نسـاء فـي مهـن الرجـال

الظروف أرغمتهن على ممارسة هذه المهن ليتحول الأمر إلى تحد وعشق هن نساء لم يخترن أن يمارسن مهنا كانت حكرا على الرجال، ولم يكن في نيتهن تحدي المجتمع الذكوري، أو إعلاء راية المساواة في وجههم، لكن الصدفة والحاجة للعمل هي من قادتهن إلى هذه المهن، وأرغمتهن على العمل بها، لكنهن تقبلن الأمر وتعايشن معه، وأصبحن يرفضن امتهان أي عمل آخر غيره، بل يدعين بنات جنسهن إلى اختيار هذه الأعمال، لأنها تختلف عن المتداول، وتمنح الثقة في النفس، والرغبة في التحدي، والمضي قدما وسط عالم الرجال . لم يكن سهلا على حليمة أن تشتغل عاملة نظافة، وتلج إلى عالم كان منذ عهد طويل حكرا على الرجال، وتتحدى نظرة المجتمع إليها، مجتمع الكثيرون منه لا يحترمون مثل هذه المهن، ويشمئزون من التعامل مع أصحابها، لكن ظروف الحياة الصعبة، وضيق ذات اليد، أجبروها على أن تلج هذا العالم الرجالي منذ أربع سنوات. عاملة نظافة وأفتخر متوسطة القامة ورشيقة، عيونها عسلية، وبشرتها بيضاء، وابتسامتها مشرقة، زوجة وأم لطفلتين، سنها لا يتعدى 34 سنة، لم تلتحق بمقاعد التعليم، عملت قبل ذلك في مدرسة خاصة، لكن الأجر الهزيل، مقابل يوم عمل طويل يفوق عشر ساعات، وغياب أي التزامات صحية واجتماعية من طرف المشغل، جعلها تفكر في مغادرة العمل والبحث عن البديل.بعد استشارة زوجها وقبوله الأمر، توجهت صوب شركة خاصة بالتنظيف، ووضعت ملفها هناك ليتم قبولها، وتشرع في مزاولة مهنتها الجديدة في شوارع المدينة الاقتصادية، ولتقوم بتنظيف مخلفات سكانها، تقول حليمة «إن هناك من يحترمنا ويقدر عملنا هذا، ويطلب منا مسامحته، وفي مناسبات كثيرة يقدمون على مساعدتنا، لكن هناك في المقابل أشخاص يهزؤون بنا، ويعاملوننا وكأننا حثالة البشر، ولا نستحق أن ينظر إلينا على أننا من طينتهم».تبتسم بحزن وتضيف، «يقومون برمي الأزبال من شرفات منازلهم فوق رؤوسنا، دون مراعاة لمشاعرنا، ومنهم من يطالبنا باستعلاء وتكبر تنظيف المكان مرة أخرى رغم قيامنا بذلك، وكأنه يتلذذ بالأمر، وهذا ما يحز في أنفسنا جميعا، نساء ورجال النظافة، نحن نقوم بهذا العمل بسبب حاجتنا إلى المال وإلى إعالة أسرنا، ولكننا نقوم به أيضا لأننا نعتبره واجب وطني ونفتخر به، وإن صغر في أعين بعضهم».تصر حليمة على مزاولة عملها، رغم أن عائلتها لا تعلم به إلى الآن، تقول «لست خجولة من عملي، لكن معرفتي بنظرة المجتمع هي من جعلتي لا أخبرهم به رغم مرور أربع سنوات على قيامي به، عائلة زوجي غنية، وإن علموا بعملي سيرفضونه ويطالبونني بالتوقف، لكن زوجي يشجعني ولا يعتبر الأمر مخجلا، فهو عمل شريف ولا ينقص من كرامتنا».رغم كل الصعوبات التي تواجهها حليمة مثل عدم قضاء الأعياد مع عائلتها، والابتعاد عن طفلتيها يوميا لمدة تفوق ثمان ساعات، ورغم المضايقات التي تتلقاها أحيانا في الشارع، فإنها مصرة على المضي في عملها، وفخورة به ولا تخجل منه أبدا، وتعتبره عملا مهما لا يقدر عليه أي كان، فهو يتطلب جهدا صحيا ونفسيا كبيرا حتى تستطيع إتمامه، كما تعتبره عملا وطنيا لا يقل عن أي عمل آخر، وجل ما تطلبه هو احترامها حين تزاول عملها. امرأة في مهمة صعبة أن تمارس المرأة رياضة كرة القدم في المغرب، أمر أصبح شيئا ما مقبول داخل الأسر والأوساط الرياضية، لكن أن تكون امرأة مديرة عامة لفريق وطني كبير، مثل النادي المكناسي الرياضي، فهذه مهمة صعبة لم تكن في الحسبان، فدوى بكار، في بداية عقدها الثالث، اقتحمت مجالا كان يخص الرجال، ويمنع اقتراب النساء منه، البداية كانت بمدينتها الصغيرة الخميسات لأربع سنوات، مدة لم تكن بالهينة، لتلتحق بعدها بالفريق المكانسي، وتشرف على إدارته.تتحدث فدوى إلى «الصباح»، «لم أختر هذه المهنة وإنما هي من اختارتني، وإن لم تكن بعيدة عن عائلتي، أبي مسير في فريق اتحاد الزموري الخميسات، حبي الكبير لكرة القدم كان السبب في ولوجي لهذا العالم الخاص بالذكور، متتبعة شغوفة منذ صغري للساحرة المستديرة، وإن لم أمارسها بسبب رفض عائلتي للأمر».«البداية كانت مع فريق اتحاد الزموري للخميسات برفقة والدي، لم أجد صعوبة في الاندماج، الجميع استقبلوني بصدر رحب لأنهم تعودوا على رؤيتي منذ الصغر في النادي، كما أن والدي في البداية كان خائفا علي من هذه المهنة، لكنه غير رأيه بعد ذلك، وساعدني في خوض التجربة، بعد أن رأى أدائي الجيد وسط عالم الرجال، وكيف أني حظيت باحترام الجميع وبدون استثناء».تمرست فدوى بعد ذلك في دواليب التسيير، وأصبحت لديها سمعة جيدة، جعلت فريق النادي المكناسي الرياضي يطلب خدماتها، تضيف، «أسعدني الأمر وأخافني في الوقت نفسه، ففريق مثل الفريق المكناسي بتاريخه الكبير وبأمجاده، وجمهوره العريض المتعطش للألقاب، ليس من السهل على امرأة الولوج إلى عالمه، لكن أعضاء الفريق بدون استثناء، استقبلوني ورحبوا بي وساعدوني على الاندماج، وكذا اللاعبين تعاملون معي بطريقة جميلة، أنستني بعدي عن عائلتي ومدينتي الصغيرة، كما أن جل اللاعبين يلجؤون إلي ويعتبرونني بمثابة أخت لهم، أمر أسعدني كثيرا وجعلني أبذل المزيد من العطاء لأجلهم، ولأجل جمهور النادي العريض الذي استقبلني بكل حب واحترام».لم تعد فدوى ترتدي مثل بنات جيلها الفساتين والتنانير، واقتصر لباسها على البذل الرياضية وسراويل الجينز، تقول فدوى ضاحكة، «لا يعقل أن أرتدي مثل جميع الفتيات، فأنا وسط عالم رجالي وعلي فرض ذاتي به، لذا نسيت أنوثتي وأصبحت أشعر أني رجل رغما عني، وحتى حين أقرر الذهاب إلى صالون التجميل وتذكر أني فتاة، العاملات به لا يكفون عن سؤالي عن النادي وعن الجديد به، أما الكلام في الموضة والمطبخ وكل ما يشغل النساء العاديات، فهذه رفاهية لا أحصل عليها أبدا».هي مصرة على المضي بعيدا في مجال كرة القدم، وتتمنى أن تلج هذا العالم نساء أخريات، لأنه في نظرها عشق الكرة لا يقتصر على الرجال، فالمرأة أيضا تلعبها وتفهمها وتعرف قوانينها، كما أن هناك نساء لسنا مسيرات فقط، بل هناك رئيسات نوادي. يسرى قلب الأسد حكاية يسرى ذات 21 ربيعا، لا تختلف كثيرا عن قصتي حليمة وفدوى، فهي لم تختر مهنة الجزارة، لكنها وجدت نفسها وسط هذا العالم، والدها يملك محلا لبيع اللحوم الحمراء وسط حي البلدية بدرب السلطان، بدأت قصتها مع هذا العالم منذ سن الحادية عشر، أي أكثر من عشر سنوات. البداية كانت بالجلوس ومشاهدة والدها يزاول مهنته، إلى أن أصبحت تساعده أحيانا، وتبقى مكانه في حال غيابه، والدتها أيضا ليست بعيدة عن المهنة، لكن صحتها لم تعد تسعفها فقررت ترك مكانها لابنتها.بمجرد وصولك إلى حي البلدية والسؤال عنها، تجد الجميع يعرفونها بدون استثناء، ويرشدونك إلى محلها، لأنها تحولت إلى علامة مميزة بالمكان، والعديد من الزبائن المغاربة والأجانب يلتقطون الصور التذكارية معها. تستطيع يسرى القيام بكل ما يخص عالم الجزارة، مثلها مثل أي جزار آخر، لا تهاب الدم أو تقطيع أوصال أي ذبيحة كيفما كانت، من أصغر خروف إلى أكبر جمل ،»كل ما يقوم به أي جزار رجل، أستطيع القيام به أيضا ومجاراته، وربما التفوق على بعضهم أحيانا، باستثناء الذبح، لأنه ممنوع على المرأة، وفي عيد الأضحى يكتفي والدي بالذبح، وأتكفل أنا بالباقي أما أخي الأكبر لا يقترب إلى أن أنتهي من كل شيء، الصراحة أنا مولعة بهذا العالم ولا أفكر في الابتعاد عنه».لا ترى يسرى نفسها في أي عمل أخر سوى الجزارة، تقول، «منذ نعومة أظافري وهذا العالم يجذبني، اخترته عن حب واقتناع، ولا أجد نفسي في أي عمل آخر غيره، رغم كل الصعوبات التي أجدها به ، ورغم كل المنافسة التي أصادفها من طرف أصحاب المحلات، فأنا مصرة على البقاء ومواصلة العمل بتشجيع من والدي».تضيف» ليس مستحبا من طرف أصحاب المهنة الرجال، وجود امرأة وسطهم، لم يستقبلونني بصدر رحب، وأغلبهم رفض وجودي واستهجنه قائلا «واش تقاداو الخدامي عند العيالات بقات ليهم غير الجزارة»، لكني لم أعر الأمر أي أهمية، وأصررت على المضي في عملي، خاصة أن والدي ترك لي الحرية المطلقة في المحل».من أجل مزاولة مهنة الجزارة، تركت يسرى مقاعد الدراسة، كما أن تراجع صحة والديها، جعلها تقرر أخذ المبادرة، والمساعدة في إعالة الأسرة، رغم وجود أخ أكبر إلا أنه عكسها تماما، لا يحب هذه المهنة ويرفض ممارستها.أغلب زبنائها من الرجال تضيف يسرى «ربما الفضول ما يستهويهم، لذا يقدمون على ابتياع حاجتهم من عندي، فلا يصادفون دائما امرأة جزارة، الأمر الذي يسعدني ويشجعني على البقاء في هذه المهنة، لكن في المقابل يزعج بعض أصحاب المحلات وليس جميعهم، لأن هناك من يتقبل وجودي بينهم ولا يرى فيه أي مشكلة «. السعدية في محطة الوقود منذ سبع سنوات، أقدمت السعدية على خطوة جريئة، وهي العمل في محطة للوقود، ظروف الحياة القاسية أرغمتها على الولوج إلى عالم رجالي محض، لم يسبقها إليه أي واحدة من بنات جنسها، فهي أول امرأة تمتهن هذه المهنة في المغرب، ليلتحق بعدها العديد من الفتيات، لكن أغلبهن تركن العمل لصعوبته ولعدم تأقلمهن معه.لم تكن السعدية ذات 42 سنة، تتوقع في يوم ما أن تشتغل في محطة لبيع الوقود، وهي الحاصلة على دبلوم للحلاقة البعيد كليا عن عملها الحالي، «لم أفكر يوما في مثل هذا العمل، لكن الظروف أجبرتي عليه، إلا أنني الآن سعيدة جدا به ولا أفكر في تركه رغم التعب الذي ألاقيه يوميا، يكفي نظرة الإعجاب والثناء التي أتلقاها من الزبناء، طبعا في البداية لم يتقبلوني واستغربوا وجودي في المحطة، إلا أنه مع مرور الوقت، أصبح وجودي مؤلوفا لديهم، وأصبح هناك من يأتي يبحث عني شخصيا خاصة النساء» وهذا ما صادفته» الصباح»، فهناك أسرة توقفت للتزود بالبنزين، وسألت عنها، وحتى طفلهم الصغير يعرفها جيدا ويبادلها التحية.تقول السعدية إن أغلب زبنائها من النساء، فهن يفضلن التعامل معها، لخجلهن من سؤال العاملين الرجال في بعض الأمور التقنية، كما أن بعضهن يفضفضن معها في بعض مشاكلهن اليومية، «قدرتي على الاستماع لهن وتفهمهن تجعلني صديقة لأغلبهن، كما أنهم يفرحون بوجودي كامرأة وسط عالم رجالي، ويشجعنني على المضي في العمل، أما الرجال خاصة في بداية عملي، كانوا يرفضون التعامل معي ويشككون في قدرتي على التعامل مع سياراتهم أو شاحناتهم، إلا أنهم في الأخير، وثقوا بي وأصبح وجودي لا يشكل لهم أي عائق، بل تحول بعضهم إلى زبون دائم لدي».فكرة عمل السعدية في محطة لبيع الوقود، جاءت من لدن جمعية تهتم بمساعدة النساء على إيجاد عمل قار، يساعدهن على المضي في الحياة دون الحاجة إلى مد اليد، تروي «البداية كانت صعبة جدا، فلم يتقبل وجودي أغلب من عملت معهم، وهناك من رفض مساعدتي في البداية، إلا أن المدير السابق للمحطة ساعدني جدا في المضي في عملي، كلما قررت تركه إلا وأصر على بقائي وتشجيعي، كما كان يطلب من الجميع مساعدتي وتعليمي كل ما أحتاجه، أنا الآن أستطيع القيام بأي شيء في المحطة، وأعلم جميع التفاصيل عن عملي، والفضل الكبير لاستمراري يعود إليه، وأيضا إلى أصدقائي، فحين وجدوا استعدادي للتعلم، ولمسوا قدرتي على مجاراتهم، تقبلوني وأصبحت فردا منهم».لكل عمل صعوباته، وصعوبة العمل في المحطة ليست سهلة تقول السعدية، «أنا أعمل يوميا من الساعة 8 صباحا إلى 6 مساءا، الأمر الذي أفقدني الكثير من صحتي، وأصابني بمرض فقر الدم»، تضيف «لا يعقل أن تتناول طعامك والزبائن في انتظارك، حتى أني أنسى في أوقات عدة تناول غذائي، إلى أن يحين موعد انصرافي إلى البيت».تضيف، «تتجلى صعوبة العمل أيضا في عدم قضاء الوقت الكافي مع عائلتي خاصة ابنتي، وهذا يحز في نفسي لكن ليس باليد حيلة، فأنا المعيل الوحيد لديها، وأيضا أنا من يهتم بوالدي أما والدتي فقد تركتني قبل أقل من شهر، أما الأعياد فنادرا ما أقوم بقضائها مع أسرتي، لأن ظروف العمل لا تسمح دائما بذلك»، رغم هذا ترفض السعدية ترك عملها، لأنها أصبحت عاشقة له، ولا ترى أنه من الممكن مزاولة مهنة أخرى غيره.

نسـاء فـي مهـن الرجـال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجماعات تشكو الحكامة في التسيير والتدبير

نجمي: لا نعرف سبب توقف البطولة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات