حديث الصباح: معركة التلفزيون بين الحداثيين والإسلاميين

شعار «تعزيز الهوية المغربية» الذي اتخذه الخلفي مدخلا لتبرير التغييرات في دفاتر التحملات حق يراد به باطل يشكل الإعلام العمومي ساحة صراع مفتوح بين الحداثيين والإسلاميين في كل من تونس والمغرب. وانفجر هذا الصراع عقب فوز الإسلاميين بصدارة الانتخابات وسعيهم إلى تصفية الحساب مع القناتين اللتين ظلتا محط رفض وانتقاد. ففي تونس، تمثل قناة 7 أو «تلفزيون 7» القناة الرسمية لنظام بنعلي التي يعتبرها إسلاميو حركة النهضة إرث الاستبداد الذي ينبغي تصفيته. والحقيقة أن المراد بالتصفية ليس إرث بنعلي، فقد تمت تصفيته فعلا لما باتت حركة النهضة تسير تونس؛ بل المراد بالتصفية الخط التحريري للقناة الذي هو خط حداثي علماني يتصدى لإيديولوجية التيارات الدينية. أما في المغرب، فقد كان الإسلاميون ولا يزالون ينعتون قناة 2M بـ«منكر 2»، أي يعتبرونها، وما تبثه، «منكرا» يجب القضاء عليه. وقد اختار الإسلاميون في تونس والمغرب شن الحرب على القناتين تحت شعار «إصلاح الإعلام العمومي»، لكن بالوسائل التي يراها كل طرف تخدم هدفه.1 ـ ففي تونس، اختارت حركة النهضة الإسلامية توجيه أتباعها للاعتصام أمام مقر «التلفزة الوطنية التونسية» تحت شعار «اعتصام الأحرار لتطهير إعلام العار» والذي ينفذونه منذ حوالي شهرين ونيف. ولما عيل صبرهم، هاجموا العاملين بالتلفزة واعتدوا عليهم بالحجارة والأسلحة البيضاء، ثم منعوهم من الدخول إلى مقر التلفزة. وأرادت حركة النهضة بهذا الاعتصام أن تظهر للتونسيين أن الرأي العام التونسي هو الذي يرفض هذه القناة ويطالب بخوصصتها. وفي هذا الإطار، أكدت حركة النهضة، في بيان لها أصدرته يوم 24 أبريل 2012، عقب الاعتداء على الإعلاميين، «أن التلفزة الوطنية هي مرفق عمومي يعيش أزمة بسبب مواصلة بعض الأطراف في مؤسسة التلفزة انحيازها وإخضاعها نشرة الأخبار الرئيسية للتوجيه». وشددت على أن «الاصلاح والتغيير والمحاسبة في قطاع الإعلام العمومي ضروري من أجل تمكين المواطن من حقه في إعلام وطني مهني وموضوعي ومحايد». وأضافت الحركة أن تأخر الإصلاح في الاعلام العمومي أدى إلى مناداة جزء من الرأي العام بضرورة التعجيل بحل وصل إلى حد المطالبة بخوصصته. فهل إصلاح الإعلام العمومي يمر عبر الاعتداء الجسدي على العاملين به أو خوصصته؟ 2 ـ أما في المغرب، فقد قرر حزب العدالة والتنمية خوض حربه ضد القناة الثانية تحت شعار «الإصلاح»، وهو الشعار ذاته الذي خاضت حركة النهضة حربها تحته، إلا أنه اختار الفجوات القانونية لفرض الهيمنة على القناة عبر وضع دفاتر تحملات تخدم سياسته الحزبية/الإيديولوجيةـ وليس السياسة الحكوميةـ بهدف بسط الهيمنة على القناة، ومن ثمة العمل على تشكيل الوعي الجمعي لصالح الإسلاميين بما يمكنهم من فرض الرأي الواحد والوحيد. وقد أثارت دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام العمومي، التي أعدها وزير الاتصال في الحكومة التي يرأسها حزب العدالة، نقاشا عاما مفتوحا من إيجابياته: أ ـ أنه أخرج دفاتر التحملات إلى العلن بعد أن كانت تصاغ وتمرر في سرية تامة يجهل المواطن تفاصيلها . ب ـ أنه جعل الإعلام العمومي شأنا عاما يتداوله المواطنون ويعبرون عن آرائهم وتصوراتهم لإصلاحه. ج ـ أنه فتح النقاش حول وظيفة الإعلام العمومي ودوره في البناء الديمقراطي، بعد أن كان الإعلام محتكرا بيد الدولة/المخزن وأداة لتكريس الهيمنة على المجتمع. إلا أن هذا النقاش الذي ظل في عمقه سياسيا وإيديولوجيا سرعان ما أعاد إلى الواجهة سلاح التهديد بالفتنة و«النزول إلى الشارع» لفرض أمر خارج القواعد الديمقراطية. ذلك أن حزب العدالة والتنمية، وعلى لسان أمينه العام ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، هدد صراحة بأن "الربيع العربي باقي ما سلاش، وباقي كايدور ويمكن عاود ترشق ليه ويرجع" في إشارة إلى أن حزبه مستعد للانخراط بقوة في الاحتجاجات التي تقودها حركة 20 فبراير، وفي هذه المرة سيدفع بالاحتجاجات إلى أبعد مدى. ومثل هذا التهديد لا ينبغي أن يصدر عن حزب مسؤول يُفترض أن يتصرف أمينه العام كرجل دولة وليس رئيس حزب. إلا أن الإسلاميين في المغرب، كما في بقية البلدان العربية، لا تهمهم سوى مصلحتهم الحزبية ويحرصون على فرض تصوراتهم بكل السبل حتى التي تضع استقرار البلد على كف عفريت. ولا شك أن حزب العدالة والتنمية يتجاهل أنه حزب يقود الأغلبية البرلمانية التي توفر له ما يكفي من الضمانات القانونية والدستورية لتنفيذ برنامجه الحكومي وليس الحزبي، في كل قطاع. وبما أنه درج على استثمار التلويح بالنزول إلى الشارع وتحقيق مكاسب ما كان بمقدوره الحصول على بعضها لولا الزخم الشعبي الذي أطلقه الربيع العربي (معركة الدستور، قوانين الانتخابات الخ)، فقد وجدها مناسبة سانحة لحسم الصراع حول الإعلام العمومي لصالحه دون تضحيات. ومما ينبغي التنبيه إليه أن "المنهجية الديمقراطية" لن تسمح لأي أغلبية بالعبث بمصير الشعب أو المس بثوابته. وهنا أدعو الذين ناصروا حزب العدالة والتنمية في معركته حول الإعلام وأفتوا له بأن يطبق ما يشاء من سياسة إعلامية طالما يتوفر على الأغلبية البرلمانية التي تجيز له أجرأة برنامجه الحكومي كما تنص القواعد الديمقراطية، (أدعوهم) إلى افتراض أن حزب العدالة والتنمية قرر مراجعة مدونة الأسرة بما ينسجم مع قناعاته في موضوع الولاية في الزواج، وسن الزواج، والطلاق، واقتسام الممتلكات الزوجية الخ. هل سيسمح من يناصره اليوم بالردة الحقوقية والحضارية؟ هناك قطاعات يمكن للحكومة أن تمارس فيها سياستها بكل حرية دون أن تمس الأمن العام (الفلاحة والصيد البحري والصناعة التقليدية والصحة... الخ)، لكن، في المقابل، هناك قطاعات حيوية تمس أمن المجتمع ومستقبله، وهي القطاعات التي على علاقة مباشرة بهوية المجتمع (التعليم والإعلام والأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة). لا يمكن لحكومة أو وزير أن يحدث تغييرا أو ما يراه إصلاحا دون إشراك بقية الفاعلين ودون اعتماد المقاربة التشاركية، لأن مستقبل الشعب وأمنه ليسا محط مزايدة أو صراع سياسي يمكن حسمه بـ "الديمقراطية العددية". فالتنافس السياسي/الحزبي يكون حول سبل التنمية وليس حول الهوية التي تشكلت وترسخت عبر التاريخ العريق للشعب المغربي. من هنا يمكن القول إن شعار "تعزيز الهوية المغربية" الذي اتخذه الوزير الخلفي مدخلا لتبرير التغييرات التي جاءت بها دفاتر التحملات هو حق يراد به باطل طالما سعى الوزير إلى فرض هيمنة الحزب على وسائل الإعلام العمومية تصل حد التدخل في اختيار ضيوف البرامج. وهل التدخل في نوعية البرامج وطبيعة المواضيع ونوعية الضيوف يحقق إصلاح الإعلام ويضمن له استقلاليته ويحترم مهنيته؟ولا شك أن الحزب الذي لم يتحرك لتوفير الأمن والحماية للمواطنات المهجّرات من عين اللوح، سيضمن كل الفرص أمام تيارات الغلو والكراهية لتخترق الإعلام العمومي وتعبث بثوابت الشعب المغربي. وكون وزير الحزب في الإعلام وضع دفاتر التحملات خارج إشراك وموافقة مكونات المجتمع، بل خارج إشراك مكونات الحكومة نفسها، فهذا دليل على المنحى التحكمي في القنوات العمومية الذي ردعه التدخل الملكي في إطار ضبط التوازن وتأمين عمل المؤسسات وفق ما ينص عليه الفصل 42 من الدستور الجديد. فهل سيتعظ حزب العدالة والتنمية ويركز جهوده على تحقيق العدالة والمساواة والكرامة للمواطنين ويحارب الرشوة والفساد المالي والإداري في كل القطاعات بما فيها قطاع الإعلام؟ نعرف أن الفساد ينخر كل مفاصل الدولة، بما فيها الإعلام العمومي، ونعرف أن مداخل محاربته ليس منها مدخل الهيمنة والتحكم. ومن مصلحة حزب العدالة والتنمية ألا ينشغل بالمعارك التي لا تمس مشاغل المواطنين وانتظاراتهم. بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث

حديث الصباح: معركة التلفزيون بين الحداثيين والإسلاميين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أربع سنوات حبسا لحارس الأميرة المزور

إيداع مديرين وأطر بـ "كوماناف" سجن عكاشة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات