مستعجلات ابن طفيل بمراكش في حاجة إلى حل استعجالي (2/1)

اكتظاظ يضع المرضى في حالة انتظار طويل لعلاج قد يفوت أوانه طرق تسيير وتدبير القطاع الصحي بمراكش، النقابات بكل ألوانها ومسؤولي وزارة الصحة والمرضى وجمعيات ضحايا الأخطاء الطبية. لكن نقطة واحدة تجمعهم في لقاء غير محدد الموعد، وتجعلهم على اتفاق بدون سبق سعي إلى ذلك. التشكي وحده ينجح في ما فشلت فيه كل اللقاءات والاجتماعات التي سبق أن جمعت كل هؤلاء، إذ لا يمكن أن تطرح سؤال الوضع الصحي في القطاع العمومي أو الخاص بمراكش ولا يواجهك الجميع بالشكوى، المسؤولون يشكون، النقابات تعدد شكاياتها بالمئات داخل تقاريرها وملفاتها المطلبية، والمرضى يشكون الإهمال والأخطاء الطبية وتأخير المواعد، حتى حراس الأمن الخاص لا يترددون في الدخول من باب الشكوى الواسع. ما أن تقف سيارة الأجرة أمام مبنى مستعجلات ابن طفيل بمراكش، حتى يصاب الراكب الوافد على المرفق العمومي، بدوخة، وتمتصه دوامة التيه وسط جموع المقبلين بالمئات لطلب العلاج بشكل مستعجل، وأغلبهم محمولون على الأنين والصراخ وسط الدماء والقيء. رحلة... يستغرق الوافد الجديد، الذي سرعان ما يصبح قديما لأنه لا تمر ثانية دون أن يصل وافد جديد آخر، سواء عبر سيارة أجرة أو محمولا على أكتاف أفراد أسرته أو سيارة إسعاف، (يستغرق) بضع دقائق قبل أن يتمكن من الخروج من كومة الأجساد المتدافعة أمام المدخل الرئيسي، ليجد نفسه مباشرة أمام حراس الأمن الخاصين، "فين غادي...فين مدرم"، تغيظ العبارة المرأة المرافقة للوافد معصوب اليد إلى الكتف، "دابا كتهجج فينا ولا؟ لاش بغا يجي كاع عنتكم، آش عندكم زين؟..." تسترسل المرأة في رد ساخر وساخط على عنصر الأمن الخاص، الذي لا يخلو وجهه من تعب، "سليتي...ودابا فين غاديين". كعادتهم يحول المراكشيون مآسيهم إلى هزل، إذ استطاع حارس الأمن الخاص أن ينتزع، رغم عمله اليومي الشاق، ابتسامة من وجه المرأة المسنة، التي ستخبره أن ابنها مصاب في يده، ويحتمل أن يكون أصيب بكسر. يرشدهما إلى شباك يسار الباب، قبل أن يفسح لهما بضعة سنتيمترات من باب المدخل، ليعود إلى صده بسرعة بجسده الهزيل أمام المتدافعين أمامه.عند الباحة كان شاب، يجلس القرفصاء، يثير انتباه الداخلين والخارجين، انهمك في حك هيستيري لندوب حروقه الجديدة، كثيرون يولون بوجوههم لحظة تقع عيونهم على جسد نهشته النيران قبل أيام قليلة، الذباب وحده يقترب أكثر، ويزيد غضب أم الشاب التي تطارده بمنديلها دون جدوى، وهي تعاتب ابنها بطريقة تفيد أنها ما عادت تحتمل أنينه المتواصل. تطارد الذباب، وتحاول ستر عورته المكشوفة من تحت "فوقية" يرفعها لحك حروقه، ثم تنظر بخجل في وجوه الآخرين الذين لا يطيلون النظر في مشهد قبيح من مشاهد مستعجلات ابن طفيل، قبل أن تحول نظرها إلى الجهة الأخرى للبحث عن سيارة إسعاف تقل ابنها الذي تحول إلى فرجة وسط الباحة الأمامية للمرفق. "ولدي فمو خايب، شي واحد حكا فيه، ذاك الشي علاش واحد النهار خرج غضبان من الدار، ونعس حدا واحد لوزين، ملي فاق بغا يشعل الكارو وما جا فين يشعل البيريكا حتى طارت به الأرض" تقول زهرة أمردو والدة عبد الله، وهي تحكي تفاصيل إصابته بحروق، "قد يكون أحدهم صب عليه مادة قابلة للاشتعال لذلك ما أن حاول إشعال سيجارته حتى اندلعت في ملابسه النيران قبل أن تنتقل إلى جسده". إدارة المستشفى طالبت المرأة المسنة بنقل ابنها إلى البيت ومحاولة علاجه فيه بعد تجاوز مرحلة الخطر، نتيجة قلة الأسرة، "سأنقله إلى بيتي بدوار العرب بعين مزوار، وإذا تفاقمت حالته سأعيده إلى هنا".بعد أن ينجح أي وافد جديد في عبور ممر المتدافعين، ويشعر أنه تخلص من لحظات التيه الأولى، تمتصه لحظات ضياع أخرى أمام شباك مكتب تتزاحم فيه أجساد موظفات تعكس نبرات أصواتهن الإرهاق منذ الساعات الأولى ليوم عمل جديد. لا يقع انتباه إحداهن على الزوار الجدد إلا بعد أن يبح صوته، "ختي ختي ختي..." بعضهم يرددها بنبرة مستجدية، وآخرون يرددونها بنبرة غاضبة، قبل أن يتمكنوا من انتزاع اهتمام الموظفات اللواتي يبدو أنهن يصارعن أمواج تيه من نوع آخر في بحر أكوام الأوراق والحالات الوافدة خلال كل ثانية، منهم حتى الذين لا يطلبون العلاج إنما البحث عن قريب أدخل في حالة مستعجلة ولا يعرف مصيره. لا يحصل الوافد الجديد على الورقة الخضراء التي تحدد له القاعة التي سيستفيد من العلاج فيها إلا بعد مشقة، وقبل أن يتنفس الصعداء لأنه أخيرا أصبح يعرف وجهته، تمتصه من جديد لحظات تشرد أمام مكتب طبيب أو مصلحة "راديو" أو قاعة لرتق الجروح أو...، إذ يجد الوافد أمامه العشرات الذين ينتظرون دورهم في قسم يفترضون جميعا وهم يقبلون عليه أنه للحالات المستعجلة، ويتصورون أنفسهم من اللحظة الأولى للوقوف أمامه وسط هالة اهتمام كبيرة، ممرضات يضعنه بسرعة على كرسي متحرك ويسرعن به إلى قاعة العلاجات حيث يعاين الأطباء حالته بسرعة فائقة، ثم يطلبون نقله بشكل مستعجل إلى قاعة للكشف عبر "الراديو"، ولا يفقدون الاتصال بهذه القاعة لمعرفة النتائج بكل دقة، قبل أن يقرروا العلاج المناسب في اللحظة المناسبة. هذا ما يتمناه الناس وهم يقبلون على المستعجلات، وليس على أقسام أخرى، قبل أن يفاجؤوا بواقع انتظار طويل أمام طوابير لا تنفع كل الجهود لتخفيف ضغط حوالي 400 وافد كل يوم من مختلف مدن جهة مراكش تانسيفت الحوز. بعضهم لا تكون حالته مستعجلة، إنما يفرون من مواعد طبية تصل إلى ثلاثة أشهر منحت لهم في مصالح أخرى وحرمتهم من فرصة الاستفادة من تشخيص فوري لمرض ألم بهم، ما يضطرهم إلى التوجه رأسا إلى المستعجلات للبحث عن فرصة قريبة للعلاج. إنزال... أزمة مستعجلات ابن طفيل تزداد كل يوم، ليس فقط للحالات التي تخطئ وجهتها وتقبل على المرفق لتزيد وضعية اكتظاظه اختناقا، عدا الحالات التي تحول المرفق إلى حلبة ملاكمة، نتيجة الضغط الذي يعانيه الجميع. بل "الوضع الصحي في الجهة ككل يضعنا أمام حالة الاكتظاظ هذه، فمن جهة نعاني نقصا حادا في عدد الأسرة وفي الموارد البشرية كذلك"، يقول هشام نجمي، مدير المستشفى، ويضيف "تفد علينا الحالات من كل مناطق الجهة، وما يزيد الأمر تعقيدا هو غياب مستشفى جهوي". ويستدرك وقد عثر في برنامج وزارة الصحة لإعادة تأهيل المرافق الصحية بالجهة، أملا، "البرنامج الذي تنفذه حاليا وزارة الصحة يمكنه أن يخفف عن ابن طفيل الضغط الكبير، لأنها مقبلة على تأهيل مستشفيات المدن الأخرى".لغة التأهيل ترددت كثيرا على مسامع النقابات، لذلك بعضها لا يأمل الكثير، خاصة أن ملامح البرنامج غير واضحة، والأزمة نتجت عن أخطاء لا تغفرها النقابات الصحية للمسؤولين، وتعتبر أن بناء المركز الاستشفائي الجامعي على أنقاض مستشفى جهوي "خطأ فادحا"، وما يعانيه المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، بما فيه مستشفى ابن طفيل، نتيجة طبيعية لهذا "الخطأ". أصوات المحتجين والنزاعات التي تنشب بين الفينة والأخرى بين عناصر الأمن الخاص أو الممرضين والمرضى وأفراد عائلاتهم، أصبحت أمرا عاديا، لذلك لا يوليها مدير المستشفى الذي اتخذ من قاعة صغيرة بالمستعجلات مكتبا له، في انتظار اكتمال أشغال الإصلاحات في باقي المرافق بما فيها مكتبه، أي اهتمام، ولا يعتبرها حراس الأمن "شاذة" لأنهم يواجهونها يوميا "نقضي هنا أربع عشرة ساعة يوميا، ونواجه ألوانا وأشكالا من الناس، بعضهم يقدر مهمتنا الشاقة ساعات طويلة، وبعضهم ينهال علينا بالسب والشتم، ويحملنا مسؤولية الاكتظاظ"، يقول أحد حراس الأمن.أول ما يطلبه الوافدون على المستعجلات هو العلاج، حتى لو اضطرهم ذلك الانتظار ساعات طويلة، يقضونها وسط أجواء تختلط فيها روائح عطنة بمحاولات تنظيف محتشمة، واختناق نتيجة الاكتظاظ، وأول ما يطلبونه وهم يغادرون هذا الفضاء هو الحصول على نفس طويل يجدد الهواء الملوث الذي استقر طيلة ساعات الانتظار في رئاتهم. فتجد صدورهم تهتز في اللحظة الأولى التي تعانق فيها الخارج. "راميد"... العلاج بالمجان مع وقف التنفيذكمن لم يتوقع الرد، تغيرت ملامح فاظمة التي كانت تشعر باطمئنان وهي تبحث في ظرف أصفر كبير عن ورقة بيضاء، قبل أن تفاجأ بأنها غير معنية بها "هذا هو التوصيل"، يأتيها رد من وراء الشباك أن الشخص الوحيد الذي يمكنه الاستفادة من خدمات توصيل بطاقة "راميد" هو صاحب الاسم المكتوب فيه. تحاول المرأة أن تشرح أنها زوجة المعني بالتوصيل و"المقدم قال ليا أنت وراجلك والدراري". كأنها تعثر على مساحة أمل بعد إخبارها أن عليها إحضار وثائق أخرى تثبت أنها زوجة المستفيد من التوصيل، فتلتفت إلى الزوج مطالبة إياه بمدها بالحالة المدنية ونسخة عقد الزواج، قبل أن يأتيها رد يعدم بصيص الأمل، "ما جبتهومش، علاش احنا جينا للسبيطار ولا للجماعة" يتخلى الزوج عن مكانه في الكرسي ويقترب من الشباك محاولا الاستفسار من جديد عن السبب الذي يمنع الاستفادة عن زوجته.حالات كثيرة مشابهة تضع الموظفين أمام تساؤلات شبيهة بتساؤلات فاظمة، قد تتحول أحيانا إلى احتجاج، وأحيانا تتخذ شكل السخط ومحاولات اعتداء، قبل أن يتدخل حراس الأمن الخاصين. "أغلبهم يأتون من مناطق بعيدة يحملون تواصيل إما منتهية الصلاحية، لأنها لا تصلح إلا لمدة ثلاثة أشهر، ويكون حينها عليهم العودة إلى المقاطعات لتحصيل أخرى في انتظار تسلم البطاقة، وإما أنها تكون باسم الزوج أو الزوجة ولا يحملون وثائق رسمية أخرى تثبت علاقة الزوجية أو الأبوة للمريض" تقول ممرضة.امرأة أخرى تحاول ثني زوجها عن الاحتجاج، بعد أن اكتشف بعد حديث مع مريض آخر أنه استفاد من الخدمة نفسها بالمجان بعد إدلائه بالبطاقة. يشهر الرجل التوصيل ويصرخ أن من حقه الاستفادة بالمجان مطالبا باسترجاع مبلغ 300 درهم، إلا أن الزوجة هذه المرة تجنح إلى الرضوخ، وتحاول إعادة زوجها إلى قاعة الانتظار وامتصاص غضبه بتأكيد أنهما المخطئان، "احنا السبب ماشي هما، ياك كاع ما اعطيناهم التوصيل" تقول الزوجة، فيما كان ممرض رئيسي يستفسر عن سبب الضجة التي أحدثها الزوج، قبل أن يحيلها على مذكرة معلقة توضح للمواطنين الحالات التي يقبل فيها التوصيل وتلك التي يمكن أن يرفض فيها والوثائق التي يلزم بها كل مرشح للاستفادة من خدمات صحية عبر بطاقة "راميد". "صحيح هناك حالات أخرى تؤدي بالخطأ عند الشباك، وحين تكتشف أن من حقها الاستفادة بالمجان تطالب باسترجاع نقــودها وهي "عملية غير ممكنة، لأن المخطئ هنا هو المستفيد الذي يؤدي عند الشباك ولا يدلي بالبطاقـــة أو التوصيل، بل يعتقــد أن هذه الخدمة لا تشملها البطاقة بالمجانية، وعندما يكتشف العكس في حديث مع مستفيدين آخرين من الخدمة الصحية نفسها بالمجان يحتج ويحمل الموظفــين المسؤولية"، بل إن هنــاك شريحة أخرى، تضيف الممرضة، "تطلب الاستفادة من كل العلاجات دفعـــة واحدة ودون توصية من أي طبيب".من جهته، أكد مدير مستشفى ابن طفيل أن إدارة المستشفى تحاول إيجاد صيغ ترضي المرضى، خاصة القادمين من مناطق بعيدة، "في دجنبر المقبل سنوقف العمل بالتوصيل، لكن حاليا مازلنا نواجه بعض المشاكل مع المواطنين الذين لا يتوفرون على ورقة الإحالة، إذ منهم من يحمل التوصيل ويطالب بالعلاج".وزاد المسؤول نفسه أن مستعجلات ابن طفيل تعالج 302 ملفا بموجب بطاقة أو توصيل بطاقة راميد، "بل إننا خلقنا وحدة للمساعدة الاجتماعية للحالات التي لا تتوفر على البطاقة ولا تستفيد من أي تغطية صحية، وتنتمي إلى فئة المعوزين، إذ تتدخل هذه الوحدة لتكوين ملفات طبية لهم ويستفيدون من خدمات عبر مساهمات من المستشفى والجمعيات". إنجاز: ضحى زين الدين (موفدة الصباح إلى مراكش)

مستعجلات ابن طفيل بمراكش في حاجة إلى حل استعجالي (2/1)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوفا يفشل في نزع فتيل "قنبلة" المديرين

مستشفى محمد الخامس بمكناس مهدد بالعطش والظلام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات