القصة الكاملة لانهيار المشروع الفلاحي المندمج بالوليدية

نسبة الأشغال لم تتجاوز 10 في المائة ومشروع التنقيط ولد ميتا ومكتب الاستثمار الفلاحي لدكالة في قفص الاتهام عندما أوردت "الصباح"، في صدر صفحتها الأولى، قبل أيام، خبر فشل المشروع الفلاحي المندمج بالوليدية الذي كان أعطى انطلاقته صاحب الجلالة سنة 2009 بغلاف مالي يقدر بـ 7 ملايير، أقامت السلطات المحلية ومصالح وزارة الفلاحة واصليد البحري الدنيا ولم تقعدها إلى حد الآن، واستعادت زمنا كنا نعتقد أنه ولى منذ مدة غير يسيرة، إذ سخر رئيس الدائرة عونا له برتبة خليفة لدفع جمعيات إلى توقيع تكذيب لما أوردته "الصباح" من حقائق، في وقت كان من واجب رجال السلطة أن يؤازروا الملك بالصراحة اللازمة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمشروع ملكي أراد به جلالته إنقاذ بحيرة وتأهيل منطقة وإسعاد سكان يفوق عددهم 15 ألفا. ومن منطلق أن ينقلب المشروع مدعاة إلى قلق السكان ومعاكسا لما سعت إليه الإرادة الملكية، فذلك ما دفعنا إلى الهمس في أذن السلطة وأعوانها أن يوفروا شقاءهم فـ "الصباح" انتقلت إلى المكان وأنجزت الربورتاج التالي:تذكر بعض كتب التاريخ، ومنها كتاب "آسفي وما إليه" للعلامة الكانوني، أن بناء الوليدية كان على يد الوليد بن زيدان السعدي، وأن مرساها كان من أنشط مراسي دكالة، وتذكر الحوليات الفلاحية بفرنسا أن مولاي إدريس زاهيدي كان أول مغربي صدر الطماطم إلى الأسواق الأوربية، وأن طماطم الوليدية تعد من ألذ الأنواع وأجودها في العالم. الوليدية كانت رائدة في إنتاج الخضر والبواكر ظلت منطقة الوليدية، والتي تعني في التقسيم الفلاحي المنطقة الممتدة من سيدي عابد إلى أيير، رائدة في الإنتاج والتصدير ومصدرا مهما لدعم الاقتصاد المغربي بالعملة الصعبة، وترسيخ الفكر التعاوني منذ السنوات الأولى للاستقلال، إذ كانت تتوفر على 53 تعاونية فلاحية مجهزة بمحطات للتلفيف، مكنت من تجذير نمط فلاحة اجتماعية مشغلة لليد العاملة ومشجعة على الارتباط بالأرض ومحاربة الهجرة القروية، كما اكتسبت أحواض المحار بالوليدية شهرة بمختلف المطاعم العالمية.وتفيد الإحصائيات أن الوليدية بدأ نجمها يأفل في مجال الخضر والبواكر منذ حرب الخليج سنة 1990، أو قبلها بأربع سنوات، أي في 1986، تاريخ تحرير الصادرات وفرض "كوطا" على التصدير من قبل الأسواق الأوربية التقليدية، وفي مقدمتها فرنسا. وتمثلت الضربة القاضية التي تلقتها المنطقة في تفشي مرض "التيلك" الذي انتشر مع آفة الذبابة البيضاء، كل ذلك اجتمع ليقلص مساحة البيوت المغطاة بالبلاستيك من 1000 هكتار إلى 34 هكتارا ومساحة الحقل المطلق من 4000 هكتار إلى 300 هكتار، وهذه الأرقام كافية لإقامة الدليل على الركود الذي أضحت تعيشه الوليدية، وهو ما انعكس فعلا على سكانها الذين لم تعد لهم القدرة على الانخراط في نشاط فلاحي مدر للدخل وضامن للكرامة بدل مد اليد للسياح والتحول إلى بائعي خبز و"حرشة" لمدة موسمية لا تتجاوز شهرين. أهداف المشروع الفلاحي المندمج بالوليدية انطلقت المبادرة الملكية من مشروع فلاحي طموح، أطلق عليه "المخطط الفلاحي لحماية بحيرة الوليدية من آثار الأنشطة الاقتصادية والفلاحية الملوثة"، وضمان تنمية مستدامة لهذه الجماعة القروية، والحفاظ على مؤهلاتها في مجال تربية المحار وكذلك رد الاعتبار إلى بحيرة الوليدية التي تمتد على مسافة 8 كيلومترات، والتي جرى تصنيفها، منذ 2005، ضمن المواقع الطبيعية العالمية والمحمية بمقتضى اتفاقية "رامسار"، وبالإضافة إلى الحفاظ على جودة مياه البحيرة، فإن المخطط الفلاحي المندمج توخى كذلك تحسين دخل الفلاحين عبر الإنتاج المعقلن للخضراوات بكلفة 22 مليون درهم، وذلك باستبدال السقي السطحي بالسقي بالتنقيط، وتنظيم سلسلة الحليب بكلفة 33 مليون درهم، وترقيم الأبقار وتحسين مراعي الماشية بمبلغ 15 مليون درهم. مظاهر تعثر المخطط الفلاحي المندمج كان علي، رفقة زميلي المصور، قطع مسافة 9 كيلومترات داخل أرض صخرية من تراب الجماعة السلالية "البواكير"، حيث الطريق وعرة وكثيرة الاهتزاز لنصل، بعد نصف ساعة من المسير، إلى المكان الذي انطلق منه حفر العديد من الحفر بعمق متر، ستزرع بها نبتة كلئية تدعى "الكضفة"، والتي ستسخر مراعي للحيلولة دون عودة القطعان إلى الرعي في البحيرة وتلويثها، هناك صادفنا عمالا لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة بوسائل تقليدية يجاهدون النفس لإضافة حفر تقلل من غضبة المصطفى اضريس، عامل سيدي بنور، الذي كان زار المشروع عشية نشر "الصباح" المقال سالف الذكر، ووقف بنفسه على بطء الأشغال بالمشروع الرعوي الذي كان من المفروض أن تنتهي به الأشغال بنهاية السنة التي ودعناها قبل يومين.اقتربنا من أحد المسؤولين عن المقاولة التي تتولى أشغال الحفر، توجس في البداية قبل أن يبوح لنا بالحقيقة المرة، ومفادها أن الأشغال بالمناطق الثلاثة التي ستزرع فيها "الكضفة" لم تتجاوز إلى حد الآن، 60 هكتارا من أصل 1000 هكتار كانت مقررة، وهو ما يجعل نسبة الإنجاز لم تبلغ حتى 10 في المائة، قبل أن يستطرد بأن مساحة المراعي المراد إنشاؤها لفائدة قطعان دواوير البواكير وأولاد هلال 1 وأولاد هلال 2 وأولاد يوسف وحيوط الكاهية، قلصت إلى 200 هكتار، أي فقط خمس المساحة التي قدمت إلى الملك لحظة زيارته إلى الوليدية سنة 2009، فضلا عن أن الأشغال لم تحترم المدة المحددة لإنجازها، أي بين 2010 و2012، دون أن يمتلك القيمون على المشروع، وهم أطقم المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بدكالة، الشجاعة اللازمة لإطلاع الرأي العام على المعيقات التي قد تكون ظهرت أثناء عملية الإنجاز المتعثرة، والتي كانت أثارت غضب جمعيات تهتم بتربية الأبقار والأغنام والماعز، كانت تعتزم مراسلة الديوان الملكي ووزارة الفلاحة للفت الانتباه إلى الفشل الذريع الذي يصادفه المشروع الكلئي بالوليدية، قبل أن يتم خطب ودها باجتماعات طارئة وتكليف خليفة قائد باستعطافها من أجل التوقيع على رسالة لتكذيب ما ورد في "الصباح"، درءا لغضبة ملكية محتملة. مشروع التنقيط ولد ميتا لم تتوقف رحلتنا في المجال الرعوي، بل كان علينا أن نزور المجال الذي يحتضن المشروع الذي يروم الإنتاج المعقلن للخضروات اعتمادا على تقنية التنقيط على مساحة 762 هكتارا والذي كان من المقرر أن يستفيد منه 500 فلاح، إذ وقفنا على أن المساحة التي تمت تغطيتها بالتنقيط لم تتجاوز، إلى حد الآن، 80 هكتارا، أي ما يعادل نسبة تفوق بقليل 10 في المائة من المساحة المتوقعة، لأنها تصطدم بمشاكل لا حصر لها.ومن العقبات التي تواجه مشروع التنقيط أن القيمين عليه أقاموه على بنية عقارية تطغى عليها الملكيات المجهرية، وأنهم لم يوظفوا التوصيات التي كانت صدرت في الندوة العالمية حول الطماطم، والتي نظمتها بأكادير جمعية "أسبم"، سنة 2009، حين أوصى خبراء من هولندا بأن أي مشروع فلاحي يتوخى رفع المردودية في قطاع الخضر والبواكر، لا بد أن ينطلق أولا وأخيرا من عملية ضم الأراضي، وهو ما لم يتم في مشروع الوليدية، ما حكم عليه أن يولد ميتا، لأن المكتب الجهوي غلب النزعة الفردية ولم يشرك المهنيين أو يستمع إليهم، وهو ما تأكد واضحا من تغييب الغرفة الفلاحية الجهوية لدكالة عبدة. كما لم يتم الإصغاء إلى أصوات ارتفعت في السابق، للحفاظ على الفرشة المائية للوليدية عبر إنشاء خمسة صهاريج للسقي الجماعي، وتشجيع نمط الزراعات البيولوجية وضمان تسويقها خارجيا وداخليا بالمساحات التجارية الكبرى عبر ربوع الوطن، وإحداث سوق نموذجي لبيع الخضر بجانب محطة للتلفيف كانت تحمل في وقت سابق اسم تعاونية الوفاق، واكتفى المشروع بتغيير سقفها من "ديماتيت" إلى ألواح من الزنك وإعادة طلائها من جديد دون أن تلوح في الأفق بوادر ترسيخ نواة للتأطير الفلاحي الحقيقي تتجاوز جمع الفلاحين حول مأدبات غذاء تنتهي بلا شيء. المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي في قفص الاتهام بين هذا وذاك، ربطنا الاتصال بصاحب شركة تتولى إنجاز شطر من مشروع التنقيط، الذي تحدث، بنبرة حادة، "أقولها صراحة إن المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة هو الذي عرقل مشروع السقي بالتنقيط لمدة قد تصل أكثر من سنتين عن الموعد المحدد لانتهاء الأشغال"، وأضاف قائلا "كيف لمشروع ملكي أن يصطدم ببيروقراطية قاتلة، نتيجة التلكؤ الكبير في معالجة الملفات التي تصطدم بصراعات داخلية بين القسم المكلف بالري والقسم التقني وبالشباك الوحيد الذي لا يوجد إلا شعاار فقط؟"، واستطرد صاحب الشركة أن الملفات المدعمة التي كان يجب أن تكون وصلت إلى الصندوق الوطني للقرض الفلاحي لمباشرة عملية صرف الاعتمادات المخصصة لأصحابها من الشركات التي تولت، عن حسن نية، الانخراط في إنجاز مراحل المشروع، ما زالت تلك الملفات برفوف مسؤولين بالمكتب سالف الذكر منذ مدة طويلة، وفي كل مرة يختلقون ملاحظات لإرجاعها إلى نقطة الصفر، في وقت، يقول صاحب الشركة، إنه مدين للمكتب بأزيد من 200 مليون، وإن جميع الشركات أوقفت عملها لأنها لم تعوض، إلى حد الآن، عن الأشغال التي أنجزتها. وتساءل صاحب الشركة: إذا كان المكتب يعرقل بهذه الطريقة مشروعا ملكيا، فكيف الحال حين يتعلق الأمر بملفات البسطاء من الفلاحين من رعايا الملك بجهة دكالة عبدة؟ غادرنا الوليدية على إيقاع أكثر من طلب للجنة لتقصي الحقائق حول ما يقع في هذه الجماعة التي أراد لها الملك أن تبعث من جديد رهانا أساسيا في معادلة التنمية السياحية الوطنية، لكن سلوكات وقفت في وجه أن تنخرط الوليدية في ركاب تنمية مستدامة. "لا ديدي لا حب الملوك" غير بعيد عن حفر "الكضفة"، التي لم تزرع بعد، التقينا مجموعة غاضبة من السكان أكدوا أن الحفر لم تستعمل فيها تربة "التيرس" الغنية، وأنه جرى جرف التراب الموجود، ما أدى إلى قتل المراعي الطبيعية التي كانت تغطى، عقب التساقطات، بنبتة "البرواك" التي ترعاها القطعان، قبل أن يلخص أحدهم الوضعية قائلا "لا ديدي لا حب الملوك"، في إشارة منه إلى القول "لا كضفة لا برواك"، وهو ما جعل الكسابين يهبطون بقطعانهم نحو البحيرة والمرجة، وهو ما يضعف حظوظ المحافظة على جودة مياه البحيرة في الدرجة "ب"، وما أكد لنا ذلك مصادفتنا لسيدة من الوليدية عائدة ببقراتها من المرجة، وهي إشارة قوية إلى أن الأهداف المتوخاة من زرع "الكضفة" ما زالت لم تؤت النتائج المرجوة منها.في طريقنا، صادفنا شابا من أبناء الوليدية، تأكد لنا، من خلال الحوار معه، أنه راكم قدرا محترما من المعرفة في الميدان الفلاحي، حين بادر إلى القول إنه كان بإمكان أطر المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بدكالة تفادي زراعة "الكضفة" لأن ذلك يعد مضيعة للوقت والمال ونتائجه غير مضمونة، والاستعاضة عنه بمشروع معقلن أثبت جدواه بشكل كبير، ويتعلق الأمر بتشجيع "السلوجة" عبر زراعة الذرة بواسطة السقي بالتنقيط وتبني مشروع رائد في التسمين من شأنه أن يكون قيمة مضافة في إنتاج اللحوم والحليب وتحسين دخل الفلاحين بإنشاء تعاونيات لجمع وتسويق الحليب بالدواوير سالفة الذكر. إنجاز: عبد الله غيتومي

القصة الكاملة لانهيار المشروع الفلاحي المندمج بالوليدية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العنصر يتنازل للولاة والعمال عن اختصاصات جديدة

بوليف: سرقة مقر العدالة والتنمية ليست عادية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات