“الكابرانة” تكشف الوجه العاطفي للمخزن

مسرحية من إخراج عبد الرحيم المنياري ويشخصها رفقة عبد العالي فتيح وحياة فوزي استهلت فرقة "مسرح الإشعاع"، مساء الجمعة الماضي، عروض عملها المسرحي الجديد "الكابرانة" بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء.وضاقت جنبات قاعة العروض عن آخرها بالجمهور الغفير الذي حضر بكثافة لمتابعة العرض الأول لمسرحية "الكابرانة" التي ألفها المصطفى عبقري وأخرجها الفنان عبد الرحيم المنياري الذي جسد فيها دورا إلى جانب زوجته الممثلة حياة فوزي، العائدة أخيرا إلى المجال الفني، والممثل الكوميدي عبد العالي فتيح. ومسرحية "الكابرانة" عبارة عن "كوميديا ساخرة" تم توزيع الأدوار فيها بين حياة فوزي التي أدت دور "الكابرانة علو" وهي امرأة تعمل حارسة في السجن، وتكشف الملامح الكبرى لهذه الشخصية في مونولوغ تستهل به المسرحية، وهي تتحدث عن خصائص هذه الشخصية التي تتسم بالقسوة وقدرتها على تأديب السجينات المارقات وذوات "الرؤوس السخونة"، لكنها في الوقت نفسه تكشف، في فترات أخرى من المسرحية جانبا عاطفيا ثاويا فيها دفن بتأثير من مهامها اليومية القائمة على التأديب والزجر وممارسة السادية على السجينات.والشخصية الثانية وهي شخصية "ياسمين" جسّدها عبد العالي فتيح، وفيها يقدم شخصية مزدوجة، ف"ياسمين" سجينة محكوم عليها بالسجن لارتكابها جريمة قتل في حق حبيبها الذي خدعها وتزوج بأخرى، فاضطرت إلى طعنه بسكين يوم زفافه. لكن عوض أن تدخل السجن انتحل شقيقها التوأم "ياسين" شخصيتها وارتدى ملابس نسائية فدخل بدلا عنها، وانطلت الحيلة بسهولة على السجانين الذين لم يكتشفوا الأمر إلا في ما بعد. أما الشخصية الثالثة التي قدمها عبد الرحيم المنياري وهي شخصية "الدمدومة" الملقب ب"الأرارا"، ويبدو ظاهريا أنه شخصية منحرفة ويعطي الانطباع بالبلاهة وأنه في حالة "دوخة" دائمة، خاصة أنه لم يكن يستعيد توازنه إلا من خلال النفخ في "كيس السلسيون"، ويوهم السجين (ة) التي اقتحم عليها زنزانتها فجأة خارجا من بالوعة المرحاض أنه "رصّاص" (بلومبيي) وصل خطأ إلى جناح السجينات. لكن سيتبين، في ما بعد، أن "الأرارا" ليس سوى ضابط شرطة يتعقب خطوات "ياسين" المنتحل لشخصية شقيقته، ولجأ إلى هذه الطريقة ليتأكد من هذا الانتحال.وفي مسرحية "الكابرانة" تظهر اللمسة الإخراجية لعبد الرحيم المنياري واضحة، خاصة أنه عاد إلى هذا المجال بعد غياب لأزيد من 12 سنة، خاصة حين أصر المخرج على خلق مسافة بين كل شخصية على حدة وضمان استقلاليتها حتى لا تتقاطع في ما بينها، وهي تؤدي أدوارا مغرقة في السخرية كما هو الشأن بالنسبة إلى عبد العالي فتيح أو المنياري اللذين قدما أسلوبين كوميديين متمايزين.أما الديكور فقد اعتمد على ما يسمى ب"الملحقات" و"التوابع" وهو مكون من ثوابت ظلت ملازمة للمسرحية وهي باب الزنزانة الحديدي وباب يحيل على مرحاض و"شيء" يشبه سرير سجين. ويبدو أن "فقر المكان" هذا كان مقصودا لإعطاء الانطباع أن الأمر يتعلق بزنزانة انفرادية لا مجال فيها للتأثيث الجمالي، وكان الغرض من كل هذا الخروج بالممثلين من إطار "المساحة" إلى إطار "الفضاء" الذي يتيح إمكانية التصرف بحرية.وبخصوص الملابس فقد كانت أكثر إيحائية أكثر منها واقعية، خاصة أن المسرح يتيح هذه الإمكانية عكس ما هو معمول به في مجال السينما أو التلفزيون، فعبد العالي فتيح ظل يرفل في الملابس النسائية المتنكر فيها، وفي بعض الأحيان يزيل "الباروكة" ليذكر الجمهور بأنه رجل وليس امرأة، كما أن لون ملابس "الكابرانة" جعلها تكرس ما أراده المؤلف والمخرج أن يوصلاه إلى المتلقي من أنها تمثل "المخزن" كما هو متداول في المخيلة الشعبية.وقد حاول نص مسرحية "الكابرانة" ملامسة جل الظواهر الراهنة منها الربيع العربي والزيادة في الأسعار ومحاربة الفساد، وحتى "إعفاء" بنكيران على رموزه، كما تم تبليغ العديد من الرسائل والأفكار على لسان الشخصيات، خاصة عندما قالت ياسمين لل"الكابرانة" إن السجان نفسه محكوم عليه بالسجن طالما يقضي معظم فترات حياته فيه، كما تم التعامل مع الشخصية "الكابرانة" التي تمثل المخزن لإبراز الجانب الإنساني فيه المختفي وراء ملامح القسوة، خاصة في اللحظات التي تنساق وراء عواطفها وتشرع في تبادل عبارات الغزل والإعجاب مع "الأرارا". كما تعكس المسرحية التباين بين الحدة التي ظهرت بها الكابرانة في مستهل المسرحية وهي تصرخ وتسب وتلعن بعصبية ظاهرة، في الوقت الذي تختتم المسرحية بانكسار وضعف باديين وهي تقول "ما كايدوم فالقبر غا مولاه" في إشارة إلى أن السجان يظل دائما "سجينا".ويشار إلى أن مسرحية "الكابرانة" ستعرض، ضمن جولة فنية، في العديد من المدن المغربية منها خريبكة ومراكش والعيون وبوكراع وفاس ومكناس والرباط والقنيطرة. عزيز المجدوب

“الكابرانة” تكشف الوجه العاطفي للمخزن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مسار : حلمي سالم... صاحب "شرفة ليلى مراد"

فشل تجربة التدبير المفوض للنفايات بالرباط

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات