روضة “الشلح”… مقبرة الأزبال

جمعيات تتكفل بتنقيتها بإمكانيات متواضعة في تجاهل تام للسلطات المحلية بالبيضاء يعكف فاعلون جمعويون من الجمعية الفرنسية المغربية لترميم المقابر وجمعية «أجي نتعاونو»، وجمعية مقبرة الرحمة، منذ أسابيع، على تنقية «روضة الشلح» التي توجد داخل تراب عمالة مقاطعات الحي الحسني بالبيضاء، من الأزبال والنباتات، التي غمرت القبور وجعلت من الصعب على ذوي الموتى زيارة ذويهم والترحم عليهم. أشخاص من مختلف الأعمار تطوعوا لهذه المهمة، معتمدين على إمكانياتهم الذاتية المتواضعة، لكنهم مسلحون بعزيمة لا تقهرها الصعوبات واللامبالاة، إذ يضربون موعدا كل يوم أحد ويشرعون في عملهم منذ الساعات الأولى من الصباح إلى غاية المساء دون كلل، رغم تجاهل السلطات والسكان المجاورين للمقبرة. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) كلمة روضة تعني، في معاجم اللغة العربية، الأرض المخضرة بأنواع النباتات، والبستان الحسن وحديقة لها أحواض زرع وممرات مرتبة تمنحها نمطا معينا، وتوحي كل هذه التعاريف ببقعة أرضية ذات منظر جميل يسر الناظرين. ويطلق المغاربة اسم الروضة على مقابر أموات المسلمين تيمنا بأن تكون القبور التي توجد فيها روضا من رياض الجنة، لكن وضعية عدد من المقابر، حاليا، تجعل هذه الصفة اسما على غير مسمى، خاصة تلك التي توقف الدفن بها، إذ تتحول إلى مرتع للمنحرفين ومكان مليء بالأزبال ومختلف القاذروات، كما هو الشأن بالنسبة إلى "روضة الشلح". أزبال وأشياء أخرى عاينت «الصباح» خلال زيارتها للمقبرة أكواما من الأزبال في مختلف أنحاء المقبرة، من قارورات خمر وماء معدني، إضافة إلى قاذورات أخرى تزكم الأنوف، ورغم كل الصعاب والإمكانيات المتواضعة، فإن ذلك لم يحد من عزم المساهمين في العملية من مختلف الأعمار، إذ شارك فيها حتى بعض الأشخاص المقيمين بالخارج. وتمكن هؤلاء المتطوعون، بإصرارهم، من تنقية جزء هام من المقبرة، بعد ثلاثة أسابيع من العمل، لكن ما يزال الطريق طويلا أمامهم للتمكن من تنظيفها بالكامل، إذ ما تزال مناطق بها مكسوة بالأعشاب والنباتات العشوائية، التي تغطي عددا هاما من القبور وتحجب الرؤية، ما يجعل من الصعب زيارتها. وأكد المشاركون في عملية لتنقية أن تجاهل السلطات لا يزيدهم إلا إصررا على الاستمرار، لكنهم يراهنون على أن تقتنع بأهمية الأعمال التي يقومون بها وتعمل على توفير بعض التجهيزات لمساعدتهم على إتمام مهمتهم في أسرع الآجال. ولا يقتصر الأمر على الأزبال، فقط، بل يوجد في إحدى زوايا المقبرة مكان تحت شجرة تم تهييئه، يقصده المتشردون والمنحرفون لتناول المخدرات وشرب الخمور، إذ يضم سريرا للنوم، ما يعني أن المقبرة تحولت إلى مكان لإيواء المتشردين والأشخاص المنحرفين. وأكد المشاركون في عملية تنظيف المقبرة، أنهم عازمون على مواصلة عملهم إلى حين تنقية المكان بالكامل لتتحول إلى روضة حقيقية، إكراما لموتى المسلمين وذويهم، الذين انقطع عدد منهم عن زيارة موتاهم. وانتفض أحد الشباب المساهمين في العمل قائلا إنه من العيب والعار أن تكون مقابر غير المسلمين في درجة عالية من النظافة، في حين يرقد موتانا بين الأزبال و كل أنواع القاذورات. وأكد المشرفون على العملية أن هذه المبادرة لن تقتصر على «مقبرة الشلح»، بل ستهم مختلف مقابر عدد من المدن إلى حين تحويلها إلى أماكن تحفظ كرامة الأموات والأحياء على حد سواء. وينتظر أن تتواصل الأشغال، خلال الأسابيع المقبلة، بالنظر إلى حجم الأزبال المتراكمة وتشعب النباتات، التي أهملت لسنوات. والغريب في الأمر أن هذه المقبرة توجد وسط تجمعات سكنية لذا، كان من المفترض أن تحظى بعناية من قبل القاطنين بها، إذ أن عددا كبيرا من المساهمين في العملية يقطنون في مناطق بعيدة ولم يتلقوا أي مساعدات من قبل سكان الجوار، علما أن منهم من له قريب يرقد بهذه المقبرة. السلطات المحلية... لا حياة لمن تنادي يبدو أن الحرص على نظافة المقابر وتوفير الظروف الملائمة لزوارها لا يوجد ضمن أجندة السلطات المحلية بالحي الحسني بالدار البيضاء، فرغم ربط مسؤولي جمعيات المجتمع المدني الاتصال بالمسؤولين المحليين من عمالة وجماعة وشركة «فيردا»، من أجل تقديم العون لهم لمساعدتهم على إنجاز مهامهم في أحسن الظروف، فإنهم تجاهلوا كل النداءات، وكأن هذه السلطات تعتبر أن الموتى لا حرمة لهم وأنهم لن يكونوا بأحسن حال من الأحياء الذين يعيشون، بدورهم، بين ركام الأزبال وفي ظروف عيش صعبة. وأوضح جلال الفرع، ممثل الجمعية الفرنسية المغربية لترميم المقابر، في تصريح لـ»الصباح» أن فكرة تنقية «روضة الشلح» جاءت، إثر زيارة رئيس الجمعية إبراهيم أوكوجان، الذي يعد من قيدومي المغاربة المقيمين بالخارج، للمقبرة قصد الترحم على والدته فتفاجأ بالوضع الذي توجد عليه، بعدما كست النباتات العشوائية والأزبال جزءا كبيرا من القبور، ما يجعل من الصعب على الزوار العثور على قبور ذويهم، فقرر إطلاق المبادرة بشراكة مع جمعيات أخرى، ويتعلق الأمر بجمعية «أجي نتعاونو» بليساسفة وجمعية مقبرة الرحمة، مشيرا إلى أن العملية تتم بإمكانيات ذاتية ومساهمات بعض المحسنين بالخارج. من جهته، استنكر نصر الله صلاح الدين، ممثل فدرالية وداديات العمال والتجار بفرنسا وممثل أبناء أسرة المقاومة وجيش التحرير بسطات، الوضع الذي توجد عليه مقبرة «الشلح»، مضيفا أنه لم يكن من الممكن ترك الأمور على ما هي عليه، فتظافرت الجهود من أجل تقديم يد المساعدة والعمل على تنقية المقبرة وجعلها مكانا آمنا للزوار، الذين لم يعودوا قادرين على زيارتها المقبرة بسبب الوضعية التي توجد عليها وتردد بعض المنحرفين عليها. وأكد أن العملية جاءت بمبادرة من إبراهيم أوكوجان، الذي يعد من قيدومي مغاربة العالم، إذ رغم تجاوزه ثمانين سنة، فإنه ما يزال نشيطا في ما يتعلق بالعمل الجمعوي، خاصة في مجال التكفل بالأموات ونقلهم إلى المغرب، ما دفعه إلى تبني الفكرة ودعم المبادرة، خاصة بعدما زار المقبرة للترحم على والدته، فتفاجأ بوضعيتها المزرية. ووجه صلاح الدين انتقادات للسلطات المحلية، التي أهملت المقبرة وجعلتها في حالة يرثى لها، في حين أنه من المفروض أن تعكس، بالفعل، لقب الروضة، التي تتميز بالخضرة والنظافة، مضيفا أنه من العار أن تكون أماكن دفن غير المسلمين بالخارج في أبهى صورها، وأن تتحول مقابر المسلمين إلى مزابل تلقى بها كل أنواع المخلفات والقاذورات، مؤكدا أن الجمعيات المتطوعة اتصلت بمختلف السلطات المحلية، لكنها لم تتلق أي تجاوب، ما جعلها تبادر بإمكانياتها المحدودة، علما أن الوضعية المزرية تتطلب أسابيع لإتمام مهمة التنظيف، إذ أن المتطوعين يجتمعون في كل يوم أحد، وقد مرت ثلاثة أسابيع منذ انطلاق العملية، وما يزال الأمر يتطلب وقتا طويلا، بالنظر إلى عدد المتطوعين والظروف التي يشتغلون فيها. وأكد أن المهمة كان بالإمكان أن تتم في ظرف يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير لو تكلف المسؤولون المحليون بجلب آليات الجرف لاقتلاع النباتات العشوائية وتحميل الأزبال بواسطة الجرافات، لكن لا حياة لمن تنادي. "فيردا"... وعد موقوف التنفيذ «اللهم إن هذا منكر»، «إنه شيء مؤسف»، بهذه العبارة لخص عبد الرحيم أجوي، رئيس جمعية مقبرة الرحمة، الوضعية التي توجد عليها مقبرة «الشلح»، مشيرا إلى أن المتطوعين يواصلون عملهم منذ أزيد من ثلاثة أسابيع، وما زال أمامهم وقت طويل، قبل إتمام مهمتهم. وأكد أجوي أن جمعيات المجتمع المدني مصرة على القيام بعملية التنظيف، رغم تجاهل السلطات، إذ كان على السلطات المحلية توفير الآليات، فقط، والفاعلون الجمعويون يتكفلون بالباقي، لكن يبدو أن السلطات المحلية لا تكترث بما آلت إليه مقابر المسلمين. وأكد أجوي أنه تم الاتصال بمختلف السلطات المحلية، إضافة إلى شركة ‘فيردا’، المفوض لها تدبير قطاع النظافة، إذ زار أحد مسؤوليها المقبرة ووعد بإرسال مستخدمين بالشركة، من أجل المساهمة في عمليات التنظيف، لكن لم تترجم تلك الوعود إلى أفعال، وتم تجاهل الأمر، ما خلف استياء لدى الجمعيات المشاركة في العملية. ولم يبق، أمام الفاعلين الجمعويين، يقول أجوي، سوى الاعتماد على أنفسهم ومباشرة أعمال التنقية، لأنه لا يمكن تجاهل الوضعية التي توجد عليها المقبرة. واعتبر أجوي أنه من العيب أن تواجه طلبات هذه الجمعيات بتجاهل تام من قبل السلطات المحلية، في حين أن من صميم مسؤولياتها والسهر على نظافة أماكن دفن موتى المسلمين، مضيفا أن المساهمين في العملية لا ينتظرون مقابلا على ما يبذلونه من مجهودات، بل تحركهم فقط، الغيرة على مثل هذه الأماكن، التي يجب أن تحظى برعاية الجميع، مشيرا إلى أن لا أحد من المسؤولين كلف نفسه عناء التنقل إلى المقبرة للاطلاع على الأوضاع المزرية التي توجد عليها، وتقديم، على الأقل، الدعم المعنوي للمتطوعين.

روضة “الشلح”… مقبرة الأزبال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

غزوات الإلترات تستعر بالبيضاء

كأس العرب - قطر 2021 : البرنامج الكامل للمباريات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات