تهجير اللاعبين… الاتجار في الهشاشة

تفجرت في السنوات الأخيرة في كرة القدم الوطنية، قضية تتعلق بتهجير اللاعبين القاصرين للعب في بعض الدوريات الخليجية، في أفق إلحاقهم بأندية إماراتية وقطرية على الخصوص، بقصد تجنيسهم مستقبلا، لدفعهم إلى حمل قميص المنتخبين الإماراتي والقطري في الفئات السنية الصغرى، وتكوين الخلف للظفر بالبطولات القارية والدولية. واستندت الإمارات وقطر في هذه الإستراتيجية على نجاح تجربتهما السابقة مع تجنيس اللاعبين، إذ تمكنتا بفضلها من الحصول على ألقاب قارية في فئات الشباب والكبار، كما هو الشأن بالنسبة إلى المنتخب القطري المتوج بالنسختين الأخيرتين من كأس آسيا، ويعود الفضل في ذلك إلى استهداف لاعبين من جنسيات مختلفة في مقدمتها المغرب.وستعمل «الصباح»، من خلال هذا التحقيق على تسليط الضوء على هذا الملف، الذي شكل موضوع أبحاث من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بعد أن اتضح وجود شبكة تنشط في هذا المجال. إعداد: صلاح الدين محسن اتضح من خلال الأبحاث المنجزة في هذا الملف، أن الأمر يتعلق بشبكة تنشط في تهجير اللاعبين القاصرين، إلى الإمارات وقطر، منطلقة من إستراتيجية وضعها مسؤولو الاتحادين المذكورين، من أجل تكوين منتخبات سنية لأقل من 17 سنة وأقل من 20 ، والظفر بالألقاب في هاتين الفئتين، ثم بعد ذلك الالتحاق بالمنتخبات الكبرى، بعد نجاح هذه العملية في تجارب سابقة. وتنطلق هذه الإستراتيجية من استقطاب لاعبين قاصرين لديهم ملكات كروية جيدة، ليس عبر التنقيب عنهم في الشوارع والأزقة، بل من الأندية المغربية نفسها، التي قامت بعمليات تنقيب واسعة، وأجرت اختبارات لهم، وصرفت عليهم أموالا كثيرة في التكوين الرياضي والتحصيل الدراسي، ضمن برنامج دراسة ورياضة، الذي ساهم بشكل كبير في منح المنتخبات الوطنية والأندية المغربية والأوربية لاعبين من المستوى العالي. واستندت هذه الإستراتيجية على مؤطرين ومنقبين ووكلاء لاعبين مغاربة، غايتهم الوصول إلى تحقيق أرباح مالية كبيرة، دون جهد أو تعب، من خلال تتبع مسار لاعبين تتوفر فيهم صفات معينة، مع إلحاقهم بالأندية المحلية بالإمارات وقطر، قصد استكمال تكوينهم ومن ثم إخضاعهم لبرنامج مكثف، قبل الحسم في بقائهم، الشيء الذي يؤكد أن الإستراتيجية المذكورة، بنيت على معايير صارمة، لتحقيق أهداف محددة، وأن فشل اللاعب القاصر في تخطي الحواجز، يكلفه الطرد والعودة إلى الوطن. الفئة المستهدفة بنيت هذه الإستراتيجية على نوع معين من اللاعبين، تتوفر فيهم صفات ومعايير خاصة، ما جعل دائرة التنقيب ونوعية اللاعبين المختارين ضيقة جدا، ليس من السهل على أي لاعب مهما بلغ مستواه التقني والبدني أن يقنع المدربين الذين يشرفون عليه. وكشفت التحريات التي أجرتها "الصباح" أن اللاعبين المستهدفين من عمليات التهجير، لا تتعدى أعمارهم 18 سنة، وجلهم لعبوا للمنتخبات الوطنية لأقل من 17 سنة وأقل من 20، ويجري اختيارهم بعناية شديدة، إذ أن المكلفين بعمليات الاستقطاب، يستهدفون اللاعبين الذين لديهم المعايير الموضوعة من قبل المسؤولين عن الإستراتيجية، أبرزها أن يكونوا لاعبين للمنتخبين الوطنيين للفئتين المذكورتين، حتى يسهل عليهم تجنيسهم وإلحاقهم بالأندية الإماراتية والقطرية، دون مطالبة الأندية المغربية التي ينتمون إليها بتكاليف تكوينهم، أو جرهم للمساءلة. ولا يشترط فيهم أن يكونوا لاعبين في مركز معين، إذ أن عمليات الاستقطاب تشمل الجميع، بمن فيهم حراس المرمى، كما هو الشأن لحمزة أجليد، الحارس السابق للمنتخب الوطني لأقل من 18 سنة، ويونس بياضي، مهاجم المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة، وغيرهم من اللاعبين أمثال أيمن غزالي ومحمد رضوان. ومن أبرز الملاحظات التي كشفتها التحريات، أن جميع اللاعبين المختارين ضمن هذه الإستراتيجية، ينتمون إلى فئات اجتماعية متوسطة أو فقيرة، حتى يسهل إغراء آبائهم وأولياء أمورهم بالمال، سيما أن الأندية المستقطبة لهم مثل شباب أهلي دبي، تخصص أجورا شهرية لوالديهم مع تمكينهم من الإقامة رفقتهم، بحكم أنهم قاصرون، ولم يبلغوا بعد سن الرشد. إغراءات مالية خليجية تستعمل الأندية الخليجية المستقطبة للاعبين القاصرين المهجرين من المغرب، لغة المال مع أولياء أمورهم، مستغلة في ذلك ضعف مستواهم الاجتماعي، أو دخلهم المحدود، من أجل تسهيل حصولها على توقيعهم، في الوقت الذي لا يمكن للأندية المغربية أن تحقق طموحاتهم المالية لهم ولأبنائهم. وفي هذا الصدد، فإن الأندية المعنية بعملية الاستقطاب تدفع أجورا شهرية لهم، تتراوح بين 5 آلاف درهم إماراتي (حوالي 13 ألف درهم مغربي) و15 ألفا (حوالي 40 ألف درهم مغربي)، الشيء الذي يصعب على الأندية المغربية توفيرها لهم، مع منحهم الحوافز المالية والإكراميات، في الوقت الذي توقع معهم عقودا احترافية، بعد بلوغهم سن الرشد. إضافة إلى ذلك، فإن الأندية توفر لهؤلاء اللاعبين امتيازات أخرى، مثل السكن وتمكينهم من التمدرس في مؤسسة تعليمية جيدة، مع تخصيص التنقل لهم وتذاكر السفر في الطائرة بين الإمارات أو قطر والمغرب، وهو ما سهل عملية استقطابهم، سيما أن بعض أولياء اللاعبين، فتحت أمامهم أبواب الثراء على مصراعيها، في الوقت الذي عاشوا أوضاعا صعبة بالمغرب، ومنهم من يشتغل في عمل غير قار، علما أن الكثير منهم فضل منح ابنه فرصة أفضل للعب كرة القدم والدراسة في مستوى عال. الفرقة الوطنية تدخل على الخط فطنت بعض الأندية إلى هروب بعض لاعبيها إلى أندية خليجية، بعد أن وجدت نفسها مستهدفة، وباستنزاف مراكز تكوينها من أبرز اللاعبين، الذين ينشطون في المنتخبات الصغرى، وتوصلت في مرحلة أولى إلى وجود شبكات تنشط في تهجير اللاعبين، وتستغل الظروف الاجتماعية التي يعيشونها. واضطرت هذه الأندية في مقدمتها الفتح الرياضي، إلى تقديم شكاية لدى السلطات القضائية، التي أحالتها بدورها على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبيضاء، إذ توبع فيها بعض السماسرة في حالة سراح، وانتهت المحاكمة في مرحلتها الابتدائية بتوقيع عقوبة على أحد السماسرة تتضمن غرامة مالية تصل إلى 10 ملايين سنتيم، وألفي درهم للمطالب بالحق المدني، وبثلاثة أشهر حبسا موقوف التنفيذ. وكشفت التحقيقات أن السماسرة المتورطين في هذه العمليات لا يتوفرون على رخصة القيام بمهمة وكيل اللاعبين من الاتحاد الدولي، الشيء الذي دفع المحكمة إلى متابعتهم بادعاء القيام بمهمة وكيل اللاعبين دون ترخيص، وادعاء لقب مهنة ينظمها القانون دون استيفاء شروطها، إضافة إلى حمل الغير على الإدلاء بتصريحات كاذبة. وتبين أن السماسرة المتورطين في العملية يلجؤون إلى أولياء أمور اللاعبين المستهدفين، والذين يستجيبون لشروط الإستراتيجية المذكورة، بعد أن يجمعوا عنهم جميع المعطيات، لإقناعهم بالمشروع، مع إغرائهم ماليا، على أن يتقاضى كل وكيل مبالغ مالية تتراوح بين 5 آلاف درهم إماراتي و10 آلاف، إضافة إلى نسبة تتراوح بين 3 و10 في المائة، من قيمة الصفقة، بعد أن يبلغ اللاعب سن الرشد، كما هو متفق عليه مع الأندية الخليجية التي ستستفيد من اللاعبين. مواهب على "رادار" سماسرة اتضح من خلال التحقيقات المنجزة من قبل "الصباح"، أن الأمر لا يقتصر على اللاعبين المغاربة الموجودين بالمملكة، إنما يشمل اللاعبين المغاربة من ديانة إسلامية الممارسين بأوربا، بعضهم لعب للمنتخبات الصغرى. وكشفت المعطيات أن قطر سعت إلى وضع إستراتيجية مغايرة نوعا ما عن تلك المتبعة في الإمارات، بعد أن سبق لها جلب لاعبين صغار السن لأندية محلية، لكن يجب ألا تتعدى أعمارهم 20 سنة، من أجل استقطابهم للعب للمنتخب القطري. ونجح منتخب قطر في استقطاب عدد من اللاعبين الذين ينتمون إلى منطقة شمال إفريقيا في السنوات الأخيرة، وساهموا في فوزه بلقبي كأس آسيا، الشيء الذي دفعه إلى تكرار التجربة بإستراتيجية مغايرة، إذ قام الاتحاد المحلي لكرة القدم بتجنيس عدد منهم، في الوقت الذي حاولت الأمر ذاته مع لاعبين مغاربة لعبوا في الفئات السنية للأندية الأوربية وللمنتخب الوطني. واعتمدت قطر في هذا الأمر الإستراتيجية ذاتها، من خلال تهجير اللاعبين، بغاية فتح آفاق جديدة معهم، لكنها في الوقت ذاته لا تخلو في طياتها من رغبة في التجنيس والاستفادة من مواهبهم الكروية مستقبلا.

تهجير اللاعبين… الاتجار في الهشاشة

سماسرة يستهدفون القاصرين من طبقات فقيرة بتمويل خليجي ويقدمون لهم ولآبائهم إغراءات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"فيفا" يحسم مصير دوليي الوداد

تهجير اللاعبين... الاتجار في الهشاشة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات