وهبي: المساعدة القضائية شأن مهني

رئيس جمعية هيآت المحامين قال لـ"الصباح" إن أعضاء المكتب أجمعوا على رفض المرسوم يرى حسن وهبي، رئيس جمعية هيآت المحامين بالمغرب، أن الصيغة التي خرج بها مرسوم المساعدة القضائية الذي صادق عليه مجلس الحكومة بداية الشهر الجاري، في صيغته الحالية يشكل خرقا لمبادئ الاستقلالية والحرية والمساواة. وأضاف وهبي في حوار مع الصباح أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب، ترى حصر الاعتمادات السنوية المرصودة في حدود الاعتمادات المفتوحة برسم كل سنة مالية سيخلق الكثير من الارتباك والمتاعب على مستوى التطبيق بالنسبة إلى المحامين وإلى مؤسساتهم المهنية المعنية، ولم يخف رئيس الجمعية تفهم وزير العدل لمعارضتها لمضامين المرسوم واستعداده على مواصلة التشاور في القريب العاجل بخصوص لإيجاد حل لجميع الإشكالات المطروحة.< أثار مرسوم المساعدة القضائية الذي صودق عليه، أخيرا، العديد من الانتقادات، بالنسبة إليكم ماذا يحمل المرسوم من سلبيات لمهنة المحاماة؟لتقييم أي شأن مهني أو لاتخاذ أي موقف منه نستحضر بداية ثلاثة معايير ومبادئ أساسية تعتمد عليها مهنة المحاماة، وتكون أساسا ومنطلقا للتحليل: الاستقلالية والحرية والمساواة.وعندما نخضع المرسوم لهذه المعايير الأساسية نجد بأنه في صيغته الحالية يشكل خرقا لهذه المبادئ الثلاثة كافة.فالمساعدة القضائية شأن مهني، وسلطة التقرير فيه يجب أن تكون بيد المؤسسات المهنية، ولا تنازل عن ذلك لأي جهة كانت إدارية أو غيرها، وتحت أي ذريعة كانت، وإلا كان ذلك مساسا غير مقبول بمبدأ استقلال المهنة وحريتها، والاستقلال والحرية في المهنة إنما هما وجهان لعملة واحدة.وهذا المبدأ كرسه القانون أيضا عندما نصت المادة 91 من القانون رقم 28.08 على أن مجلس الهيأة (هيأة المحامين) هو صاحب الاختصاص للنظر في كل ما يتعلق بممارسة المهنة.أما تحديد أتعاب المحامي سواء في ما يتعلق بالتحديد العادي لها عند المنازعة فيها بين المحامي وموكله، أو في إطار المساعدة القضائية، فهو أيضا شأن مهني بامتياز وهو حصرا من اختصاص النقيب دون غيره.وتخويل مرسوم أو جهة إدارية مهمة هذا التحديد فيه خرق صريح لكل المبادئ التي ذكرت، ومساس واضح بصلاحيات مؤسسة مهنية هي مؤسسة النقيب.ومن هذا المنطلق الأساسي قرر مكتب جمعية هيآت المحامين بالمغرب التعبير عن رفضه للمرسوم حيادا على باقي المآخذ التي يمكن اعتبارها في نظري مآخذ ثانوية للتي ذكرت، وإن كانت لا تقل أهمية. تعرضتم للحرية والاستقلال كوسائل للتحليل، وماذا عن المساواة؟ المساواة أيضا من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها المهنة والبذلة (بذلة المحاماة) كما تلاحظين هي أحسن تعبير عن هذا المبدأ ومظهره الخارجي، فهي البذلة نفسها لتي يلبسها المحامي المتمرن والمبتدئ والقيدوم وعضو المجلس والنقيب الخ.. فلا نياشين ولا رتب أو درجات، في المهنة ولا ألقاب عدا صفة النقيب، وحتى صفة النقيب نفسها أو صفة عضو مجلس الهيأة لا تخول أيا منهما أي امتياز على مستوى الحقوق أو الواجبات، عدا واجب الاحترام وهو واجب مكفول للجميع، إضافة إلى ما أقرته الأعراف والتقاليد المهنية على مر العصور والتي لا تمس بهذا المبدأ. وانطلاقا من ذلك لابد وأن يكون المحامون متساوين أمام الآثار التي يرتبها المرسوم، وهو ما لا يوفره في صيغته الحالية.وإلى جانب مساس المرسوم بالمبادئ الأساسية التي ذكرت، هناك أيضا مساس بصلاحيات المؤسسات المهنية، ويتجلى هذا المساس على الخصوص كما ذكرت بتخويل المرسوم صلاحية تحديد أتعاب المحامين وهو اختصاص ممنوح حكرا للسادة النقباء.وبهذا الخصوص، وزيادة على المساس بهذه الصلاحية، فإن المرسوم يحدد معيارا وحيدا لتحديد الأتعاب بناء على الجهة القضائية الباتة في النازلة، فحدد مبلغا للملفات التي ثبت فيها المحاكم الابتدائية، وآخر للملفات التي تبت فيها محاكم الاستئناف، وأخيرا حدد مبلغا للملفات التي تبت فيها محكمة النقض. والحال أن المحامي يمكن أن يكلف بالمساعدة القضائية خارج هذه الجهات، كما أن الاقتصار على هذا المعيار الوحيد فيه تبخيس كبير لمجهودات المحامين وخدماتهم، إذ أن الأتعاب لا تحدد فقط بناء على الجهة القضائية الباتة، ولكن أيضا بناء على عدة اعتبارات أذكر من بينها على الخصوص، الوقت المخصص للقضية وتأثيرها على السير العادي لمكتب المحامي، وطبيعة النزاع وأهميته المادية أو الأدبية لدى طرفي النزاع، وأعمال البحث والدراسة التي تطلبها تأسيس الملف ومتابعته، والمساطر الجانبية التمهيدية أو التحفظية المتولدة عن المسطرة الأصلية، وعدد الجلسات والإجراءات واستقبالات التخابر، والمدة الزمنية التي استغرقها النزاع، والتنقلات والمصاريف، والنتيجة المحققة، ثم أقدمية المحامي وسمعته وتجربته، بالإضافة إلى مراكز الأطراف الاجتماعية والمالية أو الإدارية وغيرها.إلى غير ذلك من الاعتبارات العامة، أو الخاصة بكل مسطرة على حدة.وإضافة إلى ذلك كله، فلا أثر في المرسوم لأي تعويض عن خدمات المحامي المكلف في إطار المساعدة القانونية التي نصت عليها المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية. أشرتم إلى مساس المرسوم بمبدأ الحرية والاستقلال والمساواة كأسباب رئيسية للرفض، وماذا عن باقي الأسباب؟ إلى جانب المس بهذه المبادئ الرئيسية وباختصاصات المؤسسات المهنية يمكن إجمال باقي الأسباب في ما يلي: أولا : على مستوى الاعتمادات السنوية المرصودةلقد تم حصر الاعتمادات السنوية المرصودة في حدود الاعتمادات المفتوحة برسم كل سنة مالية، ومؤدى ذلك أن تؤدى التعويضات إلى أن يستنفد المبلغ المرصود ولو لم يتم تعويض جميع الملفات التي تم التكليف فيها في إطار المساعدة القضائية، وفي ذلك ضرب لمبدأ المساواة الذي ذكرت، وأمام هزالة المبلغ الإجمالي المقترح، فالمؤكد أن أغلبية المحامين لن يعوضوا على مجهوداتهم المهنية المبذولة في إطار المساعدة القضائية. وهو ما سيخلق الكثير من الارتباك والمتاعب على مستوى التطبيق بالنسبة إلى المحامين ولمؤسساتهم المهنية المعنية. ثانيا: على مستوى المسطرة الإدارية لمنح التعويضاتيفرض المرسوم للاستفادة من التعويض مجموعة وثائق وإشهادات، علاوة على مسطرة أداء في اعتقادي ماسة بكرامة المحامي التي تفرض عليه قواعد المهنة أن لا ينتقل خارج مكتبه المهني في مهمة إلا في إطار من اللياقة والشرف والكرامة. ثالثا: على مستوى المبالغ المحددةلقد تألمت كثيرا عندما اعتبرت بعض الجهات الإعلامية هزالة المبالغ المحددة تعويضا عن المساعدة القضائية سببا وحيدا لرفض المرسوم، والحال أن هذا الأمر هو آخر ما يلفت النظر في المرسوم بالنسبة إلى المحامين الذين اعتادوا على تقديم خدماتهم في إطار المساعدة القضائية وبالمجان لحوالي تسعة عقود من الزمن، علما بأن تمكين المواطن من حقه في الولوج إلى العدالة واجب من واجبات الدولة ويقع على عاتقها تبعا لذلك تغطية تكاليف هذه الخدمة، والمحامون في ذلك لا يطلبون منة أو صدقة، وإنما يطالبون بحق من حقوقهم لا أحد ينكره عليهم أو ينازعهم في مشروعيته. فرفض المرسوم إذن نابع أساسا من رفض المساس بحرية بمبادئ الحرية والاستقلال والمساواة، ورفض للطريقة المهينة في الأداء، ورفض لإقصاء المؤسسات المهنية في التقرير والمراقبة، وخير للمحامين المزيد من العمل إلى حين تحقيق مطلبهم بشكل لائق ومشرف، من أن يقبلوا بأنصاف الحلول الماسة بمبادئ مهنتهم التي لا قيام لها بدونها، فالحرة تموت جوعا ولا تأكل من ثديها أو بثدييها كما يقول المثل.ومن باب المقارنة ففي الجارة إسبانيا، يعوض المحامي الإسباني في إطار المساعدة القضائية حدا أدنى في الملف بما يساوي ضعف الحد الأدنى للأجر الشهري الذي يساوي حاليا 641 يورو، أي أن الحد الأدنى الذي يتقاضاه المحامي عن كل ملف حوالي 14000.00 درهم، بينما يرتفع الحد الأقصى إلى أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجر أي ما يعادل حوالي 28000.00 درهم، بينما يحدد المرسوم في المغرب 1200.00 درهم كحد أدنى وهو ما يساوي نصف الحد الأدنى للأجر، و 1500.00 درهم كحد أقصى، أي حوالي ثلثي الحد الأدنى للأجر الشهري، مع العلم بأن الحد الأدنى للأجر في اسبانيا يعتبر من بين الحدود الدنيا الأضعف في منطقة اليورو.فتصوري سيدتي أن يبذل المحامي مجهوداته المهنية في مسطرة قضائية تمتد لشهور وربما لسنوات ليحصل بعد ذلك على أتعاب تعادل تقريبا نصف الحد الأدنى للأجر الشهري لأي عامل، زيادة على مخاوف الأخذ بهذا التقدير كمعيار من طرف بعض الرؤساء الأولين في تحديد أتعاب المحامين عند المنازعة فيها من طرف موكليهم، والتي تعرف بدورها حالات إجحاف صارخة في الكثير من الحالات ما يستوجب إعادة النظر في هذه المسطرة أيضا باعتماد معايير موضوعية تحد من سلطة التقدير المطلقة، حفاظا على مصالح طرفي العلاقة. أصدرت الجمعية بيانا شديد اللهجة عبرت فيه عن رفضها المرسوم ألم تكن مشاركة في إعداده؟لقد شاركت الجمعية بالفعل الوزير السابق المرحوم النقيب محمد الطيب الناصري في إعداده للمرسوم الأول والذي جاء في اعتقادي منسجما إلى أبعد حد مع المبادئ الأساسية التي أشرت إليها سالفا.وكان التحفظ الأساسي للجمعية، إنما يتعلق بضآلة المبلغ المرصود ومع ذلك كان موضع قبول مبدئي لأن هدف الجمعية الأساسي في البداية كان العمل والإسراع بتكريس المبدأ والعمل بالمثل القائل خذ وطالب، خاصة وأن المرسوم في صيغته تلك حافظ للهيآت على استقلالها وحريتها وترك لها سلطة التقرير وطنيا على مستوى الجمعية، ومحليا على مستوى الهيآت.غير أن المرسوم الجديد كان دائما موضوع تحفظ، تحول بعدها إلى رفض من طرف المكتب الجديد للجمعية، بعد الإطلاع عليه في صيغته النهائية.وأصدقك القول إن قرار مكتب الجمعية برفض المرسوم، وبعد مداولات استمرت حتى وقت متأخر من ليلة العاشر من شهر غشت الحالي، كان موضوع إجماع ودون أدنى تحفظ. يعاب على جمعية هيآت المحامين أنها لم تقدم تصورها بشأن المرسوم وتركت الأمر إلى وزارة العدل؟ ما ماذا صحة ذلك؟الأمر غير صحيح والجمعية قدمت تصورها في إطار العمل المشترك مع وزارة العدل والذي أفضى إلى ما تم الاتفاق عليه مع المرحوم النقيب محمد الطيب الناصري، إلا ما كان من المبلغ المقترح كغلاف مالي سنوي يوضع رهن إشارة الهيآت، وكان الرأي السائد وقتئذ داخل مكتب الجمعية لعدة اعتبارات منها القبول به تكريسا للمبدأ كما سلف الذكر، ما دام المرسوم نفسه يسمح بالمراجعة الدورية للمبلغ المرصود، ولم تكن ضآلة المبالغ المرصودة كمبرر مادي صرف لوحدها مبررا موجبا لرفض المرسوم. تداولت أخبار عن لقاء مع وزير العدل وإمكانية تصحيح الوضع هل تعتقدون أن هناك إمكانية لإلغاء الرسوم الحالي؟بعد اتخاذ مكتب الجمعية قراره الأخير برفض المرسوم، قرر أيضا مطالبة وزير العدل ببذل مساعيه من أجل الحيلولة دون صدوره إلى حين إعادة مناقشته في إطار العمل المشترك بين الجمعية ووزارة العدل والحريات.وبالفعل استجاب وزير العدل والحريات فورا لطلب اللقاء به مشكورا، وتم الاجتماع يوم 15 غشت الجاري، وبعد أن عرضت على الوزير تحفظات ومآخذ مكتب الجمعية على المرسوم كان متفهما وعبر عن استعداده لإعادة مناقشة الموضوع في إطار عملنا المشترك، واعدا ببذل مساعيه لتلبية طلب المكتب.كما أفادني الوزير بالإكراهات القانونية المتعلقة بنص الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة من جهة، وبالمقتضيات القانونية التي تتمسك بها وزارة المالية بخصوص تتبع أوجه صرف المال العام، وهي الاعتبارات التي حالت دون تطبيق المرسوم في صيغته السابقة.وتم الاتفاق على مواصلة التشاور في القريب العاجل بخصوص هذا الملف لإيجاد حل لجميع الإشكالات المطروحة، وبخصوص غيره من الملفات التي اغتنمت الفرصة لعرضها على السيد الوزير ومساعديه، والتي أبدى بشأنها جميعها تفهما كاملا ورغبة ملحة في مواصلة العمل المشترك لمعالجتها. أجرت الحوار: كريمة مصلي

وهبي: المساعدة القضائية شأن مهني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مرسوم المساعدة القضائية… المولود الميت

تساؤلات حول مآل ملايير المساعدة القضائية

مقالات ذات صلة