بورتريه:نهاية محتومة لمهرب ناشئ

انطلقت خطوته الأولى، في عالم التهريب، في فترة لم يتجاوز فيها عمره الخامسة عشرة. كان صبيا «طموحا»، متطلعا إلى «تقليد» تجارب «الآخرين»، التي كان يرى فيها نموذجا «مثاليا» يحتذى به. كان دائب التردد على المقهى الشعبية للحي، حيث يجتمع عدد من أبناء الدرب. كان يجالسهم، وينصت إلى نقاشاتهم وأحاديثهم، ويتطلع بلهفة إلى اليوم الذي يخرج فيه رفقتهم، من أجل إحضار «السلعة من الشمال».لم يطل انتظاره كثيرا، وسرعان ما اقترح عليه أحدهم مرافقته إلى المنطقة الشمالية، لمساعدته في إحضار «السلعة». كادت السعادة تتطاير من عينيه البريئتين، وأبدى استعدادا كبيرا لخوض التجربة الجديدة، التي طالما انتظرها بفارغ الصبر والتعطش.في ذلك اليوم، الذي يؤرخ لتاريخ اقتحامه عالم التهريب، استيقظ باكرا، وغادر بيت أسرته متسللا، ليطرق باب منزل «ولد مي الشرقاوية»، كما كان الجميع يناديه، فقد كلفه الأخير بإيقاظه في وقت مبكر، لكي يستقلوا السيارة التي اكتراها من وكالة خاصة، ويسلكا سبيلهما.كان الهلع يسيطر على مشاعر القاصر وهو يلج بوابة المدينة المحتلة «سبتة»، وكان خوفه أكبر وهو يشاهد حراس الأمن الإسبان وهم يدققون في السيارة، لكنه أحس بنوع من الهدوء بعدما تبين له أنهم يتغاضون عن تهريب بضائع بلدهم إلى داخل التراب الوطني، فقد كان حرصهم على التأكد مما تحمله السيارة وهي تعبر «باب سبتة»، أكبر من اهتمامهم بما تحمله وهي تغادره عائدة إلى التراب الوطني. وفي نهاية اليوم، تلقى تعويضا مهما من «ولد الحومة»، كما قضى سفرا جميلا.تعددت لقاءاته ب»ولد الشرقاوية»، ومرت الشهور والسنوات، ليشتد عوده، ويقرر التمرد عليه، والشروع في «العمل» لصالح نفسه، بعدما أدرك أن المبلغ الذي يسلمه له في نهاية كل مغامرة، لا يعدو أن يكون «مصروف جيب»، مقابل الأموال الضخمة التي كان يحققها. وهكذا صار يكتري لوحده سيارة من الوكالة، ويتوجه إلى الشمال لإحضار البضائع المهربة.في ليلة ليلاء، كان، كعادته، قادما من الشمال يحمل بضاعة يصل ثمنها إلى حوالي خمس ملايين سنتيم، عندما عاين، من بعيد، فرقة من رجال الدرك الملكي في طريقه. تجمدت الدماء في عروقه، وتوقف هنيهة يتأمل في ما ينبغي فعله، خصوصا أن العديد من «رفاقه» في هذه المهنة اعتقلوا وزج بهم في السجون بتهمة «التهريب»، التي أدرك، متأخرا، أنها جناية يعاقب عليها القانون المغربي.فكر في الرجوع إلى الخلف، لكن الوضع لم يكن يسمح له بذلك، ليقرر ترك الجمل بما حمل، والهروب بعيدا. لكن، في واقع الأمر، كان نصب أعين الدركيين، الذين قاموا بمطاردته، قبل أن يلقوا القبض عليه وسط الأدغال، ويقدموه إلى النيابة العامة بتهمة التهريب، ليضعوا حدا لأحلامه وطموحاته كلها.وفي اللحظة الأولى التي يقضيها داخل الزنزانة، تناهى إلى مسامعه صوت ليس بالغريب عنه، يطمئنه ويطلب منه الصبر، وعندما التفت، وجد «ولد الشرقاوية» إلى جانبه. لقد وقع هو الآخر في قبضة الدرك الملكي، وزج به في السجن قبل أيام. محمد البودالي

بورتريه:نهاية محتومة لمهرب ناشئ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المنتوجات الجزائرية تغرق الجهة الشرقية

درب غلف...سوق تهريب دولي

مقالات ذات صلة