دراسة: هيأة إصلاح منظومة العدالة والمغيب الأكبر

أي إصلاح جذري لمنظومة العدالة لابد أن يتمخض عن حوار شامل لمكونات القطاع في إطار تشاركي لاغرو إذا قلنا أن وضع أي ميثاق وطني شامل لإصلاح منظومة العدالة لا بد و ان يتضمن وجهات نظر ورؤى كل الفاعلين في قطاع العدالة من قضاة ومحامين وكتاب الضبط وخبراء وتراجمة وعدول وموثقين ومفوضين قضائيين وضباط الشرطة القضائية وضباط القوة العمومية من الساهرين على تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية. لعل كل هذه المكونات تبقى المخاطب الأول والفعلي بأي مبادرة واضحة لإصلاح منظومة العدالة مما كان لزاما معه إشراك تمثيليات فعلية لها داخل الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة والتي تم اقتراح تشكيلتها من طرف وزير العدل. وإذا كانت هذه الهيأة قد تضمنت ضمن تشكيلتها شخصيات بارزة في مجال العدالة ببلادنا، فإن أهم ما لوحظ عنها هو تغييبها لممثلين فعليين للمكونات المذكورة سلفا وفي مقدمتهم القضاة ليثور التساؤل الأهم عن ما هو السبب في تغييب نادي قضاة المغرب عن تشكيلة هذه الهيأة ؟ وقبل أن نتطرق إلى الجواب عن هذا التساؤل لا بد أن نتساءل أولا حول ما مدى أحقية وزير العدل باعتباره سلطة تنفيذية من مبدأ فصل السلط الذي يبقى مبدأ ديمقراطيا ودستوريا في الوقت ذاته في أن يقترح تشكيل هيأة لإصلاح منظومة العدالة ؟لقد نص الفصل 113 من الدستور الجديد في فقرته الثانية والثالثة على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينجز بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها، كما يصدر بطلب من الملك أو الحكومة والبرلمان آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط. وهكذا وانطلاقا من هذه المقتضيات فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبقى الجهة الاولى المخول إليها دستوريا حق المبادرة بأي مقترح اصلاح يتعلق بمنظومة العدالة في شموليتها, ولا يكون من حق السلطة التنفيذية الساهرة على تدبير شؤون هذه المنظومة اداريا سوى السهر على تنفيذ التوصيات التي يمكن أن يخلص إليها هذا المجلس، إذ من غير المقبول ولا المعقول أن نتحدث على أن القضاء أصبح سلطة حرة مستقلة عن باقي السلط وفي الوقت نفسه يتم إخضاع هذه السلطة لتوصيات وقرارات صادرة عن هيأة تم تشكيلها بمبادرة من وزير العدل الذي يعتبر سلطة تنفيذية، وهكذا فقد كان حريا بوزارة العدل ان تركز الاهتمام أولا على ضرورة إخراج القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الى حيز الوجود، وبعد ذلك يتم تشكيل هذا المجلس وفق مقتضيات الفصل 114 من الدستور الجديد لتكون له وحده صلاحية اتخاذ أي مبادرة تتعلق بإصلاح منظومة العدالة في شموليتها.إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال تركيبته الجديدة المنصوص عليها في الفصل 115 من الدستور الجديد يتضمن اهم المكونات التي يمكن أن تكون فاعلة في أي مقترح لإصلاح منظومة العدالة مثل مؤسسة الوسيط وريئس المجلس الوطني لحقوق الانسان وشخصيات أخرى مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة يعينها جلالة الملك و من ضمنها عضو ممثل للمجلس العلمي الأعلى، والملاحظ أن كل هذه المكونات تم اشراكها في الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة، ما يثير التساؤل جديا حول ما اذا تم التطاول فعلا على إحدى أهم الاختصاصات المخولة لهذا المجلس دستوريا و ذلك حتى قبل إنشائه؟وبالمقابل فقد تضمنت الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة بعض المكونات التي قد يكون من شأن إشراكها في الحوار الوطني عرقلة الوصول لأي حل بشأن بعض نقاط الخلاف و المشكلات المثارة في هذا الصدد، والتي من أهمها مسألة اصلاح الوضعية المادية والاجتماعية للسادة القضاة، إذ ما معنى مثلا ان يتم اشراك ممثل مؤسسة بنك المغرب و الذي دأب في تصريحاته الأخيرة على التنبيه الى ضرورة نهج سياسة التقشف والامتناع عن التفكير في أي زيادة في أجور الموظفين، هذه الزيادة التي يعتبرها القضاة مفتاح أي باب حقيقي للدخول الى الاصلاح وضمان استقلال فعلي وحقيقي للسلطة القضائية عن كل المؤثرات، لذا ألم يكن من الأجدر إشراك ممثل عن وزارة المالية باعتبارها الجهة الأولى المخاطبة بأي مبادرة لإصلاح الوضعية الاجتماعية والمادية للقضاة. والتي لطالما كانت الجهة التي تعلق عليها وزارة العدل أسباب فشلها في الوصول لأي حل بهذا الخصوص؟وبالعودة إلى سؤالنا الرئيسي في هذا الموضوع و المتعلق بسبب تغييب الممثل الفعلي للقضاة عن تشكيلة الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة، لابد أن نشير إلى أن نادي قضاة المغرب قد أثبت من خلال اجتماع مجلسه الوطني المنعقد يوم السبت خامس مايو من السنة الجارية والذي حضره أزيد من ألفي قاض وقاضية على انه الجمعية المهنية الأكثر تمثيلية للقضاة، وهو ما أعطى دلالات قوية على أن أي تمثيل للقضاة داخل الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة ينبغي أن يكون من طرف نادي قضاة المغرب، لكن العكس هو ما حصل، إذ أبى القائم على اقتراح تشكيلة هذه الهيأة إلا أن يغض نظره عن هذا الفاعل الجديد داخل الحقل القضائي، رغم أنه أثبت وعن جدارة أنه المتحدث الأول باسم القضاة مفضلا عدم اشراكه ضمن المكونات المقترحة لتشكيل لجنة الحوار حول اصلاح منظومة العدالة، رغم أن النادي عبر فعليا عن حسن نواياه واختياره المشاركة في الحوار الوطني المذكور من خلال مراسلته عبر رئاسته للسيد و زير العدل و الحريات بهذا الخصوص، وذلك خلال شهر مارس الماضي، أي شهرين قبل اقتراح تشكيلة الهيأة، وهذا ما يطرح أكثر من تساؤل عن السبب الحقيقي وراء هذا التغييب المقصود.إن القضاة اليوم ومن خلال ناديهم هم في حالة احتجاج، واحتجاجهم هذا نابع من قناعتهم الخالصة بأن أي إصلاح جذري لمنظومة العدالة بصفة عامة ولجهاز القضاء على الخصوص لابد أن يتمخض عن حوار شامل وعميق يضم كل مكونات القطاع بلا استثناء، في إطار تشاركي محض يشمل دراسة كل المشكلات العالقة، وفي مقدمتها إصلاح الوضعية الاجتماعية والمادية للقاضي، وبدون ذلك فإن أي تصور آخر لهذا الإصلاح سيبقى صوريا ستستمر معه احتجاجات القضاة من خلال ناديهم المغيب الأكبر من لجنة الحوار لتعرف طرقا احتجاجية اخرى أكثر تصعيدا في المقبل من الأيام. بقلم: سعد دحوتي, (نائب الكاتب العام للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالحسيمة)

دراسة: هيأة إصلاح منظومة العدالة والمغيب الأكبر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحاجة الحمداوية تروي حكايتها مع وردة في "الليل والنجوم"

السلفيون يتوعدون الحكومة بحركات احتجاجية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات