الطقوس المخزنية… القداسة في الحداثة

"تديين" النقاش جعل الانحناء ركوعا فانتقلنا إلى تحاليل دينية تقوم على قاعدة الحلال والحرام شيء لافت للانتباه، النقاش الجاري حول الطقوس والتقاليد التي تميز مراسيم التعيين و«الوقوف» في حفل الولاء. المثير في هذا النقاش أنه يقتصر على نصف الصورة فقط في قضية البروتوكول والتقاليد الخاصة بالملوك، والتي تلزم، وإن بدرجات متفاوتة، الرعية، المواطنين، باحترام الطقوس والعادات المتوارثة عن السلاطين في المغرب، في حين حري بنا أن نبحث في النصف الآخر حتى تكتمل الصورة، وحينها نجد أن شروط البروتوكول لا تلزم الرعية فقط، بل تلزم ملك البلاد بالحفاظ عليها والتقيد بها، لأنها جزء من الشرعية التاريخية والتقليدية والدينية للمؤسسة الملكية.. وفي التفسير الديني يرتبط الأمر بنسب الملك، ما يجعل تحية السلطان والانحناء له من باب الوقار الواجب لسبط الرسول ولآل البيت.لا يتعلق الأمر بدعوة إلى تكريس القداسة في مجتمع يتجه نحو الحداثة، ولكنها فقط معطيات تسقط من كل هذه الضجة الدائرة اليوم حول الطقوس «المخزنية». لقد ظل البروتوكول الملكي بكل طقوسه سلوكا اجتماعيا يعبر عن الولاء للسلطان، وقد كان هذا الأمر مفهوما إلى السنوات الأولى لاستقلال البلاد، حينها كانت المؤسسة الملكية في حاجة إلى تكريس هذه التقاليد والطقوس، حتى تنتصر بشرعيتها التقليدية والرمزية في صراعها مع بعض أطراف الحركة الوطنية التي بدأت تنازعها الملكية مشروعيتها في حينه. وكان مفهوما، أيضا، أن يمر تثبيت المؤسسة الملكية في المخيال الاجتماعي للمغاربة، عبر ترسيخ هذه التقاليد كورقة رابحة في تدبير الصراع حول المشروعية.ربما كانت الحاجة إلى التقاليد والطقوس أكثر من الحاجة إلى الدولة نفسها، وقد حكمت المقولة الشهيرة للملك لويس الرابع، «الدولة أنا.. وأنا الدولة»، النظام السياسي في المغرب طيلة السنوات الأولى لحكم الملك الراحل الحسن الثاني، وهنا كانت الحاجة ملحة لأن تستخدم المؤسسة الملكية كل هذا «البروتوكول» في سبيل تكريس مكانتها وتثبيت دورها عن طريق شخصنة الدولة في ملكها.إن النقاش حول إلغاء الطقوس والتقاليد، سواء تعلق الأمر بالانحناء أو تقبيل اليد، يفترض أن يكون نقاشا هادئا يقرأ الصورة كاملة في مسألة البروتوكول الملكي، ففي الصورة يوجد الرافضون لدعوات الإلغاء، من رموز الحرس القديم داخل الدولة، لأن حرصهم على هيبة الدولة ووقار السلطة مهمة ارتبطت بهذا الفئة في محيط الملك منذ نشأة المؤسسة الملكية، بل إنهم من حرصوا عليها وحافظوا لجل الملوك على مظاهر البروتوكول وكل الوظائف المرتبطة بالسلطان بشأن طريقة الدخول على الملك ومجالسة الوزراء له وظهوره أمام رعيته.. من الخطأ أن تقرأ قضية إلغاء التقاليد ومراسيم البرتوكول الملكي، من وجهة نظر دعاة إلغائها فقط، لأن إقصاء الطرف الآخر يعني أن مقاومته ستكون أشرس، وبالتالي قد تتعقد مهمة المؤسسة الملكية نفسها في إلغاء هذه المراسيم. إن هذا النقاش لا يجب أن يقتصر على علماء الدين، كما هو جار اليوم، لأن «تديين» النقاش هو الذي يجعل من الانحناء ركوعا ومن الركوع سجودا ومن السجود لغير الله كفرا، وهنا ننتقل من نقاش مجتمعي إلى تحاليل دينية تقوم على قاعدة الحلال والحرام.. بالتأكيد، يكونا بعض الانحناء أمام الملك مبالغا فيه، لكن الأمر لا يصل إلى الركوع، لأن له صفات معلومة في الإسلام. إحسان الحافظي

الطقوس المخزنية… القداسة في الحداثة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتحار شرطي بالبيضاء بطلقة من مسدسه

صمت إسباني مريب إزاء الهجوم على قنصلية مغربية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات