قراءة: “البوح العاري” لإبراهيم الحجري

صدرت رواية جديدة للكاتب المغربي إبراهيم الحجري، بعنوان «البوح العاري»، عن دار «النايا» ودار «مشكاة». وهي الرواية الثانية له، بعد روايته «صابون تازة»، الصادرة عن دار رواية (2011). تحكي رواية «البوح العاري»، بنفس سردي تناوبي، رحلة روائية متخيلة قام بها أربع شخصيات إلى ليبيا في العهد السابق، على متن حافلة مهترئة، تنافرت عبرها العواطف والمشاعر والذكريات حد التصادم بين عقليات مختلفة، كل منها ترى الوجود والعالم من منطلق مختلف. وقد أتاحت وضعية التعصب والغضب والتصادم بين شخوص من مختلف الحساسيات والمستويات الثقافية والاجتماعية، إلى تعرية البواطن المعقدة للإنسان العربي، ومدى تأثره بالبيئة المحيطة به، جغرافيا وثقافيا. تتحول تلك الرحلة، من تجمع صغير متحرك، يفترض أن يجمع بينه التفاهم والتواصل والتفاني والتنازل، إلى فضاء مشتعل يتأجج بفعل سيطرة الأهواء والغايات المحدودة في الزمان والمكان، ليصبح هذا الفضاء جحيما حقيقيا تصطلي بفعله النوازع والاختيارات والمشاعر. إن هذه الرحلة، بقدر ما تتيح للشخصيات الاحتكاك والتفاعل، فإنها فرصة لتنازع الأهواء وتأجج العواطف بل وتناطحها أيضا، كل ذلك جاء مسبوكا بلغة تميل إلى الشاعرية وتحيد عن المباشرة الجافة.ومن أجواء المجموعة، «طيلة مسافة السفر وطريق العودة الطويلة لم يجمعهم حديث موحد وإن التقوا ببعضهم عبر لحظات متفرقة هنا في هذا الحاجز أو هنالك في ذلك المطعم أو تلك المقهى أو في الخلاء الرهيب عندما تتعطل الحافلة، فيتفرق المسافرون بحثا عن ظل شجرة أو مكان آمن من حر الصيف اللافح، بعيدا عن حشرات وعقارب الصحراء.. تباعد بينهم الكراسي وتلاقيهم النظرات والسحنات، ومع طول مدة السفر وتعطل محرك الحافلة، كانت تزداد وجوههم قتامة فتصبح ملامحهم أقرب إلى الرماد.. يتكومون حول أنفسهم كأنما يخافون على أسرارهم أن تنفلت من بين أضلع فتتها الضجر والتعب. يصعب كثيرا أن تطلع على ما بداخل أنفسهم حتى ولو تكلموا.. ويعسر أن يتكهن عالم فراسة بما تخبئه خطوط أيديهم المتشابكة حول صدورهم التي هدها الانتظار.الحافلة أصبحت قبيلـة كما صرح أحد الركاب.. وكلما طال وقت السفر تذوب الحيوية وتموت الرغبة في المسير.. تمر حافلة وتمرق سيارات وتأتي آخر. وتظل الحافلة المجنونة (رستم) ضائعة وسط طريق لا ترحم، حيث يستبد العطش بالركاب وترتفع درجة الحرارة في عز صيف يريد أن يسود ببطش جائر.. في صوت هامس كانت عيون متعبة تطل من نوافذ الحافلة وتتطلع إلى السراب الذي يشع في قارعات الطرق وفي قمم الجبال والروابي مرددة. رحماك يا إله السماء.. وتتمتم معها الشفاه المتيبسة وتتحرك أيادٍ معروقة فيما يتعكر فضاء الركوبة الصغير بروائح العرق الذي بلَّل المناديل والثياب الداخلية ليصل إلى البرانية.. تضحى رائحة الهواء المزكم للأنوف مشابهة تماما لرائحة دورة المياه خصوصا حينما تختلط بروائـح السجائـر والقيء والغثيان وغضب الأمعاء التي كانت تزمجر من أثر الجوع واضطراب السيارة التي كانت ترتبك بين دفتي الطريق مثل عصفور أفزعته العواصف.. ولم يجد الركاب بدامن الصبر الجميل وتلاوة اللطيف...». أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

قراءة: “البوح العاري” لإبراهيم الحجري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

40 لاعبا في لائحة أولية للأسود

مهرجان الفيلم التربوي يكرم الكغاط وسجلماسي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات