النقل السري الافتراضي… ملاحقة السراب

«الصباح» تابعت كيف تحقق منه شركات أرباحا هامة بعيدا عن المواجهات بين أصحاب الطاكسيات وسيارات الخواص لم يكن ترافيس كلانيك، مؤسس المقاولة الناشئة «أوبر» (Uber) يتوقع أن تلقى النجاح الذي عرفته عبر العالم وأن تصبح نموذجا لجيل جديد من اقتصاد الخدمات يحمل اسم الشركة ذاتها. جاءت الفكرة بعدما لاحظ مؤسس الشركة أن هناك أصحاب سيارات يرغبون في تأمين خدمات النقل للغير وهناك حاجة لدى العديد من الأشخاص لإيجاد وسيلة نقل، غير تلك التقليدية، من أجل التنقل لقضاء أغراضهم، فقرر كلانيك إنشاء شركته، التي تعتمد على التكنولوجيات الحديثة من أجل التقريب بين العارضين لخدمة النقل والمحتاجين إليها، وسرعان ما عرف هذا النموذج نجاحا كبيرا، ليتم نقله وتعميمه على عدد من الخدمات الأخرى، وأصبح المبدأ الجديد يحمل اسم الشركة ذاتها (Uberisation). شجع نجاح التجربة العديد من الشركات على اعتماد ولوج القطاع ذاته، مثل شركة «كريم» (careem) كما توسعت الشركة الأمريكية المبادرة ومنافسوها نحو بلدان عديدة لفتح فروع لها، وكان المغرب من ضمن هذه البلدان التي استقرت بها «أوبر»، قبل أن تلتحق بها «كريم»، التي تأسست بدبي، خلال 2012، إذا كانت هذه الشركات ولجت إلى عدد من الأسواق بإفريقيا والشرق الأوسط بعد البلدان الأوربية، فإن ولوجها إلى المغرب صاحبه العديد من ردود الأفعال بين مرحب ومحتج ورافض. المرحبون هم أصحاب السيارات الخاصة الذين يبحثون عن فرص لتحويل سياراتهم الخاصة إلى مصادر دخل إضافية، كما هناك فئة من مستعملي وسائل النقل تجد في هذا المبدأ وسيلة للتنقل بسرعة أكبر وتفادي المشاكل التي تطرحها وسائل النقل التقليدية. لكن مهنيي النقل، خاصة أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة، لم يرحبوا بالفكرة ونظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام مقرات السلطات المحلية ونظموا مسيرات ولجؤوا إلى القضاء من أجل وضع حد لهذا الوالج الجديد إلى سوق خدمات نقل الركاب في المجال الحضري، وما تزال حتى الآن المواجهة مفتوحة بين الطرفين وانتقلت الصراعات بين أصحاب الطاكسيات وشركات الوساطة في النقل، لتشمل أصحاب السيارات الخاصة الذين ينخرطون في تأمين النقل لهذه الشركات، إذ شكل أصحاب الطاكسيات دوريات من أجل ترصد واعتراض السيارات الخاصة، وغالبا ما تتحول في التحرشات اللفظية بين الطرفين إلى اشتباكات بالأيدي، لينتهي الطرفان في المحاكم وتظل شركات الوساطة خارج أي متابعة، إذ تقتطع عمولاتها من أصحاب السيارات الخاصة، بل هي التي تتكفل بتحويل مستحقاتهم وتتحكم في تحديد التسعيرة، وإذا وقع أي حادث بين أصحاب الطاكسيات الخاصة وسيارة الأسرة لا تحرك أي ساكن وكأن العاملين معها لا تربطهم أي صلة بها. وتطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة العلاقة التي تجمع بين أصحاب السيارات الخاصة وشركات الوساطة في خدمة النقل ومدى قانونية النشاط الذي تمارسه داخل المغرب، وكيف تتغاضى السلطات الأمنية والمحلية عن هذه الشركات وتسمح لها بالعمل في قطاع منظم بمقتضى القانون ويتعين لممارسته الحصول على رخصة، ولماذا يغرم أصحاب السيارات الخاصة عندما يضبطون من قبل شرطة المرور وتوضع سياراتهم في المحجز، في حين أن الشركات الوسيطة في منأى عن أي متابعة. تطبيقان يفيان بالغرض كان من الضروري، بداية، معرفة طبيعة عمل هذه الشركات، من أجل الاطلاع على العلاقة بين الشركات الوسيطة في نقل الأشخاص وأصحاب السيارات الخاصة. لذا لجأت "الصباح" إلى أحد الأشخاص الذين سبق أن تعاملوا معها، قبل أن يقرر التخلي عن هذا النشاط بعدما اعتقل زميلاه كانا يؤمنان الخدمة ذاتها، وذلك إثر نزاع مع أحد صاحبي الطاكسيات. لا يتطلب الأمر مساطر معقدة، إذ يكفي الولوج إلى الصفحة الرسمية لإحدى الشركات وملء بعض المعطيات، مثل الاسم العائلي والشخصي والبريد الإلكتروني ورقم الهاتف، ليتم الاتصال بالمعني في اليوم الموالي أو الذي بعده ويستدعى لمقر الشركة، من أجل التوقيع على التزام مع تصحيح الإمضاء، ويتم تحميل تطبيق خاص بالسائقين وإطلاع المعني بكيفية استعمال التطبيق ليشرع في مزاولة النشاط. يشار إلى أن هناك تطبيقين أحدهما خاص بالسائقين والآخر بالزبناء، الذين يتعين عليهم، بدورهم، تحميل التطبيق الخاص بهم إذا رغبوا في الاستفادة من خدمة النقل عبر السيارات الخاصة، ويتعين عليهم تحديد رصيد في حسابهم الذي يتم خصم كلفة الرحلة منه إلى حين نفاده، لتتم التعبئة من جديد. وهكذا يطلب الزبون، عبر التطبيق الخاص به، سيارة لنقله إلى مكان معين، فتوجه الشركة طلبه عبر التطبيق الخاص بالسائقين المنخرطين في الخدمة مع تحديد موقعه، وعند ضغط أحد السائقين المهتمين بالطلب على زر الموافقة، يصبح ملزما عليه التوجه إلى المكان الذي يوجد به الزبون من أجل نقله إلى الوجهة التي يريد الوصول إليها. وتتابع الشركة الوسيطة سير العملية عبر نظام تحديد المواقع (جي بي إس)، بداية من غطاء السائق الموافقة إلى حين الوصول إلى الوجهة التي يرغب فيها الزبون، عندها يتوصل السائق بسعر الرحلة، الذي لا يقل عن 25 درهما. إذا كان الزبون يتوفر على رصيد في حسابه، فإنه لا يؤدي نقدا، إذ تتكفل الشركة بخصم المبلغ من حسابه أما إذا كان لا يتوفر على رصيد أو رصيده لا يكفي لتغطية المبلغ المطلوب، فإن السائق يتوصل بالمبلغ الذي يتعين استخلاصه من الزبون. وتحول الشركة مستحقات صاحب السيارة على رأس كل أسبوع، إضافة إلى بعض التعويضات التحفيزية التي تخصصها الشركة للسائقين الذين، مثل العلاوات التي تمنحها للذين يؤمنون خدمة النقل في أوقات معينة. لكن الأمور ليست بهذه السهولة ولا تسلم الجرة في كل مرة، إذ أن نقل الركاب خدمة ينظمها القانون ولا يمكن لأي أحد مزاولتها، ويشترط لذلك التوفر على رخصة من قبل السلطات المختصة، ويعرض المخالف للمقتضيات القانونية نفسه للمتابعة. الحلقة المفقودة إذا كانت سلطات ولاية البيضاء تؤكد أن هذه الشركات تعمل خارج القانون، فلماذا تتغافل عنها وتسمح لها بممارسة نشاطها فوق تراب الولاية؟ هل يعني هذا أن ما جاء في رد شركة "أوبر" كان مقنعا، ما دفع بالسلطات إلى تغيير موقفها؟ وشجع التساهل مع "أوبر" التي أدخلت هذه الخدمة لأول مرة إلى المغرب، إلى تشجيع شركات أخرى لتقديم الخدمة ذاتها، مثل "كريم" وشركات أخرى. يطرح تساهل السلطات المسؤولة وإصرار شركات الوساطة بين الركاب وأصحاب السيارات الخاصة العديد من التساؤلات، خاصة أنه عكس ما جاء في رد "أوبر"، فإن الأمر لا يتعلق بتطبيق موجه لأصحاب سيارة النقل السياحي، بل إن الشركة تستقطب كل صاحب سيارة يرغب في تقديم الخدمة. ولا يتطلب الأمر الكثير من العناء للتأكد من ذلك، إذ يكفي الولوج إلى موقع الشركة أو صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتجد أن الدعوة موجهة لجميع مهنيي النقل، ولكن أيضا الخواص الذين يمتلكون سيارة. ومن أجل التأكد من ذلك قررنا ملء الخانة المخصصة لأصحاب السيارات الخواص (باسم مستعار بطبيعة الحال)، ولم يطل الرد كثيرا، إذ في اليوم الموالي تم الاتصال والدعوة إلى زيارة الشركة من أجل تحميل التطبيق المخصص للسائقين والتدريب على استعماله، لكن قبل ذلك يتعين التوقيع على التزام يتعهد فيه صاحب السيارة الخاصة بالاستجابة إلى الطلبات الموجهة من قبل الركاب واحترام القواعد المعتمدة من قبل الشركة. ولا تلتزم الشركة بأي تعهدات تجاه أصحاب السيارات المنخرطين في الخدمة، إذ أن العلاقة الوحيدة التي تجمعها بهم تتمثل في الإعلان عن الطلبات التي تتوصل بها عبر تطبيق السائقين واستخلاص واجبات النقل وتحويل مستحقات أصحاب السيارات، لكنها تتخلى عنهم إذا اعترضهم أي مكروه ليواجهوا مصيرهم. وتواصل الشركة نشاطها، بل تنظم لقاءات صحافية لتقديم تطور نشاطها في المغرب دون أي مساءلة. وتظل نقط ظل كبيرة حول تغاضي السلطات المحلية عن مواصلة هذه الشركات عملها، رغم تعهدها بالتصدي إليها ومنعها من مزاولة عملها والتأكيد على أنها لا تتوفر على أي رخصة، ما يفتح الباب واسعا أمام التأويلات بشأن وجود "تراض" بين الطرفين. لكن لا توجد أي قرائن على الشبهات التي تحوم حول علاقة هذه الشركات بالسلطات المحلية، الأمر المؤكد أن هذه الشركات تتوسط بين أصحاب سيارات خاصة وركاب لتأمين مهنة النقل، المنظمة بمقتضى قانون وتتطلب التوفر على رخصة. على هامش القانون يتساءل العديد هل نشاط شركات الوساطة في خدمة النقل قانوني؟ وإذا كان غير ذلك فلماذا تتغافل السلطات المسؤولة عن تنظيم القطاع عن نشاط الشركة؟ سلطات الدار البيضاء كانت واضحة عندما أكدت، منذ سنتين، أن نشاط الشركة غير مرخص ويعرض الساهرين عليها والسائقين الذين يعملون معها إلى العقوبات الإدارية والقانونية الجاري بها العمل، علما أن الولاية لم تعلم بوجود هذه الخدمة إلا عندما تناولت صحف ومواقع إلكترونية الخبر، وأكدت السلطات المحلية بجهة الدار البيضاء، آنذاك، أنها ستتخذ كل الإجراءات الضرورية للتصدي لأي تصرفات تخالف القوانين والإجراءات التنظيمية في مجال النقل. وجاء هذا القرار بعد الاحتجاجات والوقفات والمسيرات الاحتجاجية التي نظمها مهنيو النقل للتنديد بممارسات دخول هذه الشركات ومزاحمة الطاكسيات في نقل الركاب. لكن، بعد مرور أزيد من سنتين، ما تزال هذه الشركات تمارس نشاطها في منأى عن أي متابعة، بل تحدث سلطات البيضاء، في حينها، وأكدت في رد مباشر على تهديدات سلطات ولاية الدار البيضاء، أنها شركة تكنولوجيا تقدم حلولا عملية يمكن استعمالها من قبل شركات النقل الحاصلة على موافقة النقل السياحي الممنوحة من قبل وزارة السياحة، وأن هذا التطبيق يسهل عمليات نقل الركاب بطريقة سريعة. وأكدت الشركة أنها، بذلك، لا تخرق أي قوانين وأنها تحترم القوانين المعمول بها في هذا المجال، مشددة على أن التكنولوجيا التي تعرضها يمكن استعمالها من قبل السيارات الحاصلة على رخصة النقل. الطرف الأضعف يعتبر أصحاب السيارات الخاصة الطرف الأضعف في المعادلة، إذ أن الشركات لم تأبه لتحذيرات السلطات العمومية أو لاحتجاجات مهنيي النقل وتواصل التوسط في نشاط يخرق مقتضيات الظهير المنظم لمهنة النقل. ويحدد الظهير رقم 1.63.260، بشأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق، شروط مزاولة هذه المهنة. وتشير المادة 5 من الظهير إلى أنه يتعين على كل من يريد استغلال مصلحة عمومية لنقل المسافرين أن يكون مقبولا لهذا الغرض بصفة شخصية وأن يحصل، أيضا، على بطاقة ترخيص خاصة عن كل سيارة من السيارات المخصصة للعمل. الأمر الذي يجعل أصحاب السيارات الخاصة خارج القانون، إذ لا يمكن أن يؤمنوا خدمة النقل دون التوفر على ترخيص، ما يجعلهم عرضة للمتابعة، إذ عندما يتم ضبط أصحاب السيارات الخاصة يتم تغريمهم وحجز سياراتهم، ويقف الأمر عند هذا الحد، رغم أن هناك شركات هي التي تتوسط بينهم وبين الباحثين عن سيارات لنقلهم، إذ أن التوسط بين الطرفين يقتضي، أيضا، التوفر على رخصة. ويشير الفصل 24 من الظهير إلى أنه يعاقب بغرامة بين ألفي درهم و10 آلاف وبالحبس من ستة أيام إلى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يؤمن النقل بواسطة سيارة دون التوفر على رخصة لذلك، ويدخل في خانة العقوبات، أيضا، كل من يسدي مساعدة لمزاولة هذا النشاط بأي وجه من الأوجه أو ممارسة مهنة وسيط بين صاحب السيارة والزبون بأي صفة من الصفات. وهكذا تكون الشركات التي تتوسط بين أصحاب السيارات الخاصة والباحثين عمن ينقلهم في خانة المخالفين للقانون حتى وإن كانت تعتبر نفسها مجرد عارضة لحل تكنولوجي ولا تمارس نشاط النقل، لأن القانون واضح في هذا الباب، بالنظر إلى أنها تقدم المساعدة للغير من أجل ممارسة نشاط النقل دون التوفر على الشروط المطلوبة لذلك، ما يجعلها تحت طائلة الفصل 24 من الظهير المتعلق بالنقل بواسطة السيارات عبر الطرقات. لكنها تظل في منأى عن أي متابعة، ليظل أصحاب السيارات الخاصة الطرف الأضعف في المعادلة، إذ يتابعون من قبل السلطات المختصة بتهمة النقل السري ومخالفة مقتضيات القانون، كما يعانون مع أصحاب طاكسيات الأجرة، الذين يلاحقونهم ويحاصرونهم لأنهم يزاحمونهم في نشاطهم ومصدر رزقهم. وتنتهي المواجهة بين الطرفين في ردهات المحاكم، في حين يتوسع نشاط الشركات الوسيطة وتنمو أرباحها باستمرار على حساب معاناة الجانبين.

النقل السري الافتراضي… ملاحقة السراب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

مباريات نارية بدوري الأبطال مساء اليوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات