أي قانون لمستقبل الصحافة الإلكترونية بالمغرب؟

فضاء تواصلي افتراضي ذو تكلفة بسيطة ودفتاه مشرعتان على فراغ قانوني يعرف المشهد الإعلامي المغربي بكل أسناده التقليدية والحديثة عدة تحولات بنيوية متسارعة فرضتها الثورة العارمة التي تعتمل في مجال تكنولوجيا المعلوميات والتواصل، هاته الثورة التي هبت على الفضاء الصحافي والإعلامي بشكل عام، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي التي عرفت انتقال الفضائيات من البت التناظري إلى البث الرقمي، ومن اللاقط الهوائي إلى الصحون المقعرة، ثم إلى تناسل العديد من الفضائيات العالمية التي سيطرت على الحقل الإعلامي وهيمنت على موارد ومصادر المعلومات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية ... مع الانفجار الكبير الذي عرفته الشبكة العنكبوتية أواخر القرن العشرين وغزوها للعديد من قنوات التواصل الافتراضي بتطويرها أدوات تواصل حديثة إلكترونية ومرقمنة ثم الانتشار الهائل للحواسيب الشخصية المكتبية والمحمولة، كل هذا التطور الإلكتروني أدى إلى زلزلة إعلامية وتواصلية كان لابد أن تفرز مشهدا إعلاميا جديدا موسوما بتراجع أسناد وصعود أخرى أكثر تحديثا وأقوى استعدادا لمواكبة سرعة الأحداث والعمل على تحيينها اللحظي، مما أثر في هدم الكثير من تقاليد التلقي التي رسخها الإعلام التقليدي بمختلف وجوهه المرئية والمسموعة والمكتوبة ... وقد كانت أولى اهتزازات هذه الزلزلة قد بدأت بإطلاق محركات البحث وظهور شركات مختصة في خدمات الإنترنت مثل (ياهو) و(غوغل) و(هوتمايل) وغيرها ...لكن أهم ملمح لهذا التحول في أسناد التلقي والقراءة بمختلف مستوياتها هو ظهور مواقع إلكترونية شاملة (سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ورياضية ..إلخ ) أما الإضافة النوعية الجديدة التي أتت بها فهي تحيينها على مدار الساعة حيث تتدافع الأخبار من القديم إلى الجديد الواحد تلو لآخر في شكل إزاحة منظمة ومؤرشفة كما أن موادها تبقى دائما جاهزة للاستدعاء عن طريق استحضار عنوانها على محركات البحث وعلى رأسها (جوجل) . وكان من الطبيعي وفي فضاء تواصلي افتراضي ذي تكلفة بسيطة ومشرع دفتيه على فراغ قانوني، بسبب جدته وحداثته أن يستثمر لأهداف وغايات تتعدد بتعدد المرجعيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والإثنية وحتى النفسية أيضا ، وهكذا وفي ظرف وجيز لا يتعدى عشر سنوات، وهي مدة زمنية لا أهمية لها في تاريخ الشعوب تناسلت العديد من المنتديات والمدونات والمواقع الإلكترونية المغربية وبشكل تدفقي هائل، كما ظهرت في مرحلة لاحقة العديد من الشركات المعلوماتية المختصة في التصاميم والتسكين وأسماء النطاقات وبات بمقدور كل شخص جاهز لدفع مبلغ بسيط من المال أن يطلق موقعا إلكترونيا إخباريا، غالبا ما يستقي فقراته وأخباره ومستجداته عن طريق الوصفة السحرية الرائجة عالميا (copier/coller ) من مواقع أخرى. في آخر تصريح لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أن عدد هذه المواقع بلغ 400 موقع، ولسنا ندري كيف، وما هي المعايير التي تم بها حصر هذا العدد وماهي الجهة المسؤولة والقادرة على ضبط هذا التسونامي الشبكي المنفلت من كل رقابة لصيقة، وهل تم استقاء هذا الرقم من الشركات المختصة في التصاميم وأسماء النطاقات أو من دوائر رصد وتتبع خارجية .وفي رأينا الشخصي، فإن هذا الرقم (400 موقع) مازال رقما هزيلا، بالنظر إلى الطفرة الحاصلة ببلادنا في مجال المعلوميات والتواصل، وبالنظر أيضا إلى حجم ودور بلادنا الإعلامي على المستوى العربي والإفريقي. ما هي إذن خصوصيات هذه المواقع الإلكترونية الرائجة حاليا في المشهد الإعلامي الافتراضي؟- اعتماد جلها على امتداد وصفي (press.com ) - إدارتها من طرف فريق تحرير يفتقر إلى المهنية الصحافية والخبرة الإعلامية والكثير من محرريها لم يتمرسوا بتجارب النشر الورقي، بل هناك بعض المواقع التي تدار بفريق وهمي، وفي غالب الأحيان تدار من طرف شخص واحد (مدير تحرير) قد يكون مقيما بالبلاد أو في المهجر.-التشابه في حلة «الديزاين والستايلات» ينتج عنه تكرار في الواجهات أي الصفحات الرئيسية، واستنساخ الأخبار والصور نفسها يعطي الانطباع للقارئ، كأنه لم ينتقل من موقع إلى آخر.- غياب دور المرأة في سواء في الإدارة أو هيآت التحرير.- جل أعمار الأرشفة لا تتعدى ثلاث سنوات.- غياب خط تحريري مسؤول ذي هوية إعلامية متميزة سوى موقع واحد هو موقع (لكم) الذي حدد الخطوط العريضة لخطه التحريري في تبويبات (خط التحرير).- مرونة التوسع عموديا في قاعدة البيانات سمح لهذه المواقع بالانفتاح على أعداد لا تحصى من الكتبة ضمن براوز قارة إما يومية أو اسبوعية وجدت في هامش حرية التعبير فسحة لشهرة محدودة وصدى لآراء حرة لا يتجاوز عدد قرائها العشرات من المتصفحين للموقع في دائرة مغلقة تنحصر في الجهة أو المدينة التي يحتمل أن تقيم فيها افتراضيا. إن دخول هذه الأسناد الإلكترونية الجديدة على خط الخبر والمعلومة حفز الكثير من الفاعلين في المقاولات الإعلامية ببلادنا إلى مراجعة إستراتيجيتهم، وذلك بالانخراط الكامل في هذه الثورة الرقمية كإطلاق نسخ إلكترونية للعديد من الجرائد الورقية السيارة الحزبية والمستقلة، لكن رغم هذا الانخراط في عالم النشر الإلكتروني، فإنها بشكل عام ظلت وفية لميسم نسختها الورقية التي تصدر فجر كل يوم جديد، فيما تبقى النسخة الإلكترونية متخلفة بساعات عن النسخة الورقية التي هي قبل كل شيء منتوج مقاولة إعلامية تهدف بالأساس إلى الاستثمار المربح والمنخرط في بنية الإنتاج الاقتصادي بشكل عام.هناك العديد من الصحافيين البارزين في المشهد الإعلامي المكتوب الذين راكموا تجربة صحافية وازنة كصحافيين قارين وأساسيين في هيأة التحرير بجرائدهم أو كمراسلين معتمدين لبعض الصحف العربية أنشؤوا مواقع إلكترونية إخبارية متميزة أثبتت حضورها في ظرف وجيز في المشهد الإعلامي الإلكتروني وصار لها فريق تحرير ذي خبرة ومهنية عالية ومراسلين في جميع جهات المملكة يعتد بتقاريرهم ومراسلاتهم، ونذكرعلى سبيل المثال مواقع (لكم، كيفاش، أكورا، فبرايركم، أكورا بريس ..إلخ).وفي معمعان هذا الحراك الصحافي الإلكتروني، يتردد ومنذ عشر سنين بالتحديد السؤال المحوري عن أسباب نقل غياب إطار قانوني يقطع مع عصر الفوضى الشبكية ويعمل على تنظيم حقل الصحافة الإلكترونية ويحفزها على الانخراط المسؤول والمهني في دينامية الحراك الإعلامي المغربي بكل وسائطه المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية .فإلام يعزى هذا الفراغ القانوني، وما هي الأسباب الكامنة وراء تأجيل البت والخوض في أسئلته الإستراتيجية إلى حدود هذه اللحظة السياسية التي أفرزتها التعديلات الدستورية وانتخابات 25 نونبر 2011 التي أفرزت خارطة سياسية ليست كمثيلاتها منذ نصف قرن. لكن في عمق هذا الحراك الإعلامي الوطني الذي أتى برياحه الربيع العربي، نتساءل ما هو موقع الصحافة الإلكترونية من مشروع القانون القادم والمرتقب عرضه للتصديق عليه من طرف كل أطياف الإعلام الوطني من نقابة ورابطة وجمعية للناشرين ووكالة وغيرها...ونأمل أن يشكل انعقاد اليوم الدراسي في 10 مارس المقبل، منعطفا حاسما من أجل تحقيق توافق جميع الأطراف المهتمة بقضايا النشر الإلكتروني والنشر بصفة عامة (النقابة الوطنية للصحافة المغربية والرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية وجمعية الناشرين المغاربة وهيآت المحامين والمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ومديري شركات التصاميم ورؤساء تحرير المواقع السيارة والمعروفة) حتى نتمكن من الخروج بخطة طريق تهدف أساسا إلى القطع مع مرحلة الفوضى والخروج من دائرة العبث بقيمة المعلومة والتفكير الجاد في تأثيرها على الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي. عبده حقي, مدير تحرير موقع اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة

أي قانون لمستقبل الصحافة الإلكترونية بالمغرب؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نسـاء حكـومة بنكيـران

نقاش هادئ حول تقييد حرية التعبير في المرجعية الدولية

مقالات ذات صلة