العهد الجديد يتصالح مع سنوات الرصاص

الوديع: العودة المشرفة للسرفاتي والعناية به إشارة إنسانية بليغة من الملك اختار محمد السادس منذ اعتلائه العرش إطلاق إشارات ومبادرات ذات منحى إنساني، في سعي إلى تكريس صورة جديدة عن الملك الشاب، الذي يرسم توجهه الخاص في الحكم، بعيدا عن تركة والده، التي تميزت في فترات من الحكم بالصراع مع قوى المعارضة، الذي انتهى بوضع عدد منهم في السجون، أو اضطرارهم إلى المنفى. وجاء العهد الجديد ليكرس رؤية جديدة في العلاقة مع معارضي الحسن الثاني وضحاياه الذي قضى منهم سنوات في سجون الاعتقال، وليطوي صفحة سنوات الرصاص الأليمة، من خلال تعيين رموز من المعارضين في مسؤوليات سامية، سفراء ورؤساء مؤسسات، وتوشيح عدد منهم بأوسمة ملكية في مناسبات وطنية مختلفة. وشملت الالتفاتة الملكية العديد من المعارضين من خلال توشيحهم بأوسمة ملكية مثل محمد بنسعيد أيت يدر، ولطيفة الجبابدي، وأحمد حرزني وإدريس بنركري وغيرهم من المعتقلين السابقين والمعارضين، الذي عانوا سنوات الجمر والرصاص على عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وقال صلاح الوديع، الناشط المدني وعضو هيأة الإنصاف والمصالحة سابقا، إن ظاهرة اهتمام الملك محمد السادس بعد اعتلائه الحكم، بجيل من الأسماء التي عانت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يعتبر من الظواهر المثيرة للانتباه في بداية العهد الجديد، وهو ما سمح للعديد من الفاعلين بلعب أدوار متميزة خلال الفترة الانتقالية، دون أن يفقدوا مصداقيتهم، على اعتبار أن الاستمالة في رأي البعض هي التخلي عن أفكار ناضلوا من أجلها خلال فترة حكم الملك الراحل. وأوضح الوديع في حديث مع «الصباح» أن مهما كان الأمر، لا يمكن إنكار أن تكليف شخصية مثل إدريس بنزكري على رأس هيأة الإنصاف والمصالحة، كان له تأثير كبير على مسار المغرب، بل يمكن اعتبار ذلك تجربة تاريخية في قراءة صفحات ماضي الانتهاكات الجسيمة وإنصاف الضحايا والتعريف بمعاناتهم، وتقديم توصيات للمستقبل. وقد أبان الملك، يقول الوديع، من خلال هذه الإشارات الدالة على إرادة قوية في طي صفحة الماضي وطريقة الحكم طيلة سنوات الانتهاكات، وهو ما يحسب إيجابا له، خلال بداية ما عرف بالعهد الجديد، مضيفا أن هذه الإشارات تواصلت من خلال تعيين أسماء أخرى عانت عذابات الانتهاكات الجسيمة، وعادت لتلعب أدوارا مهمة في الحياة السياسية، أمثال إدريس اليزمي، والمرحومة آسية الوديع، وعبد السلام بودرار، سفير المغرب في لندن، وخديجة الرويسي، وآمنة بوعياش وأحمد حرزني، وغيرهم، وهي إشارات مهمة ميزت توجه محمد السادس. ومن بين المبادرات التي حملت بعدا إنسانيا عميقا، يقول الشاعر الوديع، العودة المشرفة لأبراهام السرفاتي والعناية به، بعد أن ظل منبوذا، وهي إشارة إنسانية بليغة من الملك محمد السادس. وأوضح العضو السابق في هيأة الإنصاف والمصالحة، أن الملك تعاطف كثيرا مع ضحايا الانتهاكات الجسيمة خلال جلسات الاستماع، وتأثر بشهاداتهم، وكانت هذه الإشارات تصل إلى أعضاء الهيأة، مضيفا أن الراحل بنزكري تلقى إشارات واضحة بعد الجلسة الأولى من جلسات الاستماع كلها تثمين وإشادة ودعم، لا تخلو من حس إنساني رفيع. ومن بين الذكريات التي ظل يحتفظ بها للراحلة آسية الوديع، أنه حكت له عن يوم زيارة الملك محمد السادس إلى السجن، وقد هيأت الأحداث لأداء النشيد الوطني أمام جلالته، بالإضافة إلى الأغنية الفلسطينية «منتصب القانمة أمشي»، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، لتلتفت إلى الملك، لتجده يعيش الحالة الوجدانية ذاتها. ويرى المصطفى المريزق، الناشط السياسي والحقوقي أن العهد الجديد دشن مسيرته بتجربة فريدة في العالم العربي، تمثلت في فتح صفحات الماضي، من أجل المصالحة وجبر الضرر، وفتح باب الأمل أمام أجيال من المثقفين والسياسيين الذين تعرضوا للاعتقال والنفي، بسبب أفكارهم السياسية، وصدامهم مع الدولة، في ظرفية سياسية اتسمت بصراع قوي مع قوى اليسار، ورجالات المقاومة، الذين اضطر العديد منهم إلى الاختيار المنفى، ومواصلة النضال من أجل الديمقراطية من الخارج. وقال المريزق في حديث مع «الصباح» إن الملك محمد السادس، بحسه الإنساني ورؤيته لمستقبل المغرب الحداثي والديمقراطي، نهج منذ اعتلائه العرش، سياسة الانفتاح على نخب ظلت في الهامش، أو مغضوب عليها، وأغلبهم من اليسار السبعيني بمختلف تلويناته، حيث بادر إلى تعيين العديد منهم في مناصب ومسؤوليات سامية، داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها الاستشارية والهيآت الترابية، بل وامتدت الالتفاتة إلى الهيآت الدبلوماسية، في إطار الاستفادة من الكفاءات والخبرات والعلاقات التي راكمها العديد من هؤلاء في مسارهم السياسي والمدني، وإشراكهم في تدبير عدد من الملفات. ومن بين الوجوه التي حظيت بهذه الالتفاتة الكاتب عبد القادر الشاوي، الذي عينه الملك، سفيرا للمغرب في الشيلي، والمناضلة الحقوقية أمينة بوعياش، التي عينت سفيرة بالسويد، وخديجة الرويسي، الناشطة الحقوقية التي عينت سفيرة في الدنمارك، وهي التي سبق لها أن تحملت مسؤولية الأمينة العامة للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وشغلت منصب مستشارة لدى رئيس هيأة الإنصاف والمصالحة مكلفة بالتحقيق في الاختفاءات القسرية وجلسات الاستماع والأرشيف. ويرى المريزق، أحد المعتقلين السياسيين السابقين، والناشط المدني في العديد من الواجهات، أن الرؤية الملكية للمصالحة تحمل بالإضافة إلى البعد السياسي لتجربة المصالحة، عمقا إنسانيا يشهد له به من قبل الجميع، حتى المعارضين، ويمتد ليشمل الرعاية الاجتماعية والصحية لهؤلاء. وأكد المريزق أن الملك محمد السادس جعل من هذه القيم والمبادرات نهجا في تعاطيه مع العديد من المثقفين والمعارضين السياسيين والنشطاء، وهو اعتراف بالأدوار التي ساهم بها هؤلاء من أجل بناء مغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى جانب باقي الفاعلين، في تجربة لقيت إشادة وتنويها من قبل الرأي العام، الذي رأى فيها تدشين صفحة جديدة في العلاقة مع المجتمع ونخبه، بعيدا عن أحقاد الماضي وجراحاته. وفي هذا الصدد، يشير المريزق إلى تعاطي الملك مع الحقوقي ادريس بنزكري، الذي يعتبر من رموز تجربة الإنصاف والمصالحة، وتعيين عدد من الحقوقيين في مناصب مجالس ومؤسسات استشارية، في إشارات قوية من أجل تكريم هؤلاء وشملهم بالرعاية، اعترافا من الدولة بأدوارهم. وتعززت هذه الصورة من خلال توشيح العديد منهم بأوسمة ملكية في مناسبات وأعياد وطنية، ضمن العديد من النخب والمفكرين والكفاءات من أبناء المغرب ونسائه، الذين ظلوا على الهامش. برحو بوزياني

العهد الجديد يتصالح مع سنوات الرصاص

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المدغري... رحيل عراب "الحكومة الملتحية"

صلاحية الزعيم لا تنتهي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات