال تداول مقاطع فيديو توثق للاستغلال الجنسي لإحدى الطالبات من قبل أستاذ، هو الآن متابع جنائيا بهتك العرض والتحرش الجنسي، صورتها الضحية لأجل وضع حد للابتزاز، الذي كانت تتعرض له، والذي انطلق داخل أحد المدرجات، التي كانت تجري بها امتحانا كتابيا، ومن سوء حظها أن من كان مكلفا بالحراسة سيحول حياتها إلى جحيم، بعد أن اختلق واقعة اتهامها بانتحال صفة طالبة أخرى ليتوجه نحوها ويحجز بطاقة الطالب الخاصة بها، ورغم إدلائها ببطاقة تعريفها لم يعر الأمر اهتماما واستمر في سلوكه. أمام هذا الوضع لم تجد الطالبة من حل سوى التوجه نحو مكتبه بعد انتهاء الامتحان لكي تسترجع بطاقتها، وكانت تلك البداية لمعاناة لم تنته إلا بالرضوخ لنزواته الشاذة، فطلب منها تمكينه من رقم هاتفها لإخبارها بمآل قضيتها وما تم اتخاذه في حقها، فمنحته إياه وبعد أسبوع كان الاتصال الأول الذي طلب منها لقاءه لأجل استرداد بطاقتها، وهو ما استجابت له، وحاول في هذا اللقاء استغلالها إلا أنها رفضت، فلم يمنحها البطاقة، ليعاود الاتصال بها مرة ثانية، ويلتقي بها ليخبرها أنه والأستاذة المشرفة على بحثها حررا محضرا بالغش ضدها، وأنه بإمكانه التدخل لدى الأستاذة لإلغائه نظير الاستجابة لطلبه بممارسة الجنس معه، وهو الأمر الذي اضطرت إلى قبوله، لتتكرر اللقاءات الجنسية بينهما فاستمر في استغلالها، لتضطر في الأخير إلى تصوير عدة مقاطع إما في الشقة أو في السيارة لتوثيق تلك الاعتداءات. الصفة والتكييف عادة ما تكون هناك مقتضيات قانونية في فصول القانون الجنائي تخص الصفة إما صفة الجاني أو صفة المجني عليه، وفي هذا الملف فإن الصفة لها تأثير، إذ لولا تلك الصفة لما قامت الجريمة من الأساس، فالأستاذ أو الأساتذة المتهمون في ملف يمكن إدراجهم ضمن خانة من لهم سلطة على الضحية، وهو ما يجرنا إلى الحديث عن التكييف المحتمل أو الواجب، فجريمة الاغتصاب مثلا يعرفها القانون بمواقعة رجل لامرأة دون رضاها، والرضا إما أن يكون منعدما بالمرة أو أن يكون نسبيا، أي أن الرضى حاصل لكن بدوافع، ولولا تلك الدوافع لما أمكن الحديث عن الرضا، فالطالبة التي تسلم جسدها لأستاذها عن طيب خاطرها يبقى محل شك، فحتى لو ظهرت الأمور أنها برضاها، فإنه إن اختفت صفة الأستاذ في الجاني ما كانت لترضى وما كانت لتمارس معه أي ممارسة، أي أن الأمر يفوق التحرش ويفوق الفساد أو التحريض على الدعارة، لنصل إلى جناية الاغتصاب المقترن بظرف تشديد، ألا وهو الاغتصاب من شخص له سلطة على الضحية. كما أن التكييف يمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فبتوافر عنصر الهشاشة الاجتماعية، أي الانتماء إلى طبقة فقيرة مجتمعية قد يجعل تلك الجرائم تنتقل من مجرد جنح التحرش الجنسي وجلب أشخاص للبغاء، إلى جريمة من أخطر الجرائم، وهي جريمة الاتجار بالبشر، فالخيط الرفيع الذي يتعين التأكد من توافره من عدمه، هو الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للضحايا، إذ بتوافر وبروز الهشاشة ننتقل للاتجار بالبشر والتي لا عبرة فيها لعنصر رضا الضحية. تحرش متبادل هناك قراءة من ثلاث واجهات حول الموضوع، أولاها واجهة الوضع العام المرتبط بالمجتمع الذي انهارت فيه القيم، لأن هناك معاول كثيرة تعمل على تخريب الحياة الاجتماعية، وعندما تنهار المبادئ يفعل الإنسان ما يشاء، بمعنى أنه يفتقد إلى هذه القيم والمبادئ التي تدفعه إلى تقدير الآخر، فينظر إلي كبضاعة ويسقط مبدأ الاحترام ما بين الفاعل والمفعول به. والواجهة الثانية هي المنظومة التربوية ولا أقصد بها التعليم، بل الأسرة والمسجد والإعلام، التي يمكن أن يتربى فيها الشخص، بدون أن نعتدي على الغير، لكننا أصبحنا نعيش أمام غض الطرف، وحتى عندما تقع حالة التلبس، فالقاضي يحكم بعقوبة مخففة، مما يشجع بعض المنحرفين والمكبوتين في التمادي لارتكاب الجرائم نفسها. وبالنسبة للواجهة الثالثة نصل فيها إلى تحرش متبادل، وتكون رغبة وتقبل الوضع بين الطرفين، فيدخل العامل الاقتصادي بطريقة غير مباشرة، وتخرج الطالبات إلى الشارع من أجل تحسين وضعهن الاجتماعي، سيما أن عددا منهن مصنفات في خانة الفقر كما يسقطن في الابتزاز داخل الجامعة، من قبل بعض الأساتذة المرضى الذين يدخلون في المساومة، في إطار الجنس مقابل النجاح. * أستاذ باحث في علم الاجتماع

الجنس مقابل النقط… سنوات من الاستغلال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أموال مخدرات في شركات لكراء السيارات

التزوير لاستيراد مستلزمات طبية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات