الإنتـاج في قلـب النقاش التلفزيونـي

العرايشي: نحن أمام فرصة تاريخية لتطور أداءنا جميعا ونقدم منتوجا جيدا نظمت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يوما دراسيا حول "الإنتاج التلفزيوني: العلاقة بين المنتج والباث"، يوم الجمعة الماضي بالرباط، شارك فيه إلى جانب أطر قطاع الإنتاج بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الفاعلون في القطاع الخاص للإنتاج وأرباب الشركات والمنتجون، والمبدعون ومختلف المتدخلين في سيرورة الإنتاج بهدف التشاور حول أنجع السبل للارتقاء بالإنتاج الوطني، كما قدم خبراء دوليون عروضا تقنية لإطلاع المشاركين على خبرتهم وتجارب بلدانهم في مجال الإنتاج التلفزيوني. كان اليوم الدراسي الذي نظمته الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون فرصة لتبادل الرسائل، وبعث إشارات بين الأطراف المتجاذبة داخل المشهد السمعي البصري المغربي. كان أهمها الإقرار بأن تجارب الدول المتقدمة في مجال التلفزيون يتبنى أغلبها استقلالية القنوات عن السلطات الحكومية التي يجب أن يقتصر دورها على تحديد مهام الخدمة فقط. لماذا يوم دراسي؟يأتي تنظيم اليوم الدراسي حسبما أعلنت ذلك الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون تفعيلا لدفتر التحملات الجديد للشركة، المصادق عليها من طرف الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وبالنظر إلى المهام التي تضطلع بها المؤسسة، باعتبارها مرفقا عموميا، والقائمة على معايير الجودة والمهنية، والتنوع، والحرية، والمسؤولية والمحاسبة، كما تخضع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لقيم الديمقراطية والحكامة، كما تهدف إلى تعزيز مقومات الهوية الوطنية، والعمل على إشعاع الثقافة والحضارة المغربيتين ورفع تنافسية الإنتاج السمعي البصري الوطني.كما يندرج اليوم الدراسي في إطار تجسيد هذه المبادئ، من خلال دعوة مصالح الإنتاج في المؤسسة وشركات الإنتاج الخاصة، والمتدخلين الفاعلين في القطاع، إلى حوار مفتوح حول الإنتاج التلفزي، لتحسين جودته عبر إحداث آليات جديدة ومساطر ملائمة لإنتقاء وتقييم المشاريع المقترحة، مع ضرورة تنظيم عملية الإنتاج وتحصين المكتسبات المنجزة.كما يهدف الحوار إلى تعميق التشاور بين مختلف الفاعلين في مجال الإنتاج حول سبل تحسين الأداء العام وتطوير فعالية الأنشطة الإنتاجية، تماشيا مع متطلبات الحكامة الجيدة ووفقا للقواعد الفنية.وتميز اللقاء الهام بتجاوب كبير بين المتدخلين الأربعة الممثلين لقنوات تلفزية عمومية الأوربية في كل من فرنسا (فرانس تيليفزيون)، وألمانيا (زد دي إف)، وبلجيكا (إغ تي بي إف) ، وبريطانيا (بي بي سي)، وممثلي شركات الإنتاج بالمغرب إلى جانب ثلة من الصحافيين وأطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقناة الثانية "دوزيم" وممثلي النقابات المشتغلة بالقطاع. مداخلاتتطرق العرض الذي قدمه جوهانز ماكس أوم، مستشار العلاقات الدولية للقناة الألمانية "زي دي إف"، لبعض الأسس القانونية المتعلقة بانتقاء البرامج والتعاون مع المنتجين، من حيث القواعد العامة والإطار التنظيمي والمراقبة الداخلية، إضافة إلى عرض الإحصائيات الخاصة بالبرامج المنجزة حسب تصنيفات الإنتاج.وبالنسبة إلى الهيكلة والتنظيم الخاص بالبرمجة، تم عرض التنسيق العرضي بين بعدي "الإبداع" و"التمويل"، إضافة إلى المقاربة العامة لنوعية العلاقات مع المنتجين من حيث الوضعية المتجمدة (الخطوط العريضة) وأفق التطور(السياسة والإستراتيجية).وفي إطار الهيكلة والتنظيم الخاص بالبرمجة تتم معالجة الخلايا المبتكرة للبرامج أو الشبكة المقاولاتية من حيث ممارسة التحرير والتوجيهات المتعلقة بالتعاون مع المنتجين، ومستوى التأُثير، والتحفظات، والصلاحيات، وبالنسبة إلى المنتجين المنتدبين تم التطرق لمعايير التعاون التفضيلي المعتمدة.وتحدثت نجلاء العمري، رئيسة المشاريع الخاصة بالشرق الأوسط، ورئيسة مكتب قناة "بي بي سي" بالقاهرة عن مسالك الإنتاج داخل القناة بالنسبة إلى البرامج الإخبارية. كما تطرقت للإنتاج المسمى "الإنتاجات الضخمة" والإنتاج ذي "الميزانية المحدودة". وحللت تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية وانعكاساتها التي أدت إلى تقليص ميزانيات إنتاج البرامج، وكذا التحديات التي تفرضها الوسائط الجديدة. وتحدثت العمري عن الأزمة الحالية التي تعيشها القناة البريطانية، بعد بث ربورتاج متعلق بالاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، التي تشكل مادة غنية لمناقشة منظومة الإنتاج وموقعه داخل التنظيم العام لهذه المؤسسة المشهورة عالميا بأدائها الصحافي المتميز. كما تظهر الأزمة، سالفة الذكر، مختلف الأبعاد التي يجب على كل مضمون إنتاجي أخذها بعين الاعتبار في عالم يزداد تعقيدا، خصوصا مع الظهور القوي لوسائل تواصلية جديدة، أو الوسائط الجديدة، التي تشكلها المواقع الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية وتلاقيهم مع الأجهزة الإعلامية التقليدية. أزمة اقتصاديةمن جهته، تناول إيمانوييل تورب، المسؤول عن البرامج بالإذاعة والتلفزة البلجيكية الفرنكوفونية، أزمة مداخيل الاشهار التي تواجه الإذاعة والتلفزة البلجيكية الفرنسية، كباقي التلفزات العمومية الأوربية، تحجيما ما جعلها من القنوات التلفزيونية الأقل تمويلا في أوربا، وهي بالمقابل من أكثر الأسواق تنافسية (غزو الجار الفرنسي والقطاع الخاص المحلي). كما أن ارتفاع التحدي المالي والتنافسي بدأ يأخذ منحى دراميا على الصعيد الإستراتيجي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن (إغ تي بي إف) ليست فقط مؤسسة للبث تقتني الحقوق فقط، ولكن أيضا منتجة لجزء كبير من شبكتها البرامجية. هذه الوضعية للإنتاج المندمج يمكن أن ينظر إليها أولا فرصة في عالم أصبحت فيه ملكية الحقوق أمرا مفصليا، لكن الأمر يتطلب بالخصوص التعريف بدقة البرامج التي يجب إنتاجها، وكذلك تفادي إمكانية الخطأ في التقدير، وإنتاجها بالطريقة المثلى الممكنة. وتناول العرض المسطرة الكاملة، من المشروع الإنتاجي إلى غاية بثه، بالتركيز على ثلاث نقط هي أولا، كيفية تحديد، بطريقة دقيقة، الرابط بين أدوار مصالح البث (البرمجة) والإنتاج داخل القناة على أساس شبكة برامجية يتم صياغتها، ثانيا، كيفية دعم المد الإنتاجي أو "ووركفلو" بشكل يجعل بعدي "التعاون" و"المراقبة" في أعلى المستويات للحصول على النجاعة المثلى، وثالثا، ماهية المجهود المبذول لعقلنة النفقات بالنظر إلى حاجيات الشبكة البرامجية. تجـــربة خـــاصــةتطرق عرض، هيرفي ميشيل، مدير العلاقات الدولية بمجموعة التلفزيون الفرنسي، للعلاقات التي تجمع بين “مؤسسة البث” التي أصبحت من جهة واضعة برامج، ومنتجة من جهة أخرى، لمضامين تقترحها على الباث، وسيعرض كيفية اشتغال جميع الفرقاء وطرق التنظيم والتواصل المتبادل المعتمد لتفعيل هذا التعاون. كما تناول النموذج الفرنسي ذي التنظيم الخاص، بحكم اعتماده منذ سنوات على نموذج يتمثل في الفصل بين الإنتاج والبث، عملا بمبدأ “الحفاظ على التنوع الثقافي”. كما عرض سياسة البرمجة وكيفية إشراك المنتجين المستقلين في هذا النموذج، وكذا إشكالية الإنتاج الدولي المشترك عبر أمثلة دقيقة. وتطرقت مداخلة برتراند موسكا، المستشار لدى رئيس مجموعة التلفزيون الفرنسي، والمدير السابق للقناة الفرنسية الثالثة، إلى العلاقات بين المنتج ومؤسسة البث العمومي، وكذلك إلى المنظومة المرافقة للمشروع التحريري، وعرض مختلف المراحل التي يمر عبرها كل “اقتراح إنتاج” وارد من أحد المنتجين. كما تطرق إلى سياسة مجموعة التلفزيون الفرنسي لتنويع البرامج مع التقيد بالخط التحريري لكل قناة وسياسة التناغم بين الشبكات البرامجية. العرايشي: النقاش حول دفاتر التحملات مفيد وقال فيصل العرايشي إن اليوم الدراسي يأتي في إطار تحولات عميقة خصوصا مع النقاش الذي شهدته بداية السنة في إشارة إلى دفاتر التحملات، معتبرا ما يجري اليوم "فرصة تاريخية وغير مسبوقة لنتطور جميعا ونقدم منتوجا ينال رضى المشاهد المغربي عن طريق وضع قواعد الحكامة والشفافية تعطي نتائج أحسن".وأضاف العرايشي أن كل ما أثير من نقاش حول دفاتر التحملات مفيد وغني جدا ومنح لكل الشرائح المغربية فرصة التعبير عن انتظاراتها المستقبلية على مستوى الخدمة السمعية البصرية العمومية، مشيرا إلى أن النقاش العام حول دفاتر التحملات أدى إلى وضع السبل الناجعة لإرساء قواعد وضوابط جديدة للارتقاء بمجال الإنتاج التلفزيوني.وأكد الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون أن دفاتر التحملات الجديدة فرص كبيرة للمزيد من العمل والمزيد من الفرص لكن ستكون هناك متطلبات، "ضيوفنا سيقدمون تجربتهم العريقة في مجال التلفزيون بصفتها أجمل التجارب الأوربية ... نحن هنا للفهم ... نحن هنا للبناء... وسنركز على الجودة والاستماع الى الجمهور من أجل تحقيق تطور في أسلوب العمل والنهوض بالإنتاج وتحقيق الجودة وتطوير العلاقات بين المهنيين". خلاصات اليوم الدراسي مكن تنوع مضامين النقاش، الذي امتد طيلة اليوم الدراسي، المشاركين من التوصل إلى حصر أهم القضايا الراهنة للإنتاج التلفزي في أربعة محاور هي أولا، التأكيد المشترك على المبادئ الكبرى التي تقوم على أساسها الخدمة العمومية في وسائل الإعلام السمعية البصرية، سواء بأوروبا أو بالمغرب، و من ضمنها تطوير شركات الإنتاج الخاصة لدعم ديناميكية إنتاج البرامج، ثانيا، الإشارة إلى وجود نماذج مختلفة للإنتاج: سواء المتمثلة في الإعتماد "كلية" على شركات إنتاج خارجية عن القناة، كما هو الحال بالنسبة إلى القنوات الفرنسية، أو عبر الإعتماد "جزئيا" على هذه الشركات كما هو الشأن بالنسبة إلى القناة التلفزية البريطانية "بي بيس ي"، مع ضرورة التذكير بإيجابيات وسلبيات كل نموذج على حذا. وثالثا، التعاون بين المنتج والباث أصبح عملية ضرورية يمليها "الرابط الإبداعي" بين الطرفين إلى جانب الشراكة المالية وتلك المتعلقة بالخط التحريري للقنا. ورابعا، التأكيد على استقلالية القنوات عن السلطات الحكومية التي يجب أن يقتصر دورها على تحديد مهام الخدمة فقط. وأحسن نموذج القناة البريطانية "بي بي سي". نقابات… الحاضر الغائب ! أعلنت تنسيقية النقابات الأكثر تمثيلا داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد دوزيم، يوم الخميس الماضي، في بلاغ لها، عن مقاطعة اللقاء وجاء في بلاغ أصدرته في الموضوع أنها «تلقت بخيبة أمل نبأ تنظيم اليوم الدراسي دون إشراكها» مشيرة إلى أن عدم إشراكها في تحضير اليوم الدراسي انفراد من رئاسة القطب العمومي في تدبير الشأن الإعلامي والتفاف على التزامات بروتوكول 8 يوليوز 2011 القاضي في جانب منه بتنظيم جلسات الحوار البين مهني مع المنتجين الداخليين.وحسب ما عاينته «الصباح» فإن نقابة مستخدمي القناة الثانية التابعة للاتحاد المغربي للشغل كانت الوحيدة التي التزمت بماجاء في البلاغ في حين سجل نقابيون من المكتب النقابي الموحد التابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومن النقابة الديمقراطية للإعلام السمعي البصري التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل حضورهم.وأرجعت بعض الأوساط النقابية هذا الاختلاف بين القول والفعل إلى «حسابات سياسوية ومصالح شخصية» الهدف منها الضغط على إدارة الشركة للحصول على تنازلات. إعداد: جمال الخنوسي

الإنتـاج في قلـب النقاش التلفزيونـي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المحكمة تأمر بإحضار متابعين في ملف سوق الجملة بالقوة

شباط: ميثاق الأغلبية مجرد إنشاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات