تجاهل الضمانات القانونية أفرز أزمة بالسجون

من أهم التساؤلات التي تفرض نفسها بشكل متزايد هو: هل استطاعت سياسة الاعتقال في الجنح البسيطة، سواء أكان اعتقالا احتياطيا، أو تنفيذا لعقوبة سالبة للحرية، أن تصد الوتيرة المتصاعدة في معدلات الجرائم البسيطة وأن تقلل حالات العود الى ارتكابها؟ واذا كانت الإجابة هي لا ، فإن تساؤلات موازية تطرح في سياق مقابل، لماذا يتم الإصرار عن قصد أو بشكل عفوي عن الاستعاضة عن أسلوب الاعتقال ببدائل اخرى تواكب السياقات المستجدة في عالم التوجهات الجنائية المقابلة؟ والأهم من ذلك لماذا لحد الآن تجهل المعايير الموضوعية والقانونية المعتمدة والمتحكمة في تحديد مصير حالات الأفراد اثناء تقديمهم أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو حتى أمام قضاء الحكم. فأفراد يقدمون في حالة اعتقال رغم توفر كافة ضمانات الحضور سواء المالية منها أو الشخصية أو الوظيفية، بينما يمتع آخرون في مثل الحالات أو أكثر خطورة بمتابعة أو إحالة أمام قضاء التحقيق أو أمام الهيأة القضائية في حالة سراح؟ ولماذا تتباين توجهات العمل القضائي بهذا الصدد بين محكمة وأخرى، ففي الوقت الذي نعاين محاكم اعتادت على أسلوب الاعتقال بشأن جرائم محددة، نجد أخرى تكتفي بأساليب بديلة وعلى رأسها الكفالات المالية، وهو أمر أدى في نهاية المطاف إلى ميلاد مجموعة من التراكمات السلبية عكست وضعا قاتما يسير في اتجاه معاكس لتوجهات المشرع في ميدان الجريمة، سيما ما تعلق منها بظاهرة الجرائم البسيطة، والدليل على ذلك الإحصائيات الميدانية المكلفة برصد وتتبع مسار الظاهرة الإجرامية في الجنوح البسيط، أما مظاهر هذا الإخفاق فتبدو جلية في مجالات عدة كارتفاع معدلات الجريمة البسيطة وتكرار حالات العود الى اقتراف هذه العينة من الجرائم، وتجريد العقوبة السالبة للحرية من دورها الإصلاحي في الجنح البسيطة، وموقعتها كعامل مشجع على الانحراف البسيط، ثمفقدان الثقة في جهاز القضاء كإطار مؤسساتي حمائي وتنموي بالدرجة الأولى، بلجوئه المكثف إلى سياسة العقوبات السالبة للحرية وإغفال البدائل الموازية لها، علما أن الأمر يتعلق بجرائم بسيطة غالبا ما يلجأ إليها من طرف جانحين أو أحداث بالصدفة، الأمر الذي يعطي الانطباع بانحياز السلطة التقديرية لتنصيصات صك الاتهام، عوض توظيف السلطة المذكورة مراعاة لوضعهم الاجتماعي.فالعقوبة السالبة للحرية في الجنح البسيطة، عادة ما تتميز بليونتها وأمدها الزمني القصير، وتلك وضعية شاذة تفرز تأثيراتها السلبية على مستويين، أولهما أن هذه المدة غير ملائمة أو كافية للمؤسسة السجنية لتطبيق بنود برنامجها الإصلاحي أو التهذيبي لصالح المعتقل المدان أو استفادته من استراتيجية إعادة الإدماج التي تنهجها هذه الأخيرة، والتي أثبتت التجارب الميدانية أنها موجهة بالأساس إلى العقوبات طويلة الأمد. من جهة أخرى تتمثل هذه التأثيرات في النتيجة الحتمية لاحتكاك المجرم المدان من أجل جريمة بسيطة مع محترفي المعاقل السجنية، وهو الأمر الذي يجعله مؤهلا وبامتياز لكسب سلوكيات أكثر انحرافا وتوفر أمامه بالمقابل فرص سانحة للعود الى اقتراف الفعل الجرمي.فتركيز عنصر الاعتقال والإدانة الحبسية النافذة لمعالجة ظاهرة الجنوح البسيط، ساهم في خلق نوع من الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية يفوق طاقتها الاستيعابية، الأمر الذي يعيق الوظيفة المنوطة بهذه المؤسسات ويحور دورها كأداة لإصلاح وتقويم السلوك الإجرامي وإعادة الإدماج ليجعلها مجرد إطار مؤسساتي للسهر على تنفيذ العقوبة، وهذا التصور يفرع الدور الإصلاحي لهذه المؤسسات من محتواه، ويعطي الانطباع أن السجن مجرد آلية انتقامية أو ردة فعل معاكسة، لسلوك مخالف للقاعدة القانونية. إن مظاهر هذه الاخفاقات تدعو بشكل ملح الى تظافر جهود جميع المؤسسات الفاعلة في هذا المجال بتنسيق وشراكة مع الفاعلين في المجتمع المدني من أجل إقرار حلول افتراضية وإيجاد آليات موضوعية وفاعلة في وقت واحد من أجل الخروج بظاهرة الجريمة البسيطة بالمغرب من الوضع المتأزم الذي تتخبط فيه. المصطفى صفر

تجاهل الضمانات القانونية أفرز أزمة بالسجون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أسرار "الحب الجارف" بين بوتفليقة والقذافي

بكار: لا توجد مقاييس مضبوطة في تقدير مبلغ الكفالة

مقالات ذات صلة