تطبيع مغربي إسرائيلي … صمت وتكهنات

تداولته العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية والجهات الرسمية تقابله بالسكوت أثار الإعلان المشترك بين الإمارات وإسرائيل، عن تطبيع العلاقات بينهما، بمباركة من الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب، ضجة كبرى في العالم العربي، بين من أيد القرار «التاريخي» وبين من اعتبره خيانة للقضية الفلسطينية. ومباشرة بعد ذلك، بدأ الإعلان عن تطبيع مرتقب، في المستقبل، مع العديد من دول المنطقة، من بينها المغرب، في تصريحات منقولة عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، تناقلتها العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية. وهو التطبيع الذي جرى الحديث عنه في غير ما مناسبة، سواء أثناء تداول الأخبار حول زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتانياهو للمغرب، أو لقاء جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس ترامب، بالملك محمد السادس، أو زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو السابقة للمغرب. وفي غياب أي رد رسمي حول هذه الأخبار المتداولة، وانتشار التكهنات حول مستقبل العلاقة بين المغرب والدولة العبرية التي تحتضن عددا مهما من اليهود المغاربة في مناصب قوية وحساسة، حاولت «الصباح» الاستقصاء حول الأمر، وأتت لكم بهذه الورقة: إنجاز: نورا الفواري كعيبة: السلام بين البلدين طريق المستقبل الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية قال إن المغرب ليست له أي حدود مشتركة مع الدولة العبرية ولا نزاع له معها حول أراض أكد حسن كعيبة، الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن السلام بين المغرب وإسرائيل هو طريق المستقبل بالنسبة إلى الأجيال المقبلة، في إشارة منه إلى حتمية عقد اتفاق سلام مستقبلا بين الدولة العبرية والمغرب. وأوضح كعيبة، في اتصال مع "الصباح"، أن المغرب ليست له أية حدود مشتركة مع إسرائيل، ولا نزاع له معها حول أراض، إذن فما المانع من سلام ومحبة بين الشعبين، مثلما كان سائدا بين اليهود والمسلمين في المغرب، على مر قرون، حسب قوله. وقال الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية، ردا على سؤال "الصباح" حول أخبار التطبيع بين المغرب وإسرائيل، التي انتشرت في العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، مباشرة بعد عقد اتفاق السلام بين الدولة العبرية والإمارات، "نتوق إلى أن يعم السلام بين جميع الدول والشعوب التي تسعى إليه وتريد أن تعيش في ظله. السلام ربح للجميع، في حين أن الحروب لا تنتج عنها إلا الخسارات". وأشارت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق بين الدولة العبرية والإمارات، عن تطبيع مرتقب مع بلدان عربية أخرى، في المستقبل، ذكر من بينها المغرب، الذي تمت الإشارة إليه باعتباره بلدا محتملا لعقد اتفاق سلام وتطبيع كامل مع الدولة العبرية، بضغط من واشنطن، التي ستقدم للرباط بالمقابل، اعترافا بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال فتح قنصلية لها بالعيون، خاصة في ظل وجود روابط تاريخية تجمع المملكة باليهود المغاربة، الذين ظلت تؤمن لهم الحماية والدعم، حتى بعد هجرتهم إلى إسرائيل. وهو ما ذهب إليه مسؤولون أمريكيون كبار، حين تحدثوا في تصريحاتهم، عن أن المغرب ينظر إليه كأقرب البلدان المرشحة من أجل إقامة علاقات تجارية وسياحية مع الدولة العبرية، خاصة أنه عرف بحمايته للأقليات اليهودية التي تعايشت لقرون مع المواطنين المسلمين. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، أن الاتفاق التاريخي (بين إسرائيل والإمارات) الذي أعلن عنه سيكون بمثابة حافز لفتح العلاقات بين إسرائيل والدول العربية الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي أكد مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية، للصحيفة نفسها، أن هناك آفاقا محتملة لتطبيع علاقات مقبلة مع العديد من البلدان العربية الأخرى، من بينها عمان والبحرين والمغرب. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن قائمة الدول المحتمل أن تنهج نهج الإمارات وتبرم اتفاق سلام مع إسرائيل، والتي من بينها المغرب وعمان والبحرين وقطر والسعودية، ورجحت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن يكون المغرب الدولة العربية المقبلة التي ستوقع اتفاق سلام مع الدولة العبرية. وهو ما كان يروج له إعلاميا أيضا خلال الزيارة السابقة التي قام بها مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، إلى المغرب، للترويج لصفقة القرن. وأكد كوشنر، ذو الأصول اليهودية، في تصريحات صحافية، أن الإدارة الأمريكية تجري مفاوضات مع دول عربية أخرى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، سيبدأ الإعلان عنها خلال الشهور القليلة المقبلة، وهو ما أشار إليه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي توقع التوصل إلى اتفاقات أخرى مع الدول العربية. ويعتبر المغرب، منذ عهد الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني، من بين البلدان العربية التي ترتبط بعلاقات مع دولة إسرائيل، بحكم وجود عدد كبير من أبناء الطائفة اليهودية المغربية المقيمين هناك، والذين يتقلدون مناصب هامة في الدولة، ويعودون بشكل منتظم لزيارة بلدهم المغرب. إسرائيل دولة لن تختفي الراحل الحسن الثاني اقترح الاعتراف بها وضمها إلى جامعة الدول العربية يقول الملك الراحل الحسن الثاني، في كتاب "ذاكرة ملك"، في رده على سؤال للصحافي الفرنسي إريك لوران، حول توقيت بدء اهتمامه بالنزاع العربي الإسرائيلي: "لقد بدأت أعي هذا المشكل في 1956. وكانت نقطة الضوء بالنسبة إلي، هي الحملة الفرنسية البريطانية على قناة السويس. والواقع أن الاتحاد السوفياتي كان يساند دخول إسرائيل إلى حظيرة الأمم المتحدة، رغم المعارضة القوية للعديد من البلدان، على رأسها بريطانيا. وحينما لاحظت بضع سنين بعد ذلك، تغيرا في موقف البريطانيين بمساندتهم لإسرائيل خلال حرب السويس، استخلصت أن الكل كان متفقا على أن تظل إسرائيل موجودة وأن لا يتم تدميرها أبدا. إلى جانب ذلك، ظل التعايش بين اليهود والعرب في المغرب، منذ قرون، أحد مقومات هذا البلد. لقد قمت بزيارة إلى لبنان. وخلال مأدبة عشاء، حضرها مثقفون لبنانيون، قلت لهم بحسرة إن الخلاصة أن العرب لن يتمكنوا أبدا من إيجاد حل أو تسوية للمشكل، لأن إسرائيل دولة لا يمكن أن تختفي. وبأنني لو كنت مكانهم لاعترفت بإسرائيل وأدمجتها في حظيرة الجامعة العربية، وهو التصريح الذي أثار جدلا كبيرا وتعالت الصيحات على إثره". واعتبر الملك الراحل، في حواره الطويل مع لوران، أن الذين أساؤوا إلى القضية الفلسطينية هم العرب أنفسهم حين رفضوا التقسيم الأول ل1947، وحملوا بدله الشعارات السياسية المهيجة حول تدمير إسرائيل ورميها في البحر. وقال "إن العرب في اعتقادي كانوا ضحايا ما يمثل إحدى أعظم مزاياهم، وعيبهم الوحيد في آن، ألا وهو التفصح في اللغة. فحين كنت تسمع رجلا كالشقيري، الذي كان آنذاك زعيما لمنظمة التحرير الفلسطينيــة يقول إنهم سيلقون باليهود في البحر وسيبقرون بطون النساء الحوامل ويخرجون الأجنة ويدوسونهم بأقدامهم، لا بد من أن تقول إن هذا الكلام من قبيل الحماقة والوحشية". وأضاف الحسن الثاني، في سياق الحديث "لدي الكثير من الأصدقاء اليهود من الفرنسيين والأمريكيين والبريطانيين، لكن لدي اقتناع أنه حينما يضطلع اليهود المتحدرون من العالم العربي بمسؤولية فعلية في مسار المفاوضات، فإننا سنقترب بشكل جدي من إقرار السلام، لأنهم سيتفاوضون بشكل أفضل". وخلال تطرقه إلى موضوع الاتصالات، التي أقامها مع مسؤولين إسرائيليين، قال الملك الراحل في "ذاكرة ملك": "خلال القمة التي انعقدت في الجزائر، كان القذافي يرتدي قفازات بيضاء لكي لا تتلطخ يده حينما يصافحني، لأن يدي، حسب رأيه، تدنست بعدما صافحت شيمون بيريز. وفي آخر المساء، قبل مع ذلك أن يخلع القفازات ليصافحني، فقلت له ورددت مرارا وتكرارا لكافة قادة الدول العربية، وأظن أن كلهم كانوا متفقين معي: أية مدرسة للسياسة الدولية تمنع الحوار؟ وقلت للقذافي: هل تستطيع أن تذكر لي سابقة واحدة في التاريخ الدولي والعربي ثبت فيها أن زعيما أو مفكرا رفض التحاور حتى في حالة الحرب". وعن رفضه استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير، يقول الملك الحسن في كتابه "كنت أعلم أنه سيحاول الاستفادة قدر المستطاع من اللقاء في مجال السياسة الداخلية، خاصة لدى اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل، ولكنه لن يقدم أي شيء لفائدة السلام. وقد أبلغته ذلك قائلا: السيد الوزير الأول، إن كنتم ستأتون حاملين معكم ملفا جديا فمرحبا بكم. وإن لم يكن الأمر كذلك، فأنتم تعلمون أن التنقل لمجرد السياحة، ممنوع علي وعليكم". المغرب لن يغامر المحلل الحسيني قال إن الإقرار بمغربية الصحراء لا يتم بفتح قنصلية أمريكية بل بقرار من مجلس الأمن استبعد تاج الدين الحسيني، المحلل السياسي، أن يقوم المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل، على غرار ما فعلت الإمارات، موضحا أنه لا يمكنه أن يغامر بهذا الاعتراف، لعدة أسباب، لكنه بالمقابل، يمكن أن يكون راعيا لمبادرة عربية حاملة لمنظور مختلف عن التطبيع. وأكد الحسيني، في حوار أجرته معه "الصباح"، أن الإقرار بمغربية الصحراء لا يتم بفتح قنصلية أمريكية في العيون، بل بقرار واضح من مجلس الأمن، موضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترغب في أن تفقد ورقة المغرب في المنطقة، لصالح الصين وروسيا، مضيفا في الحوار نفسه، أن الإدارة الأمريكية شديدة التعقيد، وليست هي الرئيس ترامب وحده. في ما يلي تفاصيل الحوار: < ما هي قراءتكم للأخبار التي تروج في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، عن تطبيع محتمل بين المغرب وإسرائيل، في ظل الصمت وغياب أي رد رسمي عليها؟ < الصمت في مجال الدبلوماسية، يعني أنه لا وجود لأي جديد. لكن قد يقول قائل إنه لا يوجد دخان بدون نار. وأعتقد أن المغرب يمكنه أن يتخذ مواقف جريئة من الجانب الإيجابي، لكنه لن يغامر باعتراف بإسرائيل مثلما فعلت الإمارات. لقد كان رد السعودية واضحا بشأن إمكانية التطبيع مع إسرائيل، حين أكدت أنه لا وجود لتطبيع مع إسرائيل بدون التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. بالمقابل، تبدو البحرين وعمان مستعدتين لخطوة التطبيع، خاصة بعد زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إلى الشرق الأوسط. أما المغرب، فظل محافظا على موقفه، خاصة أن زيارة بومبيو نفسها التي قام بها سابقا إلى المغرب، لم تكن موفقة. ليس من مصلحة المغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل. < لماذا في نظركم؟ < لعدة أسباب، من بينها أن القرار مرتبط بسياسة دونالد ترامب، الذي تكاد تكون ولايته منتهية، بعد أن منحت استطلاعات الرأي التفوق لمنافسه جو بايدن. ورغم أن نتائج الاستطلاعات لا تكون حاسمة أحيانا، إلا أنها تبقى عنصرا مهما في مقاربة هذا القرار. من العوامل الأخرى أيضا، أن المغرب من رواد القضية الفلسطينية، فالملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس، كما أن المغرب كان وراء تأسيس وكالة بيت مال القدس، واحتضن في عهد الملك الراحل مؤتمر الرباط الذي تبنى لأول مرة قرارا يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وإضافة إلى كل هذا، من الصعب حل أّواصر هذه العلاقة والارتباط بالقضية، أو فصم عراها، سواء على مستوى النظام أو على مستوى المواطنين. يمكن للدبلوماسية أن تفتح الباب لمبادرة عربية تقترح الأرض مقابل السلام، ويكون المغرب أحد رعاتها. كما يمكنها ربط الاتصالات بالعديد من الأطراف مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوربي ومجلس الأمن، للوصول إلى حل بمنظور جديد لإمكانية الاعتراف. من غير المنطقي، أن يتم التطبيع مع إسرائيل في حين ما تزال مصرة على بناء المزيد من المستوطنات. حين أعلن عن اتفاق السلام بين الإمارات والدولة العبرية، خرج رئيس وزرائها بنيامين ناتانياهو مباشرة بعد ذلك، ليؤكد أن الاتفاق لا يعني تجميد خطة الضم الإسرائيلية لمزيد من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي، فلم تحصل الإمارات على أي مقابل من وراء التطبيع. < إذا كانت الإمارات لم تربح شيئا، فما الذي جعلها تسعى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟ < إنه الخوف من البعبع الإيراني. فالولايات المتحدة الأمريكية، في شخص رئيسها دونالد ترامب، وضعتها بين حلين، إما التعاون معها، أو تركها تواجه مصيرها مع إيران. إنه ثمن الحماية التي يقدمها الأمريكيون للإمارات في مواجهة الصواريخ الباليسيتة التي طورتها إيران. < راجت أخبار عن فتح قنصلية أمريكية في العيون مقابل التطبيع مع إسرائيل. أليس المقابل الذي سيربحه المغرب، من جهته، خطوة مهمة نحو الاعتراف بمغربية صحرائه؟ حاصل على الدكتوراه في مجال الحقوق > أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط > نائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات > رئيس منتدى 21 للحوار والتنمية > محام مقبول لدى محكمة النقض > محلل سياسي معروف > خبير في العلاقات الدولية > مستشار قانوني للعديد من المؤسسات الوطنية والدولية > صاحب العديد من المؤلفات من بينها "سياسة الوفاق... أسبابها ومظاهرها ومضاعفاتها) و"الوجيز في القانون الدولي الاقتصادي" و"المجتمع الدولي وسياسة التدخل"

تطبيع مغربي إسرائيلي … صمت وتكهنات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال "فراقشية" بسيدي اسماعيل

واشنطن تشيد بالإصلاحات "الجريئة وذات الأهمية الكبرى" التي باشرها الملك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات