الدراجات المعدلة… تذكرة الموت

تستغل في القمار وتنفيذ السرقات وتتسبب في وفيات ومآس نتيجة عيوب تقنية "العود الصغير يعميك"، ينطبق هذا المثل على عدد كبير من الدراجات النارية بالبيضاء، إذ رغم أن شكلها صغير وجميل، إلا أنها قوة خارقة، وقد تصل سرعتها إلى 200 كيلومتر في الساعة تعجز سيارات ماركات عالمية الوصول إليها، لأنها خضعت لتعديلات ميكانيكية، والنتيجة فيروس تحور وتحول إلى نسخة أشد فتكا. إنجاز: مصطفى لطفي فكرة تعديل محركات الدراجات النارية ليست جديدة، في السابق خضعت دراجات شهيرة من قبيل "103" إلى تعديل في محركاتها لاستغلالها، إما في تنفيذ السرقات أو القمار بالسباق، إلا أن هذه الخطوة أخذت أبعادا خطيرة بعد غزو الدراجات النارية الصينية للسوق المغربية، إذ على نقيض الدراجات السابقة، مكنها التعديل من قوة وسرعة خارقتين جدا. وجها لوجه لمواطنين قصص عديدة مع الدراجات النارية المعدلة، جزء منها مسل ومثير للإعجاب، وأغلبها محزن، بعد تعرضهم للسرقة بالعنف أو الخطف، من قبل سائقها أو حادثة سير خطيرة. يتذكر طارق إطار في شركة خاصة، أول معاينة له للدراجات النارية المعدلة، كان ذلك بالطريق السيار الذي يشق البيضاء. كان طارق عائدا إلى منزله على متن سيارته في حدود العاشرة ليلا، منطلقا بسرعة تصل إلى 100 في الساعة بعد أن خفت حركة السير. في لحظة فوجئ بدراجة نارية صينية تتجاوزه بسرعة جنونية. أصيب طارق بالذهول، فحسب توقعه أن سائقها يقودها بسرعة 160 أو 180 كيلومترا في الساعة، إذ في لمح البصر اختفى عن الأنظار. أدرك طارق بحكم تجربته أن محركها معدل، إلا أنه خشي على مصير سائقها في حال تعرضه لحادثة، إذ قال طارق "والله حتى اطيح ما اشيط فيه والوا". على نقيض طارق، يتذكر أحمد شاب عاطل عن العمل، يوم اعترض لصان كانا على دراجة نارية سبيل شقيقته بالحي، إذ سلباها تحت التهديد بالسلاح الأبيض حقيبتها وهاتفها المحمول. حاول أحمد مطاردة المتهمين على متن دراجة صديقه من نوع "103"، إلا أنه خلال المطاردة، انتابت أحمد نوبة ضحك هستيرية، فدراجته عجزت عن اللحاق بالمتهمين، اللذين ابتعدا عنه بمسافة طويلة قبل أن يختفيا عن الأنظار. مبالغ مالية تعديل الدراجات النارية، سيما صينية الصنع ليس بالأمر السهل، بل يسند إلى ميكانيكيين متخصصين، يطلق عليهم لقب "سكالسية"، غالبا ما تتم العملية في السر، بحكم أنها ممنوعة قانونا وتنتهي بالاعتقال بتهمة التلاعب في بيانات مركبة ذات محرك والتزوير. اختيار الدراجات النارية الصينية ليس اعتباطا، لأن ثمنها مناسب للجميع، مقارنة مع دراجات نارية من ماركات عالمية، وبها محرك متميز يزداد قوة بعد تعديله. يختلف الثمن المحددة لتعديل محرك الدراجات النارية حسب كفاءة "سكالسية" ونوع الدراجة المراد تعديل محركها، إذ يتراوح بين 1000 درهم و1500. وحسب مختصص في مجال الميكانيك، فإن تعديل محرك الدراجة النارية العادية لا يتطلب مجهودا كبيرا، على نقيض الدراجات من الحجم الكبير، بحكم توفرها على أنظمة الكترونية شديدة التعقيد تتحكم في قوة المحرك وسرعته. ويوضح المختص هذا الفرق، بأن الدراجات الكبرى، سيما تلك المخصصة للسباق من نوع "كوازاكي" و"هوندا" وغيرهما، تتطلب أولا متخصصين في تعديلها، بحكم أنه يشمل أولا تغيير نظامها الالكتروني القديم الذي يحدد قوة المحرك في 100 حصان، بآخر يسمح للمحرك أن يصل إلى 200 حصان، وبالتالي ضمان سرعة كبيرة قد تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة. إلى جانب تغيير النظام الإلكتروني تحظى الدراجة النارية بتعديل لعدد مهم من قطع غيار ثمنها مرتفع، حتى تتماشى مع القوة الجديدة التي يتمتع بها المحرك، من بينها تغيير نظام الفرامل بأكمله وتعويضه بآخر أكثر كفاءة في التعاطي مع السرعات الكبيرة، إضافة إلى قطع أخرى تسمح بتدفق كبير للبنزين والهواء إلى داخل المحرك. إلا أن الكارثة، يؤكد الخبير، بخصوص تعديل الدراجات النارية الصينية أن الأمر يقتصر على تغيير محركها الصغير بآخر كبير تصل سعته 100 سنتيمتر مكعب، مع إحداث تغييرات فيه حتى تصل سرعته إلى 200 كيلومتر في الساعة، لكن دون أن يطول التعديل نظام الفرامل. ضيوف "موريزكو" يلقب مالكو الدراجات النارية الصينية المعدلة بألقاب عديدة، يبقى أبرزها "مالين موريزكو"، في إشارة إلى المركز الاستشفائي الجامعي بالبيضاء، بحكم أنهم يحتلون الرتبة الأولى في عدد المصابين في حوادث السير، كما وصل الأمر إلى حد أنهم صاروا موضوع مستملحات من قبيل، أن إدارة المستشفى خصصت لهم جناحا خاص أسمته "موطور الشينوا". السبب في هذه الفواجع، حسب المختص، أن سائقي الدراجات النارية المعدلة يغامرون بحياتهم، عبر الاحتفاظ بنظام الفرامل القديم في الدراجة رغم تعديل محركها، والسبب تفادي مصاريف إضافية مكلفة، إلا أن هذه الخطوة المتهورة، غالبا ما تنتهي بكوارث قد تنهي حياتهم أو تتسبب لهم في عاهات مستديمة، بسبب عطل في الفرامل في السرعات الكبيرة، إذ يكون السائق أمام خطرين كبيرين إما الاصطدام مباشرة وبقوة بحاجز أو مركبة أمامه أو السقوط بقوة على الأرض. وتطرق الخبير إلى خطر آخر، عرض له سائقو هذا النوع من الدراجات، وهو انفجار محركها المعدل لحظة وصوله سرعات كبيرة، بسبب خطأ قد يطول عملية التعديل. احتيال وقمار الحصول على دراجة قوية وبسرعة كبيرة جدا، يبقى حلم الجميع، إلا أن الغاية والنوايا تختلف من شخص لآخر، وإن كان الثمن غاليا، إذ تنتهي هذه المغامرة بحجز الدراجة النارية وصدور عقوبات مالية، وفي مناسبات إدانة صاحبها بعقوبات حبسية. لجأ أصحاب الدراجات المعدلة للتحايل على شركات التأمين، بحكم أن قيمة التأمين على الدراجات النارية العادية لا تتجاوز 700 درهم، مقابل 1500 درهم للدراجات ذات المحركات الكبيرة، وبالتالي الاستفادة من مزايا القوة والسرعة الكبيرة مع تسديد واجب تأمين صغير. إلا أن شبابا آخرين، عدلوا محركات دراجتهم لاحتراف القمار، إذ تشهد الطريق السيار وسط البيضاء وبعض الشوارع الرئيسية ليلا، سباقا بين عدد من المتنافسين. يحظى هذا السباق بحضور جماهيري مقبول، أغلبهم قامر بمبلغ مالي حول المرشح بالفوز به، لهذا يتطلب من كل مشارك تعديل محرك دراجته النارية حتى يحظى بشعبية أكبر ونسبة مهمة من الأرباح، لهذا فهو مجبر يوميا على صيانته. إلا أنه في مناسبات تنتهي هذه السباقات بفواجع، تخلف قتلى وجرحى فقدوا السيطرة على دراجاتهم النارية بعد تجاوزها سرعة لا تقوى على تحملها، ورغم ذلك، ما زال الشباب يتنافسون في ذلك، مرددين عبارة "كاين غير موت وحدة". لصوص يتحدون الشرطة كانت عملية السرقة بالخطف أو تحت التهديد بالسلاح الأبيض في السابق تتم بدراجات نارية عادية، من قبيل دراجة (103) وشبيهات لها، إلا أنه بعد تأسيس المديرية العامة للأمن الوطني لفرق الدراجين وتزويد عناصرها بدراجات نارية من الحجم الكبير، انقلبت موازين القوى واعتقل العديد من الجانحين في عمليات المطاردة. هذا الأمر دفع جانحين إلى البحث عن دراجات بديلة تكون أكثر سرعة وقوة لتفادي مطاردة الأمن، في البداية كان الرهان على دراجات كبيرة الحجم، من قبيل "تي ماكس" و"تي أش" اليابانيتين، إلا أن قيمتهما المالية المرتفعة والشبهة التي تلاحق سائقيها، إذ يخضعون للتفتيش في كل سد قضائي، غيرت وجهتهم صوب الدراجات الصينية بسبب ثمنها المناسب، ومن ثم تعديل محركها بآخر أقوى دون أن يثير الأمر انتباه مصالح الأمن. وحققت هذه الفكرة نجاحا في البداية، إذ نفذ الجانحون عمليات سرقة بشوارع البيضاء، وتمكنوا من تفادي المطاردة بسبب السرعة الكبيرة لدراجتهم المعدلة وسهولة المناورة بها، الأمر الذي دفع مصالح الأمن إلى وضع خطط جديدة، من بينها تكثيف السدود القضائية وإخضاع جميع سائقي الدراجات الصينية للتفتيش والتأكد من وثائقها، مقارنة مع محركها، وفي الوقت نفسه، شنت فرق الدراجين دوريات بالشوارع المصنفة بؤرا سوداء واعتماد عنصر المفاجأة لضبط اللصوص، وهي الخطة التي حسمت الأمر لمصالح الأمن من جديد، إذ مكنت عناصرها من اعتقال جانحين بالسدود القضائية وحجز دراجاتهم النارية، أو في حالة تلبس بتنفيذ السرقات بالشارع العام.

الدراجات المعدلة… تذكرة الموت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تسمم جماعي يستنفر أمن الحاجب

سكر طافح يسقط عصابة إجرامية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات