تمخض الجبل فولد فأرا

مقابل الأتعاب المحدد من طرف الحكومة خلال كل مراحل التقاضي هزيل جدا هذا المثل العربي، أو ما يقابله لدى المغاربة في لغتهم المغربية، «لكنازة كبيرة والميت فار». هو تماما ما ينطبق على المرسوم الذي صادقت عليه الحكومة المغربية خلال اجتماعها الذي عقدته يوم الخميس 2 غشت الجاري حسب ما أوردته جريدة الصباح وبعض المواقع الالكترونية.وحسب ما أوردته الجريدة المذكورة أعلاه في عددها الصادر يوم الاثنين 6 غشت 2012، فإن الحكومة المغربية صادقت على مرسوم يتعلق بكيفية صرف أتعاب المحامين المعين في إطار المساعدة القضائية، وأشارت هذه المصادر الإعلامية إلى أن الحكومة عمدت من خلال المرسوم الذي صادقت عليه بتاريخ 2012/8/2 إلى خلق صندوق أداء المساعدة القضائية. إلا أن هذا المرسوم أوكل صرف تلك الاعتمادات المالية إلى آمرين بالصرف بتفويض من وزير العدل، كما حدد المرسوم نفسه الأتعاب المستحقة للمحامين المعينين في إطار المساعدة القضائية حسب درجة المحاكم التي سيترافع المحامي أمامها، وهكذا فالمحامي المكلف بالدفاع عن متقاض أمام المحكمة الابتدائية سوف يصرف له مبلغ 1200,00 درهم، والمحامي المعين أمام محكمة الاستئناف سيتقاض مبلغ 1500,00 درهم أما المحامي المعين أمام محكمة النقض فإنه سيحصل على مبلغ 2000,00 درهم.والملاحظ أن هذا المرسوم التطبيق لمقتضيات المادة 41 من قانون المحاماة حمل في طياته تراجعا عن مقتضيات المرسوم الوزاري السابق رقم 2-10-287 الصادر بتاريخ 2011/04/20 على عهد وزير العدل السابق النقيب المرحوم محمد الناصري، فهذا المرسوم الأخير حاول الحفاظ على أعراف وتقاليد مهنة المحاماة، فلم يتطرق مثلا إلى قيمة الأتعاب التي سوف يتقاضاها المحامي المعين في نطاق المساعدة القضائية التي كلف بها، وهو أمر محمود على أي حال، على اعتبار أن مسألة تقديم مقابل أتعاب المحامي سواء في نطاق المساعدة القضائية أو ما دون ذلك هي من صميم اختصاصات نقباء الهيأة لوحدهم، وهو افتحاص منح لهم بقوة القانون وفق ما هو منصوص عليه في المادة 51 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.فالمرسوم الوزاري الصادر مؤخرا حينما حدد مقابل أتعاب المحامي نظير دفاعه أو مؤازرته لمتقاض مستفيد من المساعدة القضائية، فإنه يكون قد سحب من السادة نقباء الهيآت اختصاصهم المتعلق بتحديد أتعاب المحامين المسجلين بجداول هيآتهم. والمشرع المغربي حينما اسند لنقيب الهيأة أمر تحديد مقابل الأتعاب المستحقة للمحامي اسوة بباقي هيآت المحامين الموجودة على سطح الكرة الأرضية فإنه كان حكيما وأحسن صنعا.إذ أن نقيب الهيأة هو المخول إليه تقييم وتقدير المجهودات التي بذلها المحامي في القضية التي ترافع فيها في إطار المساعدة القضائية، وبالتالي فانه (أي نقيب الهيأة) يحدد لهذا المحامي أتعابه بشكل يتناسب مع المجهود الذي قام به والوقت الذي استغرقته هذه القضية.وهكذا، فإنه يتضح وأخذا بعين الاعتبار المنطق السليم الذي نهجه وسار عليه المشرع المغربي منذ زمن قديم بخصوص مسألة تحديد الأتعاب، فانه يستحيل القبول بالتحديد الجزافي الذي جاء به المرسوم الوزاري.ومن جهته، فإن الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون المنظم لمهنة المحاماة لا أسعف الحكومة فيها ذهبت إليه حينما حددت أتعاب المحامي عن كل مرحلة من مراحل التقاضي، ذلك أن الفقرة المذكورة تتحدث عن تحديد مبلغ الأتعاب وطريقة صرفها بمقتضى نص تنظيمي، أي أن النص التنظيمي سوف يحدد المبلغ الإجمالي المستحق لمجموع المحامين على الصعيد الوطني، وسيتولى نقباء الهيآت بعد ذلك تحديد مقابل الأتعاب المستحقة لكل محام عن كل قضية كلف بها في نطاق المساعدة القضائية.كما تجدر الإشارة إلى أن مقابل الأتعاب المحدد من طرف الحكومة خلال كل مراحل التقاضي هي أتعاب هزيلة جدا، كما أشار الى ذلك وعن حق بيان المكتب التنفيذي لنقابة المحامين بالمغرب.إن هذا التحديد الذي أقرته الحكومة، ربما يناسب مرحلة حصول المغرب على استقلاله، أما الآن فان هذه المبالغ مجحفة جدا، ولا تكاد تسمن أو تغني من جوع، علاوة على أن هذه المبالغ لا تنسجم ولا تتماشى إطلاقا مع المقتضيات القانونية المتعلقة بالمساعدة القضائية المنصوص عليها في المادة 40 من قانون المهنة. فالمحامي مجبر على الدفاع، ومؤازرة موكله في نطاق المساعدة القضائية بمجرد تكليفه من طرف نقيب الهيأة.والمحامي الذي يمتنع أو يقصر في أداء مهمته في نطاق المساعدة القضائية يكون في وضعية إخلال بواجباته المهنية ويكون معرضا على الإحالة على المجلس التأديبي، مع ما يترتب على ذلك من عقوبات تأديبية يتعرض لها ويمكنها أن تعصف بمستقبله المهني.وخلاصة القول، فإن المحامي كان دائما يتفانى في الدفاع ومؤازرة المتقاضي في نطاق المساعدة القضائية وكان المحامي المغربي، منذ القدم يقدم هذه الخدمة مجانا، وكانت مهنة المحاماة ولا تزال الى يومنا هذا هي المهنة الوحيدة في المجتمع المغربي التي يتطوع أفرادها ويقدمون خدمة عامة بدون مقابل، وهذا في حد ذاته كان ومازال بشكل فخرا واعتزازا لدى أصحاب البذلة السوداء.وفي هذا السياق لابد من التذكير، بأن نظام المساعدة القضائية قد تم إقراره لأول مرة بفرنسا من خلال قانون صدر بتاريخ 1851/01/22.وهذا القانون كان يسمح للمحامي المعين في نطاق المساعدة القضائية أن يستخلف أتعابه من الطرف الخاسر للدعوى، الا ان مجلس هيأة المحامين بباريس تصدى لهذا القانون ورفض الخضوع والامتثال له، ودعا جموع المحامين بفرنسا آنذاك الى عدم المطالبة بأية أتعاب في نطاق هذا القانون الذي اعتبر من طرفهم ـ وعن حق ـ بأنه يسمى بوقار وشرف ونبل المهنة.وأعتقد شخصيا أن المحامين المغاربة مطالبون هم أيضا بالتصدي الى هذا المرسوم الوزاري، والى تبني الموقف نفسه الذي اتخذه زملاؤهم في فرنسا منذ أكثر من قرن. ابراهيم حصالة (محام بهيأة بني ملال)

تمخض الجبل فولد فأرا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جدلية المساعدة القضائية وكرامة المحامي

مرسوم إهانة مهنة المحاماة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات