حوادثمقالات الرأي

الحماية القانونية للأشخاص في وضعية إعاقة

إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق الشغل صار حقا دستوريا (3/1)

أصبحت الموارد البشرية تحتل مركزا مهما في العالم المعاصر، وذلك باعتبارها عنصرا من عناصر التنمية، إذ تعتبر بمثابة استثمار مربح للغاية باعتبار أن كل النجاحات والإنجازات تعود إلى الجهد البشري في المقام الأول. وعلى هذا الأساس شهدت المملكة المغربية تطورا نوعيا في المجال الحقوقي لفائدة جميع فئات المجتمع منذ بداية التسعينات، في ظل تحولات دولية جديدة وما استجد معها من تحديات ورهانات على عدة مستويات.

دخل المغرب في مسارات قطاعية متعددة من أجل إعمال حقوق الإنسان وحمايتها، عبر مسلسل تدريجي متنوع الأشكال والمجالات، سواء على المستويات الدستورية والتشريعية والسياسية أو القانونية والتربوية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بثقافتها، ومن ضمنها ما يتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال اعتماد مجموعة من الإجراءات الخدماتية التي ترمي إلى تسهيل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة ومشاركتهم في شتى المجالات الحياتية. فمن المؤكد أن ما قطعته المملكة المغربية منذ الاستقلال إلى الآن في مجال إرساء دعائم دولة المؤسسات، مكن المغرب من التوفر على مختلف البنيات والآليات التي تؤشر على نضج الجانب المؤسساتي لدولة الحق والقانون.
وعلى هذا الأساس، صادقت المملكة المغربية على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها في 14 أبريل 2009، حيث تشكل هذه الاتفاقية ميثاقا كونيا لحقوق الإنسان. وذلك من أجل رفع الحيف والضرر، الذي يمس فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ببلادنا. إذ بعد مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لتعزيز حقوق ذوي الإعاقة التزم بترسيخ مسلسل المشاركة الاجتماعية للأشخاص في وضعية إعاقة، وعلى وجه الخصوص في ما يتعلق بتأهيل هؤلاء الفئات وتحضيرها للانخراط في سوق الشغل. ونظرا لأهمية هذه الفئة تم تخصيص 30 مارس يوما وطنيا للأشخاص في وضعية إعاقة. كما حظيت مسألة إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق الشغل باهتمام كافة المتدخلين في الشأن الحقوقي بالمغرب. بل شرع المغرب في دسترتها وجعلها في مصاف الحقوق الدستورية التي تعمل الجهات الحقوقية في المغرب على تكريسها. وانطلاقا من هذه التوطئة، يمكننا أن نتساءل، إلى أي حد استطاع المشرع المغربي حماية الأشخاص في وضعية إعاقة ؟ ما مدى فعالية النصوص القانونية الوطنية في تكريس هذه الحماية؟ ما هي الحقوق المخولة لهذه الفئة؟ ما هو الإطار القانوني المنظم لذلك؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، سنعمل على التطرق لهذا الموضوع من خلال تقسيمه إلى محورين، حيث سنتناول في المحور الأول الإطار التشريعي المنظم لفئة الأشخاص في وضعية إعاقة، على أن ننتقل في المحور الثاني للحديث عن الضمانات الحقوقية الممنوحة لهم.

الإطار التشريعي للأشخاص في وضعية إعاقة

جاء المشرع المغربي بقوانين خاصة للأشخاص في وضعية إعاقة نذكر منها بالخصوص:
– الدستور: عندما نتحدث عن الجانب القانوني المؤطر لفئة الأشخاص في وضعية إعاقة، فإننا بالدرجة الأولى نتحدث عن دستور بلادنا وما أفرد له من فصول تخص هذه الفئة، خصوصا وأن دستور 2011 جاء بفصل كامل عن الحقوق والحريات، بالإضافة إلى تنصيصه على هيآت ومجالس مؤطرة للفئة المتحدث عنها.لذلك تم التنصيص في بنود ومواد الدستور المغربي على ضمان استفادة كافة المواطنين، بمن فيهم الأشخاص في وضعية إعاقة من كل الضمانات والحقوق التي تم إقرارها في المادة 31. كما نص الفصل 34 من الدستور على أنه : «تقوم السلطات العمومية بوضع و تفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولهذا الغرض تسهر خصوصا على معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها، وإعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وبتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. كما أن الفصل 19 من الدستور ينص على أنه «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية. كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.و على هذا الأساس فإن الوثيقة الدستورية تقوم على المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين بمن فيهم من هم في وضعية إعاقة وهم على قدم المساواة في جميع الحقوق.
– مدونة الأسرة: جاءت مدونة الأسرة بمجموعة من المستجدات في ما يخص الأشخاص في وضعية إعاقة، نذكر منها المادة 23 والمتعلقة بزواج المصاب بإعاقة ذهنية ذكرا أم أنثى بعد تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من قبل طبيب، حيث أقرت مدونة الأسرة مقتضى خاصا، لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، صلاحية الإذن بزواج المصاب بإعاقة ذهنية ذكرا كان أم أنثى. ولنجاح مؤسسة الزواج وضمان كافة أفرادها، ألزم المشرع المغربي ضرورة توفر الإذن بالزواج في حالة زواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية، كأحد مكونات ملف عقد الزواج. كما تجدر الإشارة إلى تقييد الأهلية القانونية في حالة الإعاقة الذهنية، فحسب منطوق المادة 213 من القانون 03-70، المتعلق بمدونة الأسرة الصادر بتاريخ 3 فبراير 2004، يعتبر ناقص أهلية الأداء كل من الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، والسفيه، والمعتوه. وتعرف المادة 216 من القانون نفسه، المعتوه بأنه الشخص المصاب بإعاقة ذهنية، لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته. وعلى مستوى التطبيق، يتجه العمل القضائي نحو إعمال حق الشخص في وضعية إعاقة ذهنية في الزواج، متى تبين للقاضي، بناء على الخبرة الطبية أو استنادا إلى سلطته التقديرية، الفائدة الصحية أو المجتمعية للزواج بالنسبة للمعاق ذهنيا. غير أنه بمقتضى المادة 218، يحق للمحجور بسبب إصابته بإعاقة ذهنية، أن يطلب من المحكمة رفع الحجر عنه، إذا لمس من نفسه الرشد. كما يحق ذلك لنائبه الشرعي. وبالنسبة لإدارة الشؤون المالية الخاصة، إذا ثبت طبيا قصور الشخص ذي الإعاقة عن تدبير شؤونه ورعاية مصالحه، عين له وصي تحت مراقبة القضاء. وعموما، فقد تم تنظيم هذا الجانب بموجب مقتضيات الكتاب الرابع من مدونة الأسرة، المتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية في المواد من 206 إلى 276. كما اعتبرت المادة 54، أن من واجبات الآباء تجاه أبنائهم، اتخاذ كافة التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا؛ بل إن الطفل المصاب بإعاقة يتمتع إضافة إلى الحقوق المنصوص عليها في هذه المادة، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته، قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.
* باحثة بسلك الدكتوراه قانون خاص كلية العلوم القانونية والسياسية سطات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.