صلاح الوديع: “بيجيدي” كبح التحول الديمقراطي

صلاح الوديع رئيس حركة ضمير أكد أن اختزال النقاش في العتبة والقاسم الانتخابي إضعاف للسياسة أكد صلاح الوديع، الناشط المدني في حركة ضمير، أن الطبقة السياسية في الكثير من الحالات، تبقى بعيدة عن الجواب عن الانتظارات الحقيقية للمغاربة. وأوضح الوديع أن أزمة الثقة ازدادت استفحالا اليوم، وأن اختزال نقاش الأحزاب في العتبة والقاسم الانتخابي، هو في الواقع إضعاف للنقاش السياسي، وتعميق لأزمة الثقة. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني - تصوير (عبد المجيد بزيوات) > يعيش المشهد السياسي أزمة ثقة على بعد أشهر من الانتخابات المقبلة. كيف تقرؤون في حركة ضمير طبيعة الجدل الذي يصاحب القوانين الانتخابية؟ > الحقيقة أن أزمة الثقة موجودة وقائمة منذ سنوات، وليست وليدة اليوم، إلا أنها تفاقمت في المدة الأخيرة، بشكل لا يضر فقط بالأحزاب السياسية، ولكن كذلك بمسار البناء الديمقراطي. وأعتقد أنه في السنوات الأخيرة، كانت هناك ظاهرة جديدة، لم تحسن الحكومة تدبيرها، بل إنها في كثير من الأحيان، تجاهلتها إلى أن وصلت إلى الباب المسدود، وأعني بذلك الحركات الاجتماعية المطلبية والاحتجاجية التي أصبحت تتسم بنفس أطول وباتساع، وبشعارات تتجذر شيئا فشيئا، وفي الوقت ذاته تتميز بشبه طلاق ما بينها وبين التشكيلات السياسية، بل وحتى النقابية في العديد من الحالات. هذه التوترات الاجتماعية لم تحسن الحكومة تدبيرها، والدليل على ذلك، ما وقع في الحسيمة، حين تجاهلت المطالب الاجتماعية، بسبب انهماكها بما كان يسمى "البلوكاج" الحكومي. > ألا ترون أن الأحزاب مسؤولة في جانب كبير عن تعمق هذه الأزمة؟ > أعتقد أن الطبقة السياسية في الكثير من الحالات تبقى بعيدة عن موضوع الجواب على الانتظارات الحقيقية للمغاربة، والتي يمكن تلخيصها في الشغل والصحة والتعليم والسكن. إن أزمة الثقة ازدادت استفحالا اليوم، ويكفي هنا الوقوف عند التناقضات المسجلة في مواقف الأحزاب، ومن ضمنها الحزب الأول في الحكومة، الذي أصبح في الفترة الأخيرة رهينة تجاذبات وصراعات داخلية، بمواقف متناقضة ومتضاربة، تدفع العديد من أطره إلى الهروب من الجواب عن الأسئلة الحارقة، والتي لم يكن فيها جواب شاف، بل تناقضات في المواقف والتصرف. وهناك عنصر ثالث قاتل للسياسة، إلى جانب التداخل بين الدين والسياسة، والذي انتقدناه مرارا في حركة ضمير، وهو المتعلق بالتداخل ما بين السياسة والمال والأعمال، باعتبارهما فيروسين خطيرين على البناء الديمقراطي، إذ يصبح معهما التنافس السياسي شكليا لا غير. هذه الأزمة في الثقة على بعد أشهر من الانتخابات المقبلة، تجعلنا لا نخرج من نفق العزوف، وعدم المشاركة في الانتخابات وعدم تطوير فضاءات المواطنة، لأن الحصن الحصين لأي نظام يريد أن يكون ديمقراطيا، هو الرأي العام الذي يحميه ويحتضنه ويشكل صرح قيمه. > حملت مشاريع القوانين تعديلات تقنية همت العتبة والقاسم الانتخابي. ألا ترون أن غياب نقاش سياسي حول طبيعة العروض المقدمة، هو الذي يساهم في فقدان الثقة؟ > يظهر أن هذا وجه من أوجه المعضلة، أي الخوض في جوانب تقنية ومسطرية عوض التداول في قضايا سياسية جوهرية. وللإشارة، فقد تقدمت حركة ضمير لدى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بتصور شامل، يضم الأبعاد المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأكدنا في المستوى السياسي، أنه لا يوجد نظام ديمقراطي قوي ومستدام، بدون أحزاب قوية، تتمتع بالاستقلالية في القرار، وقادرة على اقتراح برامج، وأن تبرز، حين قيام التحالفات من أجل مصالح الوطن، القواسم المشتركة من أجل عمل حكومي منسجم، وأن تقدم للمواطنين أطرا قمينة بالمسؤولية وقادرة على تحملها، ليس فقط على مستوى التكوين في المجال المخصص لها، بل أيضا التكوين السياسي والتصور الشامل لمرحلة البناء الديمقراطي، التي تفترض الاستحضار المستمر للعنصر السياسي، في إنضاج القرارات، وفي الالتزام بالبرامج الانتخابية وتنفيذها، وفي المحاسبة عليها. >حرصتم في ضمير على مساءلة البرامج الانتخابية لتيسير مقروئيتها من قبل الناخب. كيف تقيمون التجربة السابقة، ولماذا قاطعها حزب رئيس الحكومة؟ > في 2016، حرصنا على مناقشة برامج الأحزاب، وطرحنا أرضية استجابت لها أغلب الأحزاب، وحضر مسؤولوها إلى فضاءاتنا، ودافعوا عن أفكارهم وبرامجهم، وكنا نحاول من خلال المبادرة، تجاوز الخصاص المسجل في النقاش السياسي. وتم تجميع تلك النقاشات في وثيقة تم توزيعها على جميع المشاركين وعلى المؤسسات ذات الاهتمام بالموضوع وكل المسؤولين في الدولة. وسوف نحاول القيام بالعمل ذاته، مستقبلا رغم الظروف التي نعيشها، بسبب الجائحة، لمساءلة البرامج الانتخابية من موقع مستقل، وذلك من أجل تسهيل مقروئيتها للناخبين، ونتمنى أن نكون بهذا العمل قد ساهمنا في تخفيف من ضغط العزوف عن الانتخابات، وهو إضعاف للقيمة الانتخابية للمؤسسات التي ستتأسس عنها. مع الأسف، توجهنا بالدعوة إلى الجميع، إلا أن حزب رئيس الحكومة قاطعها آنذاك، وحينها كان هناك تحالف بين التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية. وفي الوقت الذي لبى حزب التقدم والاشتراكية الدعوة، وشارك بحماس في مناقشة الانتقادات التي وجهت إليه، تأسفنا لعدم حضور رئيس الحكومة، رغم توفر كل شروط الموضوعية وضمان احترام الرأي المخالف، بل حرصنا على أن تكون اللقاءات لحظة مكاشفة ومصارحة من زاوية الحرص المشترك على مستقبل الوطن. وعبرنا وقتها عن أسفنا لعدم حضور حزب رئيس الحكومة، ونتمنى ألا يتكرر الأمر في اللقاءات، التي نعتزم تنظيمها خلال المرحلة التي تسبق الانتخابات المقبلة. المغرب الذي نريد أعتبر أن اختزال النقاش في العتبة والقاسم الانتخابي، هو في الواقع إضعاف للنقاش السياسي، وللأسف الكل انساق وراءه، عوض أن يطرح في إطار سياسي أشمل، ينطلق من الحاجة إلى أحزاب قوية ذات قرار مستقل، وتتبارى حول برامج انتخابية، وتستطيع أن تشكل تحالفات. فلا بد من دعم الطبقة السياسية عموما من أجل أن تكون في مستوى التأهيل المطلوب، وفي المقابل وضع الآليات القارة على محاسبتها خلال فترات الانتداب والمسؤولية. لقد اقترحت حركة ضمير في مذكرتها المطلبية، تحت عنوان "المغرب الذي نريد"، وضع آليات للمحاسبة والمتابعة، من أجل إبطال الانتداب وإيقافه خلال الولاية الانتخابية، بحيث يكون المنتخب رهينا بما يقدمه، وليس بالموقع الذي استطاع أن يكسبه خلال الانتخابات، ويستطيع المواطن، بشروط طبعا، أن يحاسب مسؤوليه سواء المنتخبين أو ذوي المسؤوليات الحكومية، خلال الفترة ما بين الانتخابات التشريعية. لم تطلب منا الوساطة في الحراك *في الحقيقة، نحن لم نقم بوساطة، ولم يطلب منا ذلك، ولم نتصرف بهذا المنطق، بل حاولنا تيسير الفهم ورفع الغموض عن أشياء ربما لم تكن واضحة بما يكفي، لدى صاحب القرار ولدى صاحب الاحتجاج. ونعتقد أننا نجحنا إلى حد ما في جرادة، وهي اليوم تعرف عموما برنامجا تنمويا يحاول الاستجابة لمطالب السكان والشباب، وهناك برامج قيد التنفيذ. ويمكن القول إن هناك نشطاء من الحركة الاحتجاجية المطلبية لجرادة موجودون، ويساهمون في تدبير ومراقبة ومرافقة المشاريع قيد الإنجاز في المنطقة، وربما نكون قد نجحنا إلى حد ما في جعل التوتر يفضي إلى مستوى من التفاهم والتفهم، عوض التنافر والتباعد. وهذا الدور منوط بالهيآت السياسية والنقابية والتمثيلية، وأيضا من قبل المجتمع المدني، الذي يمكنه من موقع مستقل، المساهمة في البناء الديمقراطي من زاوية تيسير التفاهم والحوار الجاد حول قضايا، إذا غاب عنها الحوار، ستفضي إلى سوء فهم وإلى نتائج غير إيجابية بالمرة. وهذه ظواهر جديدة على كل الهيآت الانتباه إليها في المستقبل، لأنها ستصبح القاعدة، عوض أن تظل استثناء. هناك مسار إيجابي وجيد اليوم بجرادة، يستجيب إلى حد كبير لتطلعات سكان المنطقة وشبابها. صحيح لا شيء يتصف بالكمال، إلا أنه كانت هناك خطوات مهمة وتفهم، واستجابة للخطوات التي قامت بها حركة "ضمير" بمرافقة النشطاء وباتفاق معهم، لأن الأساسي بالنسبة إلينا، هو بناء الثقة في هذه المسارات، والتي تجعل من المجتمع المدني، وضمنه حركة "ضمير" آلية تتميز بالمصداقية وبالقدرة على التبليغ وبلورة الأفكار والمطالب لتسهيل الإلمام بها والتعامل معها، وإيجاد الحلول لها. حراك الريف لم يدبر بتبصر بخصوص الريف، كانت هناك خطوة، إذ استفاد عدد من الشباب من عفو ملكي. وطبعا وبفضل الثقة التي بنيت مع المنطقة ومع النشطاء منذ هيأة الإنصاف والمصالحة بالنسبة إلي، ومنذ تأسيس المبادرة المدنية من أجل الريف في 2016، التي حاولت الخروج من هذه الأزمة، بالاستجابة إلى المطالب المشروعة والإنصات والاهتمام بهذه المطالب المستجدة، والتعبير شديد اللهجة في بعض الحالات، الذي عبرت عنه الشبيبة والنشطاء، وهي حقيقة في جوهرها كانت تمثل حركة اجتماعية ذات مضمون مطلبي واحتجاجي وأيضا ذات مضمون ثقافي رمزي، في عدد من جوانبها. وللأسف، لم يتم تدبير هذه الأزمة بما يكفي من التبصر، رغم أننا سجلنا في التقرير الذي قدمناه أمام الرأي العام باسم المبادرة المدنية، أن الحركة الاحتجاجية استطاعت أن تدوم شهورا، وأن العنف من هذا الجانب أو ذاك كان هامشيا، وليس في صلب الموضوع، وتأسفنا لعدم تدارك الأمر في وقته، وهو موضوع، كما يقال، ما كان له أن يكون، وأنا أحمل المسؤولية هنا للحكومة، لأنها صاحبة القرار، وليس للحركة الاحتجاجية، التي جرى تهميشها، وفي الواقع لم يتم التقاط الرسائل المطلوبة في وقتها. وأنا في اتصال مستمر مع النشطاء، بالنظر إلى الثقة المتبادلة، وهناك إنصات متبادل بيننا، واستعداد للاستماع في كل لحظة، من أجل تسيير خطوات في الاتجاه المطلوب، للاستجابة لمطالب المنطقة، وفي الوقت ذاته، التأكيد على الوحدة الوطنية التي لا تقبل الجدل، والوفاء بكل الالتزامات الدستورية والسياسية المطروحة، وضمنها تفعيل الجهوية المتقدمة التي سوف تكون على مستوى القرار الديمقراطي، والتنمية، وخلق تكامل بين الجهات، والتي تعتبر الحل الأمثل للمعضلات الاجتماعية ذات الأبعاد الاقتصادية والثقافية. وأتصور أن أحسن لحظة لطي هذا الملف، ربما ستكون هي مناسبة الكشف عن عمل لجنة النموذج التنموي، وخلالها يمكن أن يستكمل العفو الملكي على كافة النشطاء، والمضي قدما في مناقشة العرض وتفعيله، في انتظار أن يخضع لنقاش وطني. "بيجيدي" خلط بين الدعوي والسياسي أعتقد أن الحزب الأول في الحكومة شكل عنصر كبح للتحول الديمقراطي، لأنه اشتغل بمنطق دعوي سياسي، لكنه لم ينسلخ عن طابعه الدعوي، بشكل مطلق وهذا يظهر الآن في انتقادات صادرة عن أطر لم تعد تقوى على الصمت، وأخذت أصوات لأطر تنتقد هذا التصور للعمل الحزبي، الذي لا يضع مسافة بين الدعوي والسياسي. وهذا الخلط أدت ثمنه بلادنا من تعثر تطورها الديمقراطي. إننا نعتبر أن مسألة الحريات مسألة جوهرية لأي نظام ديمقراطي، عكس ما يمكن أن يروج له من أن الديمقراطية هي فقط رافعة انتخابية. المشكل الذي حدث مع وصول الإسلاميين إلى مقاليد تدبير الحكومة، هو أنه كان هناك كبح إيديولوجي للتصور العام للبناء الديمقراطي، وتركه سجين مجال التدبير الصرف، ومجال اصطفاء النخب، عوض أن يكون مدرسة للديمقراطية، وترسيخ قيم المواطنة، التي تنبني على الحريات الفردية والجماعية، وفضاء للجدال والنقاش العمومي الحر. ونذكر هنا باقتراح مؤسسة دستورية فتح نقاش حول موضوع الإرث، لإنصاف النساء، توجه رئيس الحكومة السابق إلى رئيس المؤسسة يطلب منه الاعتذار. هذا الرئيس ذاته أشار مرارا إلى ترسيخ وتأصيل تصور نمط من الحكم لا علاقة له بالديمقراطية، وأنه مجرد مشتغل إلى جانب الملك، ولا مجال للقرار، وهذا الترسيخ الإيديولوجي سلبي، ولا يمكن أن يطور الديمقراطية. وقد كان مفروضا التغيير التدريجي لقوانين اللعبة، لإفراد مجال أكبر لاتخاذ القرار وتحمل المسؤولية على مستوى الحكومة، وأن يتجسد دور الملكية حكما بين المؤسسات والأطراف في حال التوترات، وليس في الوضع العادي. أعتبر أن المسؤولية الكبرى في كبح النمو الديمقراطي الطبيعي، يتحملها الحزب الأول، ونحن نؤدي ثمنه اليوم، فقد ضاعت سنوات ثمينة هباء، وهذا نقد يمكن أن يوجه إلى أحزاب أخرى، إلا أننا هنا بصدد مساءلة الحزب الأول، الذي جاء بعد انتخابات سابقة لأوانها، وفي ظل دستور غير مسبوق، بالنظر إلى الصلاحيات الموكولة للحكومة. فعوض التفكير من منطق تصاعدي، تم اعتماد مقاربة تضع في المقام الأول مصلحة الجماعة السياسية التي ينتمي إليها الحزب الأول، وليس من زاوية مصلحة البناء الديمقراطي، وعوض كسب مجالات أخرى لصالح التدبير الحكومي، جرى الارتكان إلى التصرف، كمنفذ لا أقل ولا أكثر، شريطة أن يترك لجماعته السياسية مجال الانتشار داخل هياكل الدولة، والتأقلم، والاستفادة من الوضع، وهذا قيل على لسان رئيس الحكومة السابق في أكثر من مناسبة.

صلاح الوديع: “بيجيدي” كبح التحول الديمقراطي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جامعة التايكووندو تجدد الثقة في الهلالي

عاشق يعذب تلميذة أربعة أيام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات