الموساوي العجلاوي : الجولة الملكية سيكون لها تأثير في القرار الأممي

الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية قال إن أحداث منطقة الساحل والصحراء تؤكد صحة الطرح المغربي الرافض للانفصال يربط الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، الموساوي العجلاوي، بين الزيارة الملكية ومستجدات قضية الصحراء، خاصة الإجماع الدولي في اعتبار الملف نزاعا إقليميا، بدليل أن جولات مبعوثي الأمم المتحدة تستحضر وتتعامل وتناقش المشكل في إطار إقليمي. كما اعتبر الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، أن الجولة الملكية سيكون لها تأثير في القرار الأممي، خاصة لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والتي يهمها ألا تتحول الواجهة الأطلسية إلى صومال جديد. في ما يلي نص الحوار: تأتي الزيارة الملكية إلى السنغال، وكوت ديفوار والغابون أسابيع قليلة على اجتماع مجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء، كيف يمكن للمبادرة الملكية أن تساهم في تعزيز الموقف المغربي في قضيته الوطنية الأولى؟ هذه الزيارة تبرز العمق الإفريقي للمغرب، المعزز تاريخيا وروحيا ودينيا وصوفيا ودستوريا، إذ نص دستور 2011 في ديباجته على المكون الإفريقي للهوية المغربية المتعددة الروافد، لاحظنا أيضا تضمن البلاغات المشتركة المساندة المطلقة للمغرب في نزاع الصحراء، وهذه رسالة إلى روس، وإلى الأمم المتحدة، وإلى الجيران، بأن الموقف المغربي يمتد طويلا في القارة الإفريقية، ويجمع الكل أن أصل مشكل الصحراء هو نزاع إقليمي، بدليل أن جولات مبعوثي الأمم المتحدة تستحضر، وتتعامل وتناقش مشكل الصحراء في إطار إقليمي. وأبرزت الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء صحة الطرح المغربي الرافض للانفصال المهدد لوحدة الدولة، وأن الحل الصائب للجميع يدخل في استيعاب الخصوصيات الجهوية في إطار حكم ذاتي موسع وقد يزداد توسعا بعد المفاوضات، علما أن هذا الحل ما كان بالإمكان طرحه لولا السياق الذي عرفه المغرب منذ 1991، والذي أدى إلى ما يعرف بتجربة هيأة الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر والعدالة الانتقالية، إنها تجربة مغربية لتجاوز النزاعات الداخلية والإقليمية، وعدد كبير من الدول الإفريقية تقدر هذا الاجتهاد والفعل المغربي، وتستلهم من المغرب تجاربه في حل النزاعات داخلية كانت أم إقليمية، ومنها دول إفريقية تقع بالخصوص في المحيط الجغرافي للمغرب، وأيضا في عمق القارة الإفريقية. هذه الأشياء كلها تفسر الامتدادات الإستراتيجية للزيارة الملكية لدول تمتد على آلاف الكيلمترات على المحيط الأطلسي، وتشكل أيضا بعدا أمنيا على الملاحة البحرية والاستقرار. وتحمل الزيارة رسائل إلى دول مثل السينغال والكوت ديفوار المهددة بانعكاسات التدخل العسكري في مالي، ولذلك تصدرت قضية الوحدة الترابية قائمة الاهتمامات والحوار والبيانات الصادرة. وانطلاقا من هذا كله، ستؤثر نتائج الزيارة الملكية لهذه الدول الإفريقية في القرار الأممي خاصة لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والتي يهمها ألا تتحول الواجهة الأطلسية إلى صومال جديد، خاصة أن الجماعات الجهادية والسلفية توجهت نحو الجهة الغربية والشمالية الغربية من الصحراء الكبرى نحو شرق موريتانيا وإلى الجنوب الغربي للجزائر، وإذا ما انكسرت الحلقة الموريتانية، ستتأثر الواجهة الأطلسية بشكل كبير، وسيصبح التهديد مباشرا ليس للمغرب والسنغال فقط، بل أيضا لجزر الكناري، علما أن المجال الجغرافي للمغرب يشكل عمقا أمنيا إستراتيجيا لأوربا. كانت محطة السنغال غنية إلى درجة أن البروتوكول الملكي أضاف يوما إلى مدة إقامة الملك بهذا البلد، كيف تقيمون المستوى الذي وصلته العلاقات بين الرباط ودكار؟ عندما يعرض الدستور المغربي في ديباجته المكون الإفريقي في هويته، فلا يتعلق الأمر بطرح سياسي، بل هو حقيقة تاريخية وروحية، ونعني بالعمق الإفريقي إفريقيا الغربية والسنغال وكوت ديفوار ومالي وشمال غانا وغينيا، والراحل إلى هذه الدول، خاصة السينغال، يحس بعمقه الإفريقي، ولا ينتابه أبدا شعور بالغربة، وبين السينغال والمغرب ارتباط لأكثر من عشرة قرون، وللمغاربة حضور قوي على جميع المستويات، الدينية والفقهية والصوفية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ولذلك يجب التفكير في شراكة إستراتيجية بين البلدين، ورجال الأعمال المغاربة يلعبون دور القاطرة في هذه العلاقات، على النخب السياسية المغربية والحكومة إذن أن تكون قراءتها للعلاقات بين الدولتين قراءة إستراتيجية، وأن تنتج أشكالا جديدة وجذابة في بناء قناطر، ليس تجاه النخب والمؤسسات وحدها، بل التوجه إلى عمق المجتمع السنغالي من خلال المقابلات التي أجراها الملك مع عدد من الزعماء الدينيين، يتبين أن هناك علاقة روحية تجمع البلدين، كيف تفسرون هذه العلاقة بين ملك المغرب ومسلمي السنغال؟ في العمق الروحي للسنغاليين توجه نحو فاس، حيث مركز التيجانية خاصة ونحو المغرب برمزية بلد الأخ الكبير، كما توجد بين المغرب والسنغال روابط فقهية مالكية تجلت في آلاف المخطوطات التي كتبت طيلة قرون عدة، وفي اليومي لدى السنغاليين رموز متعددة تحيل إلى ثقافة المغرب، فالبلغة المغربية تسمى هناك فاس، والجلباب الأبيض لا يلبسه من السنغاليين سوى الفقهاء، والمغرب قبلة للتيجانيين الذين لهم قوة خاصة في الانتخابات الرئاسية ولهم وزن كبير، ففي سنة 2007، عندما صدر تصريح من عضو قيادي في الحزب الاشتراكي السنغالي تجاه الوحدة الترابية للمغرب، ورغم وجود ذلك الحزب في المعارضة استدعى المغرب سفيره في دكار، فانتفضت النخب الصوفية والفقهية وشكلت وفدا حل بالرباط، لإعلان دعمها للمغرب، بل إن مظاهرات تأييد جرت في دكار تأييدا للمغرب، إن مثل هذا العمل لن يقع إلا في السنغال، فالملك محمد السادس ليس فقط ملكا للمغرب بالنسبة إلى السنغاليين، إنما هو أيضا رمز للروابط العميقة التي تربط بين البلدين. في دكار، هناك شارعان أحدهما يحمل اسم محمد الخامس والآخر الحسن الثاني، وهناك أيضا مسجد الحسن الثاني، والرئيس السنغالي ماكي سال قال عن الملك محمد السادس إنه ضيف كبير وصديق وحليف، والصفات الثلاث بالخطاب الدبلوماسي تعني الكثير. و"جلباب إمارة المؤمنين" تأكيد للمشترك الروحي العميق بين السنغالي والمغربي، خاطب الرئيس السنغالي الملك محمد السادس بالقول: "أنتم إذن في بلدكم" وأحال إلى زمن المرابطين والتجارة الصحراوية لتأكيد تجذر العلاقات بين البلدين. تميزت الزيارة الملكية إلى دكار بتوقيع عدد من الاتفاقيات وتدشين منشآت مغربية اقتصادية واجتماعية، إلى أي حد يمكن للمغرب أن يراهن على التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الثلاث؟< للمغرب شبكة بنكية كبيرة وحاضرة في عدد من دول غرب إفريقيا، وهذا التميز ساعد ويساعد رجال الأعمال المغاربة خاصة المقاولين الصغار والمتوسطين، على الحضور الوازن في النسيج الاقتصادي الإفريقي، بل إن الأمر تجاوز إلى التعاون في مجالات كالبنى التحتية، وأهمها المشروع الذي يطمح له كل السنغاليين منذ زمن بعيد، وهو بناء قنطرة على نهر السنغال، فالانتقال يتم بواسطة عبارة تربط بين الضفتين، علما أن الضفة الشمالية تقع في التراب الموريتاني، والحال أن مثل هذا المشروع يتطلب المشاركة والموافقة من لدن موريتانيا، ومن ضمن المشاريع صناعة الأدوية والتعدين والصيد البحري، والسكن الاجتماعي وربط الموانئ الإفريقية جنوب الصحراء بالموانئ المغربية، فهو تعاون إستراتيجي هام، ونعتقد أن المغرب يستفيد من التجربة الصينية في إفريقيا، التي توجهت إلى الخصاص داخل الاقتصاد الإفريقي، واستطاعت أن تفرض نفسها في القارة الإفريقية، ثم أن المغرب من خلال هذا الرهان الاقتصادي والتجاري يقدم نموذج التعاون جنوب جنوب. هل تعتقدون أن مشاورات الملك مع قادة الدول الثلاث انصبت كذلك على مسألة تطويق تداعيات الوضع الأمني في الساحل والصحراء؟ يجب التذكير بأن الملك محمد السادس في خطاب العرش عام 2010 تعرض حينها للوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء وأكد إذاك على أن المغرب "وتجسيدا لانتمائه الإفريقي، فإنه سيظل وفيا لانتهاج سياسة إفريقية متناسقة، هادفة إلى تحقيق التنمية البشرية، وتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في إطار التعاون مع بلدان الساحل والصحراء، ومع الدول الإفريقية الأطلسية، لمواجهة المخاطر الأمنية المتعددة". وكانت هذه أول مرة يتحدث فيها الملك عن التهديدات التي تطل على منطقة الساحل والصحراء، مع التأكيد على التعاون مع بلدان الساحل والصحراء ومع الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي.إذن ما يجري في الساحل والصحراء يهم المغرب، والسنغال والكوت ديفوار لهما حدود مشتركة مع مالي، والبلدان كانا مهددين من لدن الجماعات الجهادية والسلفية لو لم تتدخل فرنسا في 10 يناير حين هجمت جماعة "أنصار الدين "، مدعمة بحركة التوحيد والجهاد، على مدينة كونا، إذ بات حينها الطريق سالكا نحو شرق السنغال وشمال الكوت ديفوار، فكل ما يجري في مالي له انعكاس جيوإستراتيجي على دول الجوار، ومن جهة أخرى دول إفريقيا مهددة بالصوملة وتفتيت وحدة البلاد، ونمو الحركات الانفصالية والنزعات الإقليمية، كما أن المغرب حاضر في الكوت ديفوار في قوات الأمم المتحدة. المغرب يساهم في استقرار دول المنطقة يمكن للمغرب أن يساهم في استقرار دول المنطقة من خلال ثلاثة مستويات:1 - الجانب الفقهي والصوفي من حيث تقوية تكوين الفقهاء الأفارقة في المذهب المالكي الذي هو مذهب كل الدول في غرب إفريقيا، وذلك للحد من تغلغل الفكر السلفي الذي غالبا ما يتحول إلى حركة جهادية كالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد وبوكو حرام، وأيضا مواجهة التسرب الشيعي في المنطقة.-2 الجانب الدبلوماسي السياسي، وفي مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب لحل نزاع الصحراء نموذج لاجتهاد داخلي لفك النزاعات الإقليمية. كما كان للمغرب دور كبير في حل النزاع الداخلي في غينيا، وفي دول عدة بمنطقة غرب إفريقيا.3 - الجانب الأمني، إذ ينظر إلى المغرب داخل إفريقيا كقوة عسكرية جهوية يمكن أن تساهم في استقرار الأوضاع الأمنية، ولاحظنا ضعف قوات بعض الدول في غرب إفريقيا، إن من حيث الرجال أو التسليح أو القدرة القتالية، وإلى يومنا هذا ما زالت دول غرب إفريقيا لم تجمع بعد القوة الإفريقية التي كان من المفروض أن تنشر منذ شهور في مالي. في سطور من مواليد الرباط سنه 1953 حاصل على شهادة الدكتوراه في التارييخ من جامعة بوردو أستاذ بمعهد الدراسات الإفريقة جامعة محمد الخامس أصدر عددا من الكتب و الدراسات في مجال التاريخ الراهن و الوسيط أجرى الحوار: ياسين قُطيب

الموساوي العجلاوي : الجولة الملكية سيكون لها تأثير في القرار الأممي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مهرجان تطوان... قبلة السينما المتوسطية

"القبعات الزرق" المغربية حاضرة في نقاط التوتر الإفريقية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات