الأحزاب تنظر إلى التقطيع كـ”وزيعة” سياسية

بداوي يعتبر اصطدام الأحزاب حول التقطيع الترابي طبيعيا لأن الأمر يرتبط بتمثيليتها قال أحمد بداوي، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن تأخر تمرير مشروع قانون التقطيع الترابي، دليل أهمية الموضوع في بعده الانتخابي، فـ"بواسطة التقطيع الحالي وجدنا أنفسنا أمام خريطة سياسية تشتمل في شكلها وجوهرها على كل أشكال الغموض والتناقض، وبالتالي فمن الطبيعي أن تصطدم مكونات الأغلبية الحكومية بينها في قضايا مختلفة، خاصة تلك المرتبطة بحضورها التمثيلي". وأكد بداوي، في حوار لـ"الصباح"، أن المؤسسة التشريعية، وإن منحها الدستور صلاحية البت في التقطيع الانتخابي، فستتعامل مع مشاريع قوانين أنجزها موظفون في وزارة الداخلية، مضيفا أن هذه الفئة وحدها من تملك المعطيات المطلوبة وفق المعيار المعتمد في عملية التقطيع الانتخابي، مضيفا «إذا كان الاختيار هو جماعات ترابية قائدة للتنمية، فيستحسن فتح نقاش عمومي هادئ وتوفير بنك للمعلومات يسعف كل المتدخلين على صياغة القرار السياسي السليم". سجلت الحكومة تأخرا كبيرا في عملية إعداد القوانين المؤطرة للانتخابات المحلية والجهوية المقبلة، خاصة في ما يتعلق بالتقطيع الانتخابي، إذ تعثر المسار التشريعي للقانون المحدد للمبادئ العامة للتقطيع، ما مدى خطورة هذه الوضعية على مستقبل السياسة في بعدها المحلي والجهوي؟دعونا نتفق بدءا على أن التأخر في حسم القضايا التشريعية الإستراتيجية الكبرى هي سمة أساس في التجربة البرلمانية الحالية، بل في التجربة السياسية القائمة ككل. وهذا ما يمكن ملامسته من تأخر فتح النقاش السياسي والمؤسساتي سواء داخل الحكومة أو البرلمان في تنزيل عدد من المقتضيات الدستورية الحاسمة، كموضوع العرائض التي من شأنها أن تلعب دورا حاسما في موضوع التقطيع الانتخابي وفي الآلية التشريعية ككل، أو موضوع الجهوية الذي كان موضوع نقاش عمومي واسع لم تقل حدته عن النقاش الدستوري، وغيرها من القضايا العالقة التي تنتظر حسما تشريعيا لنكون حقا أمام دستور جديد. قد يكون سبب هذا التأخر هو دليل أهمية موضوع التقطيع الانتخابي، فبواسطة التقطيع الحالي وجدنا أنفسنا أمام خريطة سياسية تشتمل في شكلها وجوهرها على كل أشكال الغموض والتناقض، وبالتالي فمن الطبيعي أن تصطدم مكونات الأغلبية الحكومية بينها في قضايا مختلفة، خاصة تلك المرتبطة بحضورها التمثيلي الذي لا يعني بالضرورة حضورها المجتمعي، وهذا ما يجسده التأجيل المتكرر لمناقشة مشروع قانون خاص بالتقطيع الانتخابي داخل مجلس النواب، بشكل يوحي أن هناك خلافا جوهريا في الموضوع حول من يقوم بالتقطيع؟ لكن حصر الخلاف في المادة السابعة من مشروع القانون وإن ظهر وكأنه تنازع اختصاصات ما بين رئيس الحكومة ووزيره في الداخلية، فإنه إقرار جماعي بأنانية الفاعل السياسي، سواء داخل الأغلبية الحكومية أو داخل المعارضة البرلمانية، وبنظرته الضيقة إلى مبادرة التقطيع الانتخابي كوزيعة سياسية لمستقبل سياسي مبهم، رغم وعيهم التام بأن عملية التقطيع تحتاج لمعطيات سوسيولوجية وتقنية دقيقة تسعف السياسي في ترجمتها في خرائط دقيقة تراعي المساواة والتكامل والتضامن مابين مكونات الدائرة الانتخابية، أي مراعاة المكونات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية للدائرة الانتخابية ضمانا لمبدء المساواة بين الدوائر الانتخابية أولا ثم ما بين المرشحين ثانيا. فالإصرار على التأخير والخوض في الشكليات، قد يزيد تخلف الممارسة السياسية في بلدنا عمقا، وبالتالي سيفرمل المجهودات الممكنة لضمان تنمية محلية حقيقية تشكل حزاما ضد الفقر وتبعاته السلوكية. أصبح التقطيع الانتخابي، حسب الدستور الجديد، من اختصاص البرلمان، الذي له سلطة تحديد مبادئه العامة بواسطة قانون، لكن التفاصيل يبدو أن أمرها سيؤول في النهاية إلى الداخلية كما كان الحال دائما. كيف تتوقعون أن تتم عملية التقطيع الأولى في عهد الدستور الجديد ؟دعني أؤكد على أمر أساسي، هو أن الدور البرلماني لا يقاس بمستوى البرلمانيين بل بحجم الإمكانات المرصودة لهذه المؤسسة، أي أن العبء الأكبر ملقى على موظفي البرلمان الذين يجب أن تتوفر فيهم شروط الكفاءة العلمية، وكذلك أن يكونوا بالعدد الكافي لممارسة مهامهم، فلا يمكن تصور برلماني فعال دون فريق عمل مؤهل، في المغرب عدد الموظفين التابعين لفريق برلماني هو نفسه الموضوع رهن إشارة البرلماني الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية. أدرجت هذه الإشارة لنبين أن المؤسسة التشريعية وإن منحها الدستور صلاحية البت في التقطيع الانتخابي فهي ستتعامل مع مشاريع قوانين أنجزها موظفون في وزارة الداخلية وحدهم يمتلكون المعطيات المطلوبة وفق المعيار المعتمد في عملية التقطيع الانتخابي. فنحن نعتمد المعيار الديمغرافي أساسا لتحديد الدوائر الانتخابية، فلا البرلمان ولا رئيس الحكومة يمتلكان الإحصائيات السكانية المطلوبة، وحدها الإدارة الترابية تعلم بالكثافة السكانية الحقيقية، لأنها من يطلع على التعمير العشوائي ويمنح شهادات السكنى، إذن دور البرلمان سيبقى محدودا عند اعتماد المعيار الديمغرافي لكنه سيكون أهم لو اعتمدنا المعيار الجغرافي الذي يبقى في نظري أقرب إلى العدالة والمساواة بين المترشحين وأقرب إلى مراعاة بنية وحاجيات الدائرة الانتخابية. وبالتالي وأمام الوضع الحالي فدور البرلمان هو للتأشير فقط. تشدد الأحزاب السياسية على ضرورة إشراك كل الفعاليات والحساسيات السياسية في كل مراحل التقطيع سواء تعلق الأمر بالمبادئ العامة أو بالتفاصيل، ألن يتضمن ذلك خطر فتح الباب أمام منطق حسابات الربح و الخسارة في ورش يرهن مستقبل البلاد بأكملها ؟قال أحد الساسة الأمريكيين ويسمى جيري ماندرين، أعطوني التقطيع الانتخابي أعطيكم الخريطة السياسية، فالكل يعي أن من امتلك صلاحية التقطيع امتلك صلاحية تحديد اللون السياسي للبلاد، وبالتالي فإن طرح مسألة إشراك «الجميع" في مناقشة القواعد العامة للتقطيع وجزئياته هو طرح إيجابي، لكن تفعيله يفرض تأجيل الانتخابات إلى غاية 2015، وهنا يستلزم الأمر إحداث هيأة تقنية مستقلة قادرة على ترجمة النقاش السياسي إلى آليات قانونية قابلة للتنفيذ. أجرى الحوار: ياسين قُطيب

الأحزاب تنظر إلى التقطيع كـ”وزيعة” سياسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الـفـوز والانـتـظـار

الأحزاب وسوء فهم الشأن الانتخابي

مقالات ذات صلة