الرباط… أحياء “سوداء” خلف الواجهة

بنايات عشوائية تؤثث دوار "الدوم" و"الحاجة" على بعد كيلومترات من مشاريع عاصمة الأنوار تقدم العاصمة الرباط الوجه المشرق للمغرب المعاصر والمتطور، فخلال السنوات الأخيرة، استطاعت، وبفضل برنامج "عاصمة الأنوار"، أن تشهد تطورا غير مسبوق، يلمسه كل زائر. ففي الرباط عكس الكثير من المدن، مثل البيضاء، تحترم المساحات الخضراء، وتوضع مشاريع لتوفيرها، والشيء ذاته بالنسبة إلى إعادة تهيئة بعض الشوارع، لكن ما يجهله الكثيرون، أنه خلف الواجهة، أحياء تعتبر من النقط السوداء في العاصمة الإدارية للمملكة. إنجاز: إيمان رضيف/ تصوير: (عبد المجيد بزيوات) هناك وجهان للعاصمة الإدارية للمملكة، وجه جميل وأنيق ويكشف تطور المدينة ومحاولات مسؤوليها للنهوض بها، لتكون من المدن الأكثر تطورا في إفريقيا والعالم العربي، ووجه آخر، وهو "حقيقي"، مازالت العاصمة تحتفظ به، رغم المحاولات العديدة للتخلص منه. وجه تحكمه العشوائية و"السيبة". تحتضن الرباط الكثير من المشاريع الكبرى، والتي تسير نحو نهضة تنموية شاملة، منها برج محمد السادس والذي يبلغ ارتفاعه 250 مترا، ما سيمكنه من أن يكون أعلى برج في إفريقيا. هذا المشروع الذي مازال قيد الأشغال، ويقام على ضفاف نهر أبي رقراق، لكن يطل على أحد أقدم أحياء الرباط، والتي تتنفس العشوائية بكل تجلياتها. فخلف الهدوء الذي تعرفه الأحياء الراقية للعاصمة، توجد أحياء تفضح التناقض الذي تعرفه المدينة، وهو تناقض يفرض نفسه رغم كل المحاولات التي يقوم بها بعض المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير المدينة. "داور الدوم" و"دوار الحاجة"، من بين الأحياء الشعبية التي مازالت إلى اليوم تعيش في زمن "الرباط القديم"، في جلباب مدينة تحلم بالنهوض دون أن يؤخذ بيدها. أحياء أغلب منازلها من البنايات العشوائية، ورغم ذلك، يقطنها الكثيرون، ويستقرون فيها، ويجدون أنفسهم في كل صباح يطلون على الوجه المشرق لمدينتهم، البعيد عن الوجه الذي يعيشون فيه. ففي "دوار الدوم"، ينتشر البناء العشوائي بشكل غريب ومقلق، وذلك نتيجة سياسة بعض المنتخبين الذين تولوا تسيير شؤون المنطقة قبل سنوات، وتقفز معالم الفقر، حسب تعبير فاعل جمعوي، تحدثت إليه "الصباح" في وقت سابق، مشيرا إلى أن منطقة اليوسفية، تعاني التهميش رغم أنها أنجبت خيرة أبناء الوطن من مسؤولين وأمناء عامين للأحزاب ووزراء وقضاة ورياضيين وفنانين. تنتشر العشوائية بكل تجليتها بالمنطقة، والتي تتجسد بشكل واضح، في انتشار الباعة المتجولين "مازلنا ننتظر تدخل السلطات من أجل فك الحصار عن الأحياء، وتخليصها من ظاهرة الباعة المتجولين وإحداث أسواق نموذجية للباعة تحفظ كرامتهم"، حسب تعبير الفاعل الجمعوي. توقف الزمن توقف الزمن في بعض أحياء الرباط، والتي مازالت تتخبط في مشاكل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. أحياء خلف الواجهة الجميلة للعاصمة الإدارية، تكشف حجم التناقض الذي تشهده المدينة، سيما أن الفوضى تعم فيها، وتجعلها بعيدة عن الرباط المتطورة. في بعض الأحياء، يمكن أن يصادف الشخص الكلاب الضالة والمتشردين، ويكون مضطرا إلى تغيير مساره بسبب سوق عشوائي، يحتله باعة متجولون يرفضون بعض الحلول التي تقدمها لهم السلطات وانتظار الانتهاء من أشغال السوق النموذجي. وفي الوقت الذي ينتظر فيه افتتاح المسرح الكبير الذي يستجيب للمواصفات المهنية الحديثة، ويشكل إحدى حلقات تجربة الجيل الجديد من المسارح الكبرى، مازالت بعض الأحياء غارقة في الأزبال، وتعاني بسبب الرائحة الكريهة المنتشرة هناك. إنها بعض المشاهد من الوجه الآخر للعاصمة الإدارية، ومن أحياء تضمن مساكن غير مهيكلة، شيدت بمنحدرات جبلية وتضاريس صعبة. وفي هذا الصدد، قالت فوزية من سكان المدينة، إنه من المؤسف أن الرباط، مازالت تضم أحياء ليست في المستوى المطلوب، قبل أن تضيف أن البنية التحتية للعديد من أحيائها، تعكس الإهمال الكبير من قبل المسؤولين وعدم الرغبة في جعل جميع فضاءات المدينة في مستوى التطلعات. وأضافت المتحدثة ذاتها أن "دوار الحاجة" الذي غير مسؤولون اسمه، لا يعكس الوجه الحقيقي للرباط باعتبارها عاصمة الأنوار، فهو يعد بمثابة النقطة السوداء، التي ينبغي أن تتضافر جهود مختلف الأطراف لإيجاد حلول لمشاكلها العالقة "أعتبر أنه من المخجل جدا وجود أحياء من هذا النوع، خاصة إذا تعلق الأمر بمرور أشخاص أجانب بالقرب منها، ما يتطلب التدخل بشكل مستعجل". فـي انـتـظـار الـتـطـور لا مجال للمقارنة بين الأحياء الراقية للرباط والتي تمتد فيها المساحات الخضراء على مسافات طويلة، وتشهد تطورا مهما، وبين بعض الأحياء الشعبية، والتي تعتبر بعيدة عن "الازدهار" الذي تعرفه المدينة منذ سنوات. فمازالت أحياء دوار الحاجة والدوم والبعاضيض، لم تصلها ريح "التطور"، ومازالت إلى اليوم، تشتكي غياب الإنارة العمومية في بعض الأزقة والنفايات المتراكمة، ويعاني سكانها ارتفاع عدد المتشردين و"الشمكارة". فمن بين الأسباب التي تجعل هذه الأحياء عالقة في "الماضي"، وترفض الالتحاق بالرباط "الجديد" المتطور، أن كل جهة ترمي المسؤولية على أخرى. وبالنسبة إلى البناء العشوائي الذي من بين ما يميز أحياء "دوار الحاجة" و"دوار الدوم"، فغالبا ما ترمي المقاطعة المسؤولية عنها، معتبرة أن مهام المقاطعة أو الجماعة في ما يتعلق بالسكن والتعمير، محدودة. واعتبر مسؤول عن تدبير المنطقة، في حديث سابق مع "الصباح"، أن مهمة إعادة الهيكلة، مسؤولية ومهمة أكبر من مهام وميزانية المقاطعة وحتى الجماعة، قبل أن يضيف أنه خلال كل اجتماع يجمعه رفقة زملائه بالجهات المسؤولة عن إعادة الهيكلة والسكن والتعمير، يثيرون انتباههم إلى الوضعية التي تعيشها مقاطعة اليوسفية، والتي تخص، بشكل أدق، البناء العشوائي، ويقترحون عددا من الحلول، التي يعتقدون أنها من الممكن أن تساعد على التخلص من هذا المشكل. وفي انتظار ما ستأتي به الحكومة الجديدة، يمكن القول إنه حان الوقت لتغيير الوجه "البشع" للرباط عاصمة الأنوار، والتخلص من كل النقط السوداء فيها، لتكتمل صورة العاصمة الإدارية للمملكة.

الرباط… أحياء “سوداء” خلف الواجهة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تنافس شرس بين المدارس العليا الخاصة بطنجة

بورصة البيضاء تستهل تداولاتها في الأخضر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات