دراسة: حينما تعطل نصوص القانون بقرار قضائي (الحلقة الثالثة)

المشرع حينما أصدر مدونة الأسرة أتى بفلسفة أسرية جديدة قوامها المساواة وتمتيع المرأة بمزيد من الحقوق اخترت نشر تعقيبي الثاني على الأستاذ المحترم «إبراهيم بحماني»، رئيس غرفة الأحوال الشخصية والميراث بالمجلس الأعلى بجريدة الصباح كما الأول، لأن وجهة نظره نشرها في مجلة محترمة وكبيرة القامة، لكنها تدخل بيوت رجال القانون فقط في الغالب، وبالتالي فهي لن تصل إلى أكبر عدد من القراء، ولكن خطورتها تكمن في أن رجال القانون وخصوصا القضاة إذا آمنوا بها ستنفذ على كل المغاربة وتحرم كل طالبات التطليق من المتعة.... بذلك يكون ما خلص له الكاتب الأستاذ بحماني من كون المشرع التونسي جعل تمتيع الزوجة مرتبطا بالضرر مجانب للصواب وما هو جار عليه العمل في تونس الذي لا تيعرف أصلا مصطلح المتعة وإنما تعرف تعويض الجراية وتعويضات أخرى يمكن الحكم بها لمن تضرر من الطلاق المتعسف وما تستحقه المرأة التونسية بخصوص مستحقاتها المترتبة عن الطلاق سواء بيدها أو بيد زوجها أفضل بكثير مما تحصل عليه المرأة المغربية ،فالكاتب لم يكن مصيبا حينما ذهب للمقارنة بين قانوننا وقانون تونس للتدليل على دفاعه لحرمان طالبة التطليق للشقاق من المتعة، فهذا الاستدعاء للقانون التونسي لإسناد رأيه لا يسعفه وسفره كان غير موفق، بعد أن عرفنا أن المرأة المغربية مازالت تحتاج إلى سفر سنوات بالنسبة للمطلقة لتحصل على ما حصلت عليه صنوتها التونسية بخصوص المستحقات المترتبة عن الطلاق .ثم انتقل بعد ذلك الأستاذ بحماني للحديث عن القانون السوري وتحدث كذلك عن مواد قانونية دون أن يذكر تاريخ القانون الذي يجمع هذه المواد . وبعد بحثنا وجدنا أن المواد تتعلق بقانون الأحوال الشخصية لسوريا عدد 59/1953 ، فهي لا تتكلم بتاتا عن المتعة بعد الطلاق ولا تعرفها ، بل تعرف فقط المتعة قبل الدخول بعد وقوع الطلاق (انظر الفقرة الثانية من المادة 61 من قانون 59/1953). والمادة 62 من القانون نفسه، عرفت المتعة وأشارت إلى أنها تحدد بناء على حال الزوج ولا يجب أن تزيد عن نصف المهر أما باقي فصول القانون فلا نجد أثرا فيها لكلمة المتعة ، والقانون السوري يعوض عن الضرر إذ تم إثبات أن الطلاق تعسفي من قبل الزوج، وهذا التعويض يجب أن لا يتجاوز ثلاث سنوات تحسب بحساب النفقة، وفعلا كان رأي الأستاذ بحماني صحيحا حين أكد على أن المادة 97 من مدونة الأسرة تركت تحديد التعويض عن التطليق التعسفي يخضع لسلطة القاضي، ويحدد فيه نسبة مسؤولية كل طرف عن التطليق للشقاق فالتعويض الذي ستحكم به المحكمة بالنظر للمسؤولية المتسبب في التطليق هو تعويض إضافي يضاف إلى المتعــــــة ( انظروا من فضلكم شرح المادة 97 من مدونة الأسرة فالدليل العملي لمدونة الأسرة الصادر عن وزارة العدل العدد 1 ص 72).إذن نستشف مما سبق أن استحضار مواد القانون السوري لا فائدة منها لأنها لا تعرف الحكم بالمتعة بعد الطلاق أو التطليق، بل تعرف الحكم بالمتعة قبل الطلاق وتعطي الحق فقط للمرأة إذا تضررت من طلاق تعسفي أن تطلب التعويض بعد إثبات الضرر.ولمزيد من التدقيق ولمحبي القوانين المقارنة نشير إلى أن هناك مشروعا لقانون الأحوال الشخصية أعدته لجنة مشكلة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء السوري تحت رقم 2437 بتاريخ 7/6/2007، تشير في المادة 118 إلى أن كل مطلقة لها متعة يقدرها القاضي وفق أحوال الزوج شرط أن لا تزيد على نفقة سنة.واستثنى الحالات التي لا يحكم فيها بمتعة الطلاق وهي التطليق لعدم الإنفاق بسبب عسر الزوج ، التطليق للضرر بسبب الزوجة دون إساءة الزوج والطلاق برضا الزوجة أو المخالعة.وإذا تم إقرار هذا المشروع ستصبح المطلقة السورية كصنوتها المغربية تتمتع بحق المتعـــــة. نصل الآن إلى القانون المصري وعكس ما جاء في تعليق الأستاذ بحماني الذي أكد على أن سبب الحق في المتعة عند طلب الطلا أن يكون سببه الضرر ويجب أن يكون ثابتا. لكن المادة 18 مكرر من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1920 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 والتي أشار الكاتب إلى أرقامها دون أن يشير إلى نصها ونحن نشير إلى النص كاملا لإزالة كل لبس وللتوضيح تنص على أن : « الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذ طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرا أو عسرا ومدة الزوجية ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط . فالقانون المصري يتكلم فقط عن صرف المتعة للزوجة اذا طلب الطلاق الزوج ولم تكن للزوجة يد مسببة فيه، أما اذا طلبت الزوجة التطليق فلا متعة لها . وبهذا تكون المرأة المغربية أكثر حظا من المصرية وأقل حقا من التونسية بهذا الخصوص. ومسكا نختم بما ختم به الأستاذ بحماني دراسته الثانية حين تطرق في الفرع الثاني إلى استحقاق المتعة أو التعويض في القانون المغربي ونلخص أفكار ما جاء فيه فيما يلي ونتبعها بتعقيبنا .أولا ـ المطلقة المسمى لها الصداق أو المطلقة بعد الدخول لها المتعة على وجه الندب أو الاستحباب كما هو مقرر في الفقه المالكي الذي تحيل عليه المادة 400 من مدونة الأسرة .هذا ما جاء في مكتوب الأستاذ بحماني، أما قولنا على هذه النقطة هو كما يلي: فعلا المادة 400 من مدونة الأسرة تحيل على المذهب المالكي لكنها تشترط ذلك بعدم وجود نص بالمدونة والمتعة بالنسبة لطالبة التطليق للشقاق أحالت بشأنها المادة 97 من المدونة على المواد 84 و85. وبالتالي لا مجال لاستدعاء المذهب المالكي والاجتهاد في هذه الحالة، لأن المتعة منظمة قانونا، كما أن هذه المادة نفسها اشترطت في حالة عدم وجود نص قانوني في المدونة لإشكالية معينة أن يكون الرأي في المذهب المالكي أو الاجتهاد يراعي قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف ، وإلا بطل الاستناد والاعتماد عليه.ثانيا : أكد الأستاذ بحماني على أن الفصل 60 من قانون الأحوال الشخصية والفصل 52 من مدونة الأسرة نصا على ما يلي : « يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر سيره وحالها ، إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول «.وهناك فقرة ثانية أشار إليها الكاتب والمدونة في المادة 52 مكرر ظهير 10/09/1993 تقول « إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون عذر مقبول تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار».وأشار الأستاذ بحماني إلى أن مدونة الأحوال الشخصية السابقة لم تعرف التطليق للشقاق، وإنما كان أن للزوجة طلب التطليق للضرر أو لأسباب أخرى وأنها لم تكن لها متعة.ملاحظتنا على ما أشير إليه أعلاه في النقطة الثانية نوجزها كما يلي: فعلا الفصل 60 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1958 والفصل 52 مكرر من ظهير 1993 ألزما المطلق بتمتيع مطلقته لكن هذا الاتجاه تم الاستغناء عنه، ولم تحمل مدونة الأسرة الجديدة أي عبارة مشابهة لهما، لأن المتعة تم الإيمان بأنها يجب أن تكون لجميع طالبات التطليق ولن تنفرد بها طالبة التطليق للشقاق، وإنما طالبات التطليق للضرر وعدم الإنفاق والغيبة والعيب والإيلاء والهجر، وقد أعطت المادة 97 لطالبة التطليق للشقاق الحصول على المتعة وكذلك المادة 113 من مدونة الأسرة أعطت لطالبات التطليق الأخريات المشار إليها أعلاه الحصول على المتعة، على اعتبار أن كلا المادتين تحيلان بخصوص المستحقات على المواد 84 و 85 من مدونة الأسرة.فالمشرع المغربي حينما أصدر مدونة الأسرة أتى بفلسفة أسرية جديدة قوامها المساواة، وتمتيع المرأة بمزيد من الحقوق، وتسهيل مساطر التطليق لها مع الحفاظ على مستحقاتها المالية وإغنائها ، ولم تكن فلسفته هي الوقوف على ما كانت تتمتع به المرأة من حرمان وظلم وقهر إجتماعي ، وإنما توسيع حقوق المرأة الأسرية والمادية وأبنائها خصوصا حين يقع الطلاق كان هذا هو هدف مدونة الأسرة الأسمى ، ولا شك أن التنصيص على صندوق التكافل العائلي هو من الآليات الجديدة التي تقوي حقوق المرأة المادية وتبين بشكل واضح أن رؤية الدولة واضحة في تعزيز حقوق المرأة المطلقة الحاضنة ماديا وعدم تركها فريسة لفقر الزوج وإهمال المجتمع.ثالثا: ميز الأستاذ بحماني بين الطلاق والتطليق وخلص فيه إلى أن الطلاق يكون إما من طرف الزوج أو الزوجة في حالة التمليك أو التخيير أو الإنفاق أو الخلع، وأن الطلاق يكون بإذن بعد فشل إجراءات الصلح، وبعد وضع الزوج لمستحقات الزوجة، وأن الطلاق من طرف الزوج يكون رجعيا تستحق معه الزوجة نفقة العدة، وأكد الأستاذ بحماني على أن المتعة تستحقها المطلقة في الطلاق إذا مارسه الزوج ويراعي في تقديرها فترة الزوج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه، لكن الكاتب عاد وأكد أن الرجل إذا طلب التطليق للشقاق يجب عليه أداء المتعة ويقول إنه في الحقيقة طلاق وليس تطليق وتجب معاملة الأزواج في هذه الحالة بنقيض قصدهم. بقلم: رشيد وهابي, محام بهيأة الجديدة دكتور في الحقوق

دراسة: حينما تعطل نصوص القانون بقرار قضائي (الحلقة الثالثة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تكريم الخلفي في مهرجان المسرح الاحترافي بابن امسيك

التحقيق مع نائب رئيس بلدية وجدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات