حديث الصباح: عشرة منطلقات للحوار الوطني لإصلاح العدالة

إما تغيير جذري في السياسة القضائية وإما إصلاح منافق كاذب يفقد الثقة نهائيا في العدالة والوطن والدولة هل يثق المغاربة في عدالتهم وفي قضائهم؟ وهل سيبعث الحوار الوطني من جديد الثقة الحقيقية فيهما؟ وهل تحمل الدولة قناعة سياسية حقيقية من خلالها تؤمن بإصلاح القضاء والعدالة تتعدى الخطاب والشعارات؟ وما العمل لإنجاح الحوار الوطني لإصلاح العدالة المرتقب البدء فيه تحت مسؤولية وزارة العدل والحريات بعد أسابيع؟ وما هي مهامنا وواجباتنا كمهتمين وفاعلين ومجتمع وطامعين في تغيير واقعها وهياكلها وعقليات القائمين عليها والممارسين لها ونظرة المتقاضين والمتعاملين معها؟ ومن سيشارك في الحوار الوطني؟ وكيف سيلتقي رجال ونساء وهم بخلفياتهم متباينون ومتباعدون بثقافاتهم القانونية وميولاتهم الفكرية وقناعاتهم المبدئية حول مادة دقيقة في مرجعياتها وفي فهم خصائصها وشروط ممارستها والمتدخلين في صناعتها وتعدد المتعاطين معها؟ وهل سينجح المغرب في عقد وإطلاق مسار الحوار ومتابعته وإعلان خلاصاته وتنفيذ نتائجه من ربح الرهان وطي صفحات الماضي المؤلم في تاريخ قضائنا ووضع علامة حمراء نهائيا على مظاهر الاعتداء على عدالتنا ومسخ دورها والتأثير على قضاتها وإهانة قراراتهم وأحكامهم من قبل السلطة والدولة والنفوذ والمال والفاسدين والمنحرفين؟ وهل سيقبل اللاعبون السياسيون أن تكون فوقهم كلهم عدالة قوية وسلطة قضائية مستقلة وفاعلة لا وجود لرأي فوق رأيها ولا لأمر فوق أوامرها ولا لحكم فوق حكمها ولا لحاكم فوق قضاتها؟قد يصعب الرد بسرعة على تساؤلات هي بطبيعتها لصيقة بتجارب تاريخية صعبة ومريرة تقوت فيها الدولة على القانون وعلى القضاء حتى انهارت إلى الأسفل ثقة الناس بقضائهم، وقد يحتاج الرد إلى وقت طويل من التجارب اللاحقة بعد نهاية الحوار.ويصعب الرد كذلك، ومن الآن، بسبب صور الخجل السياسي الذي لا يبارحنا، والذي كانت تتخبط فيه الحكومات باستمرار لعدم قدرتها على إبداع أي إستراتيجية للإصلاح متكاملة عموديا وغير شكلية، ولترددها كذلك في تفعيل مضامين خطب الملك في مجال القضاء والعدالة منذ بداية القرن الحالي والتي استوحى منها محررو الدستور مقومات السلطة القضائية، ما يثير بحق طعم الثقة كتحد حاسم لأي إصلاح لا بد أن يكسبه المسؤولون الحاليون على الشأن العام.وقد يصعب الرد كذلك من حيث دور المؤسسة الملكية ومحيطها في المعادلة الدستورية، ومدى منظورها إلى القضاء والعدالة لمغرب المستقبل، للسير بعيدا لتفعيل مضمون الدستور، خصوصا شيوع المساواة أمام القاعدة القانونية، ومقاربة المسؤولية بالمحاسبة، مع مراقبة المشروعية، أي القبول بسلطة القضاة لمراجعة كل القرارات المرتبطة بالسلطة بما فيها قرارات الملك التنفيذية، وقدرة القضاء على نقد الذات، أي على مراجعة الكثير من توجهاته، خصوصا منها ما سبق أن قرره ضدا على فلسفة العدالة في شأن تصريحات الملك لما اعتبرها بمثابة قانون، رافضا مناقشة أي طعن في مشروعيتها ومدى متانتها الدستورية أو إلغائها، ومتنازلا عن اختصاص من اختصاصاته التي دأب القضاء الإداري في عدد من الدول على الإبداع فيها. كما يصعب الجواب منذ اليوم، لأن للمغاربة ذاكرة، ولهم حكايات مع عدالة وطنهم لا ترضيهم، ولأننا كنا وما زلنا أمام التساؤلات المحيرة نفسها وغيرها، كتلك التي سبق أن طرحت منذ تاريخ استقلال المغرب وانطلاق العمل من أجل تأسيس قضاء المغرب منذ الخمسينات إلى وقتنا هذا، ومن مظاهرها تلك الأسئلة المتعلقة بصعوبة فصل السلط عن السلطة القضائية، وامتصاص الآليات السياسية والتنفيذية لهوية سلطة القضاء واحتوائهم لاستقلاليتها ولكبار رؤساء مؤسساته ومنها مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء، والمتعلقة بثقافة الانحياز والربح من دوائر النفوذ التي سادت داخل الجسم القضائي للتقرب من السلطة ودوائرها وخدمة مصالحها، واتباع الدولة لسياسة فرق تسد لتفتيت معنويات الجهاز القضائي وترك قضاته وأطره الإداريين وموظفيه عن قصد فريسة للفقر ونقص الإمكانات وقلة وسائل العمل وهزالة الأجور والنقل التعسفي والتأديب المفتعل ناهيكم عن التعليمات الواضح منها والمرموز.حقا، لقد استنفرتنا اليوم، ولها الفضل علينا، موجات الاحتجاجات بالمغرب بفضل شباب 20 فبراير، وواصلت قوى المجتمع الحقوقي والسياسي معاركها المدنية، واضطلع الجميع جيلا بعد جيل، بمهمة أساسية لصناعة نوع من التغيير، أتى أخيرا ببعض المعطيات لإصلاح بعض مجالات المشهد العام، ومنها مجال العدالة والقضاء، وأتى الدستور الأخير ليضع الدولة والسلطة والحكومة أمام مفترق الطرق، إما تغيير جذري في السياسة القضائية هيكليا وتشريعيا وبشريا وبنيويا شرطا أساسيا لانطلاق إصلاح حقيقي للقضاء والعدالة، وإما إصلاح منافق كاذب يزيد اليأس عمقا ويفقد الثقة نهائيا في العدالة والقضاء والوطن والدولة ويفتح الباب على المجهول، وهو ما لا نرضاه ولا يرضاه القائمون على تحضير أسس ومنهجية الحوار.ونترقب اليوم، مواطنين ومهتمين ومهنيين، بداية الحوار الوطني المنتظر والذي يتم الإعداد له، وعندما سينطلق لن نجد أنفسنا غرباء وأمام اكتشاف المجهول في مجال القضاء والعدالة، لأن الكثير منا، القريب من الميدان والبعيد، يعرف عنه الكثير، وعندما سينطلق فلن يكون المنطلق من الصفر أو من أجل محو كل المبادرات والمقترحات التي لها مكانتها والتي انطلقت من قلب صراع طويل وشاق قاده المجتمع الحقوقي والقانوني ممثلا في هيآت المحامين وفي حركة حقوق الإنسان والقوى الديمقراطية منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، بل سيكون منطلق الحوار غالبا من استحضار تراكم تاريخي بإيجابياته وسلبياته، وسينطلق الحوار كذلك من تصوراته للمستقبل بفلسفته الحقيقية ومن أسسه الصحيحة، لتتوفر له الجدية والمصداقية ووسائل النجاح المأمول وليلتف حوله الجميع، وهذه من أهم الرهانات، لأن كل فشل للعملية المرتقبة أو انزلاق في مقوماتها أو منهجيتها سيعتبر خسارة تاريخية لن يمحوها الزمن القريب.ومن شروط منطلقات الحوار الوطني وسلامة مساره والتجاوب المجتمعي معه تبدو لي عشرة شروط متكاملة لا بد من توفرها وهي:أولا: أن يؤكد الحوار في منطلقاته وخلاصاته مرجعيات العدالة الكونية التي أسسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات الأمم المتحدة وهيآتها الفرعية ذات الصلة بالحقوق والضمانات ذات الأولوية في دولة القانون وتلك المرتبطة بمجال استقلال القضاء وتعزيز موقع ومكانة الحقوق الفردية، ثم ثانيا: أن يتجنب الحوار الانغلاق في متاهات الخصوصية المغربية، لأن هذا الخيار يعني، في معتقدي، البقاء تحت لواء عدالة متخلفة ضعيفة، مادام هذا هو الخيار نفسه الذي استقر في الفكر والممارسة السياسية والقضائية المغربية لدى الدولة ومؤسساتها لمدة طويلة، وعمر إلى اليوم ولم يعط إلا نتائج وخيمة شهدت بها الأجيال من ضحايا عدالتنا وأكدتها توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة على علاتها، إذ باسم الخصوصية، تمردت الدولة والسلطة على المشروعية وعلى حقوق وحريات الناس، وباسم الخصوصية كذلك، ساد التسيب والاستبداد والمظالم، ومن هنا لا يمكن استعمال ثقافة وفلسفة الفساد دواء للعلاج والإصلاح. ثالثا: أن تتحلى مؤسسة الحوار الوطني بكل اليقظة حتى لا تتآمر ضدها كل الجهات التي كادت للعدالة وللقضاء كل العداء وكل المكائد ونالت منهما عبر التاريخ، ما يفرض علينا قطع الطريق على أعداء العدالة وعلى من مارسوا التأثير عليها سياسيا أو سلطويا أو ماليا من قريب أو من بعيد، ومطالبة هؤلاء بالابتعاد عن الحوار، ويفرض كذلك على ذوي السوابق في اختراق القضاء، من فوقه ومن تحته، التنحي عن ومن الحوار ومن محيطه وعدم تلطيخ مصداقيته بالمساهمة فيه. رابعا: على الحوار أن يعلن، منذ البداية، أن مقرراته وخلاصاته لن تستبدل أو تغير أو يتم التصرف في محتواها أو تجمد في مكاتب الوزارة أو لدى باقي الوزارات لكي لا تستهزئ بنا الأقدار ويسخر منا التاريخ ويحتقرنا المواطنون، سادسا: لا بد للحوار أن يشتغل بكل شفافية أمام الرأي العام، ليتمكن الأخير من متابعته في كل أطواره وتدخلات المشاركين فيه وعروض خبرائه، إيمانا بأن الاقتراب من المواطن في ملف كبير وخطير فيه احترام له، لأنه المستهدف بنتائج الحوار ومقرراته. سابعا: لابد للحوار أن يتجاوز الحواجز والعقد الفكرية والنفسية التي قد يحملها المشاركون فيه معهم، ولابد للمشاركين أن يتنازلوا عن كل أنانيتهم وأن لا يعتقدوا، أو يعتقد البعض منهم، أنهم المعجزة في الحوار، أو أنهم المعنيون به دون غيرهم، أو أنهم القابضون على نتائجة وبرامجه، فكل ذلك يشكل إقصاء سيسيء إلى الحوار ومصداقيته، ثامنا: لا بد للحوار أن ينكب، منذ انطلاقه، على تفكيك الواقع، وتلمس وتحديد مكامن سلبياته وضعفه وتحديد أي عدالة وأي قضاء يتلهف لهما الوطن والمواطنون في محيط جهوي وإقليمي ودولي تحتاج فيه الشعوب إلى الاعتراف لها بسلطتها وبكرامتها وباختياراتها في مؤسسات قوية تحاسب وتحاسب (بفتح السين) أمام الرأي العام ومن قبل قضاء يحمله نساء ورجال لا يأبهون إلا بالقانون حكما دون غيره بينهم بين الجميع، تاسعا: لا بد للحوار الوطني أن يناقش كل موضوع له علاقة بقطاع العدالة والقضاء بدقة وبعمق، وبكل مؤثراته المجتمعية والفكرية والسياسية وغيرها، فليس ثمة مقدس ولا محرم، لأن كل انتقائية أو استثناء هو بمثابة خيانة فكرية وعلمية لا تغتفر للمشاركين، ستؤثر على مكانة ومصداقية النتائج، وكذا على منطلقاته بالطبع، عاشرا: وأخيرا، على المشاركين في الحوار أن يقسموا أمام التاريخ ويلتزموا علنا أمام الوطن والمواطنين وقبل انطلاق أشغاله، أنهم لن يقبلوا أو يخضعوا لأي تأثير معنوي أو مادي من أي جهة أتى، وأنهم سيتخذون مواقفهم ويعبروا عن قناعاتهم، حسب ما يمليه عليهم ضميرهم بكل نزاهة ومسؤولية وصدق وحرية وشجاعة أخلاقية وأدبية، وأنهم سيشتغلون بتطوع دون مقابل سوى خدمة مصلحة شعب ضحى وما زال من أجل مغرب العدالة الجادة والنظيفة.شروط عشرة أعتقد أنها علامات مرور الحوار الوطني بسلام نحو أفق مستقبل العدالة والقضاء بالمغرب لا بد من توفرها حتى نضمن قدرا مبدئيا من الجدية لاختيارات الحوار وبدونها ربما ستضيع علينا الفرصة، وسيموت الوقت الثمين بين أمانينا وترددنا، وسنخسر الرهان ولن يرحمنا الزمان. بقلم: النقيب عبد الرحيم الجامعي

حديث الصباح: عشرة منطلقات للحوار الوطني لإصلاح العدالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الراضي: الاتحاد الاشتراكي يعيش انتحارا جماعيا ممنهجا

1800 قاض يوقعون عريضة للمطالبة بالاستقلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات