بنعليلو: لا تنمية بدون إصلاح الإدارة

الوسيط قال إن تظلمات جديدة ظهرت مع الجائحة وأكثر الشكايات موجهة ضد العدالة والداخلية قال محمد بنعليلو، وسيط المملكة، إن من أهم شروط نجاح النموذج التنموي الجديد، الإصلاح المسبق للإدارة، باعتبارها مشرفة على تطبيق شق كبير منه. وأضاف بنعليلو، خلال زيارة خاصة قامت بها "الصباح" لمؤسسة الوسيط، إن العدالة والداخلية وألحقت بهما المالية، بسبب الجائحة ومشاكل الدعم، تعتبر من أول الإدارات التي توضع بشأنها شكايات كبيرة من قبل المواطنين. في يلي نص الحوار: - ماهي القطاعات الوزارية التي تعاني اختلالا استنادا إلى تظلمات المواطنين ؟ قبل الإجابة عن سؤالكم، لا بد من الإشارة إلى أن الاختلالات هي ظاهرة تلازم أداء معظم الإدارات، وعلى مستويات مختلفة، وفي أحيان كثيرة قد يكون مصدرها المتظلم نفسه، لذا يصعب علميا التعامل معها على أنها شأن قطاعي، خاصة عندما يتعلق الأمر باختلالات بسيطة، يمكن أن تتدارك، لكن الموضوع يزداد تعقيدا عندما يتصل بحالات عدم الإقلاع عن هذه الاختلالات رغم التنبيه إليها، أو عندما يصبح بعضها ممارسة اعتيادية مستهجنة في السلوك الوظيفي، وتصبح آثارها معايشة يومية في الحياة الارتفاقية للمواطن. صحيح أن المؤسسة تشتغل في تقاريرها السنوية المرفوعة إلى جلالة الملك، على رسم خارطة القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المعنية أكثر بتشكيات المرتفقين، وبعد نشرها في الجريدة الرسمية، تضع الرأي العام في صورة العلاقات الارتفاقية داخل الإدارة سواء من خلال اعتماد مقاربة تصنيف المجالات الارتفاقية أو المجالات القطاعية، وهو ما يمكن من الحصول على معطيات ترسم في ذات الوقت صورة أفقية وعمودية حول مواضيع تظلمات المواطنين. وعلى العموم، فإن المجالات القطاعية التي تعاني اختلالات أكثر من منظور عدد التظلمات، إن صح هذا التعبير، هي القطاعات الأكثر ارتباطا بالاحتياجات الضرورية للمرتفقين، والأكثر احتكاكا بمتطلباتهم اليومية، أضف إلى ذلك الشكايات التي تلامس الحياة الاجتماعية للمواطنين. - هل لديكم أرقام أو بيانات حول شكايات المواطنين؟ المهم في إعداد خريطة الاختلالات ليس بعدد الشكايات والتظلمات، بل بعدد ما اتضح منها أنه يدين فعلا موقفا إداريا مجانبا للصواب أو تصرفا منافيا لقواعد العدل والإنصاف. صحيح أن مجال العدالة بكل مكوناته، بما فيه المهن القضائية، جاء، بحسب آخر تقرير أنجزته المؤسسة، في صدارة ترتيب القطاعات المعنية أكثر بالشكايات، سواء كجهة متظلم منها أو موجه إليها، تلاه قطاع الداخلية بجميع إداراته المركزية واللاممركزة والمؤسسات التابعة له، وكذا الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة، وقطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ثم قطاع الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وقطاع الشغل والإدماج المهني ... إلخ. إلا أنه لا بد أن أشير إلى أن مجموع الشكايات والتظلمات المتوصل بها، لا يعكس دائما وجود اختلالات في القطاع المعني بها، خاصة أمام ما ينتهي إليه العديد منها إلى الحفظ لعدم قيامه على أساس من القانون، أو لعدم ارتكانه إلى مبادئ العدل والإنصاف. لذا وجب أيضا اعتبار مؤشر "جدية التظلم" من أجل إعطاء صورة أوضح حول مجموع الشكايات المقدمة بحسب كل قطاع إداري على حدة. هذا طبعا، ورغم حفظ الشكايات لعدم جديتها أو لوجاهة موقف الإدارة فإن دراستها وتحليلها من زوايا أخرى يتيح فهم علاقة المرتفق بالإدارة، ومستوى التواصل بينهما، وكذا منسوب الثقة في أداء الإدارة، وأحيانا سيكولوجية التشكي لدى المرتفق. - ماهي أهم الملاحظات التي سجلتموها عن اختلالات الإدارة؟ لا بد من الإقرار أن المؤسسة، من خلال تحليلها لمجمل ما توصلت به من تظلمات، قد وقفت على مجموعة من الاختلالات المؤثرة على حكامة الأداء الإداري وجودة الخدمات الارتفاقية، ورفعت بشأنها توصيات واقتراحات، وهي عموما تتوزع بين الاختلالات الأفقية المشتركة بين مختلف الإدارات، والاختلالات العمودية الخاصة بقطاع معين. وإن كان هناك من ملاحظات تستحق الذكر في هذا المجال، فيمكن إجمالها، بكل بساطة، في ما نسميه بالاختلالات القديمة/الجديدة، التي سبق للمؤسسة أن رصدتها في السنوات السابقة، ومن أهمها تعثر تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة، والتطبيق المختل لإجراءات ومساطر نزع الملكية، ونواقص تدبير العقار، واختلالات تتعلق بمجال المعاشات والتغطية الصحية وكذا الإشكاليات المرتبطة بعدم تنفيذ القرارات الإدارية...، وإخلالات مستجدة أملاها السياق الحالي للأداء الإداري القائم على الحق في الولوج إلى المعلومة الإدارية، وإرادة التحول الرقمي في أداء الإدارة العمومية، وما أفرزه ذلك من إشكاليات مرتبطة بتعثر التدبير المعلومياتي ببعض الإدارات، وبتعقيدات تقنية عصفت في حالات عديدة بمبتغى المساهمة في تقريب الخدمات من المواطنين وتبسيط الإجراءات، ذلك أن نسبة مهمة من المواطنين يعانون مما يمكن أن نسميه بـ"الهشاشة الرقمية"، وبالتالي ينبغي دائما أن نتعامل مع هذا المعطى بالكيفية التي تلبي حاجيات هذه الفئة. وإن كان الملاحظ عموما، أن بعض القضايا سجلت تراجعا عدديا، فإننا نعتقد أن بلادنا قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا، يتوجب معها القطع مع بعض الممارسات التي تشكل موضوع عدد مهم من التظلمات وتثير الشعور بالحيف لدى المواطن، من قبيل عدم تنفيذ أحكام إدارية والاعتداء المادي وعدم احترام مساطر نزع الملكية .... - هل تحسن الوضع في زمن الجائحة أم ازداد تفاقما؟ كلنا يعلم ما خلفته الأزمة الصحية غير المسبوقة التي تسبب فيها وباء كورونا، من تأثيرات وخيمة على مجموعة من المجالات، أزمة وضعت على المحك قدراتنا في التدبير والحكامة، بما ساهمت فيه من خلق لأوجه مستجدة لعدم المساواة، وما كشفت عنه من هشاشة في أنظمة التطبيب والتشغيل والتعليم والحماية الاجتماعية، وما رافق ذلك من توترات وخلخلة واسعة النطاق للعلاقات الارتفاقية، لدى مختلف فئات المجتمع وإن بدرجات متفاوتة. هل تحسن الوضع الارتفاقي في ظل الجائحة؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال بـ"نعم" أو حتى بـ"لا"، لأن الوضع أكبر من ذلك، إذ مع استحضار مفهوم "الخدمة الارتفاقية في ظل الجائحة"، والمجهودات الاستثنائية الموجهة التي قامت بها بلادنا تنفيذا للمبادرات التي أطلقها صاحب الجلالة في هذا الشأن، والتي مكنت من تجاوز الاختبار العسير لمنظومة أدائنا الارتفاقي، فإننا نعتبر أن الوضع في هذه المرحلة يستلزم إعطاء الأولوية الضرورية لإعادة صياغة وتقويم السياسة العمومية، بناء على أسس جديدة منضبطة لتصورات متكاملة ومندمجة تحترم معايير الجودة، وتقوي دور القطاع العمومي، وتوفر التمكين والإدماج الاجتماعي، وتضمن الحقوق في إطار من المساواة، وتحقق بالتالي الأمن الإداري، خاصة أمام أوجه القصور العديدة التي أبانت عنها مرحلة الأزمة في موضوع الحكامة. نعتقد ببساطة، أنه آن الأوان لإرساء نظام إداري أكثر إنصافا وفاعلية، يقوم على إدارة المخاطر، ويستجيب لتطلعات المرتفقين في تحقيق خدمات إدارية في مستوى الانتظارات. – بعد أن تتوصلوا بالشكايات ما هي الخطوة الموالية التي تقومون بها؟ لا بد من توضيح أمر مهم، وهو أن تدبير ومعالجة الشكايات الواردة على المؤسسة لا ينبغي اختزاله في مجرد عمل إداري أو إجرائي، بل هو أيضا عمل يمكننا من تقديم صورة حول أداء المرفق العمومي، ويساهم في تطوير منظومة الحكامة في علاقة مع المؤشرات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وضمن هذا المنطق، فإن تحديد طبيعة الشكايات من طرف المؤسسة يتم استنادا إلى مؤشرات واضحة حددناها في مؤشر الاستثمار ومؤشر التخليق ومؤشر البيئة، وبالتالي فإن كل المواضيع التي تم تسجيل شكايات في شأنها، إلا وتتم دراستها في ارتباط بهذه المؤشرات. وعلى العموم يمكنني تقسيم الشكايات الواردة على المؤسسة إلى نوعين، منها ما له ارتباط مباشر بمساطر وإجراءات إدارية، ومنها ما له علاقة بقضايا ذات بعد تنظيمي يقتضي الاشتغال عليه في إطار القوة الاقتراحية، ويستدعي الأمر معالجته في نسق شمولي. أما إذا كان المقصود بالسؤال هو معرفة نوعية القضايا التي ترد على المؤسسة، فأؤكد لكم، أن الأمر يخضع لتصنيف ترتيبي منهجي يحاول تجميع الشكايات في تصنيفات رئيسية وفرعية محددة، تتصدرها التظلمات ذات الطبيعة الإدارية، والتي تعتبر مؤشرا دالا بالنسبة إلينا على استمرارية ضعف التواصل الفعال بين الإدارة والمواطنين في إطار من الشفافية، ثم التظلمات ذات الطبيعة المالية، والتظلمات ذات الطبيعة العقارية، والتظلمات المرتبطة بعدم تنفيذ الأحكام في مواجهة الإدارة، تليها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان ثم طلبات خاصة بالمساعدة القضائية المؤقتة والتي نعتبرها أيضا مساهمة مهمة من المؤسسة في ضمان الحق في الولوج إلى القضاء. وطبعا، هناك صنف جديد فرضته ظروف الأزمة، ويتعلق أساسا بالتظلمات ذات الصلة بآثار الجائحة من زواياها المتعددة من قبيل التظلمات المتعلقة بالحق في التطبيب أو الحق في الدعم أو الحق في التنقل ...إلخ. هدفنا الرفع من جودة خدمة المواطن - مؤسسة الوسيط لها مقاربة اشتغال وهدف تسعى إلى تحديده، هل يمكنكم أن تطلعونا عليهما؟ قبل التطرق إلى مقاربات الاشتغال، لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسة تعمل وفق خارطة طريق حددت هدفا استراتيجيا عاما له طابع تكاملي مع جميع الفاعلين في المجال، ويتمثل أساسا في الرفع من جودة خدمة المواطن، وتمكينه من حقوقه الارتفاقية، وتيسير سبل ارتفاقه، في إطار تحكمه مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة والمساواة أمام القانون، ولتحقيق ذلك، سطرت أيضا أهدافا، ورسمت لها إجراءات عملية ميسرة، ووظفت لها كل الوسائل المتاحة، لتكون المؤسسة حقا دافعة ومساهمة في التحول الذي يجب أن يلمسه المواطن نحو حكامة أداء ارتفاقي رشيد. ومن أهم هذه المقومات جعل المؤسسة أكثر قربا من المواطن عبر دعم شفافية أدائها وتحسين الاستقبال وتنويع سبل الولوج إلى خدماتها، وأكثر انفتاحا وتواصلا مع الإدارة لجعلها متفاعلة مع تدخلات وتوصيات وسيط المملكة. نعم، هي مقومات طموحة، لكن هي أيضا مقومات واقعية وقابلة للتنزيل، بمنهجية ومحددات مهنية واضحة، إذا ما توفرت ضوابط التعبئة والتعاون والانخراط، سواء داخل المؤسسة أو خارجها، وأقصد بالأخص المحيط الذي تلامسه مجالات اشتغال المؤسسة، لأننا نؤمن بما يمكن أن يوفره ذكاؤنا الجماعي (مؤسسة وإدارة) من فرص بناء الشراكات وتضافر الجهود وترسيخ تعاون كل الفاعلين المعنيين بمهام المؤسسة لتنمية الأفكار الاجتهادية والمبادرات الجادة والخلاقة لنظام تدبيري أكثر نجاعة وأكثر حكامة، والأهم أكثر استجابة لتطلعات المرتفقين، يتجاوز المقاربة الشكلية في التعاطي مع تظلمات المرتفقين، إلى المقاربة النوعية التي تؤمن نسبة أكبر من التفاعل مع تدخلات المؤسسة والالتزام بتوصياتها. – تقومون بوظيفة الرصد والتواصل والتتبع في محاولة لتجويد خدمات الإدارة، هل تعتبرون ذلك كافيا؟ لا بد من التوضيح أولا، أنه إلى جانب المسعى الأساسي من معالجة الشكايات، والمتمثل في رفع الضرر، الذي قد تتسبب فيه أنشطة الإدارة للمواطنين، تأتي وظيفة رصد الاختلالات المسجلة، بشأن تعامل مختلف الإدارات في تصريفها لشؤون المواطنين وتأثير ذلك على مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة، في مقدمة انشغالات المؤسسة. ذلك أن الشكايات التي تعالجها المؤسسة تعتبر مصدرا أساسيا من مصادر تشخيص الاختلالات الإدارية والارتفاقية، التي يتم الوقوف عليها، وتحليل الوضع الإداري القائم، ورسم خارطة التظلمات والقطاعات المعنية بها والتوزيع المجالي للأشخاص المتظلمين، والبحث عما يمكن اقتراحه بديلا يراد منه تخليق المرفق العمومي وتكريس الحكامة الإدارية بغية تحسين أداء الإدارة والحرص على جودة خدماتها، من أجل إزاحة كل ما يمكن أن يعتبر نمطا من أنماط الاختلالات. إن ما تقوم به المؤسسة من عمليات الرصد ليس غاية في ذاته، وإنما هو آلية منهجية لبلوغ التغيير المنشود في المراس اليومي للإدارة، الذي يجب أن يتجلى، فضلا عن الانضباط لقواعد الشرعية ومبادئ العدل والإنصاف بمختلف تمظهراتها، في يسر وسلاسة الولوج إلى الخدمات والتمكين الارتفاقي، الذي لا بد أن يكون في مستوى الجودة المنشودة، في فضاء تسود فيه مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، فضاء مطبوع بالشفافية ومحقق لرضى المرتفق على ما تقدمه الإدارة من خدمات. إصلاح الإدارة أساسي في أي نموذج تنموي إن تجويد الخدمات هي غاية نعتبرها مشتركة، نتقاسم جميعا مسؤولية توفيرها، في إطار مبدأ تلازم الحق والواجب وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يمكن أن نقدم أحدا منهما على الآخر. إننا مقتنعون أن تجويد الخدمات الإدارية، وتنمية ثقافة البحث عن الأحسن، لا تأتي من الأعلى، وإنما هي انخراط في قيم مجتمعية سامية، هي قناعة تدبيرية وارتفاقية تشكل أساس كل البرامج والمخططات المرسومة. لقد كانت للمؤسسة الفرصة للقول، خلال التهييء للبرنامج التنموي الجديد، أنه مهما بلغت دقة التصورات المعبر عنها في صياغة ملامح النموذج التنموي الجديد، فإنه لا بد أن يمر عبر إصلاح التدبير الإداري والعناية به، من منطلق إيماننا الراسخ بأن الإدارة ستشكل لا محالة قطب الرحى في تنزيل مخرجات هذا النموذج. لذلك، حق لنا الدعوة إلى إرساء تصور إداري جديد، يكون منصة داعمة لتعبئة تحويلية تتجاوب مع التحديات والتطلعات المعبر عنها، في إطار منظورنا المجتمعي المشترك للنموذج التنموي الجديد. بعض الإدارات لا تتجاوب مع توصياتنا - ألا تعتبرون أنكم تحاربون طواحين الهواء بحكم عدم توفركم على سلطة تقريرية؟ أقول بأننا لسنا في حلبة للصراع مع الإدارة، فجميعنا يعمل من أجل خدمة المواطن وتعزيز دولة الحق وسيادة القانون، في إطار مقاربة تقوم على ربط الحق بالواجب والمسؤولية بالمحاسبة، وعلاقتنا بالإدارة تنبني على الدعم والتنبيه والرقابة الناعمة أو التوجيهية، ومع ذلك فإنني أتفهم سياق طرح هذا السؤال، وأعتقد أنه يمثل وجهة نظر قلنا في شأنها إنها تحاول شرعنة بعض الممارسات المتلكئة في الانتقال نحو تعامل واع مع المؤسسة وأدوارها الدستورية والقانونية. لذا أؤكد مرة أخرى، أن التلويح المتكرر بعدم إلزامية تنفيذ التوصيات، والتمسك بنقاش الإلزامية، هو مجرد نقاش تقني خارج السياق، لأنه يعيد استنساخ الواقع الذي أفرزه عدم تنفيذ الأحكام. ببساطة، لأن مناقشة تنفيذ أو عدم تنفيذ توصيات الوسيط في مجتمع يدافع عن قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، يجب أن تتم من زاوية المسؤولية السياسية والمجتمعية والإدارية والأخلاقية أيضا، لا من زاوية الإلزامية، وهو الأمر المعمول به لدى مختلف الدول التي تأخذ بنظام الوساطة المؤسساتية. نعم، هناك عراقيل، وهناك توصيات غير منفذة ينتظرها أصحابها في ظروف صعبة أحيانا، نعم، نحن نعمل جاهدين على إقناع الإدارة بصواب المقصد من وراء إصدار هذه التوصيات، وأننا لا نجد في بعض الأحيان التجاوب المنتظر، بل نواجه بذل الجهد في التبرير، وأحيانا التشكيك في القوة الإلزامية، أكثر من بذل الجهد في إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة. لكن، نحن على يقين أن دور المؤسسة يجب أن يجد موقعه داخل المراس الحكاماتي في التدبير الإداري. لذا، لا يمكن لوسيط المملكة إلا أن يكون متفائلا، وألا يكون لطموحاته حدود، لأننا حققنا في علاقتنا مع الإدارة مؤشرات مشجعة جدا نعتقد أنها خطت مسار التحول في علاقة المؤسسة بالإدارة، ذلك أن المؤسسة استطاعت خلال 2019 مثلا تنفيذ ما مجموعه 135 توصية، في مقابل 202 توصية جديدة أصدرتها خلال السنة ذاتها، وهو ما يجعل النسبة السنوية لتنفيذ التوصيات بالمقارنة مع التوصيات الصادرة تسجل مستوى هاما، تحدد في%66,83 ، بعدما لم يتجاوز %15 خلال 2018، كما أنه لا ينبغي إغفال عدد الملفات التي استجابت لها الإدارة وبادرت إلى تسويتها حتى قبل إصدار التوصيات، والتي همت خلال السنة نفسها ما مجموعه 697 قرارا. وفي هذا الموضوع بالضبط، أريد أن أؤكد أن المؤسسة ستستمر في القيام بمهامها الدستورية كاملة، من أجل الدفاع عن حقوق المرتفقين بجميع الوسائل والآليات التي يوفرها لها القانون، ويكفي الإدارة المترددة أو الرافضة، أن تأخذ في الاعتبار الهوية الدستورية للمؤسسة لتتفهم جدوى هذه التوصيات والمقترحات وما لها من إلزامية، ببساطة لأن إحداث مثل هذه المؤسسات لم يأت من باب تأثيث المشهد المؤسساتي الحقوقي، لكن جاء لتقوية الواقع الديمقراطي في البلاد. - هل غيرت الإدارة من طريقة تفاعلها مع تدخلات المؤسسة؟ عموما، يمكن أن أقول إن علاقة المؤسسة بالعديد من الإدارات حصل فيها نوع من التقدم النسبي، بالنظر لعدد التوصيات المنفذة، ومجمل البحوث المنجزة، ومختلف الملفات المسواة على نحو ما تم بيانه. واعتبارا أيضا لكون العديد من الفاعلين في الحقل الإداري، لا يتركون الفرصة تمر إلا ويفصحون عن انخراطهم في فلسفة الوساطة المؤسساتية. ومع ذلك، فإن بعض التصرفات والممارسات، ما زالت تعطي انطباعا بأن المسار يحتاج إلى استثمار أكبر، وخاصة في مجال التعامل مع بعض توصيات المؤسسة المتراكمة ومقترحاتها المقدمة. كما أن تزايد عدد الشكايات في مواضيع تلامس الحياة الاجتماعية للمواطن، يؤشر على وجود فجوة، نخشى أن تزيد اتساعا، بين المواطنين والإدارة، يجب التنبيه إليها، حتى لا يبقى المرتفق هو الحلقة المفقودة في موضوع الإصلاحات الإدارية. هذا علما أننا نؤمن، أن المجهود المبذول من طرف المؤسسة، سيظل نضالا وتعبئة مستمرين من أجل المشروعية، ومن أجل دعم وظيفتها الدستورية باعتبارها جهة دفاع عن الحق، وضابطا للحكامة الرشيدة، وبديلا حضاريا لحل المنازعات المرفقية. إعلان النوايا حول الشفافية وسيادة القانون غير كاف - كيف تقيمون نظرة المواطنين لشفافية أداء الإدارة؟ أعتقد أن نظرة المواطن إلى قيم الشفافية وسيادة القانون وانتظاراته منها قد ارتفعت، بل إن المواطنين يستعملون عناصر ومعايير لقياس منسوب الشفافية في أداء الإدارة، تختلف ربما عن تلك التي تعتمدها الإدارة، أو ربما يرغبون في تجسيد أكثر وضوحا لهذه القيم، وبشكل لم تنتبه إليه الإدارة بعد. وبالتالي، فإن تقديرهم لشفافية الأداء الإداري قد يفرز في أحيان كثيرة الإحساس بعدم الرضى. ذلك أن المواطن في موضوع قياس قيم الشفافية وسيادة القانون، لا يمكنه أن يكتفي بإعلان النوايا، ولا بما يسن من قوانين، ولا بما يخط من برامج، ولا حتى بقيمة الميزانيات المرصودة، بل بما تحققه الأعمال المنجزة على أرض الواقع من شعور بالرضى والمساواة لديه. لذا نعتقد أن هذا الأمر ينبغي أن يكون مستحضرا في كل الخدمات الارتفاقية والبرامج، التي تباشرها الإدارة. نِؤمن بالحلول التوافقية عوض المسارات التصادمية - هل سبق أن اقترحتم متابعات قانونية للإدارات؟ بالفعل من بين الصلاحيات المهمة والقوية التي خولها المشرع للوسيط، وهناك إمكانية توجيه توصية إلى الإدارة المعنية بتحريك مساطر المتابعة التأديبية، وإن اقتضى الحال، توصية بإحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية، في حالات محددة جاء بها القانون المنظم للمؤسسة، لكننا لم نفعل هذا المقتضى، وأتمنى عدم اضطرار المؤسسة للجوء إلى تفعيله. نحن واعون بإكراهات التدبير الإداري، لذا نحاول قدر الإمكان التدخل لتسوية الوضع، بدل الدفع في الاتجاه الزجري، لأننا نؤمن بالحلول التوافقية عوض المسارات التصادمية. - هل يمكن معالجة تأخير إصدار المراسيم التطبيقية لتنفيذ القوانين؟ حقيقة هناك مقتضيات قانونية تقر حقوقا يترك تصريفها للمجال التنظيمي، الذي يعتبر من صميم اختصاص السلطة الحكومية عبر إصدار المراسيم والقرارات التطبيقية، ولعل الملاحظة الأساسية في هذا الشأن، هي أن هناك تأخيرا في العديد من النصوص، قد يصل إلى درجة تعطيل إعمال النص القانوني المعني بها، وبالتبعية تعطيل الاستفادة مما يقره من حقوق، وهذا واقع لا تختص به الحقوق الارتفاقية فقط. لذا فقد كان هذا الموضوع محط توصية من الوسيط إلى رئيس الحكومة يدعوه بمقتضاها إلى التعجيل بإخراج بعض النصوص، أتذكر منها تلك التي تنظم مجالا اجتماعيا، من قبيل الزيادة في الإيرادات الممنوحة إثر الأمراض المهنية. هذا علما أن الأمر سبق التطرق له في العديد من تقارير المؤسسة. بورتري لو سألت محمد بنعليلو عن اللحظات، التي لا ينساها في مساره المهني لأجاب بدون تفكير، لحظة الاستقبال الملكي حينما عين في 13 دجنبر 2018 وسيطا للمملكة. لحظة فخر واعتزاز بالثقة المولوية، خاصة أن المنصب الجديد حساس وله ارتباط بالمواطن ومعاناته مع الإدارة. ما زال بنعليلو، من مواليد 1975، الحاصل على ماستر في الحقوق وخريج المعهد العالي للدراسات القضائية بالرباط، يتذكر كلمات ووصايا جلالة الملك، التي تحدث خلالها عن مؤسسة الوسيط، باعتبارها هيأة وطنية مستقلة، ودورها في إحقاق الحقوق ورفع المظالم، وبالدور المنوط بها والمتمثل على الخصوص، في صيانة حقوق المواطنين في علاقتهم بالإدارة، والعمل على إنصافهم من أي تجاوزات. توصيات الملك ودعواته للوسيط للعمل من أجل تعزيز المكاسب المحققة، والحرص على التفعيل الكامل للصلاحيات المخولة لهذه المؤسسة، سواء في مجال القيام بمساعي الوساطة والتوفيق، واقتراح المتابعات القانونية، أو في ما يتعلق بالتعريف بدورها واختصاصاتها، والتفاعل مع المواطنين المتضررين، لم تفارق عقل ومخيلة بنعليلو، الذي يعمل ليل نهار من اجل تحقيقها. مسار بنعليلو الحافل، والذي ابتدأ قاضيا بالمحكمة الابتدائية بطنجة ومحكمة العدل الخاصة سابقا، ومحكمة الاستئناف بالرباط، قبل أن يتدرج في العديد من المناصب مديرا للقطب الإداري والتكوين بالمعهد العالي للدراسات القضائية بالرباط، و مدير الدراسات والتعاون والتحديث (2014-2016)، ثم منصب مدير الموارد البشرية بوزارة العدل (2016-2018) ومدير ديوان وزير العدل والحريات ومنصب مستشار في السياسة الجنائية، يخول له اليوم القدرة على تحقيق هدف ترسيخ مبادئ دولة القانون، والشفافية والحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية، وفي تخليق الحياة العامة، من خلال إصدار توصيات تهدف إلى ضمان مساواة المواطنين أمام القانون والإدارة، والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات العمومية ومرافق الدولة والجماعات الترابية، رغم أن الرجل لا يتوفر على سلطات تقريرية.

بنعليلو: لا تنمية بدون إصلاح الإدارة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ارتفاع الأسعار... ضريبة التحرير

"إيتيكيت" الانتهاء من الطعام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات