الفتح… الباحث عن انطلاقة أخرى

المكتب المسير يراهن على البنيات التحتية والتكوين ويعاني سوء النتائج وغياب الجمهور لم تكن إضافة كلمة الرياضي إلى فريق الفتح يوم إحداثه في 10 أبريل 1946 وليدة الصدفة، وإنما للدلالة على أنه فريق يمثل الشعب المغربي، وليس مدينة الرباط لوحدها، بعد احتدام الصراع بين المستعمر الفرنسي ورجال المقاومة الوطنية. وتجسد هذا الصراع في كرة القدم أيضا، إذ شارك في تأسيسه نخبة من السياسيين الكبار والمقاومين النشيطين في حزب الاستقلال، وأبرزهم مولاي أحمد بلافريج الذي قدم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى الملك الراحل محمد الخامس، والمناضل المهدي بن بركة وغيرهم من الموقعين على الوثيقة المذكورة.ورغم الشهرة الكبيرة التي كان يحظى بها الفريق في السنوات الأخيرة من فترة الاستعمار الفرنسي وبداية الاستقلال، باعتباره فريقا وطنيا وعلى مر السنين الماضية، إلا أنه لم يتمكن من تدوين اسمه ضمن الأندية الفائزة بالبطولة الوطنية، رغم أنه يملك خمسة ألقاب لكأس العرش حققها في مواسم 1967 و1973 و1976 و1995 و2010، وهو الموسم الذي توج به بكأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وتراجعت قاعدته الجماهيرية بشكل كبير جدا، في الوقت الذي شكل منافسا عنيدا للجيش الملكي على اجتذاب الجمهور في الستينات والسبعينات والثمانينات وإلى حدود بداية التسعينات، إذ أن نزوله المتكرر إلى القسم الثاني، دفع العديد من جماهيره إلى مغادرة المدرجات.ومنذ انتخاب المكتب المسير الحالي، بدأ الفريق يستعيد بعضا من بريقه، سيما أنه تمكن في المواسم الثلاثة الماضية من العودة بقوة في بطولة القسم الوطني الأول، وسجل اسمه ضمن أقوى الأندية على الصعيد الوطني، إذ وفر له العديد من الإمكانيات المادية واللوجستيكية، بعد أن وضع على عاتقه البدء بتوفير البنيات التحتية وتكوين اللاعبين والأطر التقنية كمرحلة أولى لجعله أفضل فريق على المستوى الوطني. البحث عن ناد نموذجي إن الهدف الأساسي الذي أخذه المكتب الحالي على عاتقه منذ توليه تسيير شؤون الفتح الرياضي، جعله ناديا نموذجيا لتقتدي به جميع الأندية الوطنية في ولوجها عالم الاحتراف، وأن تضاهي قوته قوة باقي أندية أغلب العواصم الأوربية، أمثال ريال مدريد وأجاكس امستردام وتشيلسي وباريس سان جيرمان وغيرها، الشيء الذي دفع مسؤولين بالقصر الملكي، أبرزهم محمد منير الماجيدي، رئيس المكتب المديري إلى البحث عن التركيبة المناسبة لقيادته، باعتباره ناديا يمثل رمز المقاومة الوطنية، وخير دليل على ذلك، أنه الفريق المغربي الوحيد الذي يوجد رسم التاج الدال على الملكية في هويته البصرية، وأن يكون أعضاء المكتب مرتبطين بالفريق تاريخيا، ويمثلون العائلات المتحدرة من مدينة الرباط.غير أن هذا المعطى لم يكن كافيا لجعل فريق الفتح نموذجيا، وكان يتطلب نخبة من المسيرين المعروفين بكفاءتهم المهنية على الصعيد الوطني، ليقع الاختيار على علي الفاسي الفهري، الذي يرأس في الوقت ذاته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، علما أن فريق الفتح الحالي، قطع مجموعة من الأشواط والصراعات بين المكاتب المسيرة السابقة، تخللتها اتهامات وتطاحنات، وكان تدخل القصر الملكي ضروريا لإعادة الاعتبار إلى الفريق. البنيات التحتية إن أول ما قام به المكتب المسير الحالي للفتح الرياضي، حسب ما أكده رشيد بلافريج، نائب رئيس الفريق، في تصريح لـ «الصباح الرياضي»، هو إيجاد البنيات التحتية الأساسية التي يمكن الانطلاق منها للبحث والتنقيب عن لاعبين جدد وتوسيع قاعدة الممارسين، وذلك لإحداث مدرسة خاصة بالفريق ومركز تكوين اللاعبين. باشر المكتب المسير بمعية مجموعة من الأطر البحث عن ملاعب شاغرة، أي الملاعب الموجودة بأحياء مدينة الرباط، إلا أنها لا تستغل من طرف أندية مرخص لها من طرف الجامعة، فوقع الاختيار على ملعب مولاي الحسن، الذي أصبح اليوم مركزا لتكوين اللاعبين، وأحدثت به مدرسة الفريق الخاصة بتكوين الناشئين، قبل إلحاقهم بمختلف الفئات العمرية للفتح، ثم ضم إليه مركب الأمل الذي يحتوي بدوره على ملعب مكسو بعشب اصطناعي، إضافة إلى احتفاظه بملعبه الأساسي وهو ملعب الفتح الموجود بالقرب من باب الرواح والذي يعد معلمة في مدينة الرباط.وأثار إلحاق مركبي مولاي الحسن والأمل الكثير من السخط لدى سكان مدينة الرباط، سيما بحي النهضة وحي يعقوب المنصور، الذين كان أبناؤهم يشغلون فضاءات المركبين لممارسة الرياضة، واعتبروه تعسفا في حقهم، بحكم أن الرباط لا تتوفر على ملاعب كثيرة بإمكان أبناء المدينة ممارسة كرة القدم فيها دون مضايقات.ومن جملة البنيات التحتية التي ضمها الفتح إلى الفريق ملعب «بيكس» المعروف بالعاصمة، لكن ذلك لم يكن كافيا، إذ كان لابد من إحداث مركز طبي وقاعة مغطاة وتزويد ملعب مولاي الحسن بالإنارة. ويتوفر الفريق الآن على مركز طبي يتوفر على جميع التجهيزات الضرورية، لإخضاع اللاعبين للفحوصات سواء قبل التعاقد معهم أو بعد كل حصة إعدادية. كما يتوفر على قاعة للإعداد البدني مجهزة بأحدث التقنيات في هذا المجال. الرهان على التكوين راهن المكتب الحالي على تكوين اللاعبين من أجل إيجاد الخلف، فتبين أنه من الضروري إحداث مدرسة نموذجية، الشيء الذي دفعه إلى بعث مجموعة من المسؤولين إلى بعض الأندية الأوربية للاطلاع على تجربتها في ميدان التكوين، ضمنها ريال مدريد، فقرر المسؤولون عقد شراكة مع فريق أولمبيك ليون الفرنسي، يقضي باستفادة الفتح من الأطر، ويشرف حاليا على مدرسة الفريق بمولاي الحسن إطاران فرنسيان، يقومان برفقة مجموعة من المدربين الوطنيين البالغ عددهم 25 إطارا، بإجراء عمليات التنقيب في مدينة الرباط، تليها عمليات مماثلة في بعض المدن المغربية، وبلغ عدد المستفيدين من المدرسة هذا الموسم ألف طفل مقابل 800 في الموسم الماضي، بالنظر إلى الإقبال الكبير على التسجيل. ويؤدي كل طفل مستفيد 1500 درهم، يتسلم مقابلها ألبسة رياضية خاصة بفريق الفتح، ويمنع عليه الدخول إلى النادي بقميص فريق آخر، والتلفظ بالكلام الفاحش، وفي حالة ضبط أحدهم فإنه يعرض للفصل مباشرة.ومن أجل استكمال تكوين اللاعبين تعاقد الفتح الرياضي مع إحدى المدارس القريبة من ملعب مولاي الحسن، ليتمم اللاعبون دراستهم، إذ تعتبر الدراسة شرطا أساسيا للالتحاق بالمدرسة، إضافة إلى تتبعهم من الناحية الطبية، ويجري ذلك بإشراف اللجنة الطبية للفريق.ويلحق المستفيدون من مدرسة الفريق المتفوقون بمركز التكوين، قبل إلحاقهم بمختلف فئات الفريق التي تخوض المنافسات الرسمية، الشيء الذي مكنهم من تكوين فرق قوية في جميع الفئات، يجعلها دائما ضمن الأندية الثلاثة الأولى في الفئات الصغرى. الانتدابات وسوء النتائج لم تثر الانتدابات التي أجراها فريق الفتح في بداية الموسم أي مشكل قبل انطلاق منافسات البطولة الوطنية، غير أنه مع توالي النتائج السلبية، أصبحت تثير الكثير من الصراعات بين جمعيات المحبين والمكتب المسير، إلى درجة أن بعض المحبين وأعضاء المكتب المسير دخلوا في اتهامات بعضهم البعض، بل إن بعض المشجعين كانوا يحضرون الحصص الإعدادية ويسبون اللاعبين والمدرب جمال السلامي، الشيء الذي دفع الأخير إلى اتخاذ قرار بإجراء الحصص الإعدادية بمدرجات مغلقة.ولم تكن الانتدابات الجديدة وحدها التي أثارت استياء جمهور الفتح الرياضي، بل إن تسريح مجموعة من اللاعبين إلى أندية أخرى أثار استياء الجمهور، أبرزهم عبد اللطيف نوصير وأيوب الخالقي وعبد الفتاح بوخريص وأسامة غريب، لكن بلافريج يؤكد في هذا الصدد، أن المكتب المسير عمل المستحيل من أجل تجديد عقود هؤلاء اللاعبين، سيما أنهم صغار السن ويتماشى وجودهم مع سياسة تشبيب الفريق التي تعاقد من أجلها مع جمال السلامي، علاوة على أنهم يمثلون الجيل الذي قاد الفريق إلى التتويج بكأس العرش الخامسة وأول كأس إفريقية، إلا أن المشكل الذي واجهه الفريق أن جميع اللاعبين المذكورين كانت عقودهم قريبة من الانتهاء، وتلقوا عروضا مغرية من أندية وطنية، ولم يكن بمقدور الفريق أن يمنحهم منحا كبيرة لتجديد عقودهم حفاظا على استقراره. وأوضح بلافريج أن التعاقد مع جمال السلامي كان من أجل تشبيب الفريق، بعد أن فاق معدل سن اللاعبين 30 سنة، وذلك من أجل بناء للمستقبل، لأن الهدف هو البحث عن فريق للتتويج بالألقاب، وأن الضغوطات التي يعانيها الفتح من جمهوره، لن تدفع المكتب المسير إلى إقالته أو الانفصال عنه، كما أن ضياع لقب البطولة الوطنية الموسم الماضي لن يؤثر على العقد المبرم مع السلامي، سيما أن التتويج باللقب لم يكن ضمن الأهداف المسطرة، ولكن الهدف الأساسي كان هو احتلال إحدى الرتب الخمس الأولى في البطولة الوطنية. كما اعتبر أن المساس بأحد الأعضاء سواء في الفريق أو المكتب المديري هو مساس بجميع مكونات الفريق، ولن ترضى عن تعرض أحدهم للإهانة، لأن سياسة الفريق واضحة وإستراتيجيته في إحداث فريق نموذجي ستتواصل مهما كانت درجة صعوبات تنفيذها. معضلة الجمهور إن أبرز مشكل يعانيه الفريق الرباطي الجمهور، إذ في الوقت الذي تتوفر فيه أندية وطنية على قاعدة جماهيرية كبيرة وتعاني ضعف الموارد المالية، يواجه الفريق ضعف القاعدة الجماهيرية، رغم الموارد المالية التي يتوفر عليها.وأرجع بلافريج سبب غياب الجمهور إلى اضطرار الفريق إلى الاستقبال بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله، وغياب وسائل النقل وضعف الأمن، الشيء الذي يدفع الفريق إلى التفكير في العودة إلى استقبال الفرق بملعب الفتح، بالنظر إلى وجوده وسط مدينة الرباط وتوفر المواصلات، بحيث لن يجد الجمهور عناء في التنقل، غير أن مرور الترامواي بمحاذاة الباب الرئيسي للملعب، يثير مشكلة أمنية، ما دفع المسؤولين إلى التفكير في إغلاق الباب الرئيسي وفتح باب آخر في الجهة التي يوجد بها ملعب الشهود التابع لفريق سطاد المغربي. وحسب بلافريج، فإن علي الفاسي الفهري، سبق له أن اقترح على جمعية المحبين جلب الجمهور إلى الملعب مقابل مساعدتها في البحث عن مستشهرين، والجميع مطالب بالتفكير في الحلول المناسبة لإعادة الجمهور إلى المدرجات، سيما أن الفريق يتوفر على قاعدة جماهيرية منذ خمسينات القرن الماضي، ويعتبر فريقا وطنيا يمثل رمزا للمقاومة، الشيء الذي أكسبه شهرة كبيرة، وجعله رمزا من رموز مدينة الرباط، بحكم أنه أحدث على يد مجموعة من المناضلين الذين قاوموا المستعمر بالسلاح وكرة القدم، والمشاكل التي يعيشها حاليا، لا تعدو أن تكون صراعا خفيا بين المكتب المسير الحالي وأعضاء المكاتب السابقة. إنجاز: صلاح الدين محسن

الفتح… الباحث عن انطلاقة أخرى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الطاوسي: خرجة لا يرد على مكالماتي

الجامعة تدرس تقديم مؤجل الوداد والحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات