المغاربة يعيشون علمانية غير معلنة

المفكر المصري حامد عبد الصمد قال إننا عاجزون عن تطبيق ديمقراطية كاملة لتخلينا عن التنوير حل الكاتب والمفكر المصري حامد عبد الصمد، أخيرا، بالمغرب لتسجيل حلقات من برنامجه المثير للجدل "صندوق الإسلام". وخلال جولته بعدد من المدن المغربية كان لصاحب كتاب "سقوط العالم الإسلامي" لقاء مع "الصباح" حيث خصها بهذا الحوار الذي تحدث فيه عن بعض من تفاصيل زيارته للمغرب وانطباعه الأولي بعد لقاءاته مع عدد من الأسماء، التي سجل معها حلقات لفائدة برنامجه. كما تحدث عبد الصمد عن مجموعة من القضايا التي تتصل بمجال اهتمامه في ما يتعلق بمشروع نقد الفكر الديني ومستقبل الإسلام في أوربا وتحدياته مع خطاب التنوير والحداثة والديمقراطية وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي: أجرى الحوار: عزيز المجدوب < حدثنا أولا عن زيارتك للمغرب وأسباب نزولها؟ < الزيارة جاءت باقتراح من صديقي الباحث المغربي محمد المسيّح الذي كان في جولة هنا بالمغرب منذ شهرين، والتقى بعدة مثقفين مغاربة تنويريين طلبوا منه إمكانية حضوري للمغرب من أجل التعارف أكثر والتعرف على التجربة التنويرية بالمغرب، وفي الوقت نفسه أحاضر وأطرح أفكارا حول تجربتي التنويرية، وفي الغالب عندما أتلقى دعوات من هذه القبيل أكون مترددا لأني أجد نفسي مضطرا إلى التحرك ومعي حماية أمنية بسبعة عناصر أمنية، وهي المسألة التي بدت لي ثقيلة ومستفزة، لأنه سأضطر إلى إضافة سبعة عناصر أخرى مغربية، وكان يبدو منظرا مرعبا لأي أحد، وهو الأمر الذي لن يروقني بطبيعة الحال، لذا فأنا أريد أن آتي للحديث عن الثقافة والحرية ليس بالضرورة تحت حماية أمنية، لكن بعد أن علمت من كثير من الأصدقاء أن الوضع مختلف في المغرب وأن البلد آخذ في التغير فلا داعي للخوف. < ربما هي أول زيارة لبلد عربي بعد ضجة برنامج "صندوق الإسلام"؟ < نعم بالتأكيد، سبق أن تلقيت دعوات من لبنان والأردن والإمارات العربية المتحدة، وكنت أتردد وأخاف، لكن أثناء تنقلي إلى المغرب فوجئت بحجم الحفاوة والترحيب الذي لقيته من قبل الناس في الشارع والأماكن العمومية التي ترددت عليها، حتى الذين يختلفون معي يقول لي ذلك وفي الوقت نفسه يلتقطون صورا ولم أصادف إلى حدود الآن أي تجربة سيئة في المغرب سواء بكلمة أو تصرف وهو شيء مفرح بطبيعة الحال فاق كل التوقعات. < ألا تبدو جذريا بهذا الرأي؟ < يجب أن نكون حاسمين في مثل هاته المسائل، فالإسلاميون عندما يتحدثون عن التنوير فقضيتهم الأساسية هي الإسلام السياسي وتمكينه، مهما كانت هذه الآليات، فهذه هي الميكيافيلية الإسلاموية، يتعاملون مع التنوير مطية، فأردوغان في تركيا تعلم الدرس، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الإخوان المسلمين في مصر ونظرائهم في المغرب، فالإخوانجي المغربي من المؤكد أنه لن يقول لك إن الموت في سبيل الله هو أسمى أمانينا وهو يريد الدخول إلى البرلمان، لكنه يضمر هذه المسألة، ولن يقول لك الجهاد والخلافة والولاء للخليفة، بل سيتحدث عن الدولة الوطنية والمرجعية الإسلامية وخصوصيات المجتمع والتعانق بين الأصالة والحداثة. تدين ظاهري < ما هي الخلاصات الأولية التي خرجت بها من لقاءاتك مع بعض المثقفين التنويريين المغاربة؟ < لا أعرف لماذا ذكّرني المغرب قليلا بالبوسنة أكثر من أي بلد عربي ثان، وقليلا بتونس، ربما لأنه هناك علمانية معاشة وغير معلنة أكثر من دين معاش. هناك تدين ظاهري واضح، من خلال اللباس والمظاهر ووجود المساجد في كل مكان، لكن في الحياة اليومية الناس علمانيون جدا ولا يسمونها كذلك، أي أن هناك إسلاما فلكلوريا بالمغرب، وهناك أيضا الإسلام السياسي الموجود في كل البلدان الإسلامية وقصته معروفة من حيث التمويل والدعم والمرامي، والخطأ أنه في مرحلة من المراحل ظنت السلطة السياسية أنه يمكن عمل توازن بين اليسار والإسلام السياسي، وتمكينه، لكن هذا الأخير لا يؤدي إلى أي توازن لأنه يسعى دائما إلى الاستيلاء على السلطة لوحده، ومن وجهة نظري ليس هناك حل وسط بين الحرية والفاشية، إذ "ليس بين القنافذ أملس" فالإسلاميون يحاولون أن يسوقوا عن أنفسهم أنهم "طيور سلام" لكنهم في النهاية "قنافذ". من "مراجعة الدين" إلى "التنوير" < جاوزت حلقات برنامج "صندوق الإسلام" حاليا 130 حلقة هل كنت تتوقع أن تصل إلى هذا العدد؟ < أبدا لم أكن أتوقع هذا، كانت فقط تجربة أعددت لها طويلا على أساس أن تتضمن سلسلة عن السيرة النبوية لا تتعدى عشرين حلقة، وكنت أريد من خلالها إلقاء حجر في البركة الآسنة، لكنني اكتشفت أن تلك البركة لا يكفي إلقاء حجر فيها، بل يجب أن تجفف، وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث بعشرين ولا أربعين حلقة، بل يجب أن يكون هناك مشروع أرشيف متكامل، وهو ما أسعى إلى تنفيذه بتجهيز مشروع لنقد التراث الإسلامي قرآنا وحديثا وسيرة وتاريخ فتوحات. الحياة ليست حكرا على الدين < هل تشعر بأنك قادر على الاضطلاع بهذه المهمة بمفردك؟ < بطبيعة الحال ليس عملا فرديا خالصا، فأنا كنت دائما ألوم الفقهاء على أنهم يفتون بغير علم، ويفتون في كل شيء: في الدين والعلم والمجتمع، أي أن لهم سطوة على كل شيء. فقلت لا بد أن أجابههم لكن بالحجج الحقيقية وليس بالبراهين وليس بالفتوى، لذلك لجأت إلى مختصين كل حسب تخصصه في العديد من الحلقات كما هو الشأن مع خبير المخطوطات محمد لمسيح أو مع أحمد عصيد في الحلقات التي أعددتها عن الأمازيغ وتاريخهم وغيرها، من أجل توسيع رقعة الاشتغال حتى يخرج "الصندوق" من فكرة "المراجعة" إلى فكرة "التنوير"، أي أن المرحلة المقبلة ستكون منفتحة على أسئلة عديدة من قبيل: أي مجتمع نريد في القرن الحادي والعشرين وكيف يمكن أن نتعايش مع بعض بما في ذلك المسلمين وغير المسلمين والملحدين وما هي الصيغة الأمثل لتحقيق هذا، أي الدولة المدنية القائمة على أسس التنوير والديمقراطية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. < ما هي علاقتك بالمشاريع التنويرية السابقة هل استوعبتها وتمثلها وهل تسعى إلى تأسيس علاقة اتصال أم انفصال معها؟ < هناك الاتصال والانفصال معا. من المؤكد أنني استفدت كثيرا من تجارب مفكرين كبار مثل علي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وآخرين قرأت لهم واستفدت من طرحهم، ووقف في الوقت نفسه على أسباب فشل مشاريع بعضهم، لأنهم كانوا دائما يحاولون تطويع النص الديني وترويض الدين عن طريق العقل، والتاريخ والدين وهذا مستحيل. لن يأتي التنوير بتفسير عصري للقرآن، بل بإحداث قطيعة مع النص كسلطة، وإنهاء هذه السلطوية الدينية، هذا هو اتجاهي صراحة، إن حكاية "الطبطبة" ودغدغة العقل المتدين لم تعد تهمني، لذا اكتسبت هذه الجرأة في طرح كلامي بكل وضوح، والمطالبة بإيجاد حلول أخرى لأن قصة "التفسير العصري للقرآن" سمعناها كثيرا ولم تأت بنتائج، فمن بيده مفاتيح النص ليحدد ما إذا كان هذا تفسيرا عصريا أم غير عصري؟ أو يقصيك فيقول لك أنت لم تدرس في الأزهر أو القرويين إذن فلا حق لك في الكلام في الموضوع. أحاول أن أفتح المجال في النقاش لجميع التخصصات، لأن الحياة ليست حكرا على الدين، فمن أعطى الدين الحق في التعليق على العلم والمجتمع والتاريخ والفلسفة والتعايش وحقوق الميراث. معاداة التنوير عقاب للنفس < قادتك حلقات البرنامج في جولة إلى أوربا حيث قابلت جاليات عربية ومسلمة، كيف تستشعر صورة الإسلام ووضعه هناك في ظل المتغيرات والأحداث التي عاشتها؟ < صراحة أنا متفائل للمسلمين في المغرب أكثر من تفاؤلي بهم في أوربا، ومتفائل للأتراك في تركيا أكثر من تفاؤلي بهم في بقية الدول الأوربية. ففي أوربا وبسبب الديمقراطية التي تسمح لكل الحساسيات للتعبير عن نفسها، لا يوجد هناك تصد حازم ضد الأصوليين، وهذه إحدى نقط ضعف الديمقراطية، وهذا أيضا سبب تخوف بعض الحكام بالعالم العربي لإجراء ديمقراطية كاملة، لأنهم يعرفون أنهم إن سمحوا بذلك فإن أول من سيصعد على كرسي الحكم هم الإسلاميون، لأنهم الأكثر تنظيما والأكثر قدرة على دغدغة مشاعر الناس. < بهذا المعنى أنت تتحدث عن ديمقراطية مراقَبة وموجَّهة؟ < هذه هي أزمتنا الحقيقية، فنحن لم نسمح للتنوير بالانتشار بيننا، وعادينا العلم والأفكار الإنسانية، وربطنا دائما التنوير بالاستعمار وهذا خطأ كبير، فجل الأمم تعرضت للاستعمار مثل اليابان والصين والتايوان والهند لكنها لم تربط بينهما، كل هؤلاء قفزوا فوق ظلهم، وقاموا من سباتهم وتوقفوا عن التباكي وعن هذا الجرح النرجسي، الذي ما زلنا ننكأ فيه بدعوى أن "الغرب فعل فينا كذا وكذا ويتآمر علينا" فعندما تتحدث كذلك فأنت تعاقب نفسك ولا تعاقب الغرب، كما هو الشأن عندما تقاطع العلم وتحدث قطيعة مع المعرفة الإنسانية، فالخاسر في الأول والآخر هي الأمة المقاطعة. استسهال الحديث في الدين سفاهة < من خلال برنامج "صندوق الإسلام" وجهت سهام نقدك إلى الإسلام فقط، علما أن بنية الفكر الديني، على الأقل في شقه التوحيدي، متشابهة ولم يطل نقدك بقية الأديان؟ < إذا نظرت إلى 53 دولة إسلامية، وجدت أن لديهم مشاكل مع الإرهاب واضطهاد المرأة وحريتها. لم أجد هذا مع اليهودية ولا في الدول المسيحية ولا البوذية، من المؤكد أن هذه الدول كلها لا تخلو من متعصبين، لكن هناك كثيرين ممن يعتنقون المسيحية ينتقدون التعصب المسيحي، في اليهودية كذلك متعصبون في منتهى الهمجية وهناك يهود ينتقدونهم ويوقفونهم عند حدهم، وهناك بوذيون متعصبون، لكن لا يمكن أن ألم بكل هذه الديانات، فأنا درست دراسات إسلامية ودرّستها بالجامعة، ونشأت في بيئة إسلامية ووالدي كان خطيبا وإماما، أي أنني نشأت مع هذا التراث ولا أستطيع أن أجمع تراثا شبيها له من كل الأديان، وإلا فسيعتبر هذا ضحكا على الناس، لأن هناك فعلا من يستسهل هاته المسألة ويجلس أمام النت ويحلل الأديان بناء على مقالات متفرقة قرأها في المواقع الالكترونية، وهذا سفاهة، فالحديث في مثل هاته المواضيع يتطلب جدية واطلاعا ودراسة ومقارنة دقيقة بين النصوص. < كيف استقبلت مسألة تراجع دار نشر فرنسية عن نشر الترجمة الفرنسية لكتابك "الفاشية الإسلامية" وهل استشعرت حينها أن الخطر الإرهابي وصل إلى معاقل التنوير بأوربا؟ < فعلا شعرت بذلك ولم أكن الوحيد الذي شعر بذلك، فالكثيرون في فرنسا اندهشوا للأمر خاصة عندما قلت معلقا على ذلك في حوار مع صحيفة "لوموند"، إن "فولتير سيتقلب على بطنه في القبر"، لأن ناشرا فرنسيا تخوف من طبع كتاب، ولحسن الحظ أن دار نشر فرنسية أخرى تولت الأمر وخرج الكتاب إلى الوجود في نسخته الفرنسية. في سطور ـ روائي وكاتب مصري/ ألماني، مقيم في ألمانيا. ـ ولد في الجيزة بجمهورية مصر العربية سنة 1972. ـ درس الألمانية والفرنسية بجامعة عين شمس بالقاهرة ثم العلوم السياسية بجامعة أوغسبرغ في ألمانيا ـ عمل بمنظمة اليونيسكو خبيرا تربويا. ـ عمل مدرساً للدراسات الإسلامية بجامعة إيرفورت الألمانية، ثم مدرساً للتاريخ الإسلامي بجامعة ميونخ بألمانيا. ـ صاحب برنامج "صندوق الإسلام" الذي يبث على "يوتوب" ـ من مؤلفاته: رواية "وداعا أيتها السماء" وكتابا "سقوط العالم الإسلامي" و"الفاشية الإسلامية".

المغاربة يعيشون علمانية غير معلنة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سيارات صديقة للبيئة ... إجراءات تحفيزية

الرصاص لتوقيف مجرم بسلا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات