متسولو إشارات المرور… استرزاق ونصب

يحملون جوازات سفر مزورة لانتحال صفة لاجئين سوريين ويكترون أطفالا ومعاقين مقابل 150 درهما يوميا يسيطرون على إشارات المرور بشكل يومي، لا يملون من استعطاف السائقين لمدهم بدراهم معدودة تحت علة شظف العيش أو الهرب من ويلات الحروب بمناطق النزاع، يزاوجون بين الدموع والابتسامة وأحيانا أخرى يلجؤون إلى السب والقذف حينما يفشلون في نيل مطالبهم أو عندما تُفتضح مزاعمهم. يستعينون بأطفال غيرهم، وفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة يكترونهم مقابل أجر يتراوح ما بين 100 درهم و 150، لتحقيق أرباح مهمة، بعد أن وجدوا في التسول تجارة مربحة. «الصباح»، اخترقت عالم «التسول» وفضحت مخططات يقف الشيطان مشدوها من احترافيتها. «داكشي اللي كيربحو كاعما كنصورو أنا اللي خدام بقرايتي» «راه كيربحو كثر من مليون فالشهر وبنادم ما علا بالوش بالنصب ديالهم»، «عصابة للنصب والاتجار في البشر ولكن لقاو السيبة داكشي علاش»... من بين العبارات التي تكشف حجم الامتعاض الكبير لأفراد المجتمع من الوضع الذي صارت عليه مدينتهم، إذ أشاروا إلى أن العاصمة الاقتصادية للمملكة تحولت إلى محمية ل"شبكة المتسولين" التي تستعين بالمدمنين وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال، وانتحال صفة لاجئين سوريين لاستمالة سائقي السيارات والشاحنات والنصب عليهم. إنجاز: محمد بها - تصوير (عبد اللطيف مفيق) بمدارة «عزبان» بطريق الجديدة بليساسفة وبشارع أم الربيع بالألفة، إلى جانب الحي الحسني وحي الرحمة، إضافة إلى الأحياء الراقية من بينها أنفا والمعاريف و2 مارس، أماكن تحولت إلى محمية لممتهني "التسول والنصب". ويكفي القيام بجولة صغيرة بشوارع البيضاء، لاكتشاف ما آلت إليه إشارات المرور وجنباتها بفعل انتشار المتسولين المغاربة اتخذوا منها فضاء لاستدرار العواطف والنصب والاحتيال لتحقيق أرباح مالية مهمة بشكل يومي. «في طريقي من العمل وإليه، أعاني يوميا مع مضايقات المتسولين الذين يحاصرونني عند إشارات المرور، وأجد صعوبة بالغة في التحرر منهم، خشية الدوس على أحدهم ووقوع حوادث خطيرة. خاصة الأطفال الذين يتم تسخيرهم من قبل آبائهم أو الذين يكترونهم". يحكي زكرياء، موظف شركة يعبر الطريق التي توجد بمدارة «عزبان» بطريق الجديدة. وتساءل زكرياء في تصريح ل"الصباح"، عن صمت السلطات المحلية والأمنية إزاء الانتشار المهول والبادي للعيان للمتسولين الذين أضحوا يشتغلون في إطار شبكة منظمة، مضيفا "صراحة الوضع يستدعي تدخلا عاجلا من قبل السلطات الأمنية لتطبيق القانون لأن خطرهم أصبح يهدد سلامة وحرية السائقين». وقت الذروة الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، وقت الذروة بالنسبة إلى المتسولين، باعتباره توقيتا لخروج الموظفين والعاملين المستعملين للسيارات وغيرها من وسائل التنقل، وعاينت "الصباح"، تزاحم المتسولين ودخولهم في نقاش حاد في ما بينهم بسبب الرغبة في الاستحواذ على جود وكرم المتصدقين. ولاستمالة قلوب المارة والسائقين عند إشارات المرور، يستعين المتسولون بأطفال في عمر الزهور ورضع وبأشخاص من من ذوي الاحتياجات الخاصة، دون الاكتراث لضربات الشمس التي تهددهم، في مشاهد تعطي صورة غير مشرفة عن مغرب 2021 وتضرب بكل مجهودات الاعتناء بحقوق الطفل والإنسان عرض الحائط. ويكفي زائر عين الذئاب المشي على طول الكورنيش، حتى يفاجأ بالكم الكبير من المتسولين الذين يتحلقون حول إشارات المرور ينتظرون توقف السيارات وفي أحيان أخرى يحاصرون السائقين ويعرقلون السير في تحد للقانون. يجرون كراسي متحركة عليها أشخاص في وضعيات صعبة أو عجزة، وهم الأشخاص الذين يرون في إشارات المرور مناسبة لتصيد ما يجود به "السائقون الكرام" من "دراهم معدودات" دخلا إضافيا ينعش مداخيلهم، وهي العادة السيئة التي أصبحت تجارة مربحة بعدما صارت منتشرة في كافة الأرجاء. افتضاح اللعبة من بين الأساليب الاحتيالية التي ينتهجها ممتهنو التسول الاعتيادي بإشارات المرور، التسول بحالات إنسانية قصد استمالة مستعملي الطريق، لكن الأمر أعمق لأن الظاهرة ترتبط بشبكة منظمة للتسول والاتجار في وثائق تعريف أجنبية تتعلق باللاجئين السوريين والاسترزاق بالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، باستغلال حالة الضعف والحاجة التي تدفع أسرا لعرض فلذات كبدها رهن إشارة أناس لا يعرفون للإنسانية معنى. ولعل الواقعة التي شهدها شارع المسيرة الخضراء بالمعاريف بالبيضاء، أكبر دليل على أن التسول أصبح تحت نفوذ عصابة منظمة، إذ وضعت المصالح الأمنية التابعة لولاية أمن البيضاء، الشهر الماضي حدا لأنشطتها الإجرامية بامتهانها التسول الاعتيادي المجرم قانونا عن طريق التدليس للنصب والاحتيال على مستعملي الطريق. والملاحظ أن الموقوفة زاوحت بين التسول الاعتيادي والاحتيال، بعد أن تورطت في استعمال صفة لاجئة سورية وأم لرضيعة لاستدرار العطف والحصول على أكبر قدر من التبرعات المالية، وعمدت المتهمة لتسهيل الاحتيال على المارة والسائقين، إلى انتهاج حيلة تتمثل في حمل دمية مغطاة وادعاء أنها رضيعة، إذ تتجول بين السيارات المتوقفة عند إشارات المرور، وهي الخطة التي انطلت على عدد من المتعاطفين معها. وأسفرت التحريات التي أجرتها الضابطة القضائية مع الموقوفة تحت إشراف النيابة العامة، عن معطيات تفيد تورطها في التسول والنصب والاحتيال بانتحال صفة أشخاص آخرين، بعد حيازتها وثائق تعريفية أجنبية في اسم الغير. وهي الواقعة التي تستدعي تحركا عاجلا للسلطات الأمنية لتفكيك شبكات منظمة تستغل الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة في التسول باعتباره من المشاريع المربحة. حيل "الشيطان" العديد من المتسولات المغربيات ينتحلن صفة لاجئات سوريات، إذ يحملن معهن جوازا مزورا من أجل كسب استعطاف المواطنين المغاربة والنصب عليهم، وعاينت "الصباح"، متسولة مغربية تستخدم أساليب ماكرة من أجل انتحال صفة لاجئة، إذ ترتدي عباية سوداء، كما تحمل معها غلافا لجواز سفر سوري، مدعية أنها نازحة ولم تجد مكانا يؤويها، ما اضطرها لامتهان التسول لاكتراء غرفة بالمدينة القديمة مقابل 1000 درهم شهريا إضافة إلى تحمل تكاليف تربية طفليها. وفي الوقت الذي كانت تتحدث فيه المتسولة التي تنتحل صفة سورية، قاطعها مرافق طاقم "الصباح"، «فينا بلاصة فسوريا؟"، فردت عليه في محاولة للتمويه «في اللاذقية»، إلا أن السائل ظل يسألها عن التفاصيل في محاولة لكشف زيف ادعاءاتها، فخاطبها «فين بالضبط في اللاذقية ؟»، لتجيب بحماس، معتقدة أنها ستنصب عليه «أنطاليا..."، وهو الجواب الذي جعل الشخص يتأكد من ارتباكها وسقوطها في المحظور بعد أن أكد لها أن أنطاليا توجد بتركيا وليست بسوريا، ليختم الحديث "سيري الله يسهل عليك" دون أن يمنحها سنتيما واحدا بعد نجاحه في كشف لعبتها. وتغيرت تعابير وجه المتسولة المغربية، قائلة «واش غانديرو الظروف هي اللي خلاتني ندير راسي سورية حيت كاع المغاربة كتعاطفوا مع اللاجئين، إلى مادرتش هكا ما غانصور والوا وما عندي باش نخلص الكرا ونوكل وليداتي». ليست صاحبة العباية من لجأت إلى انتحال صفة لاجئة سورية، إذ أن العديد من المتسولين قرروا تعلم كلمات من اللهجة السورية وأسماء مدن بها وحمل لوحات مكتوب عليها "أخوكم من سوريا يحتاج مساعدة عاجلة" لانتحال صفة اللاجئين وكسب عطف المغاربة المعروفين بكرم الضيافة. ولتنفيذ خطة النصب، يدعي المتسولون أنهم من عائلات سورية فرت من جحيم الحرب والدمار، وتحتاج مساعدات عاجلة لتوفير المأكل والمشرب وبعض الملابس، في حين تلجأ أخريات إلى إخفاء هوياتهن بارتداء النقاب وملابس فضفاضة وادعاء أنهن أرامل فقدن أزواجهن في الحرب، بينما هي خطط لتجنب افتضاح أمرهن. ليس الراشدون من ينتحلون صفة في اسم الغير للنصب والاحتيال على سائقي السيارات، بل حتى الأطفال تعلموا أصول اللعبة وحفظوها عن ظهر قلب دون الحاجة لتوجيهات الكبار. بشارع ابن سينا، استوقفتنا قاصر لون شعرها أشقر وترتدي ملابس بالية لكن سحنتها تكشف معدنها الأصلي الذي لا علاقة له بملامح عربية سورية، وهو ما أثار شكوكنا تجاهها عندما تحدثت قائلة «محتاجين مساعدة الله اعينكم يا أهل الخير». بمجرد مواجهتها بعبارة "واغير هضري بالدارجة حنا المغاربة ما كيخفاوش علينا خوتنا"، ارتبكت القاصر، وصمتت دون أن تنطق ببنت شفة. وعندما سألنا القاصر عن سبب ادعائها وانتحال صفة لاجئة سورية بدأت تضحك قائلة: «واسير فحالك بلا ما نخصر الهضرة معاك، حاضينا غير حنا سيرو شوفو الشفارة اللي كيكريسيو عباد الله حنا غير كنترزقوا على الله". لتنهي نقاشا غير مرغوب فيه مفضلة الذهاب في اتجاه سيارة أخرى بعد أن سقطت في المحظور ووجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه. اكتراء الأطفال والمعاقين يستغل عدد من المتسولين الأطفال من أجل استدرار عطف المواطنين وكسب تعاطفهم، خاصة الذين تنطلي عليهم كذبة "أنهم لاجئون سوريون". ويقوم اللاجئون المزيفون باكتراء أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ست سنوات وعشر، مقابل مبلغ محدد سلفا لليوم بالاتفاق مع أسرهم المعوزة، خاصة الأمهات العازبات أو اللواتي يعانين ضائقة مالية أو يوجد أزواجهن بالسجن. «رهف» اسم طفلة سورية لكنه في الحقيقة ليس سوى خدعة سينمائية لمتسولة مغربية اختارت أن تطلق على طفلتها اسما سوريا حتى تكتمل خطة النصب والاحتيال، إذ كانت المرأة تنادي ابنتها بالاسم السوري بعدما كانت الطفلة التي لا يتجاوز عمرها تسع سنوات تضايق سائقي السيارات، قبل أن تفتضح خطتها بعد التعمق معها في أسماء أحياء داخل سوريا. بمدارة «عزبان» بليساسفة بطريق الجديدة، ظهرت امرأة تدعي أنها لاجئة سورية لكسب تعاطف أصحاب السيارات والمارين بالشارع. فجأة اقترب منها طاقم "الصباح"، وطلبت من السائق بعض المال، مدعية أنها فرت من جحيم الحرب بسوريا. كانت رفقة بعض أبنائها، كما يبدو في الظاهر، لكن بعدما طلبنا منها رؤية جواز سفرها، ارتبكت وطلبت منا الحديث معها في وقت لاحق. لكن بعد إصرارنا على ذلك مقابل التكرم عليها ببعض الدراهم، قالت «أخويا غير كنترزقوا إلى ما بغيتيش تعاونا عطينا غير التيساع»، في لحظة بوح ممزوجة بين الاستسلام والغضب، كشفت المتسولة أنها لجأت إلى حيلة انتحال صفة لاجئة سورية واكتراء الأطفال بحوالي 150 درهما لليوم الواحد، موضحة أن الطفل الذي بصحبتها أتى بعد اتفاق مسبق مع عائلته التي منحتها الإذن بمرافقته في أنشطتها التي تنطلق على الساعة الثامنة، قبل إرجاعه مساء عند الانتهاء من التسول. لم تكن مرافقة الطفل تتسول بمفردها، بل دأبت زميلتها الستينية على التسول رفقة طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفضح فارق السن بينها و بين الطفل الذي تدعي أنه ابنها، قبل أن يتبين من خلال أحد المتسولين المدمنين على استنشاق مادة "الدوليو» أنها مجرد نصابة تتاجر بحالة إنسانية. «وراه غير كارياه من عند مو ماشي ولدها، واش قد هاد الشارفة باقي كيولد؟، بهذه العبارة فضح المتسول الذي كان جسمه مخططا بندوب قديمة جراء استعماله «القرقوبي»، خطط اكتراء الأطفال وأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة لتنفيذ مخططات النصب على المواطنين، من قبل شبكات تتحكم في عمليات التسول بعد أن أصبحت ظاهرة اجتماعية يطبع معها دون محاسبة. وللتأكد من المعطيات الخطيرة التي صرح بها الشاب المدمن بعد خصامه مع الستينية التي كانت تطرده من جانبها حتى تستحوذ على غنائم التسول، بادر طاقم "الصباح»، للتحري في قضية الكراء وهو ما مكن من الحصول على معلومات مضمونها أن شبكات التسول تكتري الأطفال وكذا ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ينتمون للفئات التي تعاني الفقر المدقع مقابل أجر يومي يتراوح ما بين 100 درهم و 150، إذ يتم تسلم الشخص المكترى من عائلته على الساعة الثامنة صباحا إلى غاية التاسعة مساء. ووجدت شبكات التسول في تراخي السلطات المحلية والأمنية في مساءلة المتسولين عند إشارات المرور خاصة آولئك الذين يستعينون بأطفال ورضع ويجرون كراسي متحركة لذوي الاحتياجات الخاصة لاستدرار عطف المتصدقين، (وجدت) فرصة لمواصلة عملياتها المشبوهة المنافية للأخلاق والقانون.

متسولو إشارات المرور… استرزاق ونصب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك ينهي محنة العبور

"بيع وشرا" انتخابي في باحات الاستراحة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات