مرسوم المساعدة القضائية… المولود الميت

عيوب كثيرة منها تسلل هفوة خطيرة إلى النص التنظيمي تخلط بين الأتعاب والمصاريف تحديد المرسوم الحالي (غشت 2012) للمبالغ المعتبرة مصاريف وأتعابا بالكيفية التي جاء بها وفي حدود الاعتماد المالي المرصود للسنة المالية الجارية، ليس فيه فقط تطاول على الاختصاص الوظيفي، كما ليس فيه كذلك إجهاز على الأهداف النبيلة للمساعدة القضائية التي صدرت في عهد الوزير الراحل الناصري، وإنما يشكل مساسا بحقوق المتقاضي أو المعتقل المعسور الذي لن يستفيد مستقبلا من خدمات مهنية ذات جودة بسبب خدش كرامــة المحامــي والتطاول على مؤسساته التي ينتمي إليها والتي تدافع بدورها عن حقوقه.... عندما سنت الحكومة الحالية المرسوم الجديد بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب رقم 28-08، وذلك في صيغته الحالية، فإنها تكون أجهزت على المرسوم الأصلي الصادر بتاريخ 20 أبريل 2011 الذي سبق أن اجتهد عن حق لوضعه ونشره بالجريدة الرسمية وزير العدل السابق المرحوم النقيب محمد الناصري، وتكون قضت على الأهداف النبيلة للمساعدة القضائية، إذ أن المرسوم الأصلي كان يحمل الحل الأنسب لمعضلة التعويض عن المساعدة القضائية في ما يخص القضايا التي لا ينتج عنها استفادة مالية أو عينية بحيث تتولى جمعية هيآت المحامين بالمغرب عملية توزيع المبالغ المرصودة لهذه الغاية على مختلف الهيآت بناء على أساس تعاقدي مع وزارة العدل ووفق المعايير المتفق عليها (المادة الثانية من المرسوم رقم 587-10-2) أما حاليا، فإن النص التنظيمي المحدد للمبالغ المستحقة للمحامي المعين في نطاق المساعدة القضائية وكيفية صرفها، يعد في حد ذاته غير مشروع لعدة أسباب وجيهة يمكن إيجازها في مايلي: 1ـ بخصوص جمعية هيآت المحامين بالمغربرغم أنني لا أتحدث نيابة عنها، فإن من الثابت أنها تتوفر على محاضر للاجتماعات التي توثق للالتزامات المتبادلة بينها ووزارة العدل، ولا أدل على ذلك من صدور مرسوم 10 أبريل 2011 بناء على هذه الالتزامات حسبما جاء في المادة الثانية منه.وبالتالي يتبين أن اللجوء إلى المشاورات مع الجمعية، كما هو مشار إليه في نص المادتين 2 و3 من المرسوم الحالي، لا يعدو أن يكون شكليا أو صوريا لإضفاء المقاربة التشاركية لمؤسسات مهنة المحاماة ليس إلا.2 ـ بخصوص الأتعاب والمصاريفلقد تسللت إلى النص التنظيمي هفوة توصف بالخطيرة في مجال المفاهيم والمصطلحات القانونية، إذ أن المادة الأولى من المرسوم المرتقب نشره بالجريدة الرسمية تخلط بين الأتعاب والمصاريف وتعتبرهما أساسا واحدا، إذ جاء فيها : «تخصص على صعيد ميزانية الوزارة المكلفة بالعدل الاعتمادات المالية لتغطية الأتعاب المعتبرة مصاريف مدفوعة من طرف المحامين مقابل الخدمات التي يقدمونها في إطار المساعدة القضائية».فمعلوم منذ قرن من الزمن، أي منذ صدور أول قانون يتعلق بمهنة المحاماة بالمغرب، أن الأتعاب هي ما يستحقه المحامي من مقابل مادي عن الخدمات التي يسديها لموكله، أما المصاريف فهي الرسوم والنفقات وكل الصوائر المنفقة بمناسبة تقديم الخدمة (أتعاب المفوض القضائي، صائر النسخ...)، إذ لا تدخل الصوائر ضمن قيمة الأتعاب لأنهما مستقلان تماما عن بعضهما أساسا ونتائج، وهذا يعرفه واضعوا النص التنظيمي حق اليقين. أما دمجهما في أمر واحد واعتبار الأتعاب مصروفا فهذا ينم عن تجاهل تام لقانون المهنة الذي يفرق بين المسألتين وكان حريا الرجوع إليه لرفع هذا اللبس والالتباس.3 ـ بخصوص الاعتماد المرصودبناء على المادتين 2 و 5 من المرسوم الجديد فإن الاعتمادات المالية المرصودة للمساعدة القضائية تبقى سنوية ولاتصرف منها إلا المبالغ المستحقة برسم القضايا التي صدر بشأنها حكم أو قرار خلال السنة المالية الجارية، وذلك في حدود الاعتماد المفتوح فقط. وهكذا كلما استغرق عدد القضايا الرائجة ابتدائيا أو استئنافيا الاعتماد المالي، حرم المتقاضون من خدمات المحامي في إطار المساعدة القضائية بل إن هيأة واحدة للمحامين يمكن أن تستنفذ المبلغ المرصود للمساعدة القضائية وبالتالي يحرم باقي المعنيين من أي تعويض.4 ـ بخصوص نتائج المساطر طبقا للمادة 41 من قانون مهنة المحاماة، فإن المحامي المعين في إطار المساعدة القضائية أن يتقاضى من موكله أتعابا عن المسطرة التي باشرها ونتجت عنها استفادة مالية أو عينية لهذا الأخير على أن يعرض الأمر وجوبا على النقيب لتحديد مبلغ تلك الأتعاب.أما في الأحوال الأخرى، فإن المحامي يتقاضى أتعابا من الخزينة العامة يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بنص تنظيمي( مرسوم).وهكذا فإن المرسوم لم يشر إلى هذه المقتضيات حتى تنسجم النصوص القانونية الأصلية والمكملة لها، فضلا على أن المبالغ المحددة في المرسوم لم يميز بشأنها بين القضايا الجنائية والجنحية والمدنية والاجتماعية والتجارية وغيرها، والتي تختلف مدة الفصل فيها والمجهود الفكري المبذول فيها وعدد الجلسات والحضور فيها والإدلاء بالمذكرات، وغير ذلك من المعايير التقنية والعلمية التي غابت عن واضعيه بقصد أو بدونه.فالقضايا أو المساطر التي يباشرها المحامي المعين في نطاق المساعدة القضائية وينتج عنها استفادة مادية أو عينية لموكله، فإن القانون يوجب عرضها على مؤسسة النقيب بصفة إجبارية لتحديد مبلغ الأتعاب، وأن ماجاء به المرسوم لا يطبق إلا في الأحوال الأخرى غير ما ذكر، وبالتالي تبقى هذه الأحوال موجبة للتحديد بدورها انسجاما مع القانون الصادر عن ممثلي الأمة والواجب التطبيق والتقديم على غيره.5 ـ المبالغ المحددة بخصوص درجات المحاكم بناء على أن المادة 41 من قانون مهنة المحاماة هي الواجبة التطبيق في كل الأحوال التي تجني فائدة مالية أو عينية للموكل في إطار المساعدة القضائية ، وأن النص التنظيمي يطبق في ماعدا ذلك فإنه تمة اشكاليات ستطرح بالنسبة إلى تصفية أو أداء المبالغ المذكورة في المادة الثانية من المرسوم ( 1200 درهم ابتدائيا- 1500 درهم استئنافيا-2000 درهم نقضا). فهل تؤدى عن كل مرحلة من مراحل التقاضي بعد أن يحصل المحامي على حكم؟ أم تؤدى على أساس نهائية المسطرة وبالتالي انتظار قرار حائز لقوة الشيء المقضى به؟ لا يخفى على أحد طول الإجراءات وبطء المحاكمات أحيانا والتي يمكن أن تتعدى السنة بالنسبة إلى مرحلة واحدة للتقاضي وما يكلف ذلك من وقت وجهد ومصاريف ونفقات بالنسبة إلى المحامي، فكيف سيتم تحديد السنة المقابلة لتصفية القضية أمام محكمة معينة؟ومن جهة أخرى فإن صياغة نص المادة الرابعة من المرسوم توحي كذلك بأن الأمر يتعلق بمجموع القضايا أوالمبالغ (عن كل مراحل التقاضي)، وبالتالي فإن عيب الصياغة سيستشكل في تنفيذ أو صرف الخازن الإقليمي أو للعمالة المبالغ المرصودة للقضايا باعتبار درجتها، ومن تم سيتعطل تطبيق مقتضيات المرسوم الذي ولد، بناء على ما ذكر، ميتا ونسخ مقتضيات عملية كان يحملها مرسوم 2011 وكان من شأن الإبقاء عليها تفادي المشاكل الحالية المتعلقة بتنازع الاختصاص الوظيفي بين ما لمؤسسة النقيب، وما يتعلق بالخزينة العامة وما يتفرع عن ذلك من مشاكل ثانوية الكل في غنى عنها. مصطفى أشيبان (دكتور في الحقوق)

مرسوم المساعدة القضائية… المولود الميت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نقابة المحامين ترفض مرسوم الرميد

وهبي: المساعدة القضائية شأن مهني

مقالات ذات صلة