بلاغات النيابة العامة صك إدانة مسبق

التفاصيل التي تتضمنها عن الفعل الجرمي تخرجها عن سياق المحاكمة العادلة في العديد من القضايا التي تثير اهتمام الرأي العام ويكون من بين المتابعين فيها أمنيون وغيرهم من رجال السلطة، تثار إشكالية مدى حجية بلاغات النيابة العامة التي تشكل في غالب الأحيان صك إدانة مسبق للمتابعين بالنظر إلى اللغة المستعملة فيها وتحديد التهم في حق المتابعين، بل في حالات معينة تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال تقديم بيانات عنهم وهوياتهم، ما يضرب في الصميم مبدأ السرية الذي تنص عليه المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية الذي يفيد أن «أن المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق تكون سرية، وكل شخص يساهم في إجرائها ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي».فالالتزام بالسر المهني شرط أساسي في الأبحاث التي تجرى، والإخلال به يشكل جريمة يعاقب عليها القانون. إلا أن الملاحظ هو أنه غالبا ما يتم خرق مقتضيات هذه المادة من خلال الإعلان عما جرى في تلك الأبحاث، وأول من يخرق القانون رجاله، إذ يلاحظ أن النيابة العامة في إطار ما تعتبره تواصلا مع المجتمع تعمد إلى نشر بلاغات عن تلك الجرائم أو الوقائع، دون أن تستند إلى ما تتضمنه مقتضيات المادة الأولى من المسطرة الجنائية التي تنص أن « كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية...» وهو ما كرسه الدستور الجديد الذي نص على أن البراءة هي الأصل، كما أن المغرب التزم في وقت مبكر ومنذ سنة 1979 بالعهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص مادته الرابعة عشرة في فقرتها الثانية على « لكل فرد متهم بتهمة جنائية الحق في أن يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته طبقا للقانون». فالأصل في المتهم البراءة، وهي قرينة مؤداها افتراض براءة كل إنسان إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ولا تنتفي براءة الإنسان إلا بثبوت إدانته بأدلة مؤسسة على اليقين، وبمقتضى حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وخلال جميع مراحل محاكمته يفترض استحضار ذلك. لكن واقع الحال يفيد غير ذلك، فتلك البلاغات التي تصدر عن النيابة العامة تشكل بالأساس صك إدانة بل قد تحدد في ملفات عدة نهاية المحاكمة قبل الشروع فيها.خلال العديد من المحاكمات يتشبث الدفاع دائما ببطلان المحاضر ويستند في حالات معينة إلى انتهاك سرية البحث من خلال ما يصدر من بيانات أو تصريحات تتضمن معلومات عن الجريمة كيفما كان نوعها، أومن خلال عملية إعادة تمثيل الجريمة التي يعتبر أنها تمس بمقتضيات المحاكمات العادلة، وهي دفوعات غالبا ما يتم ردها من قبل المحكمة التي لا تعتبرها في حالات عدة من أسباب إبطال المحاضر أو غيرها من الإجراءات.وبين الخرق القانوني والمصلحة العامة التي يمكن أن يستند إليها لتبرير ذلك الخرق، يتطلب الأمر من المشرع التدخل وبجرأة لاقتراح حل قانوني لهذا التناقض، بالإعلان عن هامش السرية والضرورة القصوى التي تقتضي التخلي عنها، في حالات معينة، بالنظر إلى ما شهده المغرب من إصلاحات أخيرة توجت بالدستور الجديد، الذي منح ضمانات كبرى للمتقاضين ابتدأت باعتبار كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتنتهي بأن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة.كما يرى المهتمون أنه أضحى من الضروري إعادة النظر في الطريقة التي تعتمدها النيابة العامة، باعتماد نص قانوني ينظم ذلك ويمنح الحق للنيابة العامة وحدها في إصدار بلاغات في الملفات القضائية، على أن تكون عمومية ومجردة وتحافظ على قرينة البراءة، ولا تمس الاعتقاد الصميمي لرأي القاضي لأن المطلوب فيه الحياد، خاصة أن العديد من الدول التي تعتمد على سياسة البلاغات كما هو الحال في فرنسا، تسمح للنيابات العامة بإصدار بلاغات بشأن بعض الوقائع التي تكتسب أفعالا جرمية وتمس الرأي العام درءا لكل مغالطة وإشاعة. وتتسم هذه البلاغات بالعمومية والتجرد ولا يتم فيها ذكر أسماء المشتبه فيهم ولا الموضوعين تحت الحراسة النظرية، مع إمكانية ذكر عددهم. كريمة مصلي

بلاغات النيابة العامة صك إدانة مسبق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المخدرات والأمن... الزواج الكاتوليكي

شكري: الاتهام الباطل انحراف يتنامى بقوة في مجتمعنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات