وهابي: الحاجة إلى إلغاء قضاء التحقيق الابتدائي

المحامي بهيأة الجديدة اعتبر أنه يساهم في تأخير البت وأن اختيار القضايا غير خاضع لأي معيار قال يوسف وهابي، المحامي بهيأة الجديدة ومدير مجلة الملف القانوني، إنه في الوقت الذي اختارت فيه تشريعات وأنظمة قضائية عدم ضرورة وجود قاض مكلف بالتحقيق، وأعطت للنيابة العامة صلاحية الجمع بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق كما هو الحال بالنسبة إلى النظام القضائي المصري والياباني والكويتي، وإنه في الوقت الذي تسعى فيه تشريعات وأنظمة قضائية مقارنة إلى إلغاء مؤسسة قضاء التحقيق كما هو الحال بالنسبة إلى فرنسا، نجد أن المشرع المغربي يتبنى اتجاها توسعيا لقضاء التحقيق من خلال توسيع انتشاره ليشمل المحاكم الابتدائية، وتأكد هذا الاتجاه التوسعي بصدور مدونة السير الجديدة التي نصت على إجبارية التحقيق في حوادث السير المميتة.وأضاف وهابي الذي يدير في الآن نفسه مجلة الملف التي تعنى بشؤون القضاء والقانون، أن المدة التي بدأ خلالها العمل بقضاء التحقيق أمام المحاكم الابتدائية، مكنت، رغم قصرها، من الكشف عن فشل كبير وأماطت اللثام عن عيوب عديدة واكبت هذه التجربة منذ انطلاقتها، وأصبحت العديد من الأصوات تتساءل عن جدوى الاستمرار في هذه التجربة التي تحمل علامات فشل أكثر مما تحمل علامات النجاح، رغم الخسائر الكبيرة التي تتسبب فيها للعدالة الجنائية ببلادنا. موضحا: «فمن جهة أولى يطرح قضاء التحقيق في الوضع التشريعي الحالي أكثر من علامة استفهام حول استقلاليته، فإذا كان المفروض هو أن يكون قاضي التحقيق مؤسسة قضائية محايدة ومستقلة عن النيابة العامة وعن قضاء الحكم، فليس من المقبول أن يصنف قاضي التحقيق ضمن ضباط الشرطة القضائية شأنه شأن وكيل الملك ونوابه ونواب الوكيل العام مما يشكل ضربا لاستقلاله من خلال جعله في وضع تسلسلي تحت سلطة الوكيل العام للملك، أي تحت سلطة الاتهام».وذهب المتحدث نفسه إلى أن ما يؤكد أن استقلال قاضي التحقيق هو استقلال هش ودون ضمانات هي الصلاحية الممنوحة للنيابة العامة (الوكيل العام أو وكيل الملك حسب الاختصاص) في اختيار قاضي التحقيق المفضل لديها بين قضاة التحقيق المكلفين في المحكمة الواحدة في حالة تعددهم (المادة 90 من قانون المسطرة الجنائية) رغم أن النيابة العامة هي طرف في الدعوى والمساواة بين أطراف الدعوى تقتضي ألا يسمح لأي طرف من أطراف الدعوى باختيار قاضيه المحقق.وما يزيد قضاة التحقيق فقدانا لاستقلالهم هو تحكم وزير العدل المنتمي إلى السلطة التنفيذية ورئيس النيابة العامة في قرارات تعيينهم وإعفائهم، وهو ما يشكل مخالفة صريحة للمبادئ التي أقرها الدستور الجديد. مستطردا في الحديث أنه من جهة ثانية ما زالت معايير إخضاع القضايا للتحقيق في الحالات الاختيارية غير خاضعة لأي معايير واضحة للتمييز بين القضايا التي تستحق أن تحال على قضاء التحقيق وتلك التي لا تستأهل ذلك ، إذ أن قضايا تافهة أحيانا تحال على قاضي التحقيق في حين أن قضايا معقدة وشائكة تحيلها بعض النيابات العامة على المحكمة مباشرة ، بل إن محاكم الموضوع مازالت لم تستقر على رأي واحد في ما يتعلق بوجوب إحالة بعض القضايا الجنحية على قضاء التحقيق لوجود نص خاص أو عدم وجوب ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى قضايا التزوير في المحررات العرفية والتجارية والبنكية التي تتميز بتعقيداتها والتي تستدعي إحالتها على التحقيق، وهو ما تلتزم به مجموعة من النيابات العامة والمحاكم التي لا ترى إلزامية التحقيق في هذا النوع من القضايا رغم أن مقتضيات المادة 582 من قانون المسطرة الجنائية تفيد العكس.ومن جهة ثالثة كشفت الممارسة أن قضاء التحقيق يساهم في كثير من الأحيان في تأخير البت في القضايا وفي إطالة عمرها، إذ أن بعض القضايا تلبث سنوات أو شهورا عديدة في مكاتب التحقيق مما يشكل خرقا لمبدأ المحاكمة العادلة التي من بين ركائزها الرئيسة ضمان المحاكمة داخل أجل معقول، ويترتب عن ذلك أن بعض المتهمين يعتقلون احتياطيا ويتم تمديد فترة اعتقالهم وبعد انتهاء التحقيق، وإحالة القضية على المحكمة يتم الحكم ببراءتهم أو تتم إدانتهم ويحكم عليهم بمدد أقل من المدة التي قضوها رهن الاعتقال الاحتياطي.وخلص يوسف وهابي إلى أن قضاء التحقيق بالمحاكم الابتدائية لم يقدم أية إضافة نوعية للعدالة الجنائية، بل غالبية القضايا التي تحال على التحقيق يتم فيها استنساخ البحث المنجز من طرف الضابطة القضائية خلال مرحلة البحث التمهيدي ، ويتم فيها استنطاق المتهمين والاستماع إلى المشتكين والشهود بشكل سطحي دون أي مميزات تجعل قضاء التحقيق يترك بصمته الخاصة على ملف القضية. وأنه آن الأوان للتفكير في إنهاء تجربة قضاء التحقيق أمام المحاكم الابتدائية أو على الأقل تقليص نطاقه أمام المحاكم الابتدائية وأمام محاكم الاستئناف انسجاما مع المبادئ الدستورية الجديدة ومع التزامات المغرب الحقوقية على المستوى الدولي، إن التوجهات الجديدة التي أقرها المشرع المغربي من خلال تمديد إلزامية التحقيق ليشمل حوادث السير المميتة حسب المادة 137 من مدونة السير هو توجه غير مدروس، ولا يخدم العدالة الجنائية سواء على مستوى حقوق المتهمين أو ضحايا حوادث السير، فضلا عما يتسبب فيه من تراكم للقضايا وإغراق قضاء التحقيق بها دون أية فائدة . المصطفى صفر

وهابي: الحاجة إلى إلغاء قضاء التحقيق الابتدائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كرونولوجيا إحداث مؤسسة قاضي التحقيق بالمحاكم الابتدائية

مطالب حقوقية بعدم إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق

مقالات ذات صلة