دراسة: من أجل هيأة وطنية للمحامين

رد على تصريحات رئيس جمعية هيآت المحامين بالمغرب نشرت جريدة الصباح بالعدد 3808 الصادر بتاريخ 10 يوليوز عنوانا مثيرا بأعلى صفحتها الأولى تحت عنوان: الرميد يثير غضب جمعية هيآت المحامين، ثم فصلت بصفحتها الثانية ما ورد بالعنوان المشار إليه، وأشارت بالخصوص إلى ما ورد على لسان رئيس جمعية هيآت المحامين بالمغرب النقيب حسن وهبي، ونسبت الجريدة إلى النقيب حسن وهبي انه لا يتفق إطلاقا مع ما ورد على لسان وزير العدل والحريات بشأن التفكير في إحداث هيأة وطنية للمحامين. واعتبر رئيس الجمعية في تصريحه للصحافي أنه في الوقت الذي يرفع فيه شعار اللا تمركز والجهوية الموسعة، نجد بالمقابل من يرفع شعارات تهدف الى الاحتواء من قبيل ما صرح به وزير العدل، الذي يعتبر جزءا من السلطة التنفيذية وحاليا فإنه ليس محاميا، ومن الأجدر به ان يترك الأمر لأهله، وأضاف رئيس الجمعية – والكلام دائما على لسان الصحيفة، بأن ما يدعو إليه وزير العدل بشأن احداث هيأة وطنية للمحامين يشكل وسيلة لاحتواء الهيآت وتدجينها، ويكفي الرجوع بهذا الخصوص، حسب ذكره الى العالم العربي نموذجا، اذ أن الدول العربية التي تعرف تنظيم مهنة المحاماة على شكل هيآت وطنية وإلى وقت قريب هي أنظمة دكتاتورية شمولية وتهيمن على أوضاع المهنة من خلال هذه الهيآت الوطنية. وغالبا ما يكون مسؤولوها الوطنيون أدوات في خدمة هذه الأنظمة الشمولية. مما يزيل عن هذه الهيآت الوطنية الحرية والاستقلال وهما العمودان الأساسيان اللذان تقوم عليها المهنة أفرادا ومؤسسات.وأكد رئيس الجمعية في ختام تصريحه الصحافي أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب، قد أنجزت مهمتها وهي الآن في عز إنجازاتها سواء على المستوى المهني أو الاجتماعي أو الحقوقي، وما حققت يشهد على ذلك. مستغربا في الأخير من توقيت رفع شعار الهيأة الوطنية للمحامين، معتبرا أن من يرفع هذا الشعار يريد المساس باستقلال مهنة المحاماة وحريتها.لقد تعمدت ان أورد كلام النقيب حسن وهبي كما ورد في جريدة الصباح بكل أمانة، وذلك لأنني اختلف معه في كل ما ورد في تصريحه الصحافي، اللهم إلا من الأمر المتعلق بالهيآت الوطنية للمحامين في بعض الأنظمة العربية الشمولية.ومع احترامي الكبير لشخص السيد النقيب حسن وهبي، شخصا أولا ثم محاميا ونقيب لهيأة عريقة، فإنني اعتبر أن آراءه بخصوص تنظيم هيأة المحامين هي أراء لم تعد صالحة لراهننا المهني، وذلك كما يلي: في البداية لابد من توضيح أن هذا الرد موجه الى تصريح النقيب حسن وهبي بصفته محاميا. اذ انه والى غاية كتابة هذه الأسطر، فإن مكتب جمعية هيآت المحامين بالمغرب لم يصدر أي موقف أو بيان أو ما شابه ذلك بخصوص الرأي المنادي بإحداث هيأة وطنية للمحامين. كما أنني لا أتفق مطلقا مع ما ذهب اليه رئيس الجمعية في مصادرة حق وزير العدل في إبداء رأيه بخصوص الشأن المهني، لأن وزير العدل و الحريات وإن كان يعتبر حاليا جزءا من السلطة التنفيذية، فإنه كان محاميا ولايزال يحمل هذه الصفة- على عكس ما ذهب اليه الرئيس- الا انه يوجد في وضعية تناف مع ممارسة المهنة و يمكن للوزير أن يعود إلى ممارسة مهنة المحاماة متى انتهت مهمته داخل الجهاز التنفيذي لأي سبب من الأسباب، ثم ان الوزير- وحسب ما فهمت شخصيا من التغطية الصحافية التي أنجزتها الصحافية كريمة مصلي لم يكن صاحب المبادرة في دعوة المحامين الى خلق هيأة وطنية تكون مهمتها النظر و البت في شؤونهم المهنية، بل أن صاحب المبادرة هو النقيب إدريس شاطر، و هو بالمناسبة يشغل حاليا رئيس الاتحاد الدولي للمحامين، وكان رئيسا لجمعية هيآت المحامين بالمغرب خلال سنوات2000 و 2003.لقد سبق لكاتب هذه السطور إن تطرق الى الوضعية القانونية والواقعية التي تعيشها جمعية هيآت المحامين بالمغرب و ذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر الجمعية بطنجة أيام 15-16 و 17 ماي 2008 من خلال مقال منشور بجريدة الصباح بتاريخ 15 ماي 2008، و قد أشرت في هذا المقال الى أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب استنفدت دورها التاريخي الذي لعبته لمدة زمنية معينة. وأن هذه الجمعية شاخت وترهلت وأصابها العقم والوهن ودعت جموع المحامين بمختلف مكوناتهم الفكرية والاجتماعية إلى خلق إطار وطني يدافع عن مصالحهم ورغم مرور أكثر من 4 سنوات، فإن هذا المقال، و مع كامل الأسف، لا يزال محتفظا براهنيته إذ لا شيء تغير بخصوص واقع جمعية هيآت المحامين بالمغرب.إلا انه وقبل الحديث عن الجمعية ولو بشيء من الاختصار المفيد، لابد وأن نعرج على موقف النقيب حسب وهبي بخصوص الدعوة الى احداث هيأة وطنية للمحامين بالمغرب.وشخصيا فأنا أستغرب لموقف النقيب حسن وهبي، و كذا بعض الزملاء الذين يشاطرونه الرأي نفسه، و مبعث استغرابي هو هذا «الحول المهني» الذي أصاب هؤلاء الزملاء المحترمين، اذ انه كلما ذكر اسم الهيأة الوطنية للمحامين إلا وانصرف هؤلاء الزملاء وفكرهم إلى تجارب بعض الدول العربية التي كانت تعتمد نظام الحزب الواحد، والرأي الواحد، و المذهب الواحد، والنقابة الواحدة والوحيدة في كافة القطاعات. وكان نقيب هيأة المحامين على الصعيد الوطني وكذا نقباء النقابات الفرعية كلهم أعضاء في الحزب الحاكم يدافعون عن حزبهم في كافة المحافل والمؤتمرات والمنتديات، هذه التجارب المهنية لا يمكن لأي محام منتقل ومعتز بانتمائه إلى مهنته أن يقبل بوجودها ولا أن يدعو إلى إحداثها في بلده، لأنها بكل بساطة تجارب فاشية ومحكوم عليها بالزوال ومصيرها الحتمي هو مزبلة التاريخ.لذا، فإنني اتمنى مخلصا ألا نعود إلى الحديث عن هذه التجارب، وإلا تشكل بالنسبة الينا مرجعا نهتدي به لإصلاح أوضاع مهنتنا.انني حينما دعوت في مقالات سابقة الى احداث الهيأة الوطنية للمحامين، فإنني قد استحضرت ومازالت استحضر التجربة الفرنسية مثلا.اليست قوانيننا مستمدة من النظام القانوني الفرنسي؟ ومن أدخل مهنة المحاماة الى بلدنا؟ ومن وضع يا ترى أول قانون منظم لمهنة المحاماة بالمغرب؟ الجواب بطبيعة الحال هو المستعمر الفرنسي. اذا، ما العيب في ان نقتبس النظام المعمول به في فرنسا، حيث يوجد المجلس الوطني لهيآت المحامين وهذا الإطار الوطني هو الذي ينظم شؤون المهنة بالقطر الفرنسي، و قد تم احداثه بمقتضى قانون صدر بتاريخ 31/12/1990. وقبل احداث هذا الاطار الوطني من طرف المشرع الفرنسي، فإن الساحة المهنية في فرنسا عرفت نقاشا حادا حول الجدوى من احداث هذا الاطار الوطني ومدى تأثيره على استقلالية باقي الهيآت.وعرف القانون المنظم لهذا الاطار الوطني عدة تعديلات كلما طرأت بعض الوقائع والأحداث المتعلقة باختصاصاته وطريقة تدبيره لشؤون المهنة بفرنسا. و قد أعود في مقال مقبل- بحول الله- الى الحديث بتفصيل عن المجلس الوطني لهيآت المحامين بفرنسا، اذ تطلب الأمر ذلك، لأنه من خلال الاطلاع على طريقة انتخاب هذا المجلس، واختصاصاته، وطريقة تدبيره لشؤون مهنة المحاماة بفرنسا سوف يتضح بأنه شتان ما بين هذا الاطار الوطني وبين جمعية هيآت المحامين بالمغرب، وسوف يتأكد المبدأ الشائع القائل: لا قياس مع وجود الفارق.ان احداث الهيأة الوطنية للمحامين بالمغرب، وعلى غرار ما هو معمول به في النظام الفرنسي، و هذا من باب التأكيد ليس إلا لمن شأنه ان يرقى بمهنة المحاماة و تحسين الأوضاع المهنية والمادية والاجتماعية للمحامين، إذ انه سيكون هو المخاطب الرسمي للدولة، وهو المعبر عن مطالب المحامين، من خلال فرض احداث المعهد الوطني للمحاماة، استفادة المحامين من المساعدة القضائية، احداث نظام ظريبي، فرض احتكار المهنة من طرف المحامين فقط. النظر كمرجع استئنافي في قضايا تحديد الأتعاب والتأديب. وهذه الأشياء التي ذكرتها على سبيل الحصر ليس الا ظل المحامون المغاربة ينادون و يطالبون بها من خلال مؤتمراتهم و منتدياتهم، وندواتهم، و طلب جمعية المحامين بالمغرب عاجزة على تنفيذ ولو جزء بسيط منها، وذلك على عكس ما اشار اليه رئيس الجمعبة في تصريحه الصحفي الذي أشار الى أن الجمعية هي الآن في عز انجازاتها ولم يعطنا أي مثال واحد عن هذه الانجازات .ان الجمعية كانت و مازالت جهازا تنسيقيا لا يتمتع بأي دور تقريري و في هذا الصدد فإن كل هيأة يمكنها ان تتخذ ما تراه مناسبا لها و تكون بذلك في حل من أي موقف يتخذه مكتب الجمعية، و هنا لابد من التذكير من النقاش والخلاف الذي حدث بين مكتب الجمعية وبعض هيآت المحامين بخصوص تطبيق مقتضيات الفصل المتعلق بصندوق الأداءات.ان جمعية هيآت المحامين بالمغرب لا يمكن اعتبارها بمثابة منتدى أو ناد لنقباء الهيآت يتبادلون فيه الآراء و يتداولون فيما بينهم في شؤون المهنة وهذا شيء يمكن اعتباره على اية حال ايجابيا، الا انه لن يحل المشاكل التي تتخبط فيها مهنة المحاماة و لو ظل هذا الاطار قائما لالاف السنين. وعلى سبيل الختم، فإنني أدعو جموع المحامين بمختلف أفكارهم و شرائحهم الى التفكير في خلق اطار وطني يدافع عن مصالحهم، و الانقضاض على هذه الفرصة المتاحة حاليا من خلال منظومة اصلاح العدالة، وإلا فإنهم سيعيشون أوضاعا كارثية مستقبلا وسوف يتعرضون للمحاسبة العسيرة من طرف الأجيال المقبلة التي ستلتحق بهذه المهنة النبيلة. بقلم: إبراهيم حصالة, محام بهيأة المحامين (بني ملال)

دراسة: من أجل هيأة وطنية للمحامين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السليكي: التنوع صنع قوة راديو بلوس

قتيل و20 جريحا بتاونات في أول أيام رمضان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات