في أفق إلغاء قضاء التحقيق

فرنسا تتجه نحو إلغائه من منظومتها القضائية إسوة بالنظام الأنجلوساكسوني إذا كان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران قد اقترن اسمه في الميدان الجنائي إبان فترة حكمه بالغاء عقوبة الإعدام، فإن الرئيس الحالي في خطابه أمام محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 17 يناير 2009، أعلن أنه ينبغي إيجاد إجراءات جنائية مسايرة للعصر، وأن تسود ثقافة الأدلة ولا يبقى الاعتماد على ثقافة الاعتراف فقط، وأن يحضر المحامون منذ الساعة الأولى لتوقيف المشتبه فيه، وأن الإيداع رهن الاعتقال الاحتياطي يجب أن تقرره هيأة قضائية جماعية في جلسة علنية.ولقد استغل الرئيس الفرنسي الفضيحة القضائية المعروفة بقضية (أوترو Outreau) التي أودع خلالها قاض التحقيق فابريس بركود، اثنى عشر شخصا في السجن في إطار التحقيق في دعوى الاعتداء الجنسي على قاصر، من أجل عرض مشروعه الهادف إلى إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق، وهذا يؤكد تأثره بالنظام الأنجلوساكسوني الذي لا يعرف بدوره هذه المؤسسة وتستوي لديه جهة الاتهام وجهة الدفاع في ما يتعلق بالحقوق والمرافعات، ثم إن ثقافة الأدلة هي السائدة على الإطلاق. وقد ذهبت بعض الدول الغربية هي الأخرى في هذا الاتجاه ومنها ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا والبرتغال إلى حد إلغاء قاضي التحقيق من نظامها القضائي أو على الأقل قلصت من اختصاصه. وفي المغرب، وبفضل مبدأ التقاضي على درجتين في الميدان الجنائي، ونظرا للأثرين الناقل والناشر للدعوى العمومية، فإنه يمكن الاتجاه بجدية نحو إلغاء قضاء التحقيق الذي أبان في غير مناسبة عن البطء في المسطرة وطول إجراءاتها، كقضيتي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقرض العقاري والسياحي، وأيضا هدرا للموارد المالية والبشرية والتعسف أحيانا في استعمال سلطة الاعتقال الاحتياطي، خاصة أن الطعون الموجهة ضد أوامر قاضي التحقيق سيما المتعلقة بالإفراج المؤقت والخبرة وغيرهما ترفع أمام الغرفة الجنحية، وهي هيأة قضائية جماعية لتبت فيها، وفضلا عن ذلك فإن جميع أعمال التحقيق توجه إلى النيابة العامة والأخيرة هي من يحيل الدعوى لأول مرة على قاضي التحقيق الذي يبلغها بكل أمر اتخذه أو طلب أحيل عليه. وإضافة إلى ما ذكر وبالنظر إلى الإمكانية المتاحة للغرفة الجنحية أو الجنائية الابتدائية أو الاستئنافية لإجراء أي بحث تكميلي تراه مفيدا في تحقيق الدعوى علما أن لها من الوسائل القانونية ما يجعلها تلم بجوانب القضايا المعروضة عليها كالاستماع إلى الشهود أو انتداب خبراء وما إلى ذلك الأمور التي تجعلها مؤهلة لإصدار الأحكام دونما الاعتماد على محاضر قاضي التحقيق التي لا نعدو أن تكون أحيانا تكرارا لما ورد في محاضر الضابطة القضائية.وأعتقد أنه بعد تعديل الدستور وتنحية وزير العدل من تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد تكريس استقلال هذه السلطة، بات ممكنا الاستغناء عن قاضي التحقيق وذلك بشكل تدريجي يبتدئ من تقليص اختصاصه وسلطاته إلى حد إلغائها بعد إسناد مسألة الإيداع في السجن والاعتقال الاحتياطي ومناقشة الضمانات الشخصية والعينية المتعلقة بهما إلى هيأة قضائية (فردية أو جماعية) تختص في النظر في الحريات والكفالات بإعمال التدابير القضائية المعروفة في هذا الإطار، وكل ذلك في أفق إلغاء ازدواجية القضاء لصالح قضاء الحكم الذي أصبح معه للمتضرر من أخطائه المطالبة بالتعويض طبقا للمادة 122 من الدستور.وفي ما يتعلق بقضايا الفساد المالي واتجاه البعض إلى الإبقاء على قضاء للتحقيق متخصص في الجرائم المالية، فأعتقد أن محاضر قضاة المجلس الأعلى للحسابات لها قوة إثباتية لما تتصف به من مهنية ورسمية، تصلح أن تكون مصدرا للمتابعة من طرف النيابة العامة، دون إحالتها على الضابطة القضائية، التي تعمل هي الأخرى تحت مراقبتها وإشرافها وتعليماتها بصفة رئيسها ونوابه ضباط سامون للشرطة القضائية.وفي هذا الإطار يمكن توسيع اختصاصات النيابة العامة في التحقيق في الجرائم المالية وغيرها من الجنايات والجنح التأديبية، وذلك بتعديل مقتضيات المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية، بما يجعلها مؤهلة لجمع الأدلة قبل إجراء المتابعات ثم التحقيق فيها أيضا، وبالموازاة مع ذلك ينبغي أيضا تعديل المادة 66 من المسطرة الجنائية بما يكفل حضور المحامي عند توقيف المشتبه فيه انسجاما مع مقتضيات الدستور الجديد، بحيث ينبغي تحاشي كل مقتضى يمكن أن يحد من مؤازرة المحامي للموقوف في جميع الجرائم بدون استثناء، ولو في الجرائم الإرهابية أو غيرها، لأن الأمر يتعلق بحقوق الإنسان وليس بخطورة الأفعال ولما لذلك أيضا من علاقة بقرينة البراءة ومبادئ المحاكمة العادلة. بقلم: الدكتور مصطفى أشيبان: عضو الاتحاد الدولي للمحامين

في أفق إلغاء قضاء التحقيق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قرارات الإحالة ..."كوبيي كولي"

الطيب عمر: أغلب قضاة التحقيق ينسخون المحاضر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات