جدلية المساعدة القضائية وكرامة المحامي

وزارة العدل والحريات غيبت هيآت المحامين عن آلية سير وتدبير المساعدة القضائية نظمت المساعدة القضائية بالمغرب منذ صدور المرسوم الملكي رقم 514.65 بتاريخ فاتح نونبر 1966، والذي يفعل عمليا باجتماعات لجنة ثلاثية تتكون من ممثل وزارة المالية، ونقيب هيأة المحامين او من ينتدبه، برئاسة ممثل النيابة العامة، والتي تدرس كل طلب المساعدة القضائية على حدة. والمحامي هو المهني المؤهل قانونا للقيام بمهام المساعدة القضائية، التي كان يؤديها مجانا ما لم يحصل المستفيد منها على منفعة مالية، الى غاية صدور قانون القانون رقم 28.08 الذي نص في الفقرة الثانية من المادة 41 على انه في حالة عدم حصول المستفيد على تعويضات مالية، تصرف للمحامي تعويضات عما قدمه من مساعدة قضائية من لدن الخزينة العامة.وقد بات يعرف تطبيق هذا المرسوم الملكي عدة معوقات قانونية وواقعية، مما يجعل من أمر إعادة تنظيم المساعدة القضائية، أمرا حتميا خصوصا أمام الروافد الكونية التي اعتمدها المغرب عند سنه دستورا جديدا يتعهد بضمان مساعدة قانونية وقضائية للمواطن، تماشيا مع ما تنص عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وقد عمد المرحوم النقيب الحاج محمد الطيب الناصري رحمه الله على إصدار المرسوم المراد به تغيير الحذافير الإيجابية لمهنة المحاماة، وليس تتميمه متضمنا المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5940 بتاريخ 5 ماي 2011 الصفحة 2450 والذي صادق عليه المجلس الوزاري في ظل الفصل 63 من الدستور المعدل والذي ظل يراوح مكانه دون ان يفعل. ليتقدم كل من وزير العدل والحريات، ووزير المالية بمقترح مرسوم، صادق عليه المجلس الحكومي من أجل تغيير وتتميم المرسوم رقم 2.10.587 بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون رقم 28.08.فإذا كان مرسوم وزارة العدل المراد الغاؤه وليس تغييره وتتميمه، لأنه غير جذريا، تجاوز مساوئ إقحام الخزينة العامة في الفصل 41، وتأثيره على استقلالية المحاماة في اطار رفع تبعيتها لوزارتي العدل والمالية، عند قيامها بدور الدفاع في اطار المساعدة القضائية، عندما نص أولا في مادته الأولى على أن الاعتمادات المرصودة للمساعدة القضائية تحدد في الميزانية العامة للدولة وليس ميزانية الوزارة المكلفة بالعدل، عكس المرسوم المغير الذي ينص في مادته الاولى على انها تخصص لها اعتمادات على صعيد ميزانية الوزارة المكلفة بالعدل.وان كان هذا الأمر لا يحدث أي إشكال على المستوى التقني والمالي الصرف في إطار المالية العامة فإنه يبقى محط جدل، إذا ما علمنا أن هذه الميزانية ستخضع لتصويت البرلمان في اطار ميزانية فرعية لقطاع وزاري. ناهيكم عن أن البرلمان يصوت وفق ما يقتضيه دستور المغرب على توقعات نفقات الخزينة في إطار ضمان التوازن المالي للدولة، وليس له الحق عمليا ومنطقيا إلا طلب نقصانها، مما سيجعل ما سيرصد لهذه الميزانية تحت مطرقة الوضعية المالية للبلد وسندان توازن القوى بين المعارضة والأغلبية في البرلمان حول باب النفقات.وطالما أن الدولة ملزمة في إطار المواثيق الدولية ضمن ما هي ملزمة به، بضمان حق المحاكمة العادلة، وحقوق الدفاع، واللجوء إلى العدالة، وتأمين المساعدة القانونية، ونضرب لهذه الأخيرة مثلا، بما أتت به المادة 23 من الدستور، فهي ملزمة بضمان كرامة واستقلالية المحاماة في سعيها لتأمين المساعدة القضائية، في الإشراك الفعلي لهيآت المحامين في السهر على تأمين المساعدة القضائية والقانونية بعقلية تشاركيه تقريرية، وليس استشارية، والتي نقترح أن تكون عبر سياسة تفويض تدبير ورش المساعدة القضائية إليها، وإحداث حساب مرفق الدولة خاص بها مسير بطريقة مستقلة. ومرد هذه الأطروحة، وحسب المرسوم المقترح المصادق عليه من مجلس الحكومة أخيرا أن المحامي المعين في إطار المساعدة القضائية، سيخضع لرقابة رئيس المحكمة حول اداء مهمته مما يمس في العمق استقلالية المحامي عن هذه المؤسسة، في حين أن من هو مؤهل مهنيا - ولضمان هذه الاستقلالية- هو السيد النقيب.و الأنكى من ذلك، هو أنه عند كل مرحلة سينوب فيها، خصوصا في مرحلتي الاستئناف والنقض، سيرجع إلى رئيس المحكمة، فأي رئيس هو المختص، أهو الذي يوجد بدائرته مكتب المحامي، علما أن العديد من الهيآت بحكم انها تنشأ بكل محكمة استئناف تضم ثلاث الى أربع محاكم ابتدائية، بل إن هيأة المحامين بأكادير تضم محكمتين للاستئناف، أم سينتقل الى المحكمة الابتدائية، إلى الهيأة التي هو منتم اليها؟ علما أن محاكم الدرجة الأولى الإدارية والتجارية، ومحاكم استئنافها محصورة عدديا وجهويا، وبغض النظر عن قيمة تعويض المحامي الممنوح له في اطار المساعدة القضائية، فإنه سيصرفه فقط في مصاريف تنقله. ويتمثل الوجه الأخر لسوء تبني آلية الأداء هذه، في إرهاق المحامي معنويا بإدخاله في دوامة البحث حسب المادة الخامسة من هذا المرسوم، هل القضية التي كلف بها ويريد استخلاص قيمتها تدخل في المبالغ المستحقة، وفقا للاعتماد السنوي المرصود كنفقات للمساعدة القضائية؟ سيما أن المبلغ المعتمد غير المصروف سيعود آليا الى الخزينة العامة، وسينتظر المحامي اعتماده من جديد في المالية الموالية، وبيانه في الاعتماد المالي المرسل الى الخازن العام، ما قد ينجم عنه من عراقيل ومشاكل للمحامي مع الادارة المكلفة بالصرف.من ثم يكون منطقيا كما نص عليه المرسوم المهيأ من لدن المرحوم الحاج محمد الطيب الناصري، أن يتم تحويل تلك المبالغ الى هيآت المحامين التي تعمد حسب الملفات التي تم فيها المساعدة القضائية، على صرف تعويضات للمحامين وليس اتعاب من حساب الودائع والأداءات الممسوك من لدنها.وبمناسبة هذا الحديث، ألا يمكن التفكير في انشاء حساب أداءات المساعدة القضائية يدار من جهاز إداري يمثل المجالس المنتخبة على صعيد كل هيأة، يتكلف حسب نظام محكم يعتمد معيار عدد الملفات المعين فيها المحامون حسب كل هيأة، والتي تبقى هي المسؤولة عن صرف المبالغ المشهود للمحامين المستفيدين منها من لدن نقبائها وليس السادة رؤساء المحاكم بأدائهم للمساعدة القضائية.ولب القول ان يكون حريا أن تحدد الدولة اولا اطارا قانونيا لنظام المساعدة القانونية والقضائية لرفع اللبس عن المغزى من عدم نص المرسوم المرتقب على المساعدة القانونية، وثانيا أن تمنح للهيآت دورا تشاركيا صرفا وليس اخباريا أو استشاريا من خلال مراجعة المادة الثالثة من المرسوم التي تعطي حكم المراجعة التي تحتمل الخفض وليس الزيادة أحيانا للوزارة الوصية بعد استشارة جمعية هيآت المحامين، إذ ما الفائدة، طالما أن هذه الاخيرة لا تمتلك قوة الاقتراح أو الطلب.حسب المرسوم فإن وزارة العدل هي ذات السيادة في التسيير، وأن التحاور الذي تدعيه المادة الثانية من المرسوم، ما هو إلا سراب تمحوه مقتضيات المادتين الرابعة والخامسة التي تبين أن هيآت المحامين مغيبة في عصب آلية سير وتدبير المساعدة القضائية، والتي كما اقترحنا أن تمثل بهيأة وطنية للمحامين للمساعدة القضائية.نافلة القول، إن دور المحامي قائم في المجتمع المغربي في مختلف أشكاله الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، وأن أي محام يمارس مهنته بمواطنة، وأمام ما يعرفه العالم من أزمة مالية واعتماد سياسيات تقشفية أن يقبل مساعدة بلده بتقديم مساعدة قضائية، كما كان يقوم به سابقا، مجانا، فلماذا إهانته والحط من كرامته بتبخيس مجهوده بذلك المقابل الهزيل، الذي ترك أمر مراجعته- والذي يخضع لمعيار الرفع والخفض- للوزارة و استشارة جمعية هيآت المحامين، في حين و دون الخوض في متاهات النقاش والنقد الموجه إلى هذه الجمعية، فإن الأنسب هو إشراك هيآت المحامين أو مجلس هيآت المحامين للمساعدة القضائية، اللذين يجب ان يكون لهما دور تشاركي تقريري عبر تبني ميثاق يعتمد معيارا تقييسيا لذلك، وإلا سيستشف أن وزارة العدل تعتمد منطق الإذعان الذي يعتمد على تشاور مع طرف لا يملك حتى إمكانية المراجعة التي يبقى مضمونها حكرا عليها، مما يمس في العمق استقلالية وكرامة المحامي. طـارق زهـيـر (محام بهيأة الدار البيضاء)

جدلية المساعدة القضائية وكرامة المحامي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اندلاع الحرب بين وزير العدل والمحامين

تمخض الجبل فولد فأرا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات